ما هي علامات العنصرة؟
في البدء، ووفقًا لمخطّط الله، كان “رُوحُ اللهِ يُرِفُّ على وَجهِ المِياه” (تكوين 1: 2) وكانت قوّته “تَمتَدُّ مِن أَقْصى العالَمِ إِلى أَقصاه وتُدَبّر كُل شيء لِلفائِدَة (حكمة 8: 1)، أما في إطار عمله لتقديس الإنسان، وبدءاً بيوم العنصرة صار “روح الرَّبِّ يَملأ المَسْكونَة” (الحكمة 1: 7)”، فالآب والابن يرسلان اليوم روح الوداعة ليقدّس كلّ مخلوق حسب المخطّط الجديد وبطريقة جديدة وتعبير جديد عن جبروته وقوّته. فمن اهم علامات العنصرة افتتاح زمن الكنيسة والازمنة الاخيرة وزمن الوحدة والتفاهم والمشاركة.
أولاً: العنصرة زمن الكنيسة: يوم العنصرة افاض السيد المسيح الروح القدس على الكنيسة لكي يعلمها ويذكرها بكل ما قال (ت ك 92)، وينشئها على حياة الصلاة (ت ك 2623) ويقدسها أيضاً باستمرار” (ك 4). ويكشف لنا كتاب أعمال الرسل، وهو “إنجيل الروح القدس”، بالمكانة التي يحتلّها الروح سواء في إدارة الكنيسة ونشاطها الرسولي (أعمال 4: 8، 16: 6)، أو بتجلياته الخارجية (4: 31 ، 10: 44 ). فالكنيسة في مسيرتها نحو لقاء الرب، تتلقّى منه باستمرار الروح الذي يجمعها في الإيمان والمحبة، ويقدسها، ويوفدها للرسالة.
فعطية الروح هذه افتتحت عهدا جديدا ؛ وكما ورد في تعليم الكنيسة الكاثوليكي “هي زمان الكنيسة، الملكوت الذي صار ميراثنا منذ الآن ولما يكتمل بعد” (732). “فظهرت الكنيسة ظهورا علنيا امام الجماهير وابتدأ نشر الانجيل مع الكرازة” (ل 6). في هذا الزمن أيضا يعلن المسيح عمله الخلاصي ويفعله ويوزِّعه، من خلال ليتورجيا كنيسته، “إلى أن يأتي” (1كو 11: 26). على امتداد زمن الكنيسة هذا، يحيا المسيح ويعمل في كنيسة ومع كنيسته بوجه جديد يلائم هذا الزمن الجديد. انه يعمل بواسطة الاسرار المقدسة. منذ العنصرة يجري الروح القدس نعمة القداسة عبر الاسرار في الكنيسة (ت ك 1125). فمثلا “سر التثبيت يواصل، نوعا ما، في الكنيسة، موهبة العنصرة” كما ورد في تعليم الكنيسة الكاثوليكي (ت ك 1288).
ثانياً: العنصرة افتتاح الازمنة الاخيرة : تميِّز هبة الروح “الأزمنة الأخيرة”، وهي الفترة التي تبدأ بصعود الرب وتنتهي بمجيئه الثاني في اليوم الأخير. يمنح الله الروح من أجل شهادة يجب أن نحملها حتى أقاصي الأرض (أعمال 1:8 ). فتشكّل العنصرة نقطة الانطلاق لرسالتها ويعتبر خطاب بطرس الذي ألقاه “واقفاً مع الأحد عشر” (أعمال 2: 14)، أول عمل الرسالة” التي كلّفه يسوع بها: “ولكِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض” (1: 8). ويرى الانبياء في العنصرة منح الشريعة الجديدة للكنيسة (إرميا 1 3: 33، حزقيال 36: 27) والخلق الجديد (تكوين 1: 2).
ثالثاً: عيد العنصرة هو عيد الوحدة والتفاهم والمشاركة كما وضّح البابا بندكتس في عظته عن العنصرة لهذا العام 2102. “مع تطوّر العلم والتقنيات، تمكّنا من السيطرة على قوات الطبيعة، ونحقق ما نريده بأنفسنا”. ولكننا نلاحظ أنّنا نعيش من جديد قصّة بابل. ولكن ما هو بابل؟ يجيب البابا: “إنّه وصف لمملكة حيث بذل الناس جهداً كبيراً معتقدين أنّه بإمكانهم التغلّب على إله بعيد ويكونوا أقوياء كفاية لبناء درب بمفردهم يقودهم حتى السماء وأخذ مكان الله. ولكن، لاحظوا فجأة أنّهم كانوا يبنون بعكس بعضهم. وفقدوا أهمّ عنصر في الطبيعة البشريّة: القدرة على الاتفاق والتفاهم والعمل سوياً. يمكن للوحدة أن تتحقّق فقط من خلال نعمة روح الله، التي تمنحنا قلباً جديداً ولساناً جديداً وقدرة جديدة على التخاطب. هذا ما حصل في العنصرة. في عيد العنصرة، حيث كان الانقسام والتباعد، ولدت الوحدة والتفاهم. ويقول القديس بولس في الواقع: “إنّ ثمر الروح هو المحبّة والفرح والسلام” (غلاطية 5، 22).