|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس الشهيد عبد المسيح رئيس دير طور سيناء (القرن8 م) 9 آذار غربي (22 آذار شرقي) كان رجل من نصارى نجران يقال له قيس بن ربيع بن يزيد الغساني من خيرة العرب النصارى فيها، حسن العبادة، فهيماً بما له وبما عليه. هذا خرج، مرة، وهو ابن عشرين سنة برفقة قوم مسلمين من أهل نجران يريد الصلاة ببيت المقدس. وكانوا هم عازمين على الغزو. فلم يكفوا، في صحبتهم له، عن إغرائه واستهواله حتى صير طريقه إلى الغزو معهم. وكان قيس من أرمى الناس سهماً وأشدهم بالسيف ضرباً وأصوبهم بالرمح طعناً. وقد حملته الجهالة والحداثة وخبث الصحابة إلى الدخول معهم إلى أرض الروم فقاتل وانتهب وأحرق ووطئ كل محرم، أسوة بهم، كما صلى معهم وصار على الروم أشد غيظاً منهم وأقسى قلباً. وقد أقام ثلاث عشرة سنة مدمناً الغزو كل سنة ولا يبرح الثغور. فلما تمت هذه السنون خرج إلى بعض مدن الشام ليشتو فيها. فدخل، في نصف النهار، مدينة بعلبك، يتهادى على فرسه إلى أن نزل بجانب كنيسة دخل لينظرها. وإذ بكاهن عند الباب يقرأ في الإنجيل فجلس بجانبه وأصغى إليه. ثم قال له أي شيء تقرأ يا قس؟ فقال: الإنجيل! فقال: فسر لي ما تقرأ، وكان بالرومية، ففسره له. قال: "من أحب أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو شيئاً على الله فليس هو له بأهل"، وما يتبع ذلك. فبكى قيس وتذكر ما كان فيه وما صار إليه. فلما أكثر من البكاء قال له الكاهن: ما دينك يا فتى؟ فقال له: لا تلمني على بكائي فإني كنت، مدة، من أصحاب هذا الإنجيل، وأما اليوم فمن أعدائه. ثم قص على الكاهن قصته كلها. فقال له الكاهن: فماذا يمنعك إن كنت، كما ذكرت، نادماً من أن ترجع وتتوب؟! فقال له الغساني: الأمر عظيم جداً! ولكني أعلم أن خطيئتي أعظم من أن تحتملها الأرض والجبال! فقال له الكاهن: إن الله أكثر احتمالاً من الأرض والجبال! ألم تسمعه يقول في الإنجيل إن ما لا يستطاع عند الناس مستطاع عند الله؟ وأيضاً أن الله يفرح برجعة خاطئ واحد أكثر من مائة صديق لا يحتاجون إلى توبة! نعم يا أخي الحبيب، أعلم أن الله أسرع إلينا منا إليه. وأنت قد قرأت، كما تخبرني، الإنجيل، فاذكر اللص والابن الشاطر. ثم أن قيس قام فصلى في الكنيسة وأخرج سلاحه ورماه قدام المذبح وعاهد الله ألا يعود إلى شيء مما كان فيه. بعد ذلك عرفه الكاهن وحله من خطاياه، وناوله القدسات. فخرج قيس وباع فرسه وسلاحه وتصدق بثمنهما على المساكين ثم وجه طرفه شطر أورشليم. فلما بلغها لبس السواد ودخل على البطريرك، الأنبا يوحنا الخامس (706-735م)، فأخبره بقصته ففرح به وشدده وصلى عليه وأرسله إلى سيق القديس سابا ليترهب. هناك قبله رئيس الدير وألحقه بأحد الشيوخ الروحانيين القديسين ليتعلم على يديه أصول الحياة الرهبانية. فلما أقام خمس سنين خرج فطاف في الديارات التي حول بيت المقدس. ثم مضى إلى طور سيناء فأقام فيه سنتين في عبادة شديدة وخدمة للرهبان وحرص عليهم حتى كان يتردد على أيلة، من أجل خراج ضيعة قصر الطور ومن أجل خراج نصارى فاران وراية. فلما رأى الرهبان حرصه صيروه عليهم أقنوماً أي مدبراً، فأقام على ذلك خمس سنين. ثم أنه أحب أن يُظهر أمره فأتى إلى الرملة ومعه راهبان فاضلان بذلا نفسيهما له ومعه ودونه. فكتب كتاباً فيه: أنا قيس بن ربيع بن يزيد الغساني النجراني. وكذا قصتي... وقد تنصرت وترهبت زهداً في الإسلام ورغبة في النصرانية. وأنا في كنيسة الرملة، فإن أردتموني فاطلبوني فيها. وألقى الكتاب في مسجد الجامع بالرملة، ثم مضى هو والراهبان فجلسوا في الكنيسة السفلى التي للقديس جاورجيوس بالرملة. فلما قرأ المسلمون الكتاب في المسجد تصايحوا وخرج منهم قوم يطلبونه. وإذ أتوا إلى الكنيسة بحثوا عنه فيها في الداخل، من فوق ومن أسفل، وهو جالس مع الراهبين، فلم يروه لأن الله غطى عيونهم حتى لا يبصروا. فوقف قدامهم ليروه فلم يروه. فذهبوا إلى الكنيسة العليا وبحثوا عنه فلم يجدوه. فرجعوا إلى السفلى وكانوا يزحمونه فأعماهم الله عنه. فلما رأى الراهبان، رفيقاه ذلك، قالا له: ليست مشيئة عند الله أن يظهر أمرك اليوم فلا تقاوم أمر ربك. فأقام ثلاثة أيام في الرملة ثم انصرف إلى الرها، فصلى وعاد إلى الطور. وفي الطور كان رئيس الدير قد تنيح فأصر عليه الرهبان حتى جعلوه رأساً لهم وقسيساً، وكان اسمه في الرهبانية عبد المسيح. فأقام رئيس دير سبع سنين. ثم أن صاحب الخراج قسا على الطور وعلا جوره، وكان خراج الطور، يومذاك، تابعاً لفلسطين. فخرج عبد المسيح برفقة رهبان يريد الرملة. فلما بلغوا موضعاً يقال له عضيان، التقوا حجاجاً قادمين من حجهم. فبينما هو يدور فيهم إذ به يلقى أحدهم وقد عرفه، وكان رفيقاً له في الغزو سنين، فأمسك هذا الأخير به وقال له: ألست أنت قيس الغساني؟ فقال له: ما أدري ما تقول؟ فصاح وجلب فاجتمع لصياحه الحجاج. فقال لهم: هذا الراهب كان معي في الغزو سنين يصلي معنا. وهو رجل من العرب. وقد أصابته ضربة في رأس كتفه، ففتشوه فإن لم تجدوا الأثر كما قلت لكم فأنا كاذب! فوثبوا عليه وكلموه فأنكر. فلما نزعوا كساءه وجدوا الأثر كما قال المدعي فقيدوه بقيود الدواب، هو والرهبان أصحابه وكانوا ثلاثة. لكنهم تمكنوا من فك قيده. فلما كان الليل، طلب منه الرهبان أن يفر ويتركهم لأنهم أرادوا أن يضعوا أنفسهم عنه، فلم يشأ، بل قال: أنا أحق بأن أكون فداكم. فلما صاروا بالقرب من الرملة، ركب الذي اعترفه إلى الرملة فجمع قوماً ودخل إلى الوالي فأعلمه بأمر الراهب، فأرسل معه خيلاً لتلقه في الطريق وتأتي به إلى الرملة. فلما أدخل على الوالي كلمه الوالي قائلاً: استحي لنفسك فإنك رجل ذو شرف وقدر! فقال عبد المسيح: الحياة من إلهي المسيح أوجب من الحياة منك، فأفعل ما أحببت! فطلب عليه الشهادة فشهد عليه خلق زوراً وهم لا يعرفونه. فعلى شهادة هؤلاء ألقاه الوالي في السجن ثلاثة أيام، ثم أخرجه وعرض عليه الإسلام، فلم يسمع منه إلا ما أنكره، فأمر بضرب عنقه. فلما ضرب عنقه أمر أن يواري عن النصارى ويحرق. فأخذوه إلى بئر عميقة وألقوا جسده فيها، ثم طرحوا عليه حطباً كثيراً وأشعلوا فيها النار حتى فني الحطب. ثم مضوا وتركوه بعدما جعلوا عليه حراساً لئلا يأتي أحد من النصارى فيخرجه. وبعدما مضى على استشهاده تسعة أشهر، أقبل رهبان دير طور سيناء وكلموا قوماً من الرملة بشأن استخراج بقاياه من البئر، فجزعوا من ذلك جداً، مخافة من السلطان ولعمق البئر لأنه كان نحواً من ثلاثين باعاً. على أن عشرة شبان أشداء خاطروا في ذلك فهيأوا حبالاً وزنبيلاً كبيراً، وأتوا إلى الكنيسة السفلى وباتوا فيها. ثم في الليل والناس نيام، أخذوا شمعة وناراً ومعهم الرهبان فربطوا الراهب الواحد في الحبل والزنبيل ودلوه وفي يده الشمعة والنار. فلما وصل إلى أسفل أسرج الشمعة وفتش على قدر ركبة رماد من الحطب الذي كانوا قد ألقوه عليه. فأول ما ظهر له منه جمجمة رأسه وهي تضيء كالثلج، ثم أخرج باقي جسده ولم تحرقه النار ولا آذته البتة. ففرح بذلك جداً وكثر تعجبه. وأنه أخذ ذراعه الواحد فخبأه، وكذلك بعض عظامه، وجعل الباقي في الزنبيل وصاح إليهم. فلما أصعدوا العظام تخاطفها من كانوا فوق وتهاربوا بها إلى الكنيسة السفلى، فيما تخلف من القوم ثلاثة أطلعوا الراهب. فلما أطلعوه ذهبوا إلى كنيسة القديس جاورجيوس فوجدوا رفاقهم يتنازعون الرفات. فلم يزل الراهب الذي كان أسفل يقاومهم حتى أخذ جمجمته وتركوا له الذراع أيضاً. ثم أنهم دفنوه في الدياقونيقون ما خلا الساعد والساق، أمسكوهما ليخرجاهم للناس تبركاً. وانصرف الرهبان برأسه إلى الطور وعيدوا له هناك. وقد كانت شهادته في اليوم التاسع من شهر آذار من أجل ذلك نسبح الآب وابن والروح القدس إلى دهر الداهرين آمين. استعرنا السيرة من كتاب "القديسون المنسيون" للمؤلف ص 293- 297. |
|