|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السيد المسيح ومواجهته لليهود أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق قال السيد المسيح لليهود: “أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم” (يو8: 23). من المعروف طبعاً أن السيد المسيح قد اتخذ من العذراء مريم طبيعة بشرية كاملة جسداً وروحاً بلا خطية وبدون زرع بشر. ولكن هذه الطبيعة البشرية التى اتخذها لم تنزل من السماء بل تم تكوينها من العذراء مريم بالكامل، بفعل الروح القدس. فلماذا يقول السيد المسيح لليهود: “أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق”؟ السبب الأول فى ذلك: أن السيد المسيح لم يكن ناسوتاً فقط، بل كان ناسوتاً متحداً باللاهوت، ومعلوم طبعاً أن الابن الوحيد هو مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته. ولذلك قال لليهود: “الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو8: 58). وبالطبع فإن شخص السيد المسيح كائن قبل كل الدهور بلاهوته. وهو حينما تجسد، لم يتخذ شخصاً من البشر ليسكن فيه، بل هو هو نفسه بنفس شخصه قد اتخذ طبيعة بشرية وصار إنساناً لأجل خلاصنا. لذلك فحينما يقول كلمة “أنا” فإنه يتكلم عن شخصه الواحد الوحيد كقول القديس أثناسيوس [ لقد جاء كلمة الله فى شخصه الخاص The Word of God came in His own Person] وهذا الشخص الواحد الوحيد مرتبط أولاً وقبل كل شئ بطبيعته الإلهية، وحتى حينما أتى وتجسد من مريم العذراء فإنه ظل هو ابن الله الوحيد، كما نقول فى التسبحة {لم يزل إلهاً؛ أتى وصار ابن بشر؛ لكنه هو الإله الحقيقى؛ أتى وخلصنا} (ثيئوطوكية الخميس). وقال القديس بولس الرسول: “وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد” (1تى3: 16). والسبب الثانى هو: كون اليهود يحبون العالم ويتمسكون به، فإنه يجعلهم من أسفل لهذا قال السيد المسيح عن تلاميذه القديسين: “ليسوا من العالم، كما أنى أنا لست من العالم” (يو17: 16). وقال لهم: “لو كنتم من العالم، لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم” (يو15: 19). فبالرغم من ولادة التلاميذ من أبوين بحسب الجسد إلا أنهم بولادتهم الثانية من فوق سوف ينطبق عليهم قول السيد المسيح أن “المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح” (يو3: 6). وليس معنى ذلك الكلام أن تلاميذ المسيح سوف يفقدون أجسادهم بالميلاد الفوقانى، ولكن سوف يسلكون بالروح وتكون اشتياقاتهم روحية سمائية غير خاضعة لشهوات الجسد الباطلة. لذلك قال معلمنا بولس الرسول: “إذاً لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.. فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون، ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح يهتمون. لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام” (رو8: 1، 5، 6). لقد قدّم السيد المسيح نفسه قدوة للوضع المثالى لحياة الإنسان. وطالب تلاميذه أن يتبعوا أثر خطواته حاملين الصليب منكرين ذواتهم ليتمكنوا من السلوك بحسب الروح بمعونة من الروح القدس، وبهذا يتأهلون لميراث ملكوت السماوات. وقد شرح القديس يوحنا الإنجيلى أيضاً هذا المفهوم بقوله: “أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أى المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يو1: 12، 13). بالطبع فإن القديس يوحنا يتكلم عن الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس، وذلك بالنسبة للمؤمنين بالمسيح. وهذا على سبيل عطية النعمة. أما بالنسبة للسيد المسيح شخصياً فقد ولد من العذراء مباشرة كابن لله، كما قال الملاك للعذراء مريم “القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لو1: 35). والسيد المسيح باعتباره الله الكلمة له ميلاد واحد بحسب إنسانيته وهو ميلاده من العذراء مريم. ولكن له ميلاد آخر ينفرد به وحده وهو ميلاده بحسب لاهوته من الآب قبل كل الدهور. لذلك دُعى السيد المسيح “ابن الله الوحيد” وليس “ابن الله” فقط. وقد قال السيد المسيح فى حديثه مع نيقوديموس عن الفداء: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16). إن بنوة السيد المسيح للآب السماوى هى بنوة طبيعية، أما بنوتنا نحن فهى بالتبنى على سبيل النعمة. وحينما ولد السيد المسيح من العذراء مريم فقط، ظل هو الابن الوحيد الذى لم يولد من العذراء مريم آخر سواه فى تجسده الفريد باعتباره الله الكلمة المتجسد الذى نمجده فى كل رفع بخور وقداس فى صلواتنا الكهنوتية قائلين: {يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد بأقنوم واحد نسجد له ونمجده} (الأرباع الخشوعية التى يقولها الكاهن بين الخورس الأول والثانى فى رفع البخور). ” فتشوا الكتب ” (يو5: 39) حدثت مواجهات كثيرة بين السيد المسيح واليهود، لخّصها القديس يوحنا الإنجيلى فى عبارته المشهورة “إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله” (يو1: 11). وقال السيد المسيح عن موقف اليهود الرافضين له: “هذه هى الدينونة إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة” (يو3: 19). أى أن رفض اليهود لرسالة السيد المسيح كان نابعاً أساساً من محبتهم للمال أو محبتهم للعالم، أو محبتهم لذواتهم، أو محبتهم للشهوات الجسدية، أو لغرورهم أو لكبرياء قلوبهم، أو لمحبتهم للسلطة، أو محبتهم للمجد العالمى، أو لرغبتهم فى إثبات بر أنفسهم، أو لرغبتهم فى مملكة أرضية ترضى تطلعاتهم الزمنية، أو لعدم اكتراثهم بحاجتهم للخلاص من عبودية الشيطان والخطية، أو لعدم إيمانهم بالقيامة من الأموات أو بالحياة الأبدية، أو من بعض أو كل هذه الأسباب مجتمعة. لهذا قال السيد المسيح لليهود: “أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء” (يو8: 44). كان اليهود يتكلمون على أنهم أبناء إبراهيم، ويتكلمون على أن موسى هو نبيهم وعلى الأسفار المقدسة التى كتبها لهم؛ أى على التوراة وباقى أسفار العهد القديم التى كتبها الأنبياء. بل كانوا يتكلمون على أن الله هو أباهم الواحد. وقد رد السيد المسيح على كل هذه الأشياء موضحاً لهم أنها كلها كان المفروض أن تقودهم إلى الإيمان به وبرسالته، ولهذا فأنها ستشهد ضدهم لأنهم لم يؤمنوا به. فحينما قالوا للسيد المسيح إن إبراهيم هو أبوهم، رد عليهم بقوله: “لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم” (يو8: 39). وحينما قالوا له: “لنا أب واحد وهو الله” (يو8: 41). رد عليهم بقوله “لو كان الله أباكم لكنتم تحبوننى” (يو8: 42). وبالنسبة لاتكال اليهود على أن لديهم التوراة وباقى الأسفار الإلهية، ويفتخرون بذلك قال لهم السيد المسيح: “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى التى تشهد لى. ولا تريدون أن تأتوا إلىّ لتكون لكم حياة” (يو5: 39، 40). ونظراً لافتخارهم بأن نبيهم موسى الذى استلم الوصايا العشر وكتب التوراة أى الشريعة الإلهية، قال لهم السيد المسيح: “لا تظنوا أنى أشكوكم إلى الآب. يوجد الذى يشكوكم وهو موسى، الذى عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى. لأنه هو كتب عنى. فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك، فكيف تصدقون كلامى؟” (يو5: 45-47). وقال لهم أيضاً: “أليس موسى قد أعطاكم الناموس وليس أحد منكم يعمل الناموس، لماذا تطلبون أن تقتلونى؟!” (يو7: 19). |
|