|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
واقعياً لا يُمكن أن يبدأ إنسان في المسير في طريق من نهايته ولا من منتصفه، بل لا بُدَّ من أن يبدأ الطريق من بدايته، ويدخل إليه قانونياً أي دخولاً شرعياً، والدخول الشرعي يبدأ من باب الطريق، لأن لكل طريق صاحب هو وحده من يفتح الباب لمن يقرع، وذلك لكي يدخل قانونياً، لأنه لا يستطيع أحد أن يَعبُّر من مكان آخر، أو شخص غريب يفتح له الباب ويدخله وهو ليس صاحب هذا الطريق، لأنه – أن دخل بأحد هذه الطرق – سيعتبر سارق ولص، مصيره الطرد بلا شفقة، فباب الطريق المؤدي للحياة قد أُغلق بسبب التعدي والسقوط، لأن من المستحيل أن ينظر أحد الحُسن الذي لشمس النهار ويتفرس فيه بعينيه، لأنه سيُصاب بالعمى، لأن عينيه غير مُهيأتان لتلك الرؤية وهذه المشاهدة، وهكذا لن يستطيع أحد أن ينظر وجه نور الحياة، أي وجه الله المُنير ببهاء مجد القداسة الغير منظور ويُعاينه، ويسلك في الطريق السماوي المجيد، وكلهُ ظُلمة، يحيا تحت سلطان موت الخطية والفساد، لأنه لن يصمد أمام النور، لذلك الرب قال لموسى: لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش[1]؛ وكل هذا بسبب الظلمة التي سيطرت على الإنسان وزحفت على كل كيانه داخلاً، وظهر ثمرها خارجاً، حتى أنه لم يعد يحتمل النور. فكما أن الإنسان الطبيعي لا يحتمل أن يعيش على سطح الشمس الساطع، بل يهرب من حرارتها الحارقة، هكذا الإنسان يهرب من وجه الله الحي، لأنه لا يحتمل الوجود في حضرته من شدة قوة بهاء القداسة المُطلقة التي تشع من طبيعته الفائقة، فالإنسان لكي يرى الشمس وينظر إليها أو يعيش عليها، لا بُدَّ، بل ومن الضرورة، أن يحدث تغيير وتحوِّل جذري في طبيعته الخاصة، أي أن عينيه يتم معالجتها معالجة خاصة ليقوى على النظر، وأيضاً طبيعة جسده تتغير لتتوافق مع قوة نيران الشمس المتقدة ويستطيع أن يحيا على سطحها دون أن يحترق بلهيبها أو يتضايق من حرارتها وقوة نورها الساطع. فمن أجل ذلك أتى المسيح الرب ليفتح لنا باب المجد المنغلق علينا نحن الضالين ويدخلنا من خلاله إلى الآب: "أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي"[2]، وبكونه هو من نفس ذات طبيعة الآب المُشرقة، وواحد معه في الجوهر النوراني الشديد البهاء والنقاء المطلق، لبس جسدنا غارساً نفسه في طبيعتنا باتحاد لا يقبل الافتراق، لكي كل ذي جسد يؤمن به يستطيع أن يحتمل نور طبع لاهوته الخاص حينما يساكنه، لذلك جدد طبيعتنا بطبعه وأعطانا طبع آخر جديد سماوي يحتمل رؤية الله ويتعايش معه، بل ويتحد به اتحاداً سرياً فائقاً. ولكي نصير فعلياً مؤهلين لحياة الشركة الأبدية فأنه على مدى حياتنا معه – هنا على الأرض – يستمر في أن يُجددنا على صورته ويُلبسنا ذاته ويعطينا حياته الخاصة، لكي نتشرب من نوره وتصير طبيعتنا كلها نور[3]، وبذلك نستطيع أن نُعاين النور[4] بفرح، ونحيا مُكرسين القلب والحياة كلها له[5]، لأنه يُكيف كل قوانا لتتناسب مع لقاء الله والحياة في ملكوت مجده الأبدي[6]، لأنه أن لم يُكيف كل قوانا (بروحه الخاص) ويغيرنا إليه، كيف نستطيع أن نعيش مع الله إلى الأبد في ملكوت محبته؟ فمن المستحيل أن نأتي إلى الآب ونتعايش معهُ بطبع آخر غريب عنه، لا يتوافق مع قداسته وطبيعة نقاوته، ولذلك لا نستطيع أن نجرؤ – من تلقاء أنفسنا – أن نتقدم إليه باسمنا الشخصي ولا بطبعنا الساقط الميت، مهما ما عملنا من أعمال إنسانية سامية للغاية، وقدمنا أعمال رحمة عظيمة تفوق كل وصف، لأننا لا نقترب إليه بشيء آخر غير باسم ابنه الوحيد مستترين فيه[7]، لأنه هو الباب (وحده فقط) المؤدي للحياة، ولا يوجد اسم آخر تحت السماء به ينبغي أن نخلص أو نقترب به إلى الآب السماوي. فنحن لن نستطيع – في المطلق – أن نفلت من الموت للحياة إلا في المسيح يسوع ربنا وحده، لأنه مكتوب: "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت"[8]، لأننا لا نقدر أن ندخل إلى محضر الآب إلا لو عُتقنا من ناموس الخطية والموت أولاً، ودخلنا في حرية مجد أولاد الله[9]، لأن في الحضرة الإلهية لا يوجد موت ولا ظلمة ولا شبه خطية إطلاقاً، لأن الله قدوس لا يتعامل أو يقبل شبه شرّ، لأن بسبب طبيعته الكاملة في النقاوة لا يقدر أن يقترب إليه أحدٌ قط إلا من يتساوى مع قداسته وطُهره المُطلق[10]، لذلك الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو وحده فقط الباب المؤدي إليه، ولم ولن يوجد آخر سواه، وذلك لأنه يدخل إليه باستحقاق بره الخاص، وقداسته المتفقة بانطباق تام مع طبيعته (طبيعياً)، لأنه واحد معه في الجوهر. لذلك لن نستطيع، تحت أي مُسمى أو مبدأ أو شكل أو صورة، أو مهما ما كان عندنا عظمة أعمال صالحة، أن ندخل للطريق المؤدي للحضن الإلهي الأبوي إلا بالمسيح يسوع ربنا وحده، بل ووحده فقط، وفقط لا غير، فلم ولن يوجد (في الوجود كله) طريق آخر سواه، وهذا طبعاً بشكل قاطع مُطلق، لأننا لن نستطيع أبداً أن نصنع قداسة تتفق مع قداسة الله، أو نتقدم بكمالنا لكي نستحق أن ندخل لحضرته بلا عائق أو مانع، وذلك مهما ما كانت أعمال صلاحنا، بل وأن صارت طُرقنا ومسالكنا كلها مستقيمة، لأنه وضع شكل كمالنا وقداستنا الذي ينبغي أن نكون عليه، وأظهر عجزنا عن تتميمه عن قصد إذ قال: فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل؛ كونوا قديسين لأني أنا قدوس[11] وهذه الوصايا المُلزمة تجعلنا نتوقف كثيراً أمامها لأنها تُعتبر صدمة لكل إنسان أمين يسمعها، فهذه الآيات هي المفتاح الحقيقي لطريق البرّ المرسوم من الله، وأمامها يجد الإنسان نفسه في حالة من الفلس المروع والعجز التام، لذلك ليس أمامه سوى أن يعترف بعجزة، متوسلاً إلى الله بانسحاق وتواضع قلب، لكي ينعم عليه ويُلبِسه قداسته وكماله لكي يستر عورته: فمررت بكِ ورأيتُكِ وإذا زمنك زمن الحب، فبسطت ذيلي عليكِ وسترت عورتكِ، وحلفتُ لكِ ودخلت معكِ في عهد يقول السيد الرب: فصرتِ لي؛ اشير عليك ان تشتري مني ذهباً مُصفى بالنار لكي تستغني، وثياباً بيضاً لكي تلبس، فلا يظهر خُزي عُريتك وكحل عينيك بكحل لكي تبصر.[12] عموماً حينما نعي هذه الحقيقة ونؤمن بها سنجد أن الباب مفتوح على مصراعيه للجميع، لأن الرب الإله القدوس الظاهر في الجسد أعلن أنه هوَّ الباب الحقيقي: "الحق، الحق، أقول لكم أن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارق ولص، وأما الذي يدخل من الباب، فهو راعي الخراف؛ فقال لهم يسوع أيضاً: الحق، الحق، أقول لكم إني أنا باب الخراف.[13] فالرب يسوع هو الباب والراعي والطريق في آنٍ واحد، وكل من يأتمنهم على الرعية دخلوا من خلاله إلى الحظيرة، وهو الذي عينهم تحت رعايته، لأن هو الراعي الصالح، وكل من يخدم فهو خادم رعويته، لذلك لا يقدر أن يزيد أحد على إرادته أو يُنتقص منها شيئاً[14]، بل كما يُريده – حسب التدبير – هوَّ يفعله وينفذه ويعمله بكل دقة وتدقيق حسب مسرة مشيئته المُعلنة لهُ بروحه، لئلا يكون دخل من موضع آخر ولهُ رسالة أُخرى غريبة عن إنجيل يسوع المسيح، إنجيل خلاص وشفاء النفس، لذلك فهو يُقدِّم طعام مظهره حلواً لكنه فاسد يحمل رائحة موت لموت، ولا يكون للبنيان بل للهدم. فالدخول للطريق المؤدي للحياة لا يأتي إلا عن طريق الباب الذي هو شخص ربنا يسوع الذي قال: كل ما يُعطيني الآب فإليَّ يُقبل، ومن يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً[15]، وكل حركة تنشأ فينا من نحو المسيح الرب، فهي ليست منا بل هي فعل جذب خاص نحو المسيح الرب وقت الافتقاد، ولننتبه لهذه الآيات المهمة للغاية لتتضح لنا الصورة: + وكما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة، هكذا افتقد غنمي وأُخلِّصها من جميع الأماكن التي تشتتت إليها في يوم الغيم والضباب.[16] إذاً أن لم ننتبه بكل تدقيق لعمل الله في حياتنا الشخصية، فأننا لن نعرفه ولن نحيا في الطريق الصحيح المؤدي للحياة الأبدية، بل سنظل تائهين متغربين عنه، نتساءل أين الطريق ولا نجده، وسنسير على غير هُدى ضالين عن الحق تماماً، حتى لو كان يبدو أننا في الطريق ونخدم اسمه العظيم القدوس، فلننظر مُدققين، لأن العمل إلهي بالدرجة الأولى، وكل عملنا فقط أننا نؤمن ونطيع صوته ونسير وفق نداءه هوّ، وليس حسب أفكارنا، ولا معرفتنا، ولا تدبيرنا، ولا ميولنا، ولا دراستنا، ولا فلسفتنا.. الخ. عزيز القارئ أن تولَّد في داخلك – في أي وقت – حس غامر عميق يوجهك نحو الله وأردت أن تتبعه فعلاً بكل شوق قلبك، فاعرف الطريق الذي رسمه ووضعه كالتدبير، ولا تنظر للناس وتعتنق أفكارهم وتسير ورائهم[20]، ولا تعتمد على عمل ذراعك بقدرتك وتتكل على معرفتك وقراءاتك[21] وتظن أن هذا يُرضي الله، فالله لن يرضى عنك وعني إلا فقط في المسيح يسوع برنا وخلاصنا وشفائنا وحياتنا وقيامتنا الحقيقية كلنا، فلا تحاول أن تدخل لله عن أي طريق آخر غير إيمانك بشخص المسيح[22] متكلاً على برّه[23] الخاص وعمل قدرته فيك[24] ليجعلك خليقة جديدة[25] ويدخلك إلى حضن الآب فيه وحده حسب استحقاقه هوَّ لا أنت، لأنه قام وصعد بقدرته ليجلس بجسم بشريتنا عن يمين العظمة في الأعالي، لأن هذا هو مكانه الطبيعي، لكن الجديد أنه أخذ طبيعتي وطبيعتك ليُجلسنا معه باستحقاقه (الشخصي) هوَّ، لذلك فأن عمله لا يحتاجني ويحتاجك لكي يَكْمُّل، لأنه كامل بسبب طبيعته هوَّ، لأن هو الذي قال قد أُكمل متمماً التدبير[26]، فلا تظن أنك ستزيد شيئاً أو تنتقص شيئاً مهما ما فعلت أو صنعت، لأنه هو الذي تمم كل شيء وحده ولم يكن معه أحد قط لأنه مكتوب: قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد[27]، لذلك فأنه لا يوجد شريك له (على وجه الإطلاق) في عمل الخلاص. فالله هو وحده الذي يفتقدنا[28] بمحبته الأبدية[29] التي أحبنا بها[30]، ويشدنا سراً بفعل جذبه الإلهي نحو الابن الوحيد[31]، فحينما نذهب إليه لا يُخرجنا – بالطبع – خارجاً[32]، بل يغسلنا ويطهرنا بفعل عمل دمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح[33]، لأننا حينما نلتقيه نرتمي عليه كما نحن معترفين بخطايانا بكل تواضع قلب، وبكونه أمين وعادل (بار) فأنه يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم[34]، لأنه ليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً[35]، لذلك فأنه قال في النبوة: وأُطهرهم من كل إثمهم الذي أخطأوا به إليَّ، واغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ والتي عصوا بها (عن قصد) عليَّ[36]، لذلك قال الرسول: فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي[37] لذلك أيها القُراء أحباء الله، المدعوين للحياة والمحفوظين ليسوع المسيح ربنا[38]، فالذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة، لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها[39]، هو من دعانا دعوة مقدسة[40] بفعل جذبه الخاص لكي يجعلنا أبناء له حسب قدرة عمله فينا بروحه القدوس، لذلك فأن المسيح الرب هو الباب المؤدي إلى الآب أن لم ندخله فأننا لن نرى الحياة أبداً، ولن نُعاين المجد البهي الذي للطبيعة الإلهية النقية، وذلك مهما ما فعلنا وتممنا كل برّ وصنعنا كل توبة بصوم دائم وواظبنا على كل طقس، لأن بدون المسيح ابن الله الحي لن يكون لنا رجاء ولا مواعيد ولا ميراث حياة الأبد[41]، لأننا أن لم نصير أبناء فيه فأننا مائتين عن الحياة[42] وسنظل متغربين عن الله إلى الأبد، نبحث عن نجاه ولا أمل ولا نور ولا قيامة ولا حياة، وكل هذا لأننا لن نقدر أن نصنع برّ حسب قصده أو نشع قداسة كقداسته، لكي نصير مؤهلين أن ندخل للحضرة الإلهية ونستحق أن نأخذ منه شيئاً، لكن على حساب برّ الله بالإيمان[43] بشخص المسيح ننال كل شيء[44]، لأن المسيح الرب وحده فقط هوَّ المستحق[45]، لأنه هوَّ بنفسه صار لنا باب الاستحقاق لننال كل العطايا الإلهية بسهولة وبساطة، وبدونه لا نقدر أن ننال شيئاً قط، لأن به لنا ثقة باسمه أن نحصل على كل شيء، لذلك علينا أن ننتبه لكلام الرب يسوع الذي لم يفهمه الكثيرين حينما قال: وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً، الحق، الحق، أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب باسمي يُعطيكم، إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً. قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضاً بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية، في ذلك اليوم تطلبون باسمي، ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم إني من عند الله خرجت، خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب.[46] لذلك عزيزي القارئ نحن لا نأتي إلى الآب لنتوسل عله يقبلنا ونقول (من أجل شفاعة يسوع ولأجل خاطره نتوسل إليك أغفر خطيئتنا واقبلنا في ملكوتك)، هذا فكر مشوه وغير سليم على الإطلاق، بل وعقيم جداً وأبعد ما يكون عن الإيمان بالمسيح ملك المجد، وذلك بسبب ضعف رؤية الخلاص ومعرفة عظمة المجد الذي نلناه في شخص المسيح حسب مسرة مشيئة الله أبانا، لأننا ندخل بالصلاة إلى حضرة الآب القدوس في المسيح يسوع الإله الحي، باسمه هوَّ، وبكل ثقة وعن جدارة نطلب ليكون لنا ما طلبناه[47] عن يقين، لأننا لا ندخل باسم أنفسنا أو باستحقاق أعمالنا إليه، ولا باسم ملاك ولا رئيس آباء ولا نبي ولا قديس لكي نتوسل به إليه، فنكون غير متأكدين أننا ننال ما طلبناه، لكن المسيح هو الرب من السماء، شفاعته ليست شفاعة توسل وترجي، بل شفاعة كفارة جديرة بالاستحقاق الكامل التام، لأنها فائقة للغاية، لأنه دخل الأقداس باستحقاق نفسه، استحقاق مُطلق في كل شيء، وأيضاً بكونه مكانه الطبيعي، والآب القدوس نفسه – حسب التدبير – يرانا فيه (أي في المسيح اللابس جسم بشريتنا)، وباسمه فقط صار لنا حق البنين عن جدارة واستحقاق، لأننا انتسبنا إليه بسبب تجسده. لذلك الكنيسة المنفتحة بالروح أظهرت سبب استجابة طلبتنا إذ أضافت على الصلاة الربانية في الختام (بالمسيح يسوع ربنا)، وهي في الواقع ليست إضافة إطلاقاً، لكن بسبب الوعي أنه صار لنا قدوماً به إلى الآب بثقة [لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحد إلى الآب[48]]، فمعنى اسمه أنه وسيط عهد جديد بيننا وبين الآب، وفيه لنا – طبيعياً – النعم والآمين، إذ لنا المواعيد العظمى والثمينة التي بها صرنا شركاء الطبيعة الإلهية[49]، لا بسبب قدرتنا ولا حسب أعمالنا الخاصة أو المتفوقة، بل بسبب وحدته الخاصة معنا[50] حسب مسرة مشيئة الآب أبانا وسيد كل أحد، فهو الجالس عن يمين العظمة في الأعالي[51] ومنه تنسكب علينا ملء الهبات الإلهية عن جدارة[52]، إذ ننال منه فيض النعمة وعطية البرّ[53] بسبب استحقاقه هوَّ، لذلك أي توسل للأب بالمسيح على أمل أنه يستجيب فهو خاطئ جداً وبعيد عن الإيمان تماماً، لأن المسيح الرب هو بشخصه برنا وصلاتنا مضمونة الاستجابة بالإيمان باسمه[54]، فهو لا يحتاج أن يتوسل لأجلنا لأنه هو بذاته بكرٌ لنا ومن أجله يُعطى لنا كل شيء باستحقاق اسمه، ولا يحتاج أن يتوسل إلى الآب، ولنتعلَّم من الرسل كيف تكون الصلاة وتتميم العمل الإلهي باسم المسيح الرب القدوس، وذلك حينما كانوا مضطهدين وتحت التهديد الخطير، فقد صلوا قائلين: + والآن يا رب انظر إلى تهديداتهم وامنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة. بمد يدك للشفاء ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع. ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة.[55] ولنلاحظ أن صلاة الرسل لم يكن فيها أي لفظة تخص التوسل عن ضعف من أجل الاستجابة، ولا كلمة لأجل خاطر يسوع أو بشفاعة يسوع، بل فيها اسم يسوع (مباشرة) لتتميم العمل الإلهي بتأكيد مضمون الاستجابة، لأنهم ليسوا باسم آخر يكرزون أو يخدمون أو يفعلون أي شيء، ولننتبه لهذه الآيات الآتية ونصغي بقلوبنا إليها جداً لتتضح الأمور لنا، فنحيا بالإيمان الحي وننال من الله كل شيء حسب مسرة مشيئته: + وأيضاً متى أُدخل البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله.[56] فهذا هو الإيمان الحي وحده الذي يُرضي الله، وهذه هي صورة الصلاة الحقيقية التي ينبغي أن نُصليها في مخادعنا واجتماعاتنا، فنحن نسجد للبكر الذي دخل إلى العالم، ونتقدم في يقين الإيمان متمسكين بإقرار الرجاء الحي لأن لنا ثقة أننا ننال رحمة ونجد نعمة وفيرة وعوناً في حينه يأتي إلينا من عند أبي الأنوار طبيعياً كأبناء له في المسيح، لأننا لا نأخذ باسم إنسان تقي، ولكننا ننال كل شيء على حساب الابن الوحيد، الله اللوغوس اللابس جسم بشريتنا، لكي ننال بواسطته كل شيء بدون كيل، بل بفيض يفوق كل توقعاتنا الطبيعية، لذلك مكتوب، ويا لروعة المكتوب لنا بإعلان إلهي واضح من فم شخص إلهنا ورأسنا الحي: فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً «فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ»، لِذَلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا»[61] فيا لتعاسة الإنسان المسيحي الذي لا يعرف نفسه ولا لمن هو منتسب، ولا يعي انه صار جنساً مختاراً من أهل بيت الله، أمه مقدسة وكهنوت ملوكي لا يزول، له الوعد بالحياة الأبدية، لأنها مضمونة بسبب تجسد الكلمة وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي بجسم بشريتنا، لأن كل من آمن بالابن الوحيد لو مات فسيحيا ولو كان حياً لن يموت إلى الأبد، ليتنا نُدرك طبيعتنا الجديدة في المسيح، لأن عدم درايتنا وعدم إدراكنا بقوة النعمة التي نحن فيها مقيمون، هو الذي يجعلنا نخيب في صلواتنا بل وحياتنا الروحية كلها، بل ونمرض وننحرف عن التعليم المستقيم حسب إنجيل خلاصنا. _________________ [1] (خروج 33: 20) [2] (يوحنا 14: 6) [3] لأنكم كنتم قبلاً ظُلمة وأما الآن فنور في الرب، اسلكوا كأولاد نور (أفسس 5: 8) [4] لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى (نُعاين) نوراً (مزمور 36: 9) [5] وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام (2كورنثوس 5: 15) [6] ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف... نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2كورنثوس 3: 18) [7] لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله (كولوسي 3: 3) [8] (رومية 8: 2) [9] فأن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً (يوحنا 8: 36) [10] وهذا نادى ذاك وقال: قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود مجده ملء كل الأرض (أشعياء 6: 3) [11] (متى 5: 48؛ 1بطرس 1: 16) [12] (حزقيال 16: 8؛ رؤيا 3: 18) [13] (يوحنا 10: 1، 2؛ 7( [14] طبعاً يوجد لصوص في الطريق (كثيرين) لم يعينهم الرب ولم يوافق على خدمتهم، لكن لهم شكل الخدام الأمناء أصحاب الغيرة الصالحة، ولهم صورة الآباء القديسين، لكنهم غاشين كلمة الله، ويتفوهون بالأكاذيب حسب مسرتهم لا مسرة اللهوإرادته، واحياناً ينطقون بالكذب لأنهم ضالين عن الحق، ويظنون في أنفسهم ما ليس فيها. [15] (يوحنا 6: 37) [16] (حزقيال 34: 12) [17] (لوقا 1: 68، 78؛ 7: 16) [18] (يوحنا 6: 44) [19] (عبرانيين 2: 10، 13) [20] أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله! لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم (1يوحنا 4: 1) [21] طبعاً القراءة مهمة ولازم تقرأ ما يبني حياتك ويوجه قلبك ويشعله برغبة الشركة مع الله [22] لأنكم بالنعمة مُخلَّصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله (أفسس 2: 8) [23] لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه (2كورنثوس 5: 21) [24] مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. (أفسس 1: 18، 19) [25] إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً (2كورنثوس 5: 17) [26] انا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته (يوحنا 17: 4) [27] (أشعياء 63: 3) [28] مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه (لوقا 1: 68) [29] تراءى لي الرب من بعيد ومحبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة (أرميا 31: 3) [30] الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها (أفسس 2: 4) [31] لا يقدر أحد أن يُقبل إليَّ أن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير (يوحنا 6: 44) [32] كل ما يُعطيني الآب فإليَّ يُقبِّل، ومن يُقبِّل إليَّ لا أخرجهُ خارجاً (يوحنا 6: 37) [33] (1بطرس 1: 19) [34] (1يوحنا 1: 9) [35] (عبرانيين 9: 12) [36] (أرميا 33: 8) [37] (عبرانيين 9: 14) [38] إلى المدعوين المقدسين في الله الآب والمحفوظين ليسوع المسيح (يهوذا 1: 1) [39] (تيطس 2: 14؛ أفسس 2: 10) [40] الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية (2تيموثاوس 1: 9) [41] أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يوحنا 15: 5) [42] قال لها يسوع أنا هوَّ القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا (يوحنا 11: 25) [43] برّ الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق (رومية 3: 22) [44] الذي فيه أيضاً نلنا نصيباً مُعينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (أفسس 1: 11) [45] مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمَّة (رؤيا 5: 9) [46] (يوحنا 16: 23 – 28) [47] وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه أن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمع لنا، وأن كنا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا، نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه (1يوحنا 5: 14، 15) [48] أفسس 2: 18 [49] (2بطرس 1: 4) [50] والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءً نعمة وحقاً (يوحنا 1: 14) [51] ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله (مرقس 16: 19) [52] ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله واحسانه. لا بأعمال في برّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس. الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا. حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تيطس 3: 4 – 7) [53] فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البرّ سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح (رومية 5: 17) [54] وانما أن كان احدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يُعير فسيعطى له. ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه. فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب. رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه (يعقوب 1: 5 – 8) [55] (أعمال 4: 29 – 31) [56] (عبرانيين 1: 6) [57] (رؤيا 10: 5) [58] (عبرانيين 10: 19 – 23) [59] (عبرانيين 4: 14 – 16) [60] (أنظر يوحنا 16: 23 – 28) [61] (لوقا 11: 13، أفسس 4: 8) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
وجهات الجذب في بونير |
أهم مناطق الجذب السياحي في تونس |
أهم مناطق الجذب في سيدني |
أجمل دول العالم من حيث الجذب السياحي |
قانون الجذب |