"الانسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء
عائشــاً كالمساكين مهانـاً كالضعفاء ..
مصلوبـاً كالمجرمين ...
فتبكيه وترثيه وتندبه
وهذا كـلّ ما تفعله لتكريمه .
منذ تسعة عشر جيـلاً والبشر يعبدون الضّعف بشخص يسوع ،
ويسوع كان قويّــاً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة .
ما عاش يسوع مسكينـاً خائفا ولم يمت شــاكياً متوجعــاً
بل عاش ثائـراً وصلبـاً متمـرّداً ومات جبّــــاراً !!
لم يكن يسوع طائـراً مكسور الجناحين
بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجّــــة .
لم يجيء يسوع من وراء الشّــفق الأزرق ليجعل الالم رمزاً للحياة
بل جاء ليجعل الحياة رمـزاً للحــقّ والحريّة .
لم يخف يسوع مضطهديه ولم يخش أعداءه ولم يتوجّع أمام قاتليه ...
لم يهبط يسوع من دائرة النّـــورالأعلى ليهدم المنازل
ويبني من حجارتها الأديــــرة والصّــوامع ،
ويستهوي الـرّجال الاشـدّاء ليقودهم قساوسة ورهبانا ...
لم يجيء يسوع ليعلّم النّاس بناء الكنائس الشّـــاهقة والمعابد الضّخمــة
في جوارالاكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة ,
بل جاء ليجعل قلب الإنســـان هيكـلاً ونفسه مذبحـاً وعقله كاهنـاً .
هذا ما صنعه يسوع النّـاصري وهذه هي المباديء التي
صُلِـــبَ لأجلها بآختياره الكامل ، وبإصـــرارٍ تام ..
ولو عَقُـــلَ البشر .. لوقفوا اليوم فرحين متهلّلين
مُنشدين أهازيج الغلبة والإنتصــــــار!!
إنّ إكليل الشوك على رأســـكَ هو أجلّ وأجمل من تاج بَهرام ،
والمسمار في كفّك أســـمى وأفخم من صولجان المشتري ،
وقطرات الدّماء على قدميك أسنى لمعانــاً من قلائد عَشتروت .
فسامح يا ســيّد هؤلاء الضّعفاء الذين ينوحون عليك لأنّهم
لا يدرون كيف ينوحون على نفوسهم ، وآغفر لهم لأنّهم لا يعلمون أنّك
صرعــتَ الموتَ بالموتِ ؛؛ ووهبـتَ الحياة لمن في القبــــورِ !!!"
من أروع ما كتب جبران خليل جبران
في يسوع المسيح (العواصف).