|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: [2] يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن صمت الأصدقاء طوال الأسبوع يكشف عن هول ما حدث، وأنهم لم يكونوا قادرين أن ينطقوا بكلمة ما لم يبدأ هو أولًا بالحديث. لَيْتَهُ هَلَكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيه،ِ وَاللَّيْلُ الَّذِي قَالَ: قَدْ حُبِلَ بِرَجُلٍ! [3] غالبًا ما كان أيوب ملكًا أو رئيسًا، وكان يوم ميلاده يومًا يعتز به الشعب، لذا اشتهى لو مُحي هذا اليوم، وطُرح في بحر النسيان، حيث صار منظرًا للبؤس والشقاء. * عرف أيوب أن ولادته هي بداية لكل الويلات، لهذا اشتاق لو هلك ذلك اليوم الذي فيه وُلد حتى يُنزع أصل كل المتاعب. لقد اشتهى أن يهلكك يوم ميلاده لكي يتقبل يوم القيامة. فقد سمع سليمان قول أبيه: "عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي، فأعلم كيف أنا زائل". (مز 4:39) فقد عرف داود أنه لا يمكن الاستحواذ على ما هو كامل هنا، لهذا كان مسرعًا نحو الأمور العتيدة. الآن نعرف بعض المعرفة، لكن سيكون ممكنًا نوال الكمال عندما تبدأ الحقيقة - لا الظل - للعظمة الإلهية والأبدية أن تشرق، فنراها بوجه مكشوف (1 كو 12:8)(157). * لقد سحبتنا اللذة الجسدية والمتعة في هذا الحياة، وصرنا نخشى أن نكمل هذه الرحلة التي سيكون فيها مرارة أكثر منها مسرة. أما القديسون والحكماء فرثوا طول العمر في هذه الرحلة، إذ حسبوا الانطلاق ليكونوا مع المسيح أكثر مجدًا (في 1: 23). إنهم لم يلعنوا يوم ميلادهم كما فعل أحدهم: "ليته هلك اليوم الذي وُلدت فيه" (أي 3: 3)(158). القديس أمبروسيوس * هذا ما قاله أيضًا الكارز (الجامعة): "فغبطت أنا الأموات الذين قد ماتوا منذ زمان أكثر من الأحياء الذين هم عائشون بعد" (جا 4: 2)... إنها كلمات تُعلن عن نفسٍ مثبطة الهمة ومتأثرة للغاية. إذ يقول داود أيضًا: "قلت في حيرتي (خوفي الشديد)..." (مز 31: 22)... وفي عبارة أخرى: "وأنا قلت في طمأنينتي لا أتزعزع إلى الأبد" (مز 30: 6). هذا أيضًا ما قاله أيوب في حزنه. ألا ترون يا أحبائي أن الذين يصيبهم أذى يصدرون صرخات قوية؟ هل تلومونهم؟ لا بل نعفو عنهم! فلو أنهم لم يُعبِروا عن أنفسهم بهذه الوسيلة يبدو كما لو كانوا لا يشتركون في الطبيعة البشرية. أما تسمعون موسى يقول: "إن كنت تفعل بي هكذا فاقتلني قتًلا" (عد 11: 15)... لا تصغوا إلى الكلمات مجردة، بل ابحثوا عن أساس الفكر. فقد سمعتم أن أيوب "لم يخطئ بشفتيه" (أي 2: 10)، لكنه لم يخطئ حتى بعدما نطق بتلك الكلمات. ها أنتم تسمعون الله نفسه يقول مرة أخرى: "أتعتقد إني أسلك معك بطريقٍ آخر سوى أن أعلن برّك؟" (أي 40: 3 LXX ) القديس يوحنا الذهبي الفم * ربما تقولون إن الله هو خالق العالم وبانيه (عب 11: 10) [فلماذا لا نحب العالم؟]إنكم تتكلمون بالحق. لكن حاملي الله يستهينون بالعالم، ليس العالم الذي خلقه الله من العناصر، والذي شكَّله، بل ذاك نحن صنعناه بسلوكنا - إنه عالم مختلف، فاسد، والذي جعلنا العدو المخادع رئيسه (يو 12: 31؛ 14: 30؛ 16: 11). هذا ما يؤكده الرب بدقة، إذ قال هذا لتلاميذه: "لأن رئيس هذا العالم يأتي، وليس له فيَّ شيء". (يو 14: 30) إنه ليس بدون سبب يقول: "رئيس هذا العالم"، بل قال هكذا لكي لا تظن أنه يتحدث عن هذه الخليقة المنظورة، فإن عدونا ليس رئيس هذا العالم، والخائن ليس له أدنى سلطان على العناصر. بأي معنى يقول: "رئيس هذا العالم يأتي"، سوى العالم الذي نصنعه نحن لا حسب مشيئة الله، والذي به نعطي أساسًا لعدم الإيمان والعصيان والفوضى وكل أنواع الخطايا؟ إلى هذا العالم يشير بولس بوضوح طبقًا لكلمة الرب، إذ يقول في رسالته إلى أهل أفسس: "وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا، التي سلكتم فيها قبلًا حسب دهر هذا العالم، حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" (أف 2: 1-2). هكذا نحن شكَّلنا عالمًا شريرًا، وفي هذا العالم جعلنا أنفسنا أغنياء عن الآخرين من مصادر فاسدة... الأب هيسيخيوس الأورشليمي * ليقُل: ليته هلك اليوم الذي وُلدت فيه، والليل الذي قال حُبل برجل" [3]، وكأنه يقول: لتهلك البهجة التي تُسرع بالإنسان إلى الخطية، وضعف فكره المتسيب الذي به يصير أعمى كمن قد بلغ إلى الظلمة الموافقة على الشر. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|