|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
=========== 🔹 يقول الذين يهاجمون الكتاب المقدس أن المسيح ليس هو الله كما تقولون ، والدليل على ذلك لما قال على الصليب " إلهي إلهي لماذا تركتني " (متى46:27 ) ، أليس هو الله . 🔹 هذه العبارة Eli, Eli Lama Sabachthani ( إيلي إيلي لما شبقتني ؟ ) لا تعني أن لاهوته قد ترك ناسوته ، ولا أن الآب قد ترك الإبن .. لا تعني الإنفصال ، وإنما تعني أن الآب تركه للعذاب . 🔹 إن لاهوته لم يترك ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين ... بهذا نؤمن ، وبهذا نصلي في القداس الإلهي .. ولو كان لاهوته قد إنفصل عنه ، ما إعتُبِرَت كفارته غير محدودة ، تعطي فداءً غير محدود ، يكفي لغفران جميع الخطايا لجميع البشر في جميع الأجيال .. إذن فلم يحدث ترك بين لاهوته وناسوته ، ومن جهة علاقته بالآب ، فلم يتركه الآب " لأنه في الآب والآب فيه " ( يو 11:14 ) . 🟢 إذن ، ما معنى عبارة : " لماذا تركتني " ؟ ////////////////////////////////////////// ليس معناها الإنفصال ، وإنما معناها : تركتني للعذاب . تركتني أتحمل الغضب الإلهي على الخطية . هذا من جهة النفس . أما من جهة الجسد ، فقد تركتني أحِس العذاب وأشعر به . كان ممكناً ألا يشعر بألم ، بقوة اللاهوت .. ولو حدث ذلك لكانت عملية الصلب صورية ولم تتم الآلام فعلاً ، وبالتالي لم يدفع ثمن الخطية ، ولم يتم علمية الفداء ، ولكن الآب ترك الإبن يتألم ، والإبن قَبِلَ هذا التَّرْك وتعذب به . وهو من اجل هذا جاء .. كان تارِكاً بإتفاق .. من أجل محبته للبشر ، ومن أجل وفاء العدل .. تركه يتألم ويبذل ، ويدفع ، دون أن ينفصل عنه . لم يكن تركاً أقنومياً ، بل تركاً تدبيرياً .. تركه بحب ، " سُرَّ أن يسحقه بالحزن " ( أش 10:53 ) . 🟢 مثال لتقريب المعنى : ******************* 🔸 لنفرض أن طفلاً اصطحبه أبوه لإجراء عملية جراحية له ، كفتح دمل مثلاً أو خرّاج . وأمسكه أبوه بيديه ، وبدأ الطبيب يعمل عمله ، والطفل يصرخ مستغيثاً بأبيه " ليه سيبتني ؟! " ، وهو في الواقع لم يتركه ، بل هو ممسك به بشدة ، ولكنه قد تركه للألم ، وتركه في حب . هذا النوع من الترك ، مع عدم الإنفصال .. نقوله لمجرد تقريب المعنى ، والقياس مع الفارق . 🔸 إن عبارة " تركتني " تعني أن آلام الصلب ، كانت آلاماً حقيقية . وآلام الغضب الإلهي كانت مُبرِحة .. في هذا الترك تركَّزَت كل آلام الصليب . وكل آلام الفداء .. هنا يقف المسيح كذبيحة محرقة ، وكذبيحة إثم تشتعل فيه النار الإلهية حتى تتحول الذبيحة إلى رماد ، وتوفي عدل الله كاملاً . 🔸 كثير من المفسرين يرون أن الرب بقوله " الهي الهي لماذا تركتني " إنما كان يُذَكِّر اليهود بالمزمور الثاني والعشرون الذي يبدأ بهذه العبارة . كانوا " يضلون إذ لا يعرفون الكتب " ( مت 29:22 ) ، بينما كانت هذه الكتب " هي التي تشهد لي " ( يو 39:5 ) ، فأحالهم السيد المسيح إلى هذا المزمور بالذات . وكانوا لا يعرفون المزامير بأرقامها الحالية ، وإنما كانوا يسمون المزمور بأول عبارة فيه ، كما يفعل الرهبان في أيامنا . 🟢 وماذا في هذا المزمور عنه ؟ ********************** ➡️ فيه " ثقبوا يدي وقدمي ، وأحصوا كل عظامي .. وهم ينظرون ويتفرَّسون فيَّ . يقسمون ثيابي بينهم ، وعلى قميصي يقترعون " ( ع18،17 ) . وواضح أن داود النبي الذي قال هذا المزمور ، لم يثقب أحد يديه ولا قدميه ، ولم يقسم أحد ثيابه ، ولم يقترعوا على قميصه .. وإنما هذا المزمور ، قد قيل بروح النبوة عن المسيح .. وكأن المسيح على الصليب يقول لهم : إذهبوا وإقرأوا مزمور " إلهى إلهى لماذا ترتكتي ؟! " وإنظروا ما قيل عني .. تروا أنه قيل فيه عني أيضاً : " عارٌ عند البشر ، ومحتقر الشعب . كل الذين يرونني يستهزئون بي ، يفغرون الشفاه وينغضون الرأس قائلين : إتكَل على الرب فليُنَجه ، ليُنْقِذَهُ لأنه سُرَّ به ! " ( ع6-8 ) . ➡️ ويعوزنا الوقت إن فحصنا كل المزمور .. إنه صورة واضحة لآلام المسيح على الصليب ، وجَّههُم إليه ، وفتح أذهانهم ليفهموا الكتب ( لو 45:24 ) . كل نص المزمور بدأ يتحقق ، لذلك قال بعد حين " قد أُكْمِل " . ولكن لم يقل " قد أكمل " مباشرة بعد " إلهي إلهي لماذا تركتنى ؟ " ، لأن هناك عبارة أخرى في المزمور لم تكتمل بعد وهي عبارة " يبست مثل شَقْفة قوّتي ، ولصق لساني بحنكي " ( ع15 ) . إن هذه العبارة أيضاً ستتحقق بعد حين عندما يقول : " أنا عطشان " ، لذلك قال بعدها " قد اكمل " . 🟢 ولكن لماذا قال المسيح : " إلهي ، إلهى " ؟ ****************************** 🔺 لقد قالها بصفته نائباً عن البشرية . قالها لأنه " أخلى ذاته ، وأخذ شكل العبد ، صائراً شبه الناس ، وقد وُجِدَ في الهيئة كإنسان " (في 8،7:2 ) . قالها لأنه " وَضَعَ نفسه " و" أطاع حتى الموت ؛ موت الصليب " ( في9:2 ) . إنه يتكلم الآن كإبن للإنسان ، أخذ طبيعة الإنسان ، وأخذ موضعه ، ووقف نائباً عن الإنسان وبديلاً عنه أمام الله ، كابن بشر ، وضعت عليه كل خطايا البشر ، وهو الآن يدفع ديونهم جميعاً .. 🔺 هنا نرى البشرية كلها تتكلم على فمه .. وإذ وضعت عليه كل خطايا البشر ، والخطية إنفصال عن الله ، وموضع غضب الله ، لذلك تصرخ البشرية على فمه : " إلهى .. آلهي ، لماذا تركتني ؟! " . 🔺 لقد ناب السيد المسيح عن البشرية في أشياء كثيرة ، إن لم يكن في كل الأشياء !! ناب عنا في الصوم : لم يستطع آدم وحواء أن يصوما عن الثمرة المحرمة ، وقطفا وأكلا ، وبدأ السيد حياته بالصوم حتى عن الطعام المحلل . لم يكن في حاجة إلى الصوم ، ولكنه " صام عنا أربعين ليلة " كما نقول في تسابيح الكنيسة . 🔺 وناب عنا في طاعة الناموس : " الرب من السماء أشرف على بني البشر ، لينظر هل من فاهِم طالب الله . الجميع زاغوا وفسدوا . ليس مَنْ يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد " ( مز 3،2:14 ) . وجاء المسيح ، فناب عن البشر في طاعة الآب ، ونفذ الناموس لكي " يُكَمِّل كل برّ " ( مت 15:3 ) . كما ذكرت وقت العماد .. وهكذا ناب عن البشرية في تقديم حياة طاهرة مقبولة أمام الله الآب . وناب عنا أيضاً في الموت وفي العذاب وفي دَفْع ثمن الخطية و" الذي بلا خطية صار خطية لأجلنا " ( 2 كو 21:5 ) . وإحتمل كل لعنة الناموس . واحتمل كل غضب الله على الخطاة بكل ما فيه من مرارة . وكنائب عن البشرية قال " إلهي إلهي ، لماذا تركتني ؟ " . 🔺 وهذا الذي أعان الكل ولم يترك واحداً ، تركه الكل حتى الآب .. وبهذا دفع ثمن الخطية ، وتحمَّل الغضب ، وخرج منتصراً بعد أن جاز معصرة الألم وحده ، نفساً وجسداً ، وفي هذا كله أعطانا دروساً ، لكي نحترس نحن . 🔺 إن كانت الخطية تسبب كل هذا الترك ، وكل هذا التخلي ، وكل هذا الألم ، فلنسلك نحن بتدقيق ( أف 5 : 15 ) . ولنخف أن نترك الرب لئلا يتركنا . فإن الإبن نفسه قد تُرِكَ ، وألم التَّرك لا يُطاق . وفي كل ذلك فلنشكر ربنا يسوع المسيح ونُسَبِّحه على كل هذا الحب والبذل . 🔺 إن عبارة " لماذا تركتني " ، تعطينا الكثير من العزاء كلما نقع في الضيقات " إن كان الله الآب لم يشفق على إبنه " ( رو 22:8 ) ، وسلَّمه لهذا العذاب والحزن ، فلماذا نتذمَّر نحن على الآلام التي يسمح بها الله الآب .. ؟! إن كان الآب قد سُرَّ أنن يسحق بالحزن إبنه الوحيد الحبيب الذي قال عنه : " هذا هو إبني الحبيب الذي به سُرِرت " ( مت 17:3 ) . ومع ذلك فنحن لم نتعرض لشيء من كل آلام المسيح على الرغم من إستحقاقنا لكل ألم ، فلماذا إذن نتذمر على الضيقات ؟ 🔺 إن الإبن شرب الكأس التي قدَّمها له الآب ، وقال له " لتكن مشيئتك " . وأطاع حتى الموت ؛ موت الصليب ، بكل خضوع . أما عبارة : " لماذا تركتني " ، فلم تكن نوعاً من الإحتجاج أو الشكوى - كما قلنا - إنما كانت مجرد تسجيل لآلامه ، وإثبات حقيقتها ، وإعلاناً بأن عمل الفداء سائر في طريق التمام . |
|