شجرة صالحة وثمرة صالحة
6: 39- 45
لا تدينوا، لا تحكموا على أحد، إغفروا يُغفَر لكم.
بعد أن قدّم لوقا التطويبات، وحدّثنا عن المغفرة والحب والاعداء والسلام، قدّم لنا هذه الباقة من النصائح: إحذروا الكذب والنفاق. فلا شيء يبقى إلا المحبّة وكلمة الحق. نحن هنا أمام ثلاثة أمثال قصيرة تقدّم لنا قواعد عملية حول السلوك الواجب داخل الجماعة المسيحية، بل كل جماعة بشرية.
تذكّرنا الحكمة بأمور معروفة: أعمى يقوده أعمى. ماذا سيحدث لهما؟ وبما أن العمى الذي يتحدّث عنه يسوع هو عمى روحي، لا تبدو الحقيقة واضحة. قد يتوجّه يسوع بصورة خاصة إلى الفريسيين الذين كانوا في أيامه القوّاد الذين يسمع لهم الشعب. وهكذا حكم يسوع عليهم بسبب عماهم. وهو يحذّرنا نحن الذين نلنا مهمة ورسالة: علينا أن نتساءل عن طريقة قيامنا برسالتنا وعن تصرّفنا. إذا استلهمنا عملنا كلام المعلّم، هذا يعني أننا نقود الشعب في طريق الحق. قال المرنّم: "بنورك نعاين النور" (مز 36: 10).
تحدّث يسوع أولاً عن القائد والموجّه وعن مسؤوليته. والأعمى هو أيضاً مسؤول عن اختيار الشخص الذي يرشده.
واليوم يبرز "مرشدون" عديدون يريدون أن يقودوا الناس في طريق الحياة والسعادة. كيف يختار المؤمن مرشده، وكيف يميّز الصادق من الكاذب؟ هل يترك الآخر يقوده كما يُقاد الأعمى؟ الإنجيل واضح في هذا المجال: فعلى المعلّم الذي يقود، وعلى "التلميذ" الذي يسلّم قيادته، أن يكونا تلميذين لذلك الذي هو نور العالم. إن سقط هذا الشرط، وقعا كلاهما في حفرة.
إن رؤساء الكنائس الذين يقودون الجماعة، هم مدعوّون لكي يردّوا الضالين إلى السبيل المستقيم. "إن سقط أخوك، فاذهب إليه وعاتبه بينك وبينه" (مت 18: 15). ويأتي مثل القشة والخشبة بمعناه الواضح. فالسلطة تعمي الذي يمارسها. والخطر يقوم بأن نطلب من الآخرين ما لا نعمله نحن. ويشكل مثل الشجرة والثمار تحذيراً من الخبث والرياء. فأعمالنا تحكم علينا وتكشف أعماق قلوبنا.
إن هذه الأمثال التي تستلهم الحكمة الشعبية، تعيدنا إلى الإنجيل. فمهما كان موقعنا في الكنيسة، علينا أن نكون تلاميذ الرب. كلمته هي المرجع الذي يدين كلاً منا ويكشف كل خبث ورياء. تُعرف الشجرة من ثمارها. وعلينا أن نكون أغصاناً ثابتة في الكرمة (يو 15: 4).
إذا انفصلت كلمتنا عن المسيح خسرت كل أساس لها: "من أقام فيّ وأقمت فيه يحمل ثماراً كثيرة، لأنكم بدوني لا تستطيعون شيئاً! (يو 15: 5).
القلب والعين والفم... بهذا يدلّ يسوع على الإنسان بكلّيته. فالقلب يمثّل في نظره محور الإنسان. فبالقلب يجمع كل منا قواه الروحية والأدبية والعقلية بل الجسدية. وتقول التوراة مراراً إن الله يكلّم قلب الإنسان بطريقة حميمة، ليدعوه ويقوده إليه.
العين هي انعكاس القلب. قال يسوع: "سراج الجسد العين". ودعا تلاميذه لكي يسيروا في نور كلمته، أي أن يتركوا إنجيله يقودهم ويوجّههم. أما الفم فهو يتفوّه بالكلمة التي هي فيض القلب. قد تكون صريحة وصادقة فتعلن الخير والمحبة. أو يرافقها الكذب فتدلّ على الاحتقار والبغض.
تركَنا يسوع ندرك ما في قلبه. قال: "أنا وديع ومتواضع القلب". وعكست عيناه أعماق كيانه. وهكذا حين يدعو الشاب لكي يتبعه (وكان يملك خيرات كثيرة) قال الإنجيلي: "نظر إليه وأحبّه". وبنظرة واحدة غفر لبطرس نكرانه. وسيقول: "أنا نور البشر. آمنوا بالنور لتكونوا أبناء النور".
نكون أبناء النور، على صورته. أناس شفّافون، صادقون وصريحون، منفتحون على الآخرين لكي يتقبّلوهم. أناس ينيرهم الإنجيل. فكل كلمة خرجت من فمه ما زالت ترنّ بقوة تؤثّر فينا اليوم وتكشف لنا عنه في حقيقته العميقة كابن الله، وكفقير متضامن مع الفقراء.
كشف يسوع عن نفسه، فدلّ دوماً على أن همه هو إتمام مشيئة أبيه والعودة إليه. ونحن نستطيع أن نقول: إن قلب المسيح، والمحور الذي تنبع منه كل أعماله، هو أبوه. لقد قدّم نفسه على أنه فم الآب، كلمة الآب الحيّة. وأكّد أنه لم يقل شيئاً إلا ما سمعه من أبيه. والنور الذي أرسله، والعين الذي تضيء كل إنسان، هي روحه. ومن خلال هذه الرموز البسيطة التي هي القلب والفم والعين، نجد رسمة لهذا السرّ العجيب الذي هو سرّ الثالوث الأقدس.
ليس تلميذ أفضل من معلّمه. فنحن مدعوّون على خطى معلّمنا يسوع المسيح أن نترك روحه يحوّل قلوبنا وعيوننا وأفواهنا، أن نترك روحه الذي يقودنا إلى الآب يعمل بأقوالنا. ولكن الطريق صعبة قاسية. فليأخذ المعلّم بيدنا وليعلّمنا أن نسير في خطاه.
ألقِ بنورك يا رب على كل الذين يمارسون مهمة الكلمة. ليضيء روح حكمتك على قلوبهم وعقولهم. ألقِ بنورك يا رب على كل الذين يحكمون أو يميّزون. ليضيء روح مشورتك عليهم فيعينهم ليجدوا الكلمة الصحيحة والموقف الحق. ألقِ بنورك يا رب على جماعتنا. ليساعدنا روح حبك وحقّك أن نحمل ثماراً حسب قلبك. أعطِ أقوالنا وأفعالنا أن يسكنها حضور حبك. وهكذا نتلفّظ بكلمات تدلّ على حنانك من أجل كل إنسان