|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"الله خلقني وكسر القالب! أنا، وأنا، ثمّ أنا وليس هناك أحدٌ مثلي أو حتّى يُشبهني! مَن أنتَ لتقارن نفسك بي أو لتكون مثلي؟" هذه هي معاني التعالي والفوقيّة التي تصف الطريقة التي ينظر بها أصحابُ الشخصيّة النرجسيّة إلى أنفسهم مقارنة بالآخرين. تروي الأسطورة اليونانيّة قصة رجل وسيم، مغرور، عاشق لنفسه ومعجب بها حتى الموت. فعندما رأى هذا الرجل انعكاس وجهه في ماء النهر وقع في حبِّ صورته، مما جعله يحاول أن يمسكها فوقع في النهر (فريز، 2007، أساطير الإغريق والرومان). وعلى الرغم من تعدد الصياغات لهذه الأسطورة إلاّ أنّها جميعها تشترك في نفس المغزى ألا وهو التمركز حول الذات والإعجاب المفرط بها. تمّ تعريف الشخصيّة النرجسيّة في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للاضطرابات العقلية (DSM-IV) الصادر عن جمعية علم النفس الأمريكية (APA, 2000) كالتالي: "الشخصيّة التي تتصف بشعور صاحبها بشكل مبالغ به بأهمية الذات والعظمة، الانشغال المفرط بأوهام النجاح غير المحدود، الاعتقاد بالتفرّد والتميّز بشكل كبير، السعي الدائم للحصول على إعجاب الآخرين، والافتقار إلى الشعور بالتعاطف مع الآخرين؛ فهي شخصيّة كثيرة الحسد للغير ويغلب عليها الغطرسة والتعجرف". يعد عالم النفس التحليلي فرويد (1914/1991م) أول من استخدم مصطلح النرجسية في حقل علم النفس، لوصف العلاقة بين الهو (مبدأ اللذة) والانا (مبدأ الواقع). وحسب فرويد، يعود تكوّن الشخصيّة النرجسية إلى خلل أو فشل في انتقال الفرد في مرحلة الطفولة من التمركز حول ذاته إلى التمركز حول الآخرين، أي فشله في الانتقال من حب ذاته إلى حب الآخرين. ويرى فرويد أن الشخصيّة النرجسيّة تسعى إلى إشباع الغرائز والرغبات الفطرية للحصول على اللذة بأي شكل ومهما كانت العواقب، متجاهلة المنطق العقلاني، والواقع، والقيم الأدبية والأخلاقية. تتفق المدرسة السلوكية مع مدرسة التحليل النفسي في التأكيد على الدور المهم لمرحلة الطفولة، وما يتم اكتسابه من خبرات تشكّل السلوك والشخصية. ولكن تختلف المدرسة السلوكية بكونها تركّز بشكل أساسي على دور البيئة والتنشئة الاجتماعية في بناء وتكوين الشخصية وتهمل الجانب التكويني (أبو فوزة، 1996). ومن هنا يعتقد أنّ أساليب التنشئة الخاطئة للأطفال هي التي تزرع فيهم مفاهيم الأنانيّة، والتكبّر، وحب السيطرة، أو أنّ المعاملة القاسية وإهمال الأب والأم للأطفال من شأنه أن يُسهم في تكوّن الشخصيّة النرجسيّة. ومن الجدير ذكره أنّ حب الذات والاهتمام بها هو شيء مهم وأساسي حتّى يستطيع الفرد أن يُحب الآخرين بشكل سوي. ولكن تكمن المشكلة في درجة هذا الحب. في الغالب، ليس هناك أحد لا يحب نفسه وهذا شيء طبيعي وضروري في الشخصية السويّة، ولكن عندما يصبح عالم الفرد هو نفسه فقط وهمّه الوحيد هو إرضاء نفسه وإسعادها بكافة الطرق والوسائل دون الانتباه أو الاهتمام بالغير ومشاعرهم، فهنا يصبح الحب للذات مرضي وبحاجة إلى تدخل علاجي. لا يشعر أصحاب الشخصيّة النرجسيّة عادة بحاجتهم للعلاج، ومن الممكن أن يغضبوا أو يتصرفوا بعصبيّة اذا أشار إليهم أحد ما بأنهم بحاجة للعلاج. فهم لا يرون في سلوكهم وتصرفاتهم أي مشكلة، وقد يبررون رفض الآخرين لهم على أنّه مجرد حسد وغيرة منهم ليس أكثر. وعادة ما يلجأ أصحاب هذه الشخصيّة لطلب المساعدة النفسية عندما تظهر عليهم أعراض الاكتئاب، أو لمعاناتهم من مشاكل أخرى نتيجة تعرضهم وإحساسهم بالرفض من قبل الآخرين. تتعدد طرق علاج الشخصية النرجسيّة، فمنها العلاج الدوائي، والعلاج التحليلي طويل أو قصير الأمد، والعلاج الأسري، والعلاج الداعم والاستشارة النفسية، والعلاج الادراكي المعرفي (صلاح الدين، 2013). إلاّ أنّ أبرز الطرق العلاجيّة والتي أثبتت نجاعتها في التدخل العلاجي هي العلاج الادراكي المعرفي الذي يقوم على استبدال الأفكار والسلوكيات السلبية بأخرى إيجابية تعزز علاقة الشخص بغيره (المالح، 2009). أصحاب الشخصيّة النرجسيّة هم بشرٌ عاديون قد يتمتعون بالعديد من المواهب ويمتلكون القدرات التي تؤهلهم أن يكونوا أشخاصا فعّالين في المجتمع، لذلك من المهم جدَاً عدم تهميشهم أو احتقارهم، بل معاملتهم بطريقة تساعدهم على التعامل مع الاضطراب الذي يعانون منه. فالشخصيّة النرجسيّة، كغيرها من الاضطرابات، بحاجة إلى تدخل علاجي وكلّما كان ذلك أبكر كلّما كان التدخل فعّالا وناجحا بشكل أكبر. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تمنيتُ لو خلقني الله راحة |
الله خلقني لم ينقصني شيء |
الحلقة 34 لماذ خلقنى الله!! |
لماذا خلقنى الله؟؟ |
لماذا خلقني الله؟ |