قصة وعبرة: طيبة القلب في اللسان
بعد يوم طويل وشاقّ من العمل، وضعت أمّي الطعام أمام أبي على الطاولة، وكان معه خبز محمَّص، ولكنّه كان محروقاً تماماً.
فمدّ أبي يده إلى قطعة الخبز، وابتسم لوالدتي، ثمّ رأيته يدهن قطعة الخبز بالزبدة والمربّى ويأكلها كلّها.
وعندما انتهينا من الطعام سمعت أمّي تعتذر لأبي عن حرقها للخبز وهي تحمّصه. ولن أنسى ردّ أبي على اعتذار أمّي: "لا تكترثي لذلك، يا عزيزتي، فأنا أحبّ، أحياناً، أكل الخبز محمَّصاً زيادة عن اللزوم، وأن يكون له طعم الاحتراق".
وفي وقت لاحق، سألته إن كان حقّاً يحبّ أن يتناول الخبز، أحياناً، محمَّصاً إلى درجة الاحتراق؟ وقال لي هذه الكلمات التي تحتاج إلى تأمّل: "يا ابنتيّ، كان يوم أمّك شاقّاً، وقد أصابها التعب والإرهاق. ولذلك، فإن قطعة من الخبز المحمَّص زيادة عن اللزوم أو المحترقة لن تضرّ حتّى الموت. الحياة مليئة بالأشياء الناقصة، وليس هناك شخص كامل لا عيب فيه. علينا أن نتعلّم كيف نقبل النقص في بعض الأمور، وأن نتقبّل عيوب الآخرين. وهذا من أهمّ الأمور في بناء العلاقات، وجعلها قويّة مستديمة".
أحبّاءنا، خبز محمَّص أو محروق قليلاً، لا يجب أن يحزن قلباً جميلاً.. فليتغافل كلّ منّا ما استطاع عن عيوب الآخر، فالنقد المُستمرّ يُميت لذّة العيش. لذا، فإنّ الشجرة لو تعرّضت لرياح دائمة لأصبحت عارية من أوراقها وثمارها، كذلك الشخص إن تعرّض للنقد الجارح باستمرار يُصبح سلبيّاً. إمدحوا حسنات بعضكم، وتجاوزوا عن الأخطاء، فإنّ الكلام الجميل مثل المفاتيح تقفل به أفواهاً وتفتح به قلوباً.
لا تعطوا الأمور حجماً أكبر ممّا هي، وإن رأيتم أمامكم حجراً، إرموه خلفكم، وتقدّموا، فإنّها مهارة!! التمسوا لنا الأعذار حينما لا نكون كما عهدتمونا أن نكون، فلعلّ صدورنا تحوي ما لا نستطيع البوح به. فابتسموا، وسامحوا، يا أحبّة، واغسلوا قلوبكم من غزوات الشيطان وسوء الظنّ. فنحن في أعوام تتساقط فيها الأرواح بلا سابق إنذار، فهنيئا لزارع الخير والناطق به، والخارج من هذه الحياة ويداه مملوءتان بأعمال الخير. انشروا التسامح والمحبّة، فهذه دنيا فانيــة، ولا تنسوا ...إنّ الرحلة قصيرة جدّاً.