قوة الصلاة :
هذه القصة الواقعية من فم أحد الخدَّام القدامى المباركين .
فقد كان هذا الخادم مبعوثاً للعمل والخدمة في إحدى البلاد الإفريقية ، وقد حكى هذه القصة عند عودته لرفقائه الخدَّام في الكنيسة التي يخدم بها ، فقال : بينما كنتُ أخدم في قرية نائية صغيرة ، كنتُ أسافر مرة كل أسبوعين على ظهر حمار عابراً الغابة لأقرب قرية لطلب المؤونة . وكانت الرحلة تستغرق يومين ، وتستلزم أن أبيت في خيمة في منتصف الطريق . وفي إحدى هذه الرحلات وصلتُ القرية حيث كنتُ أنوي أن أسحب نقوداً من بنك القرية وأشتري بها أدوية ومؤونة ، ثم بدأتُ رحلة العودة لمركز خدمتي في القرية النائية .
وعند وصولي هذه القرية لاحظتُ وجود رجلين كانا يتعاركان ، وكان أحدهما مجروحاً جرحاً غائراً ، فقمتُ بعلاجه حيث أني طبيب من إصاباته . وفي نفس الوقت دعوته للكنيسة القبطية ، حيث أخدم ونصحته أن تكون له حياة مقدسة وشركة مع المسيح وأن يكفَّ عن العراك مع الآخرين . ثم خيَّم الليل ، وضربتُ خيمتي ونمتُ إلى الصباح حيث عُدتُ إلى قريتي النائية بسلام ودون أحداث .
وبعد أسبوعين كرَّرتُ رحلتي . وعند وصولي للقرية وجدتُ في طريقي هذا الشاب الذي سبق أن عالجته ، فأخبرني بأنه كان يعلم أنه كان معي نقود وأدوية . وأردف : لقد خطَّطنا أنا وبعض أصدقائي لقتلك وأَخْذ ما معك من مال وأدوية . لذلك تبعناك إلى الغابة التي تضرب فيها خيمتك عالمين أنك ستقضي الليل فيها . ولكن بمجرد أن وصلنا إلى قرب خيمتك ، رأينا خمسة رجال أشداء مسلَّحين حول خيمتك ساهرين يحرسونك .
وعند هذه الجملة الأخيرة ضحكتُ ، وقلتُ لهذا الشاب : إنني أؤكِّد لكم كلكم أنني كنت وحدي في الغابة . ولكن الشاب أكَّد على هذه الرواية وقال : لا يا سيدي ، لست أنا وحدي الذي رأيتُ الحرَّاس ، ولكن أصدقائي - وكانوا خمسة أيضاً- رأوهم ، وقد عددناهم وكانوا خمسة أيضاً ، حتى أننا قلنا إن عددهم مثل عددنا !
كما قلنا في بداية المقال ، فإن هذا الخادم كان يسرد ذكرياته لرفقائه الخدَّام في مدينة بالصعيد ، وعمَّا رآه وفعله في غيبته عنهم . فعندما وصل الخادم في سرده إلى هذه النقطة الأخيرة ، قفز واحد من الخدَّام ، وأعترض الخادم الكبير وسأله عن اليوم بالتحديد الذي حدث له فيه هذا . فردَّ عليه الخادم بالتاريخ الذي فيه حدث له هذا الحدث .
فردَّ الخادم المستمع بسرد ما يلي : في صباح هذا التاريخ بالذات وأنت في أفريقيا ، كنتُ أستعدُّ للذهاب إلى عملي ، ولكني شعرتُ بإلحاح شديد في نفسي أن أُصلِّي من أجلك بعد أن غبت عنا لمدة سنة . وقد كان الإلحاح قوياً لدرجة أني دعوتُ بعض الخدَّام أن نتقابل معاً للصلاة من أجلك ، ثم التفتَ الخادم المستمِع إلى الخدَّام الحاضرين وسألهم : هلاَّ قام كل الذين استجابوا لدعوتي في هذا اليوم؟ فوقف الخدَّام المباركون الذين صلُّوا في هذا اليوم لأجل رفيقهم الخادم . أما هذا الخادم الذي حدثت معه هذه الأحداث ، فقد ظل يتفرس في هؤلاء الواقفين ، ولم يكن مشغولاً بمن يكونون ، بل بعددهم . لقد كانوا خمسة !!
- لقد ذكَّرتني هذه القصة بالكنيسة التي كانت تصلِّي من أجل بطرس الرسول وهو في السجن ، وإستجاب الله صلاتهم وأرسل له ملاكاً فكَّ السلاسل وفتح الأبواب الحديد وفكَّ أَسْره ... (أع 12: 1-17) .
- وتذكَّرتُ نشيد الأنشاد وما ذُكِرَ فيه عن الستين جبَّاراً حول عرش سليمان (نش 3: 7) ، والمديحة التي ذكرتهم وهي تنشد للناسك ساكن البرية وحده ، أو للكنيسة الوديعة وسط العالم المعاكِس حولها : يا حمامة الجبل يا ساكنة بين الصخور .. لا تخافي من خطر حاميكِ صخر الدهور .. تخت سليمان أنتِ حولكِ ستون جبَّار .. كلهم حاملين صلبان يحرسونك ليل ونهار .