|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سمعان والحديث مع العذراء مريم بعد أن أنهى أغنيته، تحول إلى العذراء وتحدث عن المسيح بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة لها، فقال: «ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم، وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف. لتعلن أفكار من قلوب كثيرة» (لو 2 : 34 و35) ويتفق هذا القول مع ما جاء في إشعياء عن السيد : «قدسوا رب الجنوب فهو خوفكم وهو رهبتكم. ويكون مقدسًا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبني إسرائيل وفخًا وشركاً لسكان أورشليم، يعثر بها كثيرون ويسقطوا فينكسرون ويعلقون فيلقطون صُرّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي» (اش 8 : 13-16) وهو عين ما قاله السيد للشعب : «فنظر إليهم وقال إذاً ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية، كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض. ومن سقط هو عليه يسحقه» (لو 20 : 17 و18). ولعل ما قاله الكسندر هوايت هنا، من أصدق وأدق ما يمكن أن يقال : «كان المسيح هكذا لإسرائيل، وما يزال إلى اليوم» هناك مدارس ومذاهب فكرية في تفسير الكتاب، وهناك مدارس ومذاهب فلسفية، وهي تذهب جميعًا إلى أن النبوة التي تنبأ بها سمعان ما تزال باقية إلى اليوم، إنهم ينهضون ويقومون ويسقطون على أساس قبولهم أو رفضهم لعمانوئيل، ولكن السؤال الذي يرفعه الكتاب أمامنا، ليس عن مدارس الفكر إو النظم اللاهوتية أو الفلسفية بل عن نفوسنا! هذا الذي ولد من مريم، وهو ابن الله، هل هو حجر صدمة!؟ أو هو حجر الأساس في صهيون بالنسبة لي!؟ أهو رافعي لخلاصي الأبدي، ولمجده الدائم، فوق جميع سقطاتي لأثبت في بره كمن يقف على صخرة!؟ قد يسقط سمعان وقد أسقط أنا، لكن السيد يرفعني بيده : «والقادر أن يحفظكم غير عاثرين ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج، الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور، آمين (يهوذا 24 و25). عندما أراد بطرس ماكينزي الواعظ الإنجليزي الميثودسني أن يعبر عن هذا كله بصدق وطرافه. وكان يعظ عن : «وهم يترنمون كترنيمة جديدة» (رؤ 14 : 3). قال حين أصل إلى السماء أريد أن أرى داود مع قيثارته مجتمعًا مع بولس وبطرس وسائر القديسين ليترنموا، ثم أطلب ترنيمة 749 من كتاب ترانيم الميثودست : «إلهي - أني حين أضل الطريق» ولكن شخصًا يأتي إليَّ ليقول : «هذا لا ينفع هنا في السماء.. أنت في السماء يا بطرس وهنا لا يوجد ضلال في الطريق» وأرد عليه قائلاً أنت على حق يا أخي دعنا نرنم ترنيمة 615 : «وإن هبت العواصف على رأسي.. وكل أصدقائي وأحبائي تركوني» وإذا بقديس آخر يصيح «لا توجد هنا عواصف» فأحاول أن أرنم ترنيمة أخرى رقم 536 : «إلى عالم الآثام أرسلت» فاسمع آخر ينادي بطرس بطرس! ستخرجك من السماء إن لم تترك هذه الترانيم.. فأسأل : وماذا أرنم!؟ فيقولون : «ترنيمة جديدة، ترنيمة موسى والحمل» كان سمعان يؤمن بوجود مكان آخر ينطلق إليه، وهو المكان الذي لا يستطيع الوصف البشري أن يحيط به، المكان الذي عندما أراد أحدهم أن يصفه قال : «أي مكان يمكن أن تكون السماء! إن قصور التوبلري في فرنسا، ووندسور في إنجلترا، والهمبرا في أسبانيا، والشونبرن في النمسا، والبيت الأبيض في الولايات المتحدة، ليست إلا سجونًآ بالمقارنة به».. إن البيت الذي نحن فيه، وهو الجسد، يتصدع، والنوافذ تتزعزع، والسقف يتهاوى، إلى أن ننطلق، ونتحرر من كل صفات الجسد والروح، ونلبس شبابنا الخالد أمام الله!! كان سمعان، ونحن، أشبه بحبه الحنطة التي تتفتت بالشيخوخة والموت، إلى أن تبزغ في فجر الأبدية شجرة وارفة في بستان الله العظيم!! ومن ثم كان فرحه عظيمًا بالأمل المفرد الذي يراه في الصبي العظيم بين يديه، والانطلاق الموعود به بعد هذه الرؤيا العليا المجيدة!! فإذا رجعنا مرة أخرى إلى العذراء المتعجبة من كلام سمعان، فلعله من الواجب أن نعلم أنه وهو يقول لها : «وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف» كان يتحدث عن الألم الرهيب الذي كان لابد أن تجتازه نفسه، في علاقتها بابنها العظيم وقد أشرنا إلى ذلك، ونحن نحلل شخصيتها المتميزة في نساء الكتاب المقدس، وقلنا هناك إن الأصل اليوناني لكلمة «سيف» لا تعني ذلك النوع الصغير القصير من السيوف، بل ذلك النوع الحاد الطويل المرهف، وقد جاز في قلبها من يوم تبشير الملاك لها، حتى وقفت تحت الصليب في يوم الصلب العظيم!! وقد رسم هولمان هانت بخياله البارغ هذه الحقيقة إذ صورها وهي تجمع الذهب الذي أعطاه إياه المجوس، وقد استغرقتها أفكارها وآمالها وأحلامها وأمانيها عن ولدها وعرشه ومجده وصولجانه، ولكن شيئًا ما جعلها تلتفت نحو الجدار القريب، وإذا بها تجد شعاعات الغروب تنعكس عليه صليبًا مخيفاً مفزعاً، وقد روعها أن تبصر إبنها معلقًا علىه، فارتاعت وفزعت، وحاولت أن تطرد الفكر من خيالها، ولكن كلمات الشيخ المدوية عادت مرة أخرى ترن في أذنيها : «وأنت يجوز في نفسك سيف» وفي الحقيقة إن طريق المسيح لا يمكن أن تعطي الإكليل لإنسان لم يخرج إليه خارج المحلة حاملاً عاره، إذ لا إكليل بدون ألم، ولا تاج بدون صليب!! على أي حال كان سمعان الشيخ على موعد مع النور الذي بهر عينيه، وأشاع ابتسامة الهدوء والرضا التي ملأت محياه، ولعله عاد من الهيكل، ونام ليالي -قلت أو كثرت - حتى جاءوه ذات صباح ليروا وجهًا هادئًا مبتسمًا بعد أن أجابه الله إلى طلبته العظيمة، وأمنيته الغالية : «الآن تطلق عبدك ياسيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك» (لو 2 : 29)...! |
|