لا شيئاً بتحزب أو بُعجب بل بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم (في2: 3)
إن الطبيعة البشرية ترفض أن تُعطي الكرامة لإنسان، أكثر مما تكرم نفسها. فهذا يُعّد طعنة للذات، وهو ما ليس في طاقة الإنسان الطبيعي أن يفعله. ولكن سُكنى الروح القدس يعطي الطاقة لتختفي الذات، ومن ثم يستطيع الإنسان أن يقدم الآخرين عليه في الكرامة.
ونرى في جدعون التطبيق العملي للنص السابق. فبعد أن هزم المديانيين بثلاثمائة رجل، طلب من « أفرايم » أن يدخل المعركة في اللحظة الأخيرة، حتى يوجه أفرايم لهم الضربة الأخيرة وهم قطعوا طريق الهروب على المديانيين وأسروا اثنين من قادتهم. ولكنهم اشتكوا على جدعون أنهم لم يُخبَروا بأمر المعركة منذ بادئ الأمر، وبالتالي لم يشاركوا فيها إلا في المشهد الأخير. وكانت إجابة جدعون التي ظهر فيها روح الآية موضوع دراستنا « أليس خصاصة أفرايم خيراً من قطاف أبيعزر » (قض8: 2). وبمعنى آخر إن الضربة الأخيرة التي وجهها أفرايم للمديانيين (خصاصة أفرايم) هي أفضل من كل الحملة التي عملها جدعون (قطافه). وهذه الروح المتواضعة أرضت أفرايم.
أما في العهد الجديد فنرى بولس في فيلبي وهو يقدم خدمة القديسين على خدمته، فيعتبر أن الخدمة المادية التي قدموها له الأخوة القديسين في فيلبي، هي الذبيحة الأساسية المقدمة لله، أما خدمته هو فهي مجرد السكيب على ذبيحة إيمانهم.
ولكن المثال الأعظم في الاتضاع وتقديم الآخرين هو ربنا المعبود، فهو الذي اتضع حتى نرتفع نحن، بل افتقر حتى نستغني نحن، بل إنه وضع نفسه حتى الموت لكي نحيا نحن.
أيها الأحباء ... هناك طريق للبركة مرسوم أمامنا في رسالة فيلبي: « ليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع » (في2: 5)، هو طريق الاتضاع ـ الاتضاع دائماً. لقد كانت كل خطوات سيدنا المعبود تنازلية دائماً حتى وصل إلى الخطوة التي ليس بعدها اتضاع أو نزول « حتى الموت موت الصليب ».
ليت الرب يحفظنا قريبين منه، خادمين إياه بتواضع، آخذين من شخصه أكثر مما نصرف في خدمته.