|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زوجة أيوب تجربه "فَقَالَتْ لَهُ أمْرَأَتُهُ: أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ! جَدِّف(130)ْ عَلَى اللهِ وَمُتْ!" [9]. جاءت الترجمة السبعينية: "وإذ عبر وقت طويل، قالت له امرأته: إلى متى أنت تحتمل، قائلًا: ها أنا انتظر قليلًا متوقعًا الرجاء في خلاصي!" [9 (أ)] جاء أيضًا في الترجمة السبعينية أن امرأة أيوب كانت تجول من بيتٍ إلى بيتٍ لعلها تجد ملجأ تأوي فيه. يرى بعض اليهود أن زوجة أيوب هي دينة ابنة يعقوب. اعتاد العدو أن يضرب المؤمنين بأهل بيتهم، كما فعل مع آدم مستخدمًا حواء، وداود مستخدمًا زوجته ميكال التي هزأت بداود رجلها، بل وأراد أن يستخدم بطرس الرسول ليضرب به السيد المسيح عندما تحدث عن الصلب فقال له: "حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا" (مت 16: 22). فالتفت وقال لبطرس: "اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (مت 16: 23). عبرَّ البار أيوب عن نظرة امرأته إليه، فقال: "نكهتي مكروهة عند امرأتي، وخممت (صرت نتنًا) عند أبناء أحشائي" (أي 19: 17). * لم يترك له الشيطان شيئًا سوى لسانه وزوجته. فبزوجته يجربه، وبلسانه يمكنه أن يجدف. لم ينسَ الشيطان خداعه القديم الذي به خدع آدم خلال امرأة، لذلك هاجم أيوب خلال زوجته، حاسبًا أنه قادر على الدوام أن يخدعه بامرأة، غير مدركٍ أنه إن كان رجل واحد قد جُرح جرحًا مميتًا بامرأة، الآن العالم كله قد خلص خلال امرأة. أنتم تذكرون حواء، تأملوا في مريم. الأولى طردتنا خارج الفردوس، والأخيرة قادتنا (بالمسيح ابنها) إلى السماء(131). القديس جيروم *"وإذ عبر وقت طويل" (أي 2: 9 LXX)... لقد استبقى الروح العبارات واضحة تمامًا لمنفعتنا، إذ لم يعلن عن طول هذه المدة. فلو أنه أوضح الشهور والسنوات، فإن الذين يُوضعون تحت التجربة في المستقبل يُحبطون قبل بلوغهم نهاية المدة. فيُحسبون الليالي والساعات، ويركزون على هذا الزمن. يسقط كل منهم في اليأس الشديد بأن يد الله لم تتدخل، وأنه لم ينل عونًا من السماوات كما نال أيوب في وقتٍ محددٍ. في الواقع قال الروح: "وقت طويل". قد عبَّر هكذا لكي تعرف أن أيوب وُجد أقوى، لا من المرض والقروح الكثيرة فقط، بل ومن الزمن. لقد صارع لزمنٍ طويلٍ في عذاباتٍ ومتاعبٍ جسديةٍ، ومع هذا بقي لا يٌقهر في المعارك. بهذا يعزينا الروح أنه مهما طال زمن التجربة لا يضعف قلبنا، فإن يد الله تحل وتكون يمينه لحسابنا (مز 35:18)، فقد خلص أيوب من أتون التجربة بعد زمنٍ طويلٍ. * إذ لم يجد الخصم أن المقاتل قد لان، جند زوجته. ربما قال في نفسه: هذا الشخص (أيوب) لن يكون أقوى من آدم. إن كان غنيًا، لكن ليس لديه "فردوس الله" (كآدم في الجنة). ومع أنه بار، لكنه لم يحرز "شجرة الحياة". ومع أنه تقي، لكن آدم تمتع بالحوار مع الله. هذا الشخص (أيوب) لديه مواشٍ كثيرة، أما آدم فكل حيوانات الأرض خضعت له. لهذا إن كنت قد استطعت أن أفقده هذا خلال حواء زوجته، ربما هذا لا يقدر أن يقاوم هجمات زوجته. بهذا الفكر أثار الشيطان زوجة أيوب ضده. الأب هيسيخيوس الأورشليمي القديس أغسطينوس * تصور أنك فقدت ثروتك التي بسببها كنت مشهورًا. نفس الأمر إن كنت قد حُرمت من نصيبك في الأبناء، كيف يمكن أن تبقى ذكراك على الأرض بعد ذلك الحين؟ خيراتك قد سُرقت، ومقتنياتك قد دُمرت، لم يعد بعد يوجد أبناء، ولم تبقَ بعد بنات، ولن يكون أطفال (أحفاد) إذ فُقد الأبناء. (كأن زوجة أيوب تقول لزوجها): باطلًا قد زرعت حقل رحمي. أنت نفسك قد حُرمت مما قد غرسته، أما أنا أيضًا فقد فقدت ثمر أحزاني وتعب ثدييَّ، وخبرة رحم النساء الحوامل، آلام الطلق التي لا تُحتمل، والتي تحسب كذكرى رهيبة. إذن، هل هو حزن واحد أم أحزان كثيرة...؟ لقد بلغ الموت أبناء رحمي، وهلكت ثمرة جسمي في الهاوية. هل يمكنني أن أترجى أن أحبل بأطفالٍ آخرين؟ كيف؟ أين؟ فإن الزارع الذي هو أنت قد تدمرت وهلكت، وصرت أنت نفسك طعامًا للهوام. الأب هيسيخيوس الأورشليمي * انظروا كيف حاولت ببلاغتها أن تبلغ حتى النهاية. فإن لديها كثرة من الحجج تقنعه بها. من جهة طول الزمن، إذ لم يعبر يوم ولا اثنين ولا ثلاثة أيام، بل عدد كبير من الشهور. إلى متى تحتمل...؟ لاحظوا الخدعة الشيطانية، فقد فكر في حواء. يقول: ها أنتِ التي جعلتِ الإنسان الأول يسقط يمكنكِ أن تنهي حياة أيوب. لكنها كانت غبية وفقيرة، إذ وجدت آدم غير قادرٍ أن يتغلب على ضعفه، استطاعت أن تضع السم في طعامٍ صالحٍ. ها أنتم ترون أيوب - على النقيض - كان إنسانًا حكيمًا منتصرًا حتى على طبيعته... فلا تظنوا إذن أن الأمر خاص بالمرأة أو توصياتها... الآن اقترح علي شعبنا ألا يضعوا في الاعتبار كرامة الأشخاص، بل بالحري طبيعة النصيحة. فالمرأة جاءت لتعين الرجل لا لتكون عثرة له... إنه يتوقع تغيرًا، شيئًا يدل على إيمان سليم ورجاء نبيل، إنه يعرف حنو الله. هكذا وُضعت الخطوط الرئيسية لأساس شقاوتها. إنها لم تقل: "قد ماتوا" حسب التعبير الجاري للإشارة عن الحزن العام بين كل البشر، فإنها لم تستخدم التعبير العادي. إنما ماذا قالت؟ "لقد مُحي ذكرك..." في رأيي قد أرادت أن تبرر عنف المحنة بنطقها هكذا. هذا ما أرادت أن تقول له: "أي نوع من التغيير تترجى أن يحدث؟ هل يمكن أن تعود إلى ما كنت عليه بعد كل ما حدث، لأن ما قد تلاشى تمامًا هل يعود إلى الحياة؟ فإننا نرغب في أطفال، غالبًا لكي ما يمدوا ذكرنا بطريقة لا تزول. بالتأكيد أن أهم شيء يطلبه البشر هو أن يتركوا ذكريات بعدهم. تقول له: إنك أنت نفسك ميت بفقدانك أبنائك، فبدون ذرية وبدون أطفال أنت تبيد. لاحظوا إلى أي مستوى قدمت هذه المشورة الرهيبة، لا لتحثه على الغضب، وإنما لتنحرف به إلى رثاء ذاته... تقول: ليلًا ونهارًا لا تجد من يشاركك سقف بيتك، ليس من يواسيك، ليس من يشفق عليك، ليس من يشاركك آلامك... يا لها من شقاوة! ليس من يشفق على زوجته، ولا يهدئ من ظروفها، والتي كانت في صحبة الملك صارت عبدة تعيش في العراء تحت النجوم..." فإنني بدون بيت ولا مدينة، ولا منزل، أجول في المدينة... ليس من بيتٍ واحدٍ يخفف من عار حالي، وفي كل موضع أتقبل سخرية وإهانة من العامة". لم تقل له: "جدف"، بل قالت: "العن الله..." لماذا؟ هكذا أنت تعرف أنك إذ تفعل هذا تموت، أما عن موتي فأية تعزية يمكن له أن يجلبه عليك؟ أي تصحيح للوضع بموتي...؟ ماذا تقولين يا امرأة؟ عندما يتطلب الأمر أن نرجو الله ليهب خيرات، عندما يلزم الأمر استعطافه تستعدين أن تثيريه! إن كان الله هو مصدر هذه المتاعب، فالأمر يتطلب التوسل إليه لا التجديف عليه. ومن جانب آخر، إن كان ليس هو مصدرها، فلا يُجدف عليه! القديس يوحنا الذهبي الفم لاحظ السلطان الذي أُعطي للخصم بواسطة الرب لمحاكمته (أي 1:2-6). ومع أنه شعر بأن سهام الرب كانت في جسده، وقال إنها قد اخترقت جسمه (أي 4:6)، إلا أنه كمصارعٍ صالحٍ لم يستسلم للألم، ولا رفض صعاب الصراع بل استمر. "وإذ قد بدأ الرب، فليجرحني، لكن لا تطعني (تهلكني) في النهاية، لأنه ما هي قوتي حتى أصمت (انتظر)؟ وما هي نهايتي حتى تحتمل نفسي؟ هل قوتي قوة الحجارة، وهل لحمي من نحاس؟ أليس لي اتكال عليه؟ لكن المعونة تركتني، وافتقاده قد احتقرني" (أي 9:6، 11-14 LXX)(134). القديس أمبروسيوس هذا هو بالحقيقة السبب لماذا لم يدمرها الشيطان مع الأبناء، ولم يطلب موتها، إذ توقع أنها ستساهم بالأكثر في إسقاط الرجل القديس في الفخ. لذلك تركها كنوعٍ من الأداة المرعبة في يده. لقد قال: "إن كان حتى في الفردوس طردت البشرية بواسطتها، كم بالأكثر أستطيع أن أطرحه وهو على المزبلة!"(135) * كان المبني هو عينه (ذاك الذي على الصخر، وذاك الذي على الرمل) والتجارب هي عينها، لكن النهاية ليست عينها، لأن الأساس مختلف. حدث سقوط المبنى بسبب غباوة البنَّاء وليس بسبب طبيعة التجارب،... لا تظن أن هذه الأمور قيلت عن مجرد المبنى، إنما الحديث يخص النفس، مؤكدًا أن بأعمالها تسمع الكلمة الإلهية أو ترفضها. هكذا بنى أيوب نفسه. نزل المطر، لأن نارًا نزلت من السماء والتهمت كل قطعانه، والفيضانات حلت، حيث جاء إليه الرسل المخبرين بالكوارث بالتتابع بطريقة مستمرة يخبرونه عن دمار قطعانه، وجِمَاَله وبنيه. وهبت الريح، الذي هو كلمات زوجته المرة، قائلة: "العن الله ومت". ومع هذا لم يسقط المنزل. نفسه لم تهتز من مكانها، والبار لم يجدف، بل شكر الله، قائلًا: "الرب أعطى، الرب أخذ، ما يحسن في عينيه يفعل(136)". القديس يوحنا الذهبي الفم جاء محضرًا معه ابنة حواء التي أغرقت آدم، وخلال فمها قال لأيوب، الزوج البار: "العن الله"، لكن أيوب رفض المشورة. أيضًا انتصر الملك آسا على المأبونين من الأرض عندما جاء إليه (الشيطان) ليحاربه خلال أمه (1 مل 15: 12-13). عرف آسا مكره، وخلع أمه من مركزها المرتفع (ملكة)، وقطع تمثالها وطرحه. يوحنا كان أعظم من كل الأنبياء، لكن هيرودس ذبحه من أجل رقصة ابنة حواء (مت 11: 11، 14إلخ). هامان كان غنيًا، الثالث في الكرامة من الملك، لكن أشارت عليه زوجته أن يقتل اليهود (أس 6: 13). زمري كان رأس سبط شمعون، إلا أن كزبي بنت رئيس قبائل ديان طرحته، ومن أجل امرأة واحدة سقط في يوم واحد أربعة وعشرون شخصًا من إسرائيل (عد 25: 6-15)(137). القديس أفراهاط أَألْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟ فِي كُلِّ هَذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ" [10]. * كان أيوب في ساعات حزنه أكثر حذرًا من آدم في عرش سعادته. واحد انهزم وسط المسرات، والآخر غلب وسط الآلام. واحد وافق على ما يبدو ممتعًا، والآخر لم يذبل في الآم غاية في الرعب... لقد احتمل في جسمه ألمه، واحتمل في قلبه أخطاء الآخرين، موبخًا زوجته على غباوتها، معلمًا أصحابه الحكمة، محتفظًا بالصبر في كل الأحوال(138). القديس أغسطينوس انسبوا التأديب لإلهكم مباشرة، لأن الشيطان لا يفعل شيئًا بدون سماح من ذاك الذي يدبر أموركم بقوة سلطانه، سواء للعقوبة أو التعليم؛ للعقوبة بالنسبة للأشرار والتعليم للابن. "فإنه يجلد كل ابن يقبله" (عب 12: 6). أنتم تحتاجون ألا تهربوا من العصا، اللهم إلا إذا لم تريدوا أن ترثوا(139). * عندما تغطي جسمه بالقروح جاءته امرأته التي تُركت له كحواء أخرى، لتكون زميلة الشيطان عوض أن تكون معينة لرجلها. كانت توبخه دومًا وبشدة لتهز ولاءه قائلة: "قل كلمة ضد الله ومت". لكن آدم الذي على المزبلة كان أكثر حكمة من آدم الذي كان في الفردوس. آدم في الفردوس أعطى أذنه للمرأة، ليطردا من الفردوس. وآدم على المزبلة طرد المرأة جانبًا فقط لكي يدخلا الفردوس. وماذا كان لآدم الذي على المزبلة؟ من الداخل يلد خلودًا، من الخارج كان طعامًا للدود. ماذا قال لزوجته؟ "تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. أألخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل؟" (أي 2: 10). إنه يكرر بأنه يد الله عليه حينما كان الشيطان يضرب، لأنه لم يتطلع إلى من يصوب إليه الضربة، بل إلى ذاك الذي أعطاه السلطان. فإن الشيطان نفسه بدوره دعا ذاك السلطان الذي شحذه من يد الرب(140). القديس أغسطينوس لهذا السبب عندما يوبخنا الرب، عندما يؤدبنا، يلزمنا ألا نكون جاحدين. لندرك أن توبيخنا في الوقت الحاضر إذن لكي ننال تعزية في المستقبل. وكما يقول الرسول: "إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب، لكي لا نُدان مع العالم" (1 كو 11: 32). لهذا السبب قبل أيوب أيضًا بإرادته كل آلامه قائلًا: "أألخير نقبل من عند الله، والشر لا نقبل؟"(141) العلامة أوريجينوس * الزوجة صلاح عظيم كما أيضًا يمكن أن تكون شرًا خطيرًا. فإن الزوجة عظيمة؛ لاحظوا من أية نقطة أراد الشيطان أن يدخل خلال السور القوي(143). القديس يوحنا الذهبي الفم * بمعنى: إنك لا تتكلمين بما يليق بكِ، ولا بتعليمكِ، ولا بالبنية التي تقبلتيها مني. هذه الكلمات لا تليق بكِ. لم يرد أن يوبخها بعنفٍ، بل أن يردها عن هذا التفكير الفاسد. "إن كنا نقبل الخيرات من يد الله، ألا نحتمل الشرور؟" بمعنى إن كان بالحق ليست هذه الأمور إلا شرورًا فلنتحملها. إنه الرب والسيد، أليس لديه سلطان على كل شيء يرسله علينا؟ لماذا أعطانا خيرات؟ ليس عن استحقاق من جانبنا. ليتنا لا نقلق بعد اليوم بالتفكير أننا نتألم عن عدم استحقاق. إنه حر تمامًا، حتى إن قدم لنا فقط الشرور. إن كان يقدم لنا أيضًا الخيرات، فلماذا نشتكي؟ لاحظوا إنه لم يتكلم قط عن معاصي، ولا عن أعمال صالحة، إنما تكلم فقط عن الله صاحب السلطان أن يفعل ما يشاء. تذكري خيراتك السابقة فلا تجدي صعوبة في احتمال المشاكل الحالية. يكفي لنا لكي نتعزى أن ندرك أن الرب قد أرسلها إلينا. لا تتحدثي عن عدالةٍ أو ظلمٍ. القديس يوحنا الذهبي الفم * ألا نقدم صبرنا ذبيحة مقبولة (رو 1:12) خلالها نستعيد ما فقددناه، وننال بركات أخرى أكثر منها؟ * "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه". هل سلم الله أيوب لهذا الصراع باطلًا؟ ألم يعرف بالحق مقاتله؟ ألم يعرف الملك جنديه...؟ أما بالنسبة لنا، فلنتمثل بصبره. لنحارب بدماثة، لنمارس صبره، ونعادله في ثقته بالله. لنتشكل حسب إيمانه دون فشل، ولنكن ثابتين في روحه، في صدق كلماته، في صراعه مع عدوٍ غير منظورٍ، في عزلته، وفي تجاربه، في هدوئه، في مواجهة كل ما يثور، لنبقى أقوياء وموطدي العزم. في كل الآلام لنكن أتقياء ونتمم امتحاننا. فإننا بهذا نشترك في الأكاليل، ونكون شركاء في نصرته، ويكون الله شاهدًا لبرِّنا. المجد له مدى الدهور آمين. الأب هيسيخيوس الأورشليمي ليسكن فيكم، هذا الذي لا يٌمكن أن يٌغلب، فإنكم حتمًا تغلبون ذاك الذي اعتاد أن يغلب. لكنه يغلِبْ من؟ أولئك الذين لا يسكن الله فيهم. فإنكم أيها الإخوة تعلمون هذا أن آدم في الفردوس احتقر وصية الله، ورفع عنقه، كمن أراد أن يكون سيد نفسه، ونفر من الخضوع لمشيئة الله. هكذا سقط من الخلود والطوباوية. لكن وٌجد إنسان، مختبر باهر، مع أنه قابل للموت بمولده، ومع أنه جلس على مزبلة وفاسد بالدود، غلب الشيطان. نعم، آدم نفسه قد غلب حتى في أيوب، لأن أيوب من جنسه. لقد هُزم آدم في الفردوس، وغُلب على المزبلة. بكونه في الفردوس، أعطى أذنه لاقتناع المرأة التي دخلها الشيطان، أما وهو على المزبلة قال لحواء: "تتكلمين كإحدى الجاهلات". هناك أعارها أذنًا، هنا قدم لها إجابة. عندما كان سعيدًا أصغى، وعندما أٌبتلي غلب. لهذا انظروا ماذا تبع هذا يا إخوتي في الرسالة (1 يو 9:2). لأن هذا ما يجب أن نضعه في قلوبنا إننا نغلب الشيطان حقًا، لكن ليس بذواتنا، إذ يقول: "إن علمتم أنه بار، فاعلموا أن كل من يصنع البرّ مولود منه"(144). القديس أغسطينوس * يقصد بالخير هنا إما عطايا الله الزمنية أو الأبدية، وبالشر ضربات الزمن الحاضر، هذه التي قال عنها الرب بالنبي: "أنا الرب وليس آخر، مصور النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر". (إش 6:45-7) لا يقصد الشر الذي ليس له جوهر بطبيعته أنه مخلوق بالله. بل يُحسب الرب نفسه كخالق الشر (الضيق) عندما يحول الشر إلى عقوبة (أو تأديب)، فتكون هذه الأمور شرًا للعصاة باحتمالهم الألم، وفي نفس الوقت صلاحًا بطبيعتها... إنه عزاء قدير لتجاربنا، متى احتملنا أحزانًا، وتذكرنا عطايا خالقنا لنا... فقد قيل: "في يوم الخيرات لا تنسَ البلايا، وفي يوم البلايا لا تنسَ الخيرات" (سيراخ 25:11). فإن من يتقبل عطايا الله في موسم العطايا ولا يخشى الضربات يسقط بفرحه في تيه فكره، ومن يعاني من العقوبات، ومع هذا ففي موسم العقوبات يتجاهل تعزيته بالعطايا التي كان قد نالها، يسقط من ثبات فكره باليأس من كل جانب. البابا غريغوريوس (الكبير) * كأنه يقول: إن كنا نميل إلى البركات الأبدية، فأي عجب إن كنا نواجه شرورًا زمنية؟ لقد ركز بولس عينيه على هذه البركات باهتمامٍ شديدٍ عندما خضع بفكره للشرور الحالة به. يقول: "فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو 18:8). البابا غريغوريوس (الكبير) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
زوجة أيوب تجربه |
زوجة أيوب فقد تكون أصل الداء |
زوجة أيوب |
ليئة زوجة يعقوب ابو يوسف |
أثار الشيطان زوجة أيوب ضده |