|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
-أنفاس الله- يقول إنجيل معلمنا مرقس: "وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية" (مر16: 12). والمقصود بالهيئة الأخرى أي بخلاف الهيئة التي ظهر بها لمريم المجدلية في البستان وظنته البستاني. وقد ذكر معلمنا لوقا في إنجيله أن السيد المسيح حينما ظهر لهذين التلميذين "أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو24: 16). بمعنى أن عدم معرفتهما له في البداية كان شيئًا مقصودًا بتدبير إلهي. والقصة بدأت كما يلي: كان اثنان من التلاميذ منطلقين في يوم أحد القيامة إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة اسمها عمواس. وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع الحوادث التي واكبت صلب السيد المسيح وما يليها، بما في ذلك ظهور السيد المسيح للمريمات بعد قيامته. "وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه، وكان يمشي معهما، ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو24: 15، 16). لم يشأ الرب أن يظهر بمجده العظيم ويبهر هذين التلميذين، ولكنه ظهر في هيئة بسيطة ورتب أن لا يعرفاه في البداية. "فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به، وأنتما ماشيان عابسين؟" (لو24: 17). وهنا نرى السيد المسيح يسأل في اتضاع عجيب -وهو العالِم بكل خبايا الأمور- ولكنه أراد أن يتبسط في الحديث وينزل إلى مستوى هذين التلميذين، حتى يرفعهما في النهاية إلى مستوى الإيمان اللائق بتلاميذه القديسين. "فأجاب أحدهما الذي اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرب وحدك في أورشليم، ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام؟ فقال لهما وما هي؟" (لو24: 18، 19). ما أعجب اتضاعك يا رب وأنت تحتمل أن ينسب تلاميذك إليك عدم المعرفة كغريب. ثم تسألهما في بساطة ومودة، لكي يخبروك كمن لا يعرف، حتى تنتشلهم من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة الحقيقية.. ولكن حقًا يا رب لقد كنت السماوي المتغرب وحدك على الأرض في أورشليم الأرضية، لكي ترفع مختاريك وأصفياءك للتمتع بمجدك في أورشليم السمائية. احتمل السيد المسيح أن يتكلم عنه التلميذان كمن لا يعرف أموره الخاصة التي حدثت له.. ثم احتمل أن يقولا عنه إنه كان إنسانًا نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول، دون أن يقولا باقي الحقيقة أنه هو هو نفسه ابن الله الحي الكلمة الأزلي المتجسد. ألم يقل قائد المئة الواقف عند الصليب بعد أن سلّم السيد المسيح روحه في يدي الآب "حقًا كان هذا الإنسان ابن الله" (مر15: 39). كانت القيامة هي أقوى دليل على ألوهية السيد المسيح ولهذا احتمل ضعف تلاميذه الذي ظهر بعد الصلب. بل سبق فقال لهم: "كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة" (مت26: 31). كانت تجربة الصلب أقوى من احتمالهم.. وظهر ضعفهم البشري، وأطال الرب أناته عليهم. لم يشك تلميذا عمواس في ألوهية السيد المسيح فقط، بل أيضًا تطرق الشك بهم إلى عمله باعتباره الفادي والمخلّص بحسب قولهما: "ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل" (لو24: 21). وإلى جوار ذلك فقد شكَّا في قيامة السيد المسيح، ولم يصدقا ما سبق فأنبأهم هو نفسه به قبل أن يُصلب عن قيامته، كما أنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. في كل ذلك أظهر السيد المسيح اتضاعًا وحبًا واحتمالًا عجيبًا،وهو الذي كان يسير معهما في الطريق بعد قيامته.. ولكن لأجل خيرهم، وخير الكنيسة كلها، لم يكشف لهما عن شخصه، بل استمر في الحوار العجيب..!! الإقناع أم المعجزات أراد السيد المسيح أن يؤسس كنيسته ليس فقط على صنع المعجزات التي أثبتت ألوهيته، بما في ذلك معجزة القيامة نفسها.. بل أراد أيضًا أن يؤسسها على الإيمان الكتابي، وعلى الحقائق الإلهية المدونة في الأسفار المقدسة "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو70:1). فكثير من المعجزات من الممكن أن يقلدها الشيطان بمعجزات زائفة، كما هو مكتوب عن ضد المسيح: "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس2: 9، 10). ولكن الخلاص الذي صنعه الرب، قد سبق فتنبأ عنه كثير من الأنبياء قبل مجيء السيد المسيح بآلاف السنين، وتحققت هذه النبوات جميعها بصورة لا يمكن تقليدها على الإطلاق. لأن الله وحده هو الذي يعلم المستقبل بهذه الدقة قبل حدوثه بآلاف السنين. وقد كتب القديس بطرس الرسول عن ذلك الخلاص وما قيل عنه من نبوات فقال: "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم. باحثين أي وقت، أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم. إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (1بط 1: 10، 11). لو كشف السيد المسيح عن شخصيته للتلميذين لجاء إيمانهما مبنيًا على رؤية معجزة القيامة.. ولكنه أراد أن يكشف لهما القيامة من خلال الكنوز المخبأة في كلمات الروح القدس المكتوبة في الكتب المقدسة. كانت هذه الشروحات بمثابة محاضرة قيمة جدًا في اللاهوت العقائدي وفي شرح العهد القديم.. وهنا نرى السيد المسيح المعلم الأعظم وهو يفسر الأمور المختصة بالتجسد والفداء في جميع الكتب.. كل ذلك دون أن يكشف للتلميذين عن شخصيته وهو يكلمهما. كان هدف السيد المسيح ليس هو الافتخار بما عمله، بل هو اقتياد التلاميذ إلى معرفة الخلاص والتمتع بأمجاد الحياة الجديدة في المسيح. وهكذا سجّل السيد المسيح في ذاكرة الكنيسة تفسيرًا لاهوتيًا عميقًا لعمله الخلاصي المبني على ألوهيته ومجيئه في الجسد فاديًا ومحررًا للإنسان. "ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد. فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء، وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما. فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما" (لو24: 28-31). في اتضاع عجيب امتثل السيد المسيح لرغبة تلميذيه حينما ألزماه أن يمكث معهما. وبالفعل دخل ليمكث معهما. وعرفاه عند كسر الخبز. وحينما عرفاه اختفى عنهما.. لأنه لم يظهر ليتباهى بقيامته، بل ليقتادهما إلى معرفة حقيقة الخلاص الذي صنعه لأجلهما ولأجل البشرية جمعاء. وقالا بعضهما لبعض: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا، إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟!" (لو24: 32). أشفق السيد المسيح على تلميذيّ عمواس، لأنهما كانا في حزن وألم بعد الصلب. وبحكمة عجيبة استطاع من خلال شرح الكتب المقدسة -أنفاس الله- أن يتدرج بهما من الحزن واليأس إلى الفرح والرجاء.. حتى ارتفعت روحاهما إلى المستوى الذي عاينا به الرب القائم من الأموات بأعين منفتحة تستطيع أن تراه وتعرفه وتشهد لقيامته المجيدة. ليتنا يا رب نصغي لكلامك بقلوب ملؤها الاشتياق إلى معرفة الحق، حتى نستطيع أن نراك بأعين قلوبنا. . |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الكلمة هي أنفاس الله وتعليمه السرِّي |
الله أراد لنـاَ الخَير فيما يشَاء |
أنفاس الله نسمعها بجانب المظلومين |
الكتاب المقدس هو أنفاس الله |
الانجيل أنفاس الله فمن يقرأ الانجيل كمن يتنسم أنفاس الله |