|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دعوة كل من إيليّا ويوحنّا المعمدان " إن شئتم أنْ تفهموا ، فإنّ (يوحنا المعمدان ) هو إيليّا الذي سيأتي " ( متى 11 : 14 ) . نعم ، نحن نريد أنْ نفهم . وبفضل كلِمتك ، أيّها الكلمة الأزلي ، نُدرك ونُصدّق ونؤمن أنّ " إيليا قد أتى ، فلمْ يعرفوه ، بل صنعوا به كلّ ما أرادوا . وكذلك ابن الإنسان سيعاني منهم الآلام . ففهم التلاميذ أنّه كلّمهم على يوحنّا المعمدان " ( متى 17: 12 – 13 ) . إيليا والإسم إشارة إلى الدعوة والرسالة قال قدماء الرومان : " Nomen Omen " أي أنّ " الاسم دليل " ، ويحلو للناطقين بالعربية أن يستنتجوا عندما يطابق الواقع الاسم المُعطى أنّ فلاناً " اسمه على جسمه " . وفي الكتب المقدّسة ، في قديم عهدها وجديده ، ليس الاسم مجرّد لفظة يشار بها إلى الإنسان ( وكان يمكن بسهولة أنْ يسمى باسم آخر ) بل الاسم هو الكيان والمصير فيُصبح " أبرام " إبراهيم " أي أباً لجمهور غفير ( تكوين 17 : 5 ) ويصير " شمعون بن يونا " " كيفا " أي الصخر ، اسما وجسماً ، قولاً وفعلاً . " إيليّا " إختصار للكنعانية العبريّة " إيلي ياهو " أي يهوه هو إلهي " أو " إيل ياهو " " إله هو يهوه " . ويهوه هو أحد أسماء الجلالة ، وليس اسم الجلالة الوحيد بما أنّه اختصار لثلاث كلمات " إهييه آشر إهييه " (أكون الذي أكون ) ولأنه نُقل من صيغة المتكلّم الإلهي إلى الغائب : أي من " إهييه " إلى " يهوه " التي تعني "يكون أو يكوّن أي يخلق" . وحياة إيليا كانت بالفعل تحقيقاً لواقع أنّ " يهوه هو الله " بخلاف البعل . وسيعترف الشعب العبري على جبل المحرقة بأنّ " الربّ هو الإله " محقّقين اسم إيليا " ( 1 ملوك 18: 40 ) . أمّا اللفظة " الياس " فإنها آتية من الصيغة اليونانيّة في الترجمة السبعينية : " إيلياس". " يوحنا " : نجد في بداية اسم السابق (أي يوحنا المعمدان) لفظ الجلالة "يو" الذي هو مثل "يهو" اختصار لكلمة "يهوه" . والإسم العبري المركب "يو حنان" تعني "يهوه أو الربّ يرحم" . إنّ اسم "يوحنا " سابق لما سيقوله العهد الجديد أنّ " الله محبة " ( 1 يوحنا 4: 8 ) . الشبه بين الدعوتين : دعوة إلى نبوّة عنيفة زاهدة مشتعلة غيرة تعيد النفوس إلى الربّ وتصلح بينها وتطال حتى الوثنيين وتتكلّل بالمجد والخلود . دعوة نبويّة للكلام باسم الرب والعمل باسم الرب . فإيليا " رجل الله " ( ملوك 17: 1 ) وهكذا يوحنا (يحيى) ، " نبيّ العليّ يُدعى" كما تنبّأ والده الكاهن زكريّا ( لوقا 1: 76أ ) ، " الرجل البار القديس " باعتراف غريمه رئيس الربع " هيرودس أنتبياس" (مرقس 20 : 6 ) . إنهما يحملان رسالة الله إلى العظماء ولا سيّما آحاب وزوجته الوثنيّة إيزابيل من جهة إيليا ، وهيرودس أنتبياس من جهة يوحنا المعمدان ، ولا يهابان ، ولسان حالهما :" أنطق بشهاداتي أمام الملوك ولا أخزى" ( مزمور 119 : 36 ) . دعاهما الربّ وامتلأ أحدهما ، يوحنا ، من روح القدس وهو في بطن أمه " . ولبس كلّ منهما رداء الأنبياء ، " رداء الشَّعر " ( زكريا 13 : 4 ) أي رداء من وبر الإبل " (أو الشعر ) وحول وسطه ( أي على حقويه ) زنّار من جلد ( 2 ملوك 1 : 8 ، قابل مع متى 3 : 4 ) . وبما أنّ كلاً منهما عاش فترة في الصحراء ، فيفترض أنّ إيلياء أيضاً كان " طعامه الجراد والعسل البري " ( متى 3: 4 ) " ولا شرب خمراً ولا مسكراً " ( لوقا 1 : 15 ب ) . إيليا ودعوة نبوية " أمام الرب " أوّل كلمة يُوردها الكتاب المقدس على لسان إيليا قوله " حيٌّ الرب ّ! " وهذا الإله الحيّ سيُبقي إيليا حيّاً بحيث ستُشير إليه التقوى الشعبية بعبارة " مار الياس الحيّ ! والنبي التشبي الجلعادي يضع نفسه بين يديّ العزّة الإلهية " حيٌّ الربّ ... الذي أنا واقف أمامه " ( 1ملوك 17 : 1 ، ثم 18 : 15 ) . المعمدان أيضاً " سيكون عظيماً أمام الرب " ( لوقا 1 : 15 ) . إنّه " يسير أمام الربّ ليعدّ طرقه " ( لوقا 1 : 76ب ) ،" يسير أمام الربّ ، وفيه روح إيليا وقوّته " ( لوقا 1: 16 ب ) . ولكن ، في حين أنّ " الربّ الإله " هو الخالق الروحاني السماوي ، الرّوح المحض ، الذي ما شاهده إيليا ، " الرب " الذي يسير أمامه يوحنا المعمدان هو الإله المتأنس ، " الكلمة الذي صار جسداً وضرب خيمته بيننا " ( يوحنا 1 : 14 ) ، هو هو " يسوع من ناصرة الجليل " ( متى 3 : 13 ) وفي حين يذكر الإنجيل المقدّس نَسَبَ يوحنا المعمدان بن زكريّا من سبط لاوي ، من فرقة أبيّا ( لوقا 1 : 5 ) ، غير أن نسب إيليا غير وارد ويكتفي الكاتب المقدس بوصفه بالتشبي من جلعاد مع أن العادة الافتخار بالأجداد ، ولكن يبدو أن عظمة إيليا مرتبطة بما أنعم الله عليه شخصياً من غير حسب ولا نسب وكأنه يدعونا مع الشاعر : لا تقُل أصلي وفصلي أبداً إنما أصلُ الفتى ما قد حصل ! إيليا ودعوة نارية ملؤها الغيرة ولا عجب لأنّ " الرب إلهنا نار آكلة " ، فليس غريباً أنْ يصرخ التشبي : " لقد غرتُ غيرة للرب إله الجنود " ( 1 ملوك 19 : 14 ) وهو " ربّ القوات الذي أنا واقف أمامه " ( 18 : 15 ) . وكان إيليا أشبه بالنار في غيرته على التوحيد أي مجد الله الغيور (خروج 20 : 5 ) وعلى شريعته تعالى وعلى العدل والحق ( 1 ملوك 2 : 58 ) : " قام إيليا النبي كالنار وتوقد كلامه كالمشعل " ( سيراخ 48 : 1 ) . وأرسل الله النار على ذبيحة إيليا . وها إنّ السيد المسيح نفسه " العظيم " المطلق الذي سار يوحنّا امامه ( لوقا 1 : 32أ ) يشهد للمعمدان : " إنّه السراج أو المصباح المتوقّد المتّقد المنير " ( يوحنا 5 : 35 ) . ولفظة "نور" الكنعانية تعني النور والنار . والمعمدان يتوهج بنار الغيرة على مجد الله وقداسة الإنسان والعدل في الأرض . كلامه ناري - "ومن فيض القلب يتكلّم اللسان" "ها هي ذي الفأس على أصول الشجر ، فكل شجرة لا تثمر ثمراً طيباً تُقطَع وتُلقي في النار ... أمّا الآتي بعدي ... فإنّه سيعمّدكم في روح القدس والنار . بيده المذرى ينقي بيدره فيجمع قمحه في الأهراء ، وأمّا التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ " ( متى 3 : 10 – 12 ) . " ما أعظم مجدك يا إيليا بعجائبك ، ومن له فخر كفخرك ؟ " ( سيراخ 48 : 4 ) . إنّ للمعمدان فخراً قد يكون أعظم من فخرك لأنه – مع عدم قيامه بالمعجزات ، بخلافك – " أعظم مواليد النساء " ( متى 11 : 11 ) – بعد يسوع والعذراء والدته البتول . إيليا نبي وأكرم من نبيّ ، وهكذا المعمدان ، إيليا الثاني ( متى 11 : 9 ) ، كما سنرى لاحقاً . إليليا ودعوة " عنيفة " النبي التشبي قاس مع نفسه عنيف مع الظالمين : مع آحاب الملك وزوجته الغاصبين لكرمه نابوت والناشرين لتعدد الآلهة . ويبلغ العنف به حدّ ذبح كهنة البعل وقتل غيرهم . و يوحنا المعمدان شديد على نفسه ، عنيف على الشرّ والظلم : " يا أولاد الأفاعي ، من أراكم سبيل الهرب من الغضب الآتي ؟ ... ( أيها العشارون ) لا تجبوا أكثر مما فرض لكم " ( لوقا 3 : 7 و 13 ) ولا يمدّ المعمدان يده على الأشرار الذين سيكون ضحيّتهم والمقصود بالذات هيروديا وهيرودس سلفها . "ومنذ أيّام يوحنا المعمدان إلى اليوم ( أي زمن يسوع ) وملكوت السماوات يؤخذ بالجهاد ، والمجاهدون يختطفونه" (متى 11 : 12). إيليا ودعوة بين الصحراء والماء إنها نقطة شبه سطحيّة : فالمعمدان مثل إيليا خدم الله في منطقة الأردن . وبيد أنّ التشبي صلّى فأغلقت السماء عن المطر وعاد وصلّى فجادت السماء بالغيث ( يعقوب 5 : 17- 18 ) ، هكذا مَنَّ الله على ابن زكريا وأليصابات بأن يعمّد " في الماء " التي يرفّ عليها روح الله " ( تكوين 1 : 2 وتابع ، قابل مع متى 3 : 16 وتابع ) . فإيليا شبيه بموسى لأنه " سار أربعين يوماً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب " أي سيناء ، صائماً ؛ ويوحنا بزهدة وتقشفه في الصحراء بقرب نهر الأردن أعدّ لمجيء المخلّص الذي سيصوم في تلك المنطقة أربعين يوماً وأربعين ليلة وسيؤسّس المعمودية المسيحيّة ، وهو موسى ويشوع الجديد ، عبوراً من بحر القلزم إلى أرض الحريّة وبنهر الأردن إلى أرض المواعيد. إيليا ودعوة نبويّة مصيريّة استعداديّة " لمجيء الربّ " وبحكمها يرى الإيمان أن المعمدان هو إيليا الجديد . ما أبلغها نبوّة تلك الواردة في سفر ملاخي (3 : 23) : " ها أنا أرسل إليكم النبي قبل أنْ يأتي يوم الربّ العظيم الرهيب ، فيردّ قلوب الآباء وقلوب البنين إلى آبائهم " . ومن هذا النصّ نشأت النظرية اليهودية ، حسب سفر أخنوخ أيضاً ، أنّ إيليا النبي سيعود . ولهذا إلى أيامنا يترك اليهود المتديّنون في عشاء الفصح كأساً له وكرسيّاً فارغاً . ومن المفيد أن نقصي بكلّ وضوح نظرية التقمّص أو تناسخ الأرواح التي يؤمن بها قوم ، زاعمين أنّ المعمدان تجسُّد ثانٍ لإيليا النبي . فالتقمّص مخالف لكلّ ما ورد في الكتب المقدّسة وهو إنكار للشخصية وبالتالي للمسؤوليّة . بشكل عام ، يؤكّد لنا العهد الجديد – على لسان جبرائيل الملاك والسيّد المسيح نفسه – بأنّ يوحنا المعمدان هو إيليا العائد " بروح إيليا وقوته " وهذا هو التفصيل : 1 – إيليا سابق الرب ومثله يوحنا ملاخي هو آخر أنبياء العهد القديم الكتبة الأدباء . وفي آخر نبوة مكتوبة من العهد القديم ورد أنّ إيليا يأتي : فهو نهاية لعهد قديم وبداية لعهد جديد . ويوحنا آخر أنبياء العهد القديم – غير الكتبة – الذي سيرى بأمّ عينيه " مسيح الربّ " ويشير إليه "كحمل الله الحامل خطايا العالم" . إيليا الجديد أي يوحنا يسبق أمام وجه الرب فيُفتح أمامه باب العهد الجديد . 2- إيليا " يردّ قلوب الآباء إلى البنين والبنين إلى الآباء " يردّهم أي يعيدهم ، إذ يعيدهم إلى الإله الواحد وإلى التقوى والعدل . ويصلح بينهم ( سيراخ 48: 10 ) بعد أن أصلحهم مع الله خصوصاً بعد أنْ بيَّنت السماء – على جبل المحرقة – صدق رسالته . ويوحنا ، إيليا الجديد ، تشهد له السماء ، بصوت الآب وبروح الله على شكل حمامة ، أنه نبي صادق . إنه يعيد الناس إلى الله بالتوبة . ( فالتوبة تعني "العودة") وقد استخدم المعمدان حرفيّاً هذا الفعل في الآرامية " توبو " أي " توبوا " : تاب وثاب وآب كلها تعني "رجع" وكرز بمعمودية التوبة ، مصالحاً الناس مع الله وبين بعضهم . 3- إيليا القديم والجديد ينقلان نعمة الله إلى الوثنيين أيضاً هذه باكورة العهد الجديد و " إنجيل الخلاص " المُعلن " لجميع الأمم " ( متى 28 : 19 ،مرقس 16: 15 ) . يكثر إيليا النبي الدقيق والزيت عند أرملة وثنيّة من "صَرْفت" صيدا وينقذ ابنها من الموت ( 1 ملوك 17 : 10 -24 ) ، ويوحنا بن زكريّا يبشر الجنود الرومانيين بمعمودية التوبة وبضرورة العدل : " لا تتحاملوا على أحد ولا تظلموا أحداً ، واقنعوا برواتبكم " ( لو 3 : 14 ) . خاتمة يوحنا المعمدان هو إيليا الجديد المدعو لتحضير الناس لمجيء المسيح المنتظر . إنّه مدعوّ مثل إيليا إلى قول كلمة الحقّ ، ومثل سائر الأنبياء وربّما بقوة أشدّ . فكلا الرجلين النبيين يثور على نهج البشر القانع بأنّ "حجّة الأقوى هي الفضلى . رفع الرجلان لواء قوّة الحقّ لا حقّ القوّة ، وسلطة الحقّ لا حق السلطة ، وأنّ العظمة في التواضع والعدل . واشتعلا ناراً ، غيرة على "ربّ القوات" الإله الحيّ الذي أخبرا عنه وحظي يوحنا بأن يريه للناس حَمَلاً "وديعاً متواضع القلب " . |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بولس بطرس ويوحنّا |
دعوة المعمدان (ع7 -9) |
دعوة إلى التوبة التي حملها الأنبياء في كرازة يوحنا المعمدان |
ترتيب حادثة القبض على يوحنا المعمدان مع دعوة التلاميذ للخدمة |
طلب أمّ يعقوب ويوحنّا |