|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إيليا من أنبياء اليهودية
ايليا والمطر استجاب اللّه صلاة إيليا، وأنزل نار السماء لتحرق الذبيحة فهتف بنو إسرائيل: «الرب هو اللّه». وقتل النبيُّ إيليا أنبياء الصنم الذين ضللوا الشعب، حتى لا يعودوا يُضلّون الشعب من جديد. وتاب الشعب إلى اللّه ودخل في عهدٍ معه. وهنا أدرك النبي إيليا أن اللّه لا بد سيرفعُ العقوبة التي وقَّعها على شعبه، فتُنزل السماء مطراً. لقد قال اللّه لنبيِّه موسى: «إِنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ آتٍ بِكَ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ، أَرْضِ أَنْهَارٍ مِنْ عُيُونٍ وَغِمَارٍ تَنْبَعُ فِي ٱلْبِقَاعِ وَٱلْجِبَالِ. أَرْضِ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَكَرْمٍ وَتِينٍ وَرُمَّانٍ. أَرْضِ زَيْتُونِ زَيْتٍ، وَعَسَلٍ. أَرْضٌ لاَ يُعْوِزُكَ فِيهَا شَيْءٌ» (تث ٨: ٧-٩). ولكن خطية الناس جعلت السماء تمنع المطر. وقد كان من إنذارات الرب لشعبه أنهم في حالة الارتداد عنه «تَكُونُ سَمَاؤُكَ ٱلَّتِي فَوْقَ رَأْسِكَ نُحَاساً، وَٱلأَرْضُ ٱلَّتِي تَحْتَكَ حَدِيداً. وَيَجْعَلُ ٱلرَّبُّ مَطَرَ أَرْضِكَ غُبَاراً، وَتُرَاباً يُنَزِّلُ عَلَيْكَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ حَتَّى تَهْلِكَ» (تثنية ٢٨: ٢٣ ، ٢٤) وقد حدث هذا تماماً. ولكن ها هو الشعب يتوب، ويرجع إلى عبادة اللّه، فرفع عنهم اللّه الضربة والعقاب ولا بد أن ينزل المطر، فقال النبي إيليا للملك أخآب: «صعد، كُلْ واشرب، لأنه حِسُّ دَويّ مطر». فذهب أخآب إلى قصره ليستمتع بوليمة كبيرة، وأما النبي إيليا فصعد إلى رأس جبل الكرمل ليصلي. صلاة إيليا خرَّ إيليا إلى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه وأخذ يصلي متضرعاً إلى اللّه أن يرفع العقوبة عن الشعب بأن يُنزل المطر. وبعد وقتٍ من الصلاة أمر غلامه أن يذهب نحو البحر ليتطلَّع، لعله يرى سحاباً، فعاد الغلام يقول: إنه لم ير شيئاً. وجعل إيليا يصلي ويأمر غلامه بالذهاب للتطلُّع نحو البحر ست مرات، دون أن يرى الغلام شيئاً. وفي المرة السابعة قال الغلام للنبي إيليا: «رأيت غيمة صغيرة: قدر كفّ إنسان صاعدة من البحر». وسرعان ما اسودّت السماء بالغيوم، وهطل مطر عظيم. لقد استجاب اللّه صلاة نبيه إيليا. ويقول لنا الكتاب المقدس: «كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَاناً تَحْتَ ٱلآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى ٱلأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضاً فَأَعْطَتِ ٱلسَّمَاءُ مَطَراً وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ ثَمَرَهَا» (يعقوب ٥: ١٧ ، ١٨). لماذا سمع اللّه لإيليا؟
إيليا والهروب حقق النبي إيليا انتصاراً عظيماً على أنبياء الأوثان الذين عجزوا عن أن يُنزلوا ناراً تأكل ذبيحتهم، لكن اللّه الحي أنزل ناراً أكلت الذبيحة. ولما رأى بنو إسرائيل ذلك هتفوا كلهم: «الرب هو اللّه». وحقَّق إيليا أعظم انتصار كان يشتاق إليه، وأنزل اللّه المطر استجابة لصلاته. ولم يكن هناك أعظمَ من هذا. وعاد الملك أخآب إلى قصره وحكى لزوجته إيزابل كل ما عمله إيليا، وكيف أنه قتل جميع أنبياء الصنم بالسيف. لم يكن أخآب متحمساً للأمور الدينية، وكان يستغرب كيف يهتم الشعب بأمور الدين، وكان كل ما يعني أخآب أن يجد ما يكفيه من الطعام والشراب، وأن يجد طعاماً لخيوله. غير أن الملكة إيزابل كانت مهتمة بدينها الوثني وكانت متحمّسة له. ولما سمعت أن النبي إيليا انتصر، خافت أن تندثر العبادة الوثنية. ولم تكن تستطيع أن تفعل شيئاً ضد النبي إيليا في يوم انتصاره العظيم، فقد كان الشعب كله يسانده ويساند العبادة الصحيحة. لذلك لجأت إلى الحيلة، فأرسلت إلى النبي إيليا شخصاً يهدّده بالموت. وكانت عباراتُ تهديدها ضعيفة، قالت: «هٰكَذَا تَفْعَلُ ٱلآلِهَةُ وَهٰكَذَا تَزِيدُ إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ غَداً» (١ملوك ١٩: ٢). كنا نتوقع أن النبي إيليا يقول: «أين هي آلهتك؟ ألم تصنعها يد البشر؟ إنها أوثان لا قيمة لها». وكنا نتوقع أنه يأخذ الرسالة إلى اللّه في ثقة كاملة، عالماً أن اللّه سيستره، كما يقول المرنم: «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ فِي ظِلِّ ٱلْقَدِيرِ يَبِيتُ. أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلٰهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ ٱلصَّيَّادِ وَمِنَ ٱلْوَبَإِ ٱلْخَطِرِ» (مزمور ٩١: ١-٣). ولكن الغريب أن إيليا لم يفعل شيئاً من هذا، بل هرب من التهديد، وتقول التوراة إنه «مضى لأجل نفسه». أخذ إيليا غلامه وسافر في الليل إلى جهة الجنوب حيث تنتهي مراعي فلسطين الخضراء بصحراء العرب المترامية الأطراف، إلى مكان لا يصل إليه نفوذ الملكة إيزابل. ووصل إلى بئر سبع حيث ترك غلامه، وتوغل أكثر في الصحراء نحو الجنوب إلى سيناء. كان يسير في أشعة الشمس الحارقة على الرمال الساخنة، ولم يكن هناك غربان تعوله، ولا امرأة تعتني به كما حدث في مدينة صرفة. وظهر له كأنَّ اللّه قد تركه، فطلب الموت لنفسه وقال: «كَفَى ٱلآنَ يَا رَبُّ! خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْراً مِنْ آبَائِي» (١ملوك ١٩: ٤). ولعله ردَّد كلمات مزمور قديم لداود: «إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ ٱلنِّسْيَانِ! إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي! إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُوماً فِي نَفْسِي وَحُزْناً فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ! إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّي عَلَيَّ؟» (مزمور ١٣: ١، ٢). ايليا والتركيز على المشكلة لقد أصاب اليأس النبي إيليا لأنه ركَّز نظره على نفسه، قال للرب: «بقيتُ أنا وحدي». وإحساس الإِنسان بالوحدة إحساس قاتل. وعلى الإنسان منا أن يحيا دوماً بالقرب من ربه، بدرجة تحفظه من الشعور المؤلم بالوحدة، على مثال السيد المسيح الذي قال لتلاميذه قبل الصلب مباشرة: «هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ ٱلآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ ٱلآبَ مَعِي» (يوحنا ١٦: ٣٢). صحيح أن غلام إيليا كان يرافقه في تلك الرحلة الطويلة إلى بئر سبع، لكن لم تكن هناك مشاركة وجدانية بين النبي وغلامه. كثيراً ما يكون الإِنسان منا وسط مجموعة كبيرة من الناس، وبالرغم من ذلك يحس بالوحدة، لعدم وجود ارتباط وجداني بينه وبين الآخرين. ونحن نحتاج إلى جماعة المؤمنين ليكونوا من حولنا، يؤازروننا ويشجعوننا. فالإنسان منا لا يستطيع أن يعيش في جزيرة، منعزلاً عن الآخرين. لذلك صلى المسيح من أجل المؤمنين قائلاً: «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (يوحنا ١٧: ١٥). ونحن، عندما نحوّل نظرنا عن اللّه لنثبتَه على الظروف حولنا، تصيبنا خيبة الأمل والرعب، ونحتاج أن نستمع إلى ما يقوله الإنجيل المقدس عن موسى، إنه عندما ترك مصر كان غير خائف من غضب الملك، لأنه تشدَّد كأنه يرى من لا يُرى (عبرانيين ١١: ٢٧). وإيماننا ينجح دائماً عندما نرى اللّه ونثبّت عيوننا عليه، لذلك يقول الإنجيل لنا: «نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ ٱلإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ» (عبرانيين ١٢: ٢). لقد فكر إيليا كثيراً في تهديدات الملكة الشريرة إيزابل، مع أنها من تراب ورماد، ونسي أن الرب صانعه هو خالق السماء والأرض. فلما تأمل أقوال الملكة إيزابل ونسي سلطان اللّه، هرب إلى الصحراء لينجّي نفسه. وكم نشكر اللّه أنه لم يستجب صلاة إيليا عندما طلب أن يموت، وما أعظم مراحم اللّه عندما لا يستجيب كل صلواتنا. فنحن نطلب أحياناً ما لا ينفعنا - واللّه في محبته لا يعطي إلا الخير. ولذلك فهو لا يعطي كل ما نطلبه، بل يعطي كل ما نحتاج إليه، لذلك يقول المرنم: «اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ» (مزمور ٢٣: ١). لا يحتاج المؤمن إلى شيء ما دام مع اللّه، لأن اللّه يكفي المؤمن احتياجاته جميعاً، وخير لنا أن نترك أمورنا كلها بين يدي اللّه، كليّ الحكمة وكلي المحبة، فنستطيع أن نقول مع داود: «وَيَفْرَحُ جَمِيعُ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ. إِلَى ٱلأَبَدِ يَهْتِفُونَ، وَتُظَلِّلُهُمْ. وَيَبْتَهِجُ بِكَ مُحِبُّو ٱسْمِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ تُبَارِكُ ٱلصِّدِّيقَ يَا رَبُّ. كَأَنَّهُ بِتُرْسٍ تُحِيطُهُ بِٱلرِّضَا» (مزمور ٥: ١١ ، ١٢). ايليا (هل هو اختبار مضى؟) عندما يمرُّ الإنسان باختبار عظيم يخاف لئلا تنتهي اختباراته العظيمة، ولئلا يفارقَه اللّه. هذا ما حدث مع كليم اللّه موسى، فقال للّه: «أَنْتَ قَائِلٌ لِي أَصْعِدْ هٰذَا ٱلشَّعْبَ، وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي... فَٱلآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ . فَقَالَ اللّه لموسى مشجّعاً: «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ» (خروج ٣٣: ١٢-١٤) وهكذا حدث مع رسول المسيحية بطرس، فإنه بعد ما مشى على الماء مع المسيح، نظر إلى الأمواج من حوله فخاف، وبدأ يغرق، فصرخ: «يَا رَبُّ نَجِّنِي» (متى ١٤: ٣٠). صحيح أن إيليا مرَّ باختبار عظيم، لكن تهديد الملكة إيزابل له أخافه، مع أنه كان تهديداً فارغاً لا أساس له، فكان لا بد لإيليا أن يتعلم درساً آخر، وهو أن اللّه الذي يعمل بالنار والعاصفة، يعمل أيضاً بالهدوء. لو أننا تركنا أنفسنا لحظة واحدة بعيداً عن اللّه، واستسلمنا لليأس، سنجد أننا ضيَّعْنا مكانتنا في خدمة اللّه، وفقدنا فرصاً عظيمة كان يمكن أن نستخدمها لردّ الضالين إلى طريق اللّه. ولا يستطيع أحد منا أن يقول: «إنني أكبر من أن أرتكب الخطيئة». أو يقول: «أنا لا أميل بطبعي إلى السقوط في هذا الشر. إن نفسي قويةٌ ومنيعة في هذه الناحية». فإن عدوَّ النفوس يريد أن يُسقطنا ويهاجمنا في الناحية التي نظن أننا أقوياء فيها. إيليا يظلم وفي هروب إيليا ظلم كبير. أول ما فيه من ظلم، أن النبي ظلم نفسه - فلم يكمّل الخدمة التي أعطاها اللّه له. كان يقدر أن يواجه الملكة إيزابل كما واجه الملك أخآب بكل شجاعة، لكنه أساء تقدير قيمة نفسه. وكان إيليا ظالماً لإِلهه، فإن اللّه الذي كلَّفه أن يقوم بالخدمة كان لا بد سيؤهّله للقيام بها، ويعطيه الإِمكانات التي تعاونه. إن اللّه الذي أمر الغربان أن تعول إيليا كان يمكن أن يحميه من تهديد إيزابل الشريرة. وظلم إيليا تاريخ شعبه، فإن تاريخ بني إسرائيل عامر بمعاملات اللّه الحلوة. لقد أطعمهم المنَّ في الصحراء، وأرسل إليهم السلوى. ولم يجعل أحذيتهم تبلى خلال رحلة أربعين سنة.. هذا الإِله هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، ولا زال يتعامل بذات الطريقة الأمينة المُحبة مع شعبه الذين يسلكون حسب مشيئته، فإن كل من يفعل الحق يُقبل إلى النور لتظهر أعماله أنها باللّه معمولة (يوحنا ٣: ٢١). وهذا يقودنا إلى سؤال: لماذا يذكر الكتاب المقدس ضعفات المؤمنين والأتقياء؟ الإجابة: لأنه يريد أن يعلّمنا أن البشر خطاة مقصّرون «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء ٥٣: ٦). وليس أحد من المولودين من النساء بلا خطية إلا واحد وهو السيد المسيح. وهذا يدفعنا أن نلجأ إلى مراحم اللّه دائماً لنطلب غفرانه، ولنسأل معونته لنا، لنحقق قصده في حياتنا. اللّه يطعم إيليا الهارب أرسل اللّه ملاكاً مسَّ إيليا برفق وناداه: «قُمْ وكُلْ». وأعطاه كعكة مخبوزة على حجارة محمَّاة في النار، يسمونها «كعكة رَضْف». ورأى كوز ماء عند رأسه، فأكل الكعكة وشرب الماء، وعاد ينام. فمسَّه ملاك اللّه مرة ثانية برفق وقال له: «قُمْ وكل لأن المسافة كثيرة عليك». فقام وأكل وشرب وانتعش، وابتدأ يمشي أربعين نهاراً وأربعين ليلة، حتى وصل إلى جبل اللّه حوريب، وهو جبل سيناء الذي أعطى اللّه عليه الوصايا العشر لموسى، ويسمى اليوم «جبل موسى» وتحته وادي الراحة. ووجد إيليا مغارة عند جبل حوريب بات فيها. ترى لماذا هرب إيليا؟ الإجابة: هرب، لأنه نظر إلى الظروف من حوله أكثر مما نظر إلى اللّه من فوقه. قال للّه: «لستُ خيراً من آبائي» ونسي إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وداود. نظر إلى بني إسرائيل الذين ضلوا عن العبادة الإلهية واستسلموا للعبادة الوثنية. ونسي أن اللّه يريد أن يردَّ الضال ويتوّب الخاطئ، فحتى هؤلاء الذين ضلوا إلى عبادة الوثن، عندما رأوا برهان ربهم، هتفوا: «الرب هو اللّه». لقد ظن إيليا أن رسالته فشلت، ولكنها لم تفشل، لأن اللّه ساهر على كلمته ليُجريها، ولأن كلمة اللّه أمضى من كل سيف ذي حدين، ولا بد أن تصل إلى القلوب لتعمل فيها وتغيّرها. إن لكلمة اللّه سلطاناً، وحيثما وُجدت يصاحبها سلطان اللّه. كان إيليا قد تعب جداً بعد أن بذل مجهوداً كبيراً وهو يصارع مع أنبياء البعل على جبل الكرمل. وبعد أن قتلهم رفع صلاة حارة للّه، بعدها جرى أمام مركبة الملك أخآب نحو خمسة وعشرين كيلومتراً. وقد جاء هذا المجهود الجبار بعد فترة راحة كبيرة في بيت أرملة صرفة. وبعد أن انتهت كلُّ مجهوداته العنيفة عانى من ردّ الفعل الذي يرجع إليه السبب الأكبر في كآبة النبي إيليا وانقباض نفسه. ويقول لنا المزمور المئة والثالث: إن اللّه يعرف جبلتنا ويذكر أننا تراب نحن، ولذلك فإنه يرثي لنا وقت ضعفنا البدني. على أننا نرجو من القارئ الكريم أن يدرك أن جسده هيكل للروح القدس، وأنه يجب أن يعتني بهذا الجسد ليستخدمه اللّه استخداماً ناجحاً. اللّه يعاقب إيليا الهارب أطعم اللّه إيليا، وبعد ذلك سافر إلى أن وصل إلى جبل موسى في سيناء، حيث وجد مغارة بات فيها. وهناك سأله اللّه: «ما لك ههنا يا إيليا؟». وكأن اللّه يقول له: لماذا جئت إلى هذا المكان؟ ماذا تفعل عندك؟ لقد سبق للّه أن أطعم نبيَّه واعتنى به وقوَّاه، ولا زال إيليا عبدَ اللّه وخادمَه الغيور على رسالته، رغم أنه لم يكن قد أكمل توصيلَ تلك الرسالة. كان لا يزال عليه عمل كبير ليقوم به. كان قد ترك العمل الذي كلَّفه اللّه به وهرب إلى هذا المكان البعيد. ولذلك سأله اللّه: «لماذا أنت هنا يا إيليا؟ كان يجب أن تكون مكانك وسط الشعب تقوده للعبادة الحقيقية». بهذا العتاب الرقيق يساعد اللّه نبيَّه ليُعيد حساباته، وليفكر من جديد في مسؤوليته الروحية التي هرب منها. ولقد أعاد هذا السؤال إلى النبي إيليا رشده، فعاد يفكر في طبيعة اللّه وفي أهدافه. لم يكن إيليا وحيداً في عبادة اللّه، لأن اللّه أبقى لنفسه كثيرين مؤمنين مخلصين له، ولو أنهم مختبئون غير ظاهرين. ولا شك أن السؤال الإلهي الذي يُوجَّه إلينا: «ما لك ههنا؟» يجعلنا نقول للّه ما قاله داود: «ٱخْتَبِرْنِي يَا اَللّٰهُ وَٱعْرِفْ قَلْبِي. ٱمْتَحِنِّي وَٱعْرِفْ أَفْكَارِي. وَٱنْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَٱهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً» (مزمور ١٣٩: ٢٣ و٢٤). وأجاب إيليا: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلٰهِ ٱلْجُنُودِ لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِٱلسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَاِ» (١ملوك ١٩: ١٤). هذه الكلمات تعبير مؤلم عن اليأس والأسى في نفس إيليا. غريب أن إيليا يدعو اللّه باسم «إله الجنود» ومع ذلك يمضي ليقول له إنه بقي وحده، وإن أعداءه يريدون أن يهلكوه. كيف يمكن أن يترك اللّه نبيَّه في يد الأعداء، إن كان اللّه هو رب الجنود؟ ما أجمل أن نذكر كلمات داود في مثل هذا الموقف. قال: «أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي. ٱلرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلٰهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاَصِي وَمَلْجَإِي. أَدْعُو ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي. اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ، وَسُيُولُ ٱلْهَلاَكِ أَفْزَعَتْنِي. حِبَالُ ٱلْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي. أَشْرَاكُ ٱلْمَوْتِ ٱنْتَشَبَتْ بِي. فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ وَإِلَى إِلٰهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ. فَٱرْتَجَّتِ ٱلأَرْضُ وَٱرْتَعَشَتْ أُسُسُ ٱلْجِبَالِ. ٱرْتَعَدَتْ وَٱرْتَجَّتْ لأَنَّهُ غَضِبَ... خَلَّصَنِي لأَنَّهُ سُرَّ بِي» (مزمور ١٨: ١-٧ ، ١٩). إن كنت خائفاً من ظروف قاسية حولك، وإن كنت تظن أن اللّه قد تركك، وأنك قد بقيت وحدك، فإننا ندعوك أن تختبر محبة اللّه العظيمة لك، فإن اللّه لا يهملك ولا يتركك، لكن عينه عليك دائماً. اللّه يعلن نفسه لإيليا الهارب ثم أمر اللّه نبيَّه إيليا أن يخرج من المغارة وأن يقف على الجبل - ولكن النبي تردَّد في طاعة الأمر. ولسنا نعرف بالضبط لماذا لم يطع إيليا أمر اللّه فوراً، ترى هل كان يحس بالذنب؟ هل كان حزيناً على نفسه لأنه وضع نفسه في هذا الموقف السيّء؟ غير أن اللّه لم ينتظر حتى يخرج إيليا إلى خارج المغارة، بل أرسل ريحاً شديدة وعاصفة قوية شقَّت الجبال وكسرت الصخور. وتقول التوراة إن اللّه لم يكن في الريح. وبعد أن سكنت الريح أرسل اللّه زلزلة قوية، وتقول التوراة إن الرب لم يكن في الزلزلة. وبعد الزلزلة نزلت نار عظيمة من السماء أضاءت أرجاء المكان كله، حتى أن الكهف المظلم استنار، ولكن الرب لم يكن في النار. تلك كانت جميع قوى الطبيعة، وكلها في يد الرب، تظهر قوته غير المحدودة. لقد سبق أن أرسل اللّه ريحاً شديدة شقت مياه البحر الأحمر، فعبر بنو إسرائيل على اليابسة، بينما الماء يقف سوراً لهم عن يمينهم وعن يسارهم. وعندما شرع فرعون وجنوده أن يفعلوا الشيء نفسه غرقوا. وفي نزول النار على ذبيحة إيليا أظهر اللّه قوته العظيمة. وكنا نتوقع أن الريح والزلزلة والنار هي العلامات المناسبة لحضور اللّه، فإن اللّه قوي جبار. غير أن اللّه أراد أن يبيّن لإيليا أنه الإِله الرقيق المحب، فقد سمع إيليا صوتاً منخفضاً خفيفاً مسَّ قلبه وهدَّأ روعه لأنه علامة محبة اللّه الفائقة التي جاءت تفتش عن النبي. فلما سمع إيليا صوت اللّه لفَّ وجهه بردائه، علامة الاحترام، كما تفعل الملائكة المحيطة بالعرش (إشعياء ٦: ٢)، ولفَّ وجهه علامة المهابة كما غطى موسى وجهه عندما ظهر الرب له في العليقة (خروج ٣: ٦). وكل من يقترب إلى اللّه في العبادة والصلاة يجب أن يقترب بالثقة والاحترام. أيها القارئ الكريم، يكلمك اللّه بصوت الحب المنخفض الرقيق، يدعوك للتوبة. إنه يقرع باب قلبك لترجع إليه تائباً. يدعوك في همسات حانية لتعيش له ولتترك خطيتك. فانتبه لصوت حب اللّه المنخفض الخفيف لك. اللّه يعيد تكليف النبي الهارب سأل الرب: «ما لك ههنا يا إيليا؟» وكأنه يقول له: «يا إيليا، ليس هذا مكانَك». وكرر اللّه سؤاله، لأن إيليا لم يكن قد فهم ما قصده الرب عندما وجَّه السؤال إليه أول مرة، فقال الرب لنبيّه: «اذهب راجعاً في طريقك إلى برية دمشق». واللّه هنا يُرجِع إيليا إلى عمله. لقد هرب إلى الجنوب، واللّه يُعيده إلى الشمال من حيث هرب. وأفضل علاج لنا في حالات يأسنا هو أن نعمل شيئاً لخدمة اللّه، وأن نرجع إلى موقعنا الأول في إرضاء اللّه. كما قال اللّه لملاك كنيسة أفسس: «وَقَدِ ٱحْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ. لٰكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ ٱلأُولَى. فَٱذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَٱعْمَلِ ٱلأَعْمَالَ ٱلأُولَى» (رؤيا ٢: ٣-٥). ليتنا نذكر دائماً من أين سقطنا لنرجع ونتوب. ورجع النبي إيليا في الطريق التي كان قد هرب فيها، ومرَّ بالبلاد التي كان يخاف أن يمرَّ بها. ولكن الرب كان معه في رجوعه، وحقَّق له وعده الذي يقول: «أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر». ووجَّه الرب إلى النبي أمراً أن يمسح «حزائيل» ملكاً في دمشق على أرام، وأن يمسح «ياهو بن نِمشي» ملكاً على إسرائيل، وأن يمسح «أليشع بن شافاط» نبياً عوضاً عنه. والمقصود من كلام الرب لإيليا أن اللّه سيُقيم في دمشق من يُجري أحكامه على بني إسرائيل، كما يُقيم في بني إسرائيل من يلاشي عبادة الأوثان. ويقيم نبياً آخر يستلم العمل من إيليا عندما ينتقل إلى حضرة اللّه. وفي هذا تطمين كامل للنبي إيليا أن اللّه ساهر على كلمته ليُجريها، وأنه غير غافل عن شيء أو قاصر عن شيء. لقد ظن إيليا أنه الشخص الوحيد وسط شعبه الذي يعبد اللّه، وحتى هذا الشخص الواحد رأى أنه سيموت في سبيل اللّه. ولكن الله طمأن إيليا بأنه صاحب السلطان في الأرض كلها، وأن ملوك الوثنيين بين يديه يفعل بهم ما يشاء، وكل العالم في قبضة يده يحقق به مقاصده الصالحة. وما أجمل ما قال النبي إشعياء: «هَا إِنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ» (إشعياء ٥٩: ١). «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ ٱلْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هَكَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ يُنْبِتُ بِرّاً وَتَسْبِيحاً أَمَامَ كُلِّ ٱلأُمَمِ» (إشعياء ٦١: ١١). ويقول اللّه: «كَمَا يَنْزِلُ ٱلْمَطَرُ وَٱلثَّلْجُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ ٱلأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلّزَارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ، هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي ٱلَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إشعياء ٥٥: ١٠-١١). دروس لنا من ايليا
صحيح أن اللّه متسلطٌ في مملكة الناس، يفعل إرادته الصالحة بأشخاص صالحين وبأشخاص غير صالحين. ونرجو أن تكون أنت صالحاً ليتمم اللّه غرضه الصالح بك. وما أجمل ما قاله يوسف الصديق لإخوته: «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا ٱللّٰهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا ٱلْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً» (تكوين ٥٠: ٢٠). |
|