|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا نخاف مما يخيف القديس أغسطينوس 1. يعلمنا الوحي الإلهي الذي سُمع الآن أن لا نخاف مما يخيف، وأن نخاف مما لا يخيف. فقد لاحظتم عند قراءة الإنجيل أن ربنا يسوع المسيح قبل موته لأجلنا يريد أن يجعلنا ثابتين، ناصحًا إيانا أن لا نخاف وأن نخاف، فقد قال "لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلَكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا" (مت 10: 28) . انظروا في أي موضع ينصحنا بعدم الخوف، ولتنظروا في أي موضع ينصحنا بالخوف، "بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ" (مت 10: 28) لهذا فلتخف من عدم الخوف! قد يبدوا أن الخوف حليف للجُبن، وأنه من صفات الضعيف لا القوي، ولكن انظروا ما يقوله الكتاب المقدس " فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ ثِقَةٌ شَدِيدَةٌ" (أم 14: 26). إذن فلتخف من عدم الخوف، أي نخاف بحكمة من عدم الخوف بكبرياء. إن الشهداء القديسين الذين بمناسبة تذكارهم المقدس نقرأ هذا الفصل من الإنجيل، لم يخافوا مما يخيف لأن في مخافتهم من الله لم يهابوا بشرًا. 2. لأنه ماذا يدعو الإنسان ليخاف من إنسان؟ وما هو هذا الذي به يهدد الإنسان شخصًا آخرًا مادام كليهما بشر؟ يهدد إنسان قائلاً: "سأقتلك" ولا يخاف لئلا يموت بعد تهديده وقبل أن ينفذه. يقول: "سأقتلك" من الذي يقول هذا؟ ولمن؟ أنني أسمع إثنين، واحد يهدد والآخر يفزع، أحدهما قوي والآخر ضعيف، مع أن كليهما فانيين. لماذا يفتخر ذلك المساوي له في الضعف من ناحية المجد؟ بسبب قوة جسده بعض الشيء؟! ليته يهدد بالموت مطمئنًا ذلك الذي لا يخاف من الموت، لكن إن كان يخاف من الذي يسبب به خوفًا للآخرين، عليه أن يفكر في نفسه مقارنًا نفسه بذاك الذي يهدده. ليته يدرك تشابهه لذاك الذي يهدده وبذلك يطلبان معًا رحمة الله. لأنه ليس إلا مجرد إنسان ومع ذلك يهدد إنسانًا آخرًا وهو مخلوق ويهدد مخلوقًا آخرًا، إلا أنه واحد متكبر في عينيّ الله، والآخر يهرب ملتجأ إلى الخالق ذاته. 3. إذن ليقل الشهيد وهو واقف كإنسان قبالة إنسان آخر، "أنني لا أخاف لأنني أخاف". إنك لا تستطيع أن تنفذ وعيدك بدون سماح من الله، وأما ما يهدد به الله فلا يستطيع أحد أن يمنعه من تنفيذه. بماذا تهدد وماذا تستطيع أن تفعل إن سُمح لك به؟ إن سطوتك تمتد إلى الجسد، وأما الروح ففي مأمن منك. إنك لا تستطيع أن تقتل ما لا تراه. فلأنك منظور تهدد ما هو منظر فيّ، ولكن لكلينا خالق غير منظور ينبغي أن نخافه، فهو الذي خلق كل ما هو منظور وما هو غير منظور في الإنسان. لقد خلقه مرئيًا من الأرض، وبنسمته التي نفخها منه خلق الروح غير المنظورة. لذلك فإن الجوهر غير المرئي الذي هو الروح السامية عن الأرض (الجسد) المنحطة، لا يخاف عندما تهاجم الأرض. إنك تستطيع أن تقتل المسكن، ولكن هل تستطيع أن تقتل الساكن فيه؟ عندما تنحل القيود يهرب ذلك الذي كان قبلاً مقيدًا ويتوَّج خفية. إذن لماذا تتوعدني يا من تعجز عن صنع أي شيء لروحي؟ فبإطلاقك لذلك الذي لا تستطيع أن تصنع له شيئًا سيقوم أيضًا ذلك الذي لك سلطان عليه. لأنه بإطلاق الروح سيقوم الجسد أيضًا ويعود مرة أخرى إلى ساكنه، وعندئذ لا يموت بعد بل سيبقى إلى الأبد. اُنظر (إذ أتكلم على لسان الشهيد)، اُنظر فإنني لا أخاف وعيدك حتى بالنسبة لجسدي. حقًا إن جسدي يخضع لسلطانك، ولكن حتى شعر رأسي فمُحصى بواسطة خالقي (مت 10: 30). لماذا أخاف من فقدان جسدي أنا الذي لا يمكن أن أفقد ولا شعرة واحدة (لو 21: 18)؟ كيف لا يهتم بجسدي ذلك الذي يعرف جيدًا حتى أموري الصغيرة؟ هذا الجسد الذي يُجرح أو يُذبح سيكون ترابًا لوقت ما، لكنه بعد ذلك سيصير غير قابل للموت إلى الأبد. ولكن لمن يكون هذا؟ من الذي يبعث جسده للحياة الأبدية حتى ولو ذبح أو هلك أو اِندثر بين الرياح؟ لمن سيعود؟ لذاك الذي لم يخف من أن يضع حياته، حيث لا يخاف من قتل جسده. 4. فإنه يقال أيها الإخوة عن الروح أنها غير قابلة للموت (خالدة)، وكونها غير قابلة للموت طبقًا لطبيعة خاصة بها، فهي نوع من الحياة له القدرة على إعطاء حياة للجسد بوجودها فيه. فبالروح يحيا الجسد. هذه الحياة لا يمكن أن تموت، ولذلك فالروح غير قابلة للموت. لماذا أقول "طبقا لطبيعة خاصة بها"؟ لتسمع السبب، هناك خلود حقيقي، الخلود الذي ليس فيه تغيير البتة، الذي قال عنه الرسول متحدثًا عن الله "الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ احَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ انْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. امِينَ" (1 تي 6: 16)، فان كان الله وحده له عدم الموت، لذلك ينبغي أن تكون الروح قابلة للموت. انظروا إذن لماذا قلت أن الروح غير قابلة للموت بطريقة خاصة به، لأنه حقيقة يمكن للروح أيضًا أن تموت. لتفهموا هذا أيها الأحباء وبذا لا تبقى بعد صعوبة. إنني أتجاسر قائلاً: أنه يمكن أن تموت الروح كما يمكن أن تقتل. ومع هذا فهي بلا شك خالدة (غير قابلة للموت). انظروا فإنني أجرؤ قائلاً: أنها غير قابلة للموت، وفي نفس الوقت يمكن أن تُقتل، وبذلك قلت أن هناك نوع من الخلود، عدم تغيير البتة، وهذا يخص الله وحده الذي قيل عنه "الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ" (1 تي 6: 16)، لأنه إن كان لا يمكن أن تقتل الروح فكيف يقول الرب عندما يريدنا أن نخاف "خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ" (مت 10: 28). 5. بذلك ثبَّت المشكلة ولم أحلها. لقد برهنت على أن الروح يمكن أن تهلك. إن الإنجيل لا يمكن أن يقاوم إلا بروح شريرة؟؟. هوذا قد خطر لي هنا شيئًا وجاء إلى فكري حتى أتحدث به. الحياة لا يمكن ان تقاوم إلا بروح ميتة، الإنجيل هو الحياة، وعدم الورع وقلة الإيمان هما موت الروح. انظروا فإنه يمكن أن تموت ومع ذلك فهي غير قابلة للموت (خالدة) إذن كيف هي خالدة؟ لأنها هي دائمًا نوع من الحياة لا يمكن أن ينتهي أبدًا. وكيف تموت؟ ليس بإبطال كونها حياة بل فقدانها حياتها. لأن الروح هي حياة لشيء آخر، كما أن لها حياة خاصة بها. تأملوا نظام المخلوقات. فالروح حياة الجسد والله حياة الروح. ما دامت الحياة أي الروح حالَّة في الجسد فإن الجسد لا يموت، هكذا ينبغي لحياة الروح أي الله أن يكون فيها حتى لا تموت. كيف يموت الجسد بانفصال الروح عنه، أقول بانفصال الروح عنه يموت الجسد ويبقى مجرد جثة. هذا الذي منذ قليل كان مشتهى، وقد صار الآن موضوع احتقار. لا زالت فيه أعضائه المختلفة، الأعين والأذان، ولكن هذه ليست إلا نوافذ للمنزل، وأما ساكنه فقد رحل. إن الذي يندب الميت يصرخ باطلاً على نوافذ المنزل، مع أنه ليس بالداخل من يسمع. بكم يتفوه الباكي عن محبته الغبية، كم من الذكريات يحشد بها عقله، بأي حزن جنوني يتحدث كما لو كان يتكلم مع شخص يُدرك ما يفعله، بينما لم يعد بعد بالحقيقة هناك. إنه يعدد صفاته الحميدة وعلامات فضله عليه، "أنت الذي أعطيتني هذا، وفعلت معي هذا وذاك". أنت الذي فعلت كذا وكذا، يا عزيزي الذي تحبني لكي إن شئت فلتنظر ولتفهم مقاومًا جنون حزنك، فإنه قد رحل الذي كان يحبك، فعبثًا يسمع فرغاتك المنزل الذي لا يمكن أن تجده فيه قاطنًا. 6. لنرجع إلى الموضوع الذي كنت أتحدث عنه منذ برهة. الجسد يموت لماذا؟ لأنه قد رحلت حياته التي هي الروح. أيضًا إذا كان الجسد حيًا والإنسان شريرًا، غير مؤمن، عنيد في الإيمان، لا يقبل إرشادًا، فإنه بينما يكون الجسد في هذه الحالة حيًا إلا أن الروح التي يحيا بها الجسد تكون ميته. الروح شيء عظيم هكذا بأن في قدرتها أن تعطي حياة للجسد حتى ولو كانت ميتة. أقول أنها شيء عظيم هكذا، أنها مخلوق رائع هكذا، بأن في قدرتها أن تحيي الجسد حتى وإن كانت ميتة في ذاتها. فروح الشرير، غير المؤمن، والمستهتر ميتة، ومع أنها ميتة فإن بها يحيا الجسد. لذلك فهي كائنة في الجسد تدفع الأيدي للعمل، والأقدام للسير، وتوجه العين للنظر، والآذان للسمع، وتميز بين الأذواق، وتتجنب الآلام، وتسعى وراء المسرات. هذه جميعها علامات حياة الجسد، ولكنها نتيجة وجود الروح. فإن حق لي أن أسأل الجسد عما إذا كان حيًا فسيجيبني: أنك تراني أسير وتسمعني أتكلم وتعلم أن لي ما أهدف إليه وما أمقته، ومع هذا أفلا تفهم أن الجسد حيّ؟ إذن اِفهم أن الجسد الحي بهذه الأعمال التي للروح. إنني أسأل الروح أيضًا عما إذا كانت حية؟ إن لها أعمالها المناسبة لها التي تعلق عن حياتها الأقدام تسير. إنني أفهم بذلك أن الجسد حيّ، ولكن بوجود الروح فيه. والآن أسأل هل الروح حية. إن هذه الأقدام تسير (لو اقتصرنا الحديث عن هذه الحركة فقط)، إنني أسأل كلا من الجسد والروح بخصوص حياتهما. الأقدام تسير، بهذا أفهم أن الجسد حيّ. لكن إلى أي تسير الأقدام؟ لقد قيل إلى الزنا. إذن النفس ميتة. لأجل هذا قال الإنجيل "وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ" (1 تي 5: 6). وإذا الفرق بين "التنعم" والزنا كبير، فكيف إذا يمكن للنفس التي قيل عنها أنها ميتة بالتنعم أن تحيا في الزنا؟ إنها بالتأكيد ميتة. إنها ميتة ولو لم تكن في حالة الزنا. إنني أسمع إنسان يقول أن الجسد حيّ لأن اللسان لا يستطيع أن يحرك ذاته في الفم بل بحركاته المختلفة ينطق بأصوات واضحة. أليس هناك قاطن إذن وموسيقار لهذه الآلة يستعمل اللسان. إنني أفهمه جيدًا. الجسد يتكلم هكذا فهو حيّ. ولكنني أسأل هل الروح حيّة أيضًا؟ هوذا الجسد يتكلم وبذلك فهو حيّ، ولكن بماذا يتكلم؟ كما قلت عن الأقدام أنها تسير وبذلك فإن الجسد حيّ. وعندئذ سألت أين تسير هذه الأقدام؟ حتى أفهم عما إذا كانت النفس حيّة أيضًا، هكذا عندما أسمع إنسانًا يتكلم أعلم. أن الجسد حيّ، فأسأل أيضًا بماذا يتكلم حتى أعلم إن كانت النفس حيّة أيضًا. إنه يتكلم بالكذب. إن كان كذلك فالنفس ميتة. كيف نبرهن على هذا؟ لنسأل الحق نفسه الذي يقول: "الفم الكاذب يقتل النفس" (حك 1: 11). إنني أسأل: لماذا ماتت النفس؟ أسأل كما سألت الآن لماذا مات الجسد؟ لأنه قد رحلت حياته أي النفس. لماذا ماتت النفس لأن الله حياتها قد تركها. 7. بعد هذا الشرح المختصر نعلم وندرك حقًا أن الجسد ميت بدون الروح وأن الروح ميتة بدون الله، كل إنسان بدون الله له روح ميت. إنك تنوح على الميت فلتنح بالأحرى على الخاطئ، ولتندب بالأحرى الشرير غير المؤمن، أنه مكتوب "النوح على الميت سبعة ايام و النوح على الاحمق و المنافق جميع ايام حياته" (سي 22: 13). ماذا؟ أليس فيك حنوًا مسيحيًا فتنوح على جسد قد تركته الروح ولا تنوح على الروح التي انفصلت عن الله. إذ يتذكر الشهيد هذا، فليجيب الذي يتوعده "لماذا تجبرني على إنكار المسيح أتريد أن ترغمني على إنكار الحق؟ إن لم أفعل هذا فماذا أنت فاعل؟ أنك تهاجم جسدي حتى تتركه الروح، ولكن روحي هذه نفسها لها الجسد، من أجل الروح فقط. إنها ليست غبية بهذا المقدار وجاهلة. إنك تريد أن تجرح جسدي، ولكن هل تريد بتخويفك إياي بجرح جسدي وانفصال الروح منه أنني أقتل روحي فينفصل الله منها؟ " لا تخف إذًا أيها الشهيد من سيف مضطهدك، بل لتخف فقط من لسانك، لئلا تضطهد نفسك وتهلك روحك لا جسدك، لتخف على روحك لئلا تموت في نار جهنم. 8. لذلك قال الرب "الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ" (مت 10: 28)، كيف هذا؟ هل سيحترق جسد الشرير وروحه عندما يُلقى في جهنم. سيكون العقاب الأبدي هو موت الجسد، ستكون الغربة عن الله هي موت الروح. إذن أتريد أن تعلم ما هو موت الروح. لتفهم قول النبي "الْمُنَافِقُ .... لاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ" (إش 26: 10). إذن فلتخف الروح من موتها الخاص بها، ولا تخف من موت جسدها، لأنه إن خافت موتها وعاشت في إلهها بعدم إخطائها إليه ورفضها إياه، فإنها ستكون مستحقة في النهاية لأخذ جسدها مرة أخرى، لا في عقاب أبدي كالأشرار، بل في الحياة الأبدية مثل الأبرار، بالخوف من هذا الموت وبحب تلك الحياة. أهَّل الشهداء أنفسهم للتويج بواسطة الله، على رجاء مواعيد الله، محتقرين تهديدات المضطهدين، وبذلك تركوا لنا تبجيلاً لهذه المقدسات. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
وآمنا مما نخاف واحفظ لنا ما نخاف عليه |
القديس أغسطينوس |
نحن قوم لا نخاف الجبال العواتى فكيف نخاف من ورقة كتب عليها اجب عن السوال الاتى |
القديس أغسطينوس |
القديس أغسطينوس |