|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حديث نّهر الاردن
مرّ الكثيرون من هنا .. مرّوا بجانبي ، وشربوا من مائي ، واغتسلوا من أدرانهم . مرّ القادة من كلّ الأمم بسنابكهم وخوذاتهم وعبوسهم . مرّت الجيوش بجحافلها ومعدّاتها ، فأزعجت سكينتي ، وعكّرت مياهي وحياتي . مرّ الغنيّ والفقير والأرملة والروماني واليهودي والحثّي والآرامي . مرّ النّسر والأسد واليمامة . مرّ المعمدان فصرخ وهدر وتوعّد ، وراح يغسل النفوس بماء التّوبة . مرَّ التّاريخ مُثقلا بالحوادث والحادثات ، يجرّ تارة رجليه جرًّا ، وتارة يركض ويعدو ، وأخرى يغنّي . مرّوا جميعًا وامّحت آثارهم ، محتها العاصفة والهدير ، ولم يبق منهم في ذاكرتي إلا السديم والضباب ! ومرّ يسوع .. فغرّدت موجاتي ، وصفّقت أشجار الصّفصاف الصنوبر ، وخشع البرقوق والجوريّ والياسمين . مرّ يسوع فاغتسلت جوانحي ، وتطهّر مائي ،" وحملقت" الى فوق ، الى صوت آتٍ من السّماء : " هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا" مرّ يسوع فتسابقت السّمكات لكي تقع في شباك بطرس واندراوس ، وكلّ واحدة تقول : أنا .. أنا . مرّ يسوع فهرب البرَص لا يلوي على شيء ، وفرّ الجوع أمام قفف الخبز المُحمّر بالمحبّة . مرّ وكل يومٍ يمرّ بخاطري .. أنا الأردن ، النهر الصغير الغافي بين جبال ومروج ارض الميعاد .. كُنتُ نسيًا منسيًا ، كنت جدولا من آلاف الجداول تمرّ فوقها النسور فلا تلتفت ، ويمرّ بجانبها التاريخ فلا يتوقف الا نادرًا .. إلى أن جاء ذاك المُحمّل بالأزهار والأشواك والآلام والطعنات . جاء فرفعني إلى فوق .. رفعني فوق عمالقة الأنهار . سما بي فوق التاريخ وأهله، وخطّني في كتاب الأيام قصيدة جميلة . جاء " فسرقني " من ذاتي ، وأنساني نفسي ، وهو ينثر درره فوق موجاتي ؛ هذه الموجات التي تمرّدت مرّةً ثم عادت واستكانت كما الطفل في حضن امّه . اقترَشني – أنا الأردن- بساطًا لو تعلمون ، ومشى واثقًا ، وكدت أموت ضحكًا حين مشى بطرس الصيّاد فوقي خطوات ، ثمّ شهق : إنّي أغرق .. ومدّ السيّد يمينه كما يمدّها كل يوم . لماذا شككتَ ؟ ! مرَّ الكثيرون ونسيتهم الذاكرة ! ومرَّ الله فغنّت جوانحي وأمواجي وما زالت تغنّي .. \ |
|