القديس استفانوس أول الشهداء ورئيس الشمامسة
(القرن الميلادي الأول)
هو باب الشهداء وطريق القدّيسين وزعيم الاستشهاد الذي قدّس بجهاداته أقطار العالم، كما تقول عنه خدمتنا الليتورجية اليوم. اسمه معناه “تاج” أو “إكليل من الزهور”. لذلك تقول عنه أنشودة إنه قُدِّم لسيِّد الكل، المولود على الأرض، إكليلاً فائق البهاء، ليس مصنوعاً من حجارة كريمة بل مزهراً من دمائه نفسها. وتقول عنه أنشودة أخرى أن الحجارة التي رُجم بها حصلت له درجات ومراق إلى الصعود السماوي. في تلك الأيام التي تلت نزول الروح القدس على التلاميذ، ازداد عدد المؤمنين وازدادت أعباء الرسل الاثني عشر لجهة توزيع حاجات الجسد على الجماعة. فلقد أخذ المؤمنون الأوائل يبيعون أملاكهم ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كل منهم بعدما أخذوا على عاتقهم أن يكون كل شيء بينهم مشتركاً (أعمال2). وكان الرسل يشرفون على هذا العمل. وإذ كانت الجماعة بعد متواضعة في حجمها سّهُل على الرسل التوفيق بين خدمة الكلمة وخدمة الموائد. ولكن بعدما كثر المؤمنون أضحى توزيع المؤن عملاً شاقاً، ولاحظ الرسل أنه بات يتم على حساب الصلاة والبشارة نفسها. كما أن المؤمنين من اليهود المتهلّنين بدأوا يتذمرون أن أراملهم كُنَّ يُغفل عنّهن في خدمة التوزيع اليومية. كل هذا دعا الرسل إلى تنظيم الخدمة على نحو أوفق، فاختارت الجماعة سبعة رجال مشهوداً لهم بالإيمان والتقوى، ممتلئين من الروح القدس، ولهم من الحكمة والدراية ما يسمح لهم بالقيام بعمل التوزيع اليومي على أفضل وجه ممكن. هؤلاء هم استفانوس وفيليبس وبروخورس ونيكانور وتيمون وبرميناس ونيقولاوس الدخيل الإنطاكي. وقد صلّى الرسل ووضعوا على المنتخبين الأيادي. أما استفانوس فكان المتقدم في الشمامسة، كما لاحظ الذهبي الفم، وكان رجلاً مملوءاً من الإيمان والروح القدس والقوة، يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب. وقد أثارت مواهبه حفيظة اليهود فاجتمع عليه عدد منهم، من الليبرتينيين، أي من اليهود المعتقين، ومن القيروانيين الليبيين ومن الإسكندريين ومن الذين من كيليكيا وأسيا الصغرى يحاورونه ويجادلونه فلم يتمكّنوا منه فاشتدّوا غيظاً ولجاؤا إلى الدس والافتراء لينالوا منه. وإذ اتهموه بأنه تفوه بكلام تجديف على موسى وعلى الله هيّجوا الشعب وحرّكوا الشيوخ والكتبة فقبضوا عليه وأوقفوه أمام مجمع السبعين وهو المجمع عينه الذي حكم على الرب يسوع بالموت. وكما أقام اليهود شهود زور على المعلم أقاموا على التلميذ، فانبرى منهم من اتهمه بأنه يتكلم ضد الموضع المقدّس والناموس ويدعو إلى تغيير عوائد موسى.
وفي ردّ استفانوس على اتهامات العاقدين المفترين كان ممتلئاً من نور الرب حتى إن وجهه بدا كوجه ملاك. وقد بيّن لهم كيف أن إبراهيم، أب المؤمنين، تبرّر لدى الله وحظي بنعم عظيمة من دون الهيكل ومن دون أن يكون له ميراث أرض ولا وطأة قدم. كذلك كان الرب الإله مع يوسف وأنقذه من جميع ضيقاته فيما حسده رؤساء الآباء وباعوه إلى مصر. ثم كان موسى الذي قال لبني إسرائيل نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون. هذا أنكره الآباء قائلين له من أقامك رئيساً وقاضياً علينا، فيما جعله الله رئيساً وفادياً فأخرج إسرائيل من مصر بآيات وعجائب. وعاند الآباء فلم يشاؤوا أن يكونوا طائعين له بل دفعوه ورجعوا بقلوبهم إلى مصر، فجعلوا لهم بهرون آلهة يعبدونها من دون الله وظنّوا بموسى الظنون، فعاد الله وأسلمهم إلى نجاسة قلوبهم. ومع أن الله لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيدي لأن السماء كرسيّ له والأرض موطئ لقدميه فإن سليمان بنى له بيتاً. لكن إقامة الله وسط شعبه تتخطى البيت: “أي بيت تبنون لي يقول الرب وأي مكان هو مكان راحتي” (إشعياء 1:66). هذا وغيره دلّ دائماً ويدل على مقاومة اليهود، آباء وبنين، للروح القدس. لذلك لا يتردّد استفانوس في المجاهرة بإيمانه بالمسيح البار والحكم على اليهود بقساوة الرقبة ونجاسة القلب والأذن مثلهم مثل آبائهم. “كما آباؤكم كذلك أنتم. أيّ الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه، الذين أخذتم الناموس… ولم تحفظوه”.
هذا القدر من الكلام الناري كان كافياً ليشعل في اليهود غيظاً شديداً فصرّوا بأسنانهم عليه وسدّوا آذانهم. وإذ شخص إلى السماء رأى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله فشهد قائلاً: “ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله”. هذا كان عندهم قمة التجديف وعنده قمة الحق ومل ء الروح القدس. وقبل أن يلفظ المجمع حكماً عليه أدانه الحاضرون وهجموا عليه بنفس واحدة فأخرجوه خارجاً ورجموه مع أنه لم يكن لهم الحق، لا هم ولا مجمعهم، أن يقتلوا أحداً (يوحنا31:18). والذين شهدوا أنه جدَّف خلعوا ثيابهم عند رجلي شاول، الذي تسمى بولس فيما بعد، ليحفظها، ثم كانت أيديهم عليه أولاً ليقتلوه على حسب الوصية إن أيدي الشهود تكون على المجدِّف أولاً لقتله ثم أيدي جميع الشعب أخيراً (تثنية7:17). وإذ انهالت عليه الحجارة كالسيل سأل من أجل نفسه: “أيها الرب يسوع اقبل روحي” وسأل أيضاً من أجل قاتليه: “يا رب لا تقم له هذه الخطيئة”، فكان بذلك صدى لمعلمه لما سأل أباه من أجل قاتليه: “اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون”. ولما قال استفانوس هذا أسلم الروح. كان رقاد استفانوس، على ما ورد في مصادر قديمة، في أواخر السنة نفسها التي صلّب فيها الرب يسوع. وثمة من يذكر أن ذلك حدث في السادس والعشرين من كانون الأول من تلك السنة. ويظهر إنه دُفن في مكان يبعد عشرين ميلاً عن أورشليم يدعى كفراغمالا. وقد حفر على قبره اسم خليال الذي يعني إكليل أي استفانوس. المعلومات في هذا الشأن أوردها باسيليوس سلفكيا(+459م) في عظة عن القديس استفانوس، وكذلك كاهن اسمه لوقيانوس كتب وقائع اكتشاف رفات القدّيس في القرن الخامس الميلادي. المعلومات التاريخية تفيد أن ذراعه اليمنى كانت في القسطنطينية في القرن الثاني عشر. وإن خمسة أديرة اليوم تدّعي أن عندها أقساماً من جمجمته بينها أديرة الضابط الكل وستفرونيكيتا واللافرا الكبيرة وكزينوفونتوس في جبل آثوس. وهناك قسم من رفاته في جنوى الإيطالية.
من جهة أخرى ورد عند بعض آباء الكنيسة أن شارل الذي كان راضياً بقتل استفانوس وحارساً لألبسة الشهود عليه قد اهتدى وآمن بالرب يسوع بقوة الصلاة التي رفعها الشهيد من أجل قاتليه. أحدهم قال: “لو لم يرفع استفانوس الصلاة، ما كانت الكنيسة حظيت ببولس”.
هذا وتعيِّد الكنيسة المقدسة لاكتشاف رفات القديس استفانوس في 15أيلول ولنقلها إلى أورشليم ثم إلى القسطنطينية في 2 آب.
ويتم التعييد له في 27 كانون الاول من كل عام.