( كلمة منفعة ) مقاييس خائطة
كتاب كلمة منفعة
البابا شنوده الثالث
( 187 )
مقاييس خائطة
*************
لعله في ما مر بنا من أعياد الشهداء، وأعياد الصليب، وما يوحى بمعنى جميل عن
القوة، ويذكر بمقاييس أخرى خاطئة:
أيهما كان أقوى:
المسيح المصلوب، أم اليهود الذين صلبوه!
لقد أهين السيد المسيح بأنواع إهانات عديدة، جلد وعلقوه على خشبة.
ولكنه كان قويا في صلبه، استطاع أن يقهر الخطية والشيطان، ويفتح أبواب الفردوس.
وكان أقوى من صالبيه الذين غلبتهم خطايا الظلم والقسوة والحسد والشهادة بالزور..!
أيهما كان أقوى:
قايين القاتل أم هابيل المقتول
إستطاع قايين أن يطرح هابيل أرضا ويقتله.
ومع ذلك لم يكن قايين قوي.
لقد غلبته خطايا الحسد والكراهية والقسوة.. أما هابيل المقتول فكان أسمى من هذا بكثير.
كثيرا ما يحسب الانتصار أنه منتصر، ويزهو بذلك في خيلاء وإعجاب بنفسه.
ويكون في حقيقة أمره مهزوما..!
يكون مهزوما من نفسه التي لم يستطع الانتصار على أهوائها، ومهزوما من خطايا أخرى، ومن مقاييسه الخاطئة التي بواسطتها يتخيل النصرة حيث توجد الهزيمة..!
وذلك الذي يلطمك على خدك الأيمن، فتدير له الآخر:
هل يظن أنه قد انتصر عليك!
كل. لقد هزمه غضبه وغيظه وعدم احترامه للآخرين، فسقط بضربك كذلك الذي يشتمك ويهنيك
مسكين إن ظن أنه أقوى منك!
لقد هزمه قلبه ولسانه.
كل إنسان في الدنيا يمكنه أن يغضب وأن يشتم وأن يعتدى على الآخرين.
ولكن الشخص القوى، هو الذي يستطيع أن يضبط أعصابه ولسانه وحواسه، وأن يحتمل.
إن الذي يحتمل هو الأقوى.
لذلك قال الرسول:
(يجب علينا نحن الأقوياء، أن نحتمل ضعف الضعفاء
(رو 15: 1).
هل يظن هيرودس أنه كان أقوى من يوحنا المعمدان.
لأنه قدم رأس يوحنا على طبق!
كلا، بلا شك.
لقد كان المقتول أقوى.
وظل هيرودس يخشى يوحنا حتى بعد مقتله.
ولما ظهر المسيح، ظن هيرودس أنه يوحنا قد قام من الأموات..
ما أعجب مقاييس الناس!
يظنون القوة حيث يوجد الضعف!
ويظنون النصرة حيث توجد الهزيمة!
إنها مقاييس خاطئة.
إنتصر يا أخى على نفسك.
فقاهر نفسه خير من قاهر مدينة.