|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التداخل بين الحواس Synaesthesia العين تسمع والأذن ترى2 حين يحدث تزامن بين أن ترى مقطوعة لموزارت وتسمع لوحة Guernica وتتذوق الرباعيات الأربع لإليوت، لا تساورك الشكوك، لا يوجد خطأ فيما قرأت، ربما سماع اللون ورؤية الموسيقى وتذوق الكلمات هي حالة من تقدير الأشياء بحاستين أو أكثر في نفس الوقت، ناتجة عن تداخل إشارات في الدماغ بشكل عرضي، وهي ظاهرة تدعى ” Synaesthesia ”، حالة لا تحدث إلا لأربعة أشخاص من بين كل 100 شخص، وللسيدات أكثر من الرجال، وللفنانين أكثر من غيرهم. وعند إجراء الأطباء لعمليات مسح دماغي على بعض الأشخاص تبين حدوث نشاط بصري بعد سماعهم بعض الأصوات. ربما تكون مصابا بمرض ” Synaesthesia ” التزامن الحسي، أو ربما يكون الأمر مجرد تداعي معاني، ولكي نشرح هذا بشيء من الاستفاضة عليك أن تحاول تقبل ما قد تسميه تخاريف علمية. ربما في نهاية هذا المقال ستدرك كامل الإدراك بأن الحواس لديك لم تكن أبداً منفصلة. لعل أول من أشار إلى تلك الفكرة كان جان جاك روسو في كتابه ”إميل“. افترض جان جاك روسو أن هناك ولد حين ولادته كانت له قامة رجل، فهذا الرجل الولد يكون كامل البلاهة، تمثالاً جامداً، فاقد الحس، لا يرى شيئاً، ولا يسمع شيئاً، ولا يعرف أحداً، ولا يدرك شيئاً خارج نفسه، لا تكون الألوان في عينيه، ولا الأصوات في أذنيه مطلقاً، وتجتمع جميع إحساساته في نقطة واحدة، ولا يكون له غير فكرة واحدة، غير فكرة الذات التي يرد إليها جميع إحساساته. وقد ألهمت تلك الفكرة الروائية ماري شيلي في روايتها فرانكنشتاين، حيث يقول الوحش: ” أنا أرى، أسمع، أحس، أشم في الوقت نفسه في الواقع لفترة طويلة قبل أن أتعلم التمييز بين حواسي المختلفة”. من الجائز أن تكون ظاهرة synaesthesia هي المحرك الحقيقي للاستعارة والفن. فلوديع سعادة قصيدة تحمل اسم “ارتدادات هواء“ تصب في نفس المعنى… عوض أن يسمع الصوت يراه آتياً على عكاز، من أماكن بعيدة تعباً على كتفه حمولات الكلام، يريد أن يوزعها على آذان وعلى دروبه آذان ترى ولا تسمع. عوضَ أن يرى الطريق يسمعها مثلَ صدىً بعيد، كأنَّه يمشي على ارتدادات هواء وكأنَّ الأرض ليست تراباً بل صوت. ترابٌ يسمعه ولا يراه وصوتٌ يراه ولا يسمعه كأنَّما لا يسمع غير خرسه ولا يرى غير عماه. كما أننا لو نظرنا إلى بيتهوفن كمثال فإن معاناته في تجربته المريرة إثر فقدانه حاسة السمع قد أضفت على السيمفونية الخامسة جوهر هذه المحنة ”القدر يقرع الباب”، ويقال إنه كان يسمي الـ B minor المفتاح الأسود كإشارة لربطه لبعض النغمات بالألوان، فالكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف يقال إنه كان بمجرد أن يفكر في الحروف يتولد عنها داخل عقله ومضات ملونة. ما الذي يدفع لوحة كلوحة الصرخة مثلاً أو سيمفونية غريبة مثل Grosse Fuge أن ترتبط بصوت معين، وبعض الموسيقى بشعور مرتبط بصور أو ألوان؟ ما هو الإيحاء الفعلي الذي قد يخلفه مارش عسكري؟ وما هي الصور التي قد يستدعيها، والمشاعر المصاحبة التي ربما تؤدي إلى استغلاله لصالح السلطة للتأثير غير المباشر على عامة الناس؟ وما هو تأثير شم رائحة الطعام على تصورك لطعمه وعلى رغبتك في تناوله؟ ربما لست مريضة بهذا المرض، ولكني أؤكد لك أن الإسكندرية مرتبطة بصوت فيروز، والبطاطس برائحة جدتي، وهي حالة تداعي معان كاستدعاء معنى تزامن بالتكرار مع معنى آخر، فبالتالي حين يحضر المعنى الأول يكون مرتبطًا شرطياً بوجود الآخر.الإدراك هو محصلة عملية ربط بين الحواس والعقل الواعي سواء كان للزمان، للمكان، للأصوات، والروائح. جميعا تعترينا الأحاسيس نفسها عند سماع مقطوعة موسيقية لفنان ما، والتي قد تكون مصاحبة لبعض الصور المرتبطة في الذاكرة بذكريات وأحداث تعاقبت عليك، وفي النهاية تشكل حالة من يقظة للحواس كلها، وقد تسمع صوت استغاثة قادم من لوحة تعبيرية، فتكون حالة من التوحد قد انتابتك مع اللوحة نفسها. الصوفي يفنى في الذات الإلهية فتصبح كل حواسه رهن هذا المزج حاسة واحدة، والفنان وهو اليد التي تعبر من خلال محصلة إدراك الحواس جميعها لروح المكان في لوحة أو مقطوعة موسيقية. يبدو أننا أقرب إلى مرضى التزامن الحسي مما نتصور..! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التداخل والتشابك بين المفردات لغة الإشارة |
ننتظر التداخل الإلهي السريع |
الجواز مش للأستقرار الجواز للمستقرين |
تخلص من خطية التحايل |
التحايل ضد الاستقامة |