|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قام يسوع من بين الأموات وقائع النص الإنجيلي وتحليله (يوحنا 20: 1-9) 1 وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّةُ إِلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر. تشير عبارة "يوم الاحد" في الأصل اليوناني Τῇ δὲ μιᾷ τῶν σαββάτων (معناها أول الأسبوع) الى يوم الأحد، ويسمى اليوم الثامن بعد نهاية الأسبوع السابق، وهو اليوم الذي أعلن فيه يوحنا الإنجيلي خبر قيامة المسيح. فأخلى الزمن اليهودي المكان للزمن المسيحي الذي يعيش فيه يوحنا الإنجيلي. ومنذ ذلك الوقت اتخذ المسيحيون يوم الأحد يوم راحة تذكارًا لقيامة السيد المسيح، بدل يوم السبت، وسُمِّى "يوم الرب" (رؤيا 1: 10). وفي هذا اليوم تلتقي جماعة المؤمنين كلها بالرب القائم من بين الاموات الذي يدعوهم الى الاحتفال بالإفخارستيا. فجسد المسيح في سر الإفخارستيا هو نفس جسده الذي اجتاز الموت وقام من بين الأموات. ومن هذا المنطلق بدأ زمن جديد لعالمٍ جديدٍ هو الزمن المسيحي؛ أمَّا" مَريمُ المِجدَلِيَّةُ" في الأصل اليوناني Μαγδαληνὴ ( مؤنث لكلمة مجدلة) فتشير الى "مريم التي هي من مجدل". وكلمة "مجدل" تعني باللغة العبرية מַּגְדָּלִ "برج". وبالفعل كان في المنطقة برج أعطى لها هذا الاسم، ربما كان برجًا للحراسة. والمجدل قرية تقع على الشاطئ الغربي من بحيرة طبرية عند مصب وادي الحمام في البحيرة، وتبعد عن مدينة طبريا حوالي 5 كم. ويذكر التلمود أنه كانت توجد مدينة اسمها مجدلة تبعد حوالي 20 دقيقة سيرًا على الأقدام من طبرية. وطرد يسوع من مريم المِجدَلِيَّة سبعة شياطين (مرقس 16: 9) فقامت وتبعت يسوع وساهمت في سد احتياجاته واحتياجات جماعته الرسل (لوقا 8: 2-3)، وثبتت الى النهاية فكانت مع يسوع وقت الصلب (يوحنا 19: 25) والدفن (مرقس 15: 47) وكانت من جملة النساء اللواتي أتين الى القبر ليحنِّطنه (مرقس 16:1). فقد شرَّفها يسوع بأول ظهور له بعد قيامته، كما كلَّفها بأول رسالة تبشير "اذَهبي إِلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم، وإِلهي وإِلهِكُم" (يوحنا 20: 17). ويشير اليها لوقا الانجيلي أنها تلك المرأة الخاطئة التي مسحت قدمي يسوع عند سمعان (لوقا 8: 2). وقد اكتفى الإنجيلي يوحنا هنا بذكر مريم المِجدَلِيَّة ولم يُشر إلى النسوة اللواتي ذهبن معها (لوقا 24:10)، إذ وقفت بجوار السيد المسيح حتى موته على الصليب، وجاءت إلى القبر دون أية اعتبارات لما تواجهه من مصاعب، فحبُّها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت والقبر. وتمتعت بأول أخبار القيامة المفرحة المجيدة: القبر الفارغ! أمَّا عبارة "الظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً" فتشير الى الظلام الذي يكتنف الأرض منذ ان مات يسوع ورقدت "الحياة "نفسها في القبر طوال السبت. امّا عبارة " عِندَ الفَجْر" فتشير الى اشتياق مريم المِجدَلِيَّة للقاء مع القائم من الأموات في أول فرصة ممكنة، باكرًا دون تراخٍ أو تأجيل. أمَّا عبارة "الفَجْر والظَّلامُ" فتشير الى مقارنة بين الظلمة والنور "النُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات" (يوحنا 1: 5)، وفجر القيامة يطلع ليُبدِّد ظلمة القبر. فالنور والظلمة واليوم الأول في فجر القيامة والبستان في جنة عدن جميعها تلمِّح الى قصة الخلق في سفر التكوين، فالقيامة هي بمثابة خلق جديد؛ أمَّا عبارة "الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر" فتشير الى باب القبر مفتوح، مع ان يسوع كان بإمكانه الخروج من القبر دون الحاجة الى تحريك الحجر. ربما أزيل حتى يتمكن الآخرون من الدخول اليه ليروا أنَّ يسوع قد قام. ويدل الحجر على أنَّ قبر المسيح كان منحوتا في الصخر، وكان حجر مستدير يسدُّ بابه (متى 27: 60)، وداخل القبر وُجدت مصطبة توضع عليها الجثة (مرقس 16: 6) وكان القبر خارج باب اورشليم (عبرانيين 13: 12) في بستان (يوحنا 19: 41). ويدلّ القبر الفارغ على ان عمل الله في يسوع لم ينتهِ في الموت. لذلك موت السيد المسيح بالجسد ودفنه في قبرٍ نزع عنا الخوف من الموت والدفن في القبر عندما سيحل بنا الموت ونُوضع في قبر. فيليق بنا أن نردِّد مع أيوب البار: "قُلتُ لِلفَسادَ (القبر): أَنتَ أَبي وللدِّيدانِ: أَنتِ أُمِّي وأُخْتي" (أيوب 17: 14). 2 فأَسرَعَت وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه تشير عبارة "وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ" الى تقدّمهما بين الرسل في الغيرة والايمان والمحبة وكونهما أكثر اهتماما بأمر يسوع من غيرهم من الرسل. أمَّا عبارة " بُطرُس" في الأصل اليوناني Πέτρος, (معناها صخرة أو حجر) فتشير الى الرسول الذي كان يُسمَّى أولاً سمعان واسم أبيه يونا (متى 16: 17) واسم أخيه اندراوس، واسم مدينته بيت صيدا. ولمَّا تبع يسوع دعاه "كيفا": أَنتَ سِمْعانُ بنُ يونا، وسَتُدعَى كِيفا، أَي صَخراً" (يوحنا 1: 42)، و" كِيفا " كلمة آرامية כֵיפָא معناها صخرة، ويقابلها في العربية صفا أي صخرة. وكانت مهنة بطرس صيد السمك (يوحنا 1: 42)، وقد دعا يسوع بطرس ثلاث مرات: دعاه أولاً ليكون تلميذاً، ودعاه ثانية لكي يكون رفيقاً له ملازماً إياه باستمرار (متى 4: 19) ثم دعاه ثالثة لكي يكون رسولاً له (متى 10: 2)؛ وحافظ الانجيل على مركز الصدارة له رغم من نكرانه لمعلمه الالهي. وبعد القيامة، حقَّق بطرس ما أنبأ المسيح عنه " أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي" (متى 16: 18)، فسواء أكان المقصود بالصخرة الإيمان الذي صرّح به لبطرس، ((إنه المسيح بن الله الحي)) أم إن لفظة صخرة قصد بها الاستعمال المزدوج أي أن الإيمان هذا كان الأساس، أو أن بطرس واسمه معناه ((صخرة)) كما قدّمنا يعبّر عن الحقيقة أن كل من يؤمن بأن المسيح هو ابن الله الحي ومخلص العالم يكوّن الكنيسة، على كلا الحالين نشط بطرس لقيادة أعضاء الكنيسة الأولى؛ أمَّا عبارة "التِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع" فتشير الى يوحنا الرسول وهو "أحدُ تَلاميذِه، وهو الَّذي أَحبَّه يسوع، كان مُتَّكِئاً إِلى جانبِ يسوع" (يوحنا 13: 22). وعرّفه الانجيل ان التلميذ الذين له صفتان: "الآخر" و"الحبيب" دون ُذكر اسمه. وربما الكاتب لا يُفصح عن اسمه ليجعل كلَّ واحدٍ مستعداً مثل ذاك التلميذ الذي يَحب يسوع ويحبّه يسوع (يوحنا 19: 26-27). واعتقد التقليد بان المقصود هو يوحنا الرسول الذي كان له مكانة مرموقة في مجموعة الرسل (مرقس 1: 19). وقد أثارت هذه الميزة التي اتصف بها يوحنا الحبيب حسد باقي التلاميذ (يوحنا 21: 22-27). أمَّا عبارة "وقالَت لَهما " تشير الى تواضع يوحنا الإنجيلي الذي لم يخجل أن يسجل في إنجيله أن الذي بشره بالقيامة كانت مريم المِجدَلِيَّة الخاطئة. أمَّا عبارة "أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ" فتشير الى اعتقاد مريم المِجدَلِيَّة أن أناساً مجهولين أخذوا الجسد، ولم يخطر على بالها ان المسيح قام. أمَّا عبارة "الرب" في الأصل اليوناني κύριος (معناها السيد)، وفي اللغة العبرية הָאָדוֹן (السيد) فتشير الى الاعتبار والاكرام، وامَّا في الجماعة المسيحيّة الاولى فتدل عل الرب. أمَّا عبارة " لا نَعلَمُ" فهي تشير الى صيغة الجمع حيث ان مريم تمثّل النسوة، كما تُمثل الكنيسة التي تبحث عن ربّها. لم تُدرك مريم المِجدَلِيَّة في الحال أنه قام، بل ظنّت أن الجسد قد أُخذ من القبر؛ أمَّا عبارة "أين وضعوه" فتشير الى صيغة الجمع مع انه مريم المِجدَلِيَّة هي التي تتكلم، وقد تكون دلالة على ان يوحنا لا يجهل الراوية في الاناجيل (متى 28: 1، مرقس 16: 1، لوقا 24: 1،) الذين يذكرون مجيء فريق من النساء. وتلمِّح هذه العبارة الى سرقة الجثمان كما كان الاعتقاد في بعض الاوساط اليهودية، لأنها لم تكن تؤمن بعد بالقيامة. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لقد أرادت مريم المِجدَلِيَّة بسرعة فائقة أن تعلم ماذا حدث للجسد". 3 فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْرِ. تشير عبارة "خرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ" الى تأثر التلميذين من الخبر فاسرعا يتفحصا الامر. ويدل عملهما هنا على علاقة الصداقة الروحية الجادة، كما نجدها مراراً في إنجيل يوحنا (13: 23؛ 18: 15)؛ أمَّا عبارة " وذَهَبا إِلى القَبْرِ "فتشير الى تدافع افعال الحركة "خرجا، ذهبا، أسرعا، ووصلا" (يوحنا 20: 4)، حيث توحي هذه الكلمات الى ذكريات تاريخية لشهود عيان. 4 يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً. ولكِنَّ التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إِلى القبْرِ تشير عبارة "يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً" الى سرعة العمل المشترك بين التلميذين لاكتشاف حقيقة الأمر الذي نقلته مريم المِجدَلِيَّة لهما. وهذا العمل المشترك دليل الصداقة الروحية الجادة، التي تحمل روح العمل الجماعي دون إعاقة الواحد للآخر. وكما يقول الحكيم: "اثنان خَيرٌ مِن واحِد لأَنَّ لَهما خَيرَ جَزاءً عن تَعَبِهما" (الجامعة 4: 9). أمَّا عبارة "التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس" فتشير الى سرعة لكل منهما قدر طاقته، ممل يلمِّح انَّ يوحنا كان أصغر سناً من بطرس، والى سرعة إيمان يوحنا التي تجعله يرى ويؤمن قبل بطرس. 5 وانحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولكنَّه لَم يَدخُلْ تشير عبارة "إنحنى" الى انخفاض مدخل الغرفة الخارجية للقبر. وفي هذه الغرفة الخارجية كانت النسوة تجتمع للتحنيط والبكاء؛ وقد جرت العادة في صنع ابواب القبور مُنخفضة لتسهيل سدِّها بالحجر. أمَّا عبارة "فأَبصَرَ " في الأصل اليوناني βλέπει فتشير الى نظرة عابرة؛ أمَّا عبارة "اللَّفائِفَ" في الأصل اليونانية ὀθόνια فتشير الى قطعة كتان ثمينة تصلح لدفن الأموات. وهو الكفن الذي اشتراه يوسف الرامي، ولَفّ به جسد المسيح الميِّت، بعد إنزاله عن الصليب. وكان يوسف من أعيان المجلس اليهوديّ (السنهدريم)، وقد آمَن بيسوع. وعند القيامة ظلت الأكفان بالقبر فاحتفظ بها التلاميذ، ثم حمل تداوس الرسول الكفن الى ابيجار الخامس حاكم اوديسا في أوكرانيا. وفي عام 544 اكتشف الكفن في اوديسا، وأُنتقل الكفن عبر القرون من اوديسا الى القسطنطينية سنة 944. واخذ الصليبيون الكفن من القسطنطينية سنة 1204، وعُرض سنة 1357 في فرنسا وأخيراً استقر بتورينو في ايطاليا حتى أيامنا الحاضرة. وفي سنة 2009 وجد باحثون من جامعة القدس العبرية قطعة من الكفن من الحقبة التي عاش فيها المسيح، وقال الدكتور شمعون غيبسون مدير بعثة الحفريات أنها "بقايا الرجل الذي تمَّ لفَّه بالكفن المُكتشف، وقد تمّ تكفين جسده ورأسه بطرق تتفق مع شعائر الدفن التي كانت مُتَّبعة في الدفن خلال تلك الحقبة أيام السيد المسيح. أمَّا كفن تورينو فهو بمثابة قطعة كتانية يُقال إنها كانت الكساء الذي كُفِّن به السيد المسيح أثناء دفنه. وقد تمَّ الاحتفاظ بهذه القطعة منذ عام 1578 في مدينة تورينو الإيطالية، ومقاسات القطعة 4.42 م × 1.13 م. وتُظهر القطعة، من الأمام والخلف، ما يُشبه وجه رجل نحيف، غائر العينين، مع علامات لندبات ولطخات دم. قام خبراء إيطاليون من جامعة البوليتكنيك في تورينو سنة 2014 بجراء فحوصات فوجدوا أن كفن تورينو يعود بالفعل إلى يسوع المسيح إذ إنه يحمل آثار الصلب وملامح دم المسيح، وعدم وجود أيّ أثر لاهتراء الجسد الذي لُفَّ بهذا الكفن. وهذا يعني أنّ الجسد خرج من الكفن في وقتٍ مبكّر، ولم يترك مجالاً كي تبدأ عمليّة تحلّل الأعضاء، كما يحصل، عادةً، لغيره من أجساد الموتى، بعد مرور وقتٍ معيَّن على الوفاة، علمًا أن الكنيسة الكاثوليكية لم تدعي رسمَيا أن جسد المسيح قد دفن بهذا الكفن، مفضلة التركيز على المعاني التي يستلهمها اولئك الذين يطلعون عليه. وتعود ملكيّة الكفن إلى كرسيّ روما الرسوليّ، منذ العام 1983، عملاً بوصيّة أومبرتو الثاني، ملك إيطاليا، الذي تنازَل لهذا الكرسيّ عن حقّ عائلته في ملكيّة الكفن. أمَّا عبارة "مَمْدودة " فتشير الى إبعاد الدليل في سرقة الجسد، لأنه لا ينزع أحد الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله؛ ويُعلق القديس أمونيوس الإسكندري " لو أن الأعداء سرقوا الجسد، فمن أجل المكسب المادي ما كانوا قد تركوا الأكفان. لو أن التلاميذ فعلوا هذا لما سمحوا بتعرية الجسد وأهانته". أمَّا عبارة "لم يدخل بل انتظر بطرس" فتشير الى انتظار بوحنا لبطرس ليدخل قبله دلالة على كرامة واحترام منزلة بطرس في الكنيسة الاولى. إذ اعطى يوحنا حق الاولوية الى بطرس الذي أوكله اليه يسوع برئاسة الكنيسة "وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، (متى 16: 18). فسمعان بطرس ظلَّ في مركز الصدارة رغم نكرانه للمعلم الإلهي يسوع المسيح. فنحن لا نختار أدوارنا في الكنيسة، بل نستلمها من لدنه تعالى. 6 ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة تشير عبارة "أَبصَرَ" في الأصل اليوناني θεωρεῖ (معناها نظر بانتباه) الى نظرة بطرس الفاحصة التي تقوم على الرؤية مع الفحص والتدقيق عن قرب. بطرس نظر ودقق ولاحظ منديل الرأس الذي لم يراه يوحنا. ونستنتج ان بطرس كان أول من رأى القبر فارغ والاكفان على الأرض والمنديل ملفوفا. وهي علامة القيامة، فإنه لا ينزع أحد الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله. لأن السارق لن ينشغل بترتيب الأكفان، والذي ينقل الجسد لا يعرّيه. أمَّا عبارة " فدَخَلَ القَبْرَ" فتشير الى سرعة رد فعل بطرس وجسارته على ما عُرف عنه من صفات في الانجيل. أمَّا عبارة اللفائف" مَمْدودة" فتشير الى الشخص الميت الذي خرج من اللفائف دون أن تتحرك اللفائف من مكانها. وهي علامة القيامة، فإنه لا ينزع أحد اللفائف او الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله. لأن السارق لن ينشغل بترتيب اللفائف، والذي ينقل الجسد لا يعرّيه. 7 والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِهِ غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل على شكْلِ طَوْقٍ خِلافاً لَها، وكان كُلُّ ذلك في مَكانِه تشير عبارة "المِنديلَ" الى قطعة صغيرة الحجم من القماش الخفيف، وكانت تُوضع على رأس الميت بحيث يُلَف وجهه بالمنديل، كما حدث مع لعازر بعد دفنه “فخرَجَ المَيتُ مَشدودَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ بالعَصائِب، مَلفوفَ الوَجهِ في مِنْديل" (يوحنا 11: 44)، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لماذا توضع الأكفان الكتانية منفصلة والمنديل وحدها ملفوفة؟ لكي تتعلموا أن التصرف لم يحدث في تسرع أو بطريقة صاخبة، هكذا عندما تسمعون أن المنديل في موضع وحده لا تسلكون كالقائلين بأنه سُرق". كل تفاصيل اللفائف والمنديل تدل على حقيقة موت يسوع ودفنه في القبر وغيابه منه إشارة الى قيامته. أمَّا عبارة "المنديل على شكْلِ طَوْقٍ في مَكانِه" فتشير الى عادة يهودية. فكان اليهودي حينما يقوم عن المائدة أثناء الأكل يترك المنديل (الفوطة) التي يستخدمها في مسح يديه ملفوفة مرتبة وذلك في حالة عودته ليستكمل طعامه والاَّ يتركها بلا ترتيب. ويكون المعنى أن المسيح قام دون العودة الى الموت ليُكفّن مرة ثانية لكنه يعلن أنه سيعود ثانية في مجيئه الثاني. أمَّا عبارة "كان كُلُّ ذلك في مَكانِه" الى الشخص الذي خلع ملابسه ومضى، ولا تشير الى سرقة الجثمان. بالطبع ما كانت هذه الاكفان والمنديل مرتَّبة لو ان القبر قد نُهب او سرق؛ فلو كان البعض سرقوا الجسد فهل يربكون أنفسهم بنزع المنديل ويضعونه ملفوفًا في موضع آخر؟ ويُعلق القديس أمونيوس الاسكندري " لو أن الأعداء سرقوا الجسد لغرض المكسب المادي ما كانوا قد تركوا الأكفان. لو أن الأحباء فعلوا هذا لما سمحوا بتعرية الجسد وإهانته. كل ذلك يُبيِّن بالأحرى إن الجسد قد عبر إلى الخلود ولا يحتاج إلى ملابس في المستقبل". لقد حدثت معجزة القيامة. فقيامة المسيح تنزع عنا الخوف من الموت والقبر وتُذكرنا أنَّ جسمنا الميت سيقوم في مجدٍ بهيٍ لا يحتاج إلى ثيابٍ فاخرة، وانه سيرتدي ثوب عدم الفساد كما صرّح بولس الرسول "فلا بُدَّ لِهذا الكائِنِ الفاسِدِ أَن يَلبَسَ ما لَيسَ بِفاسِد، ولِهذا الكائِنِ الفاني أَن يَلبَسَ الخُلود" (1 قورنتس 15: 53). 8 حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ تشير عبارة "َرأَى " باليونانية εἶδεν (ὁράω (معناها نظر بوعي وإيمان) الى نظرة تصديق وإيمان. رأى التلميذ يوحنا الحبيب ما راه بطرس في داخل القبر. لكنه رأى في وجود القبر الفارغ واللفائف الممدودة والمرتَّبة علامات للإيمان بقيامة يسوع بعكس مريم المِجدَلِيَّة التي اعتقدت ان الجثمان سُرق. وهكذا وصل يوحنا الى الايمان بقيامة المسيح. بطرس رأى وتعجب (لوقا 24: 12)، ويوحنا رأى وأمن. أمن يوحنا ان يسوع قد قام وهو حي لا محالة وأنه المسيح ابن الله. فكان يوحنا اول من آمن من الناس بقيامة المسيح يجدر بنا ان نقرا هذه العلامات التي أوردها لنا شهود عيان كي نؤمن ونعمّق إيماننا. 9 "ذلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات تشير عبارة "أَنَّهُما لم يكونا قد فهِما" الى إلقاء يسوع اللوم على بطرس ويوحنا اللذين لم يفهما ما قاله السيد المسيح عن تحقيق آية يونان بقيامته (متى 12: 40)، ولم يُدركا ما تنبأ عنه صاحب المزامير "لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة" (مزمور 16: 10)؛ وكانا في حاجة أن يفتح اللَّه ذهنيهما حتى يفهما الكتب، كما حدث مع تلميذي عمَّواس، (لوقا 24: 27) إنه المسيح المُمجَّد، مفتاح لكل اسفار الكتاب المقدس؛ أمَّا عبارة "الكِتاب" فتشير الى الكتاب المقدس الذي يروي النبوءات المتعلقة بموت المسيح وقيامته كما جاء في سفر المزامير "لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة" (مزمور 16: 1)، كما تدل على ما يرويه الكتاب المقدس من الاحداث والاقوال التي مهَّد بها الله السبيل لمجيء ابنه الآتي بملء الحياة، كما شهد فيلبس الى نتنائيل: "الَّذي كَتَبَ في شأنِه موسى في الشَّرِيعَةِ وذَكَرَه الأنبِياء وَجَدْناه وهو يسوعُ ابنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة"(يوحنا 1: 45). وساعدت هذه الكتب المقدسة بطرس ويوحنا على تحديد حدث قيامة يسوع وتفسيره كما جاء في تصرّيح بولس الرسول الى اهل قورنتس "أَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب" (1 قورنتس 15: 4). فلا بد من الرجوع الى الكتب المقدسة لتحديد حدث قيامة يسوع وتفسيره كما يصرّح بولس الرسول الى اهل قورنتس "أَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب" (1 قورنتس 15: 4) وأعمال الرسل 2: 24-31، لوقا 24: 27)؛ أمَّا عبارة " يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات" فتشير الى القيامة التي تتكلم عنها الكتب المقدسة، وهي محطة رئيسية في خطة الله لخلاصنا وتبريرنا، لذلك تحقيقها كان أمرًا ضروريًا، علاوة على ذلك لم يكن ممكنًا للسيد المسيح ان يقول لمرتا اخت لعازر "أَنا القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25) لو لم يقم بل بقي حبيس الموت وسجين القبر! وهذه القيامة تدل على قدرة الله الحاضرة في الموت. 10 ثُمَّ رَجَعَ التِّلميذانِ إِلى بَيتِهِما: لم يفهم بطرس ويوحنا حقيقة القيامة إلا بعد ان رأيا القبر فارغا وتذكرا اقوال يسوع والاسفار المقدسة انه سيموت ثم يقوم ايضا من بين الاموات تشير "رَجَعَ التِّلميذانِ إِلى بَيتِهِما" الى عودة كل منهما إلى الموضع الذي كان التلاميذ يجتمعون فيه، خاصة بعد الصلب، وليس إلى منزليهما، لأنه لم يكن لهما منزل في أورشليم. عادا إلى إخوتهما ينتظرا ما سيعلنه اللَّه. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "أنهما ذهبا أولًا في دهشة، كل إلى بيته، حيث بدأت القيامة تتجلى أمامهما، ثم عادا فاجتمعا ببقية التلاميذ حسب أمر السيد". أمَّا عبارة "لم يفهم بطرس ويوحنا حقيقة القيامة" فتشير الى اللوم الموجَّه للتلميذين، لانهما لم يكونا قد أدركا بعد الآية التي "كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث" (لوقا 24: 46). أمَّا عبارة "يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات" فتشير الى إرادة الآب التي قرأوها في الكتب المقدسة. فيسوع القائم من بين الأموات هو محور الكتاب المقدس ولا يفهم بعد اليوم إلاّ بنوره وحضوره. إنّ إيماننا هو التصديق الطوعي لكلّ الحقيقة الّتي يكشفها الربّ لنا عن طريق كلمته. |
|