|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بكر كل خليقة _ أثناسيوس الرسولي
بكر كل خليقة القديس أثناسيوس الرسولي والقديس كيرس الإسكندري .. سُمى أيضًا " بكر الخليقة" (كو 15:1)، لكنه لم يلقب بكرًا كمساوٍ للمخلوقات، أو أولهم زمنيًا - لأنه كيف يكون هذا وهو نفسه "الوحيد الجنس" بحق؟ لأنه بسبب تنازل الكلمة إلى المخلوقات فإنه قد صار أخاً لكثيرين. وهو يعتبر "وحيد الجنس" قطعًا إذ أنه وحيد وليس له إخوة آخرون، والبكر يسمى بكر بسبب وجود إخوة آخرين. لذلك فلم يُذكر فى أى موضع فى الكتب "بكر الله" ولا "مخلوق الله"، بل ذُكر "الوحيد الجنس" و "الابن" و "الكلمة" و"الحكمة". وهذه تشير إلى علاقته الخاصة المتميزة بالآب. وهكذا كُتب " رأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب" (يو 14:1)، و" أرسل الله ابنه الوحيد" (1 يو 4: 9)، و" كلمتك يارب دائم إلى الأبد" (مز 119: 89)، و" فى البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله" (يو 1:1)، و" المسيح قوة الله وحكمة الله" (1 كو 24:1)، و" هذا هو ابنى الحبيب" (مت 17:3)، و" أنت هو المسيح ابن الله الحى" (مت 16:6). أما لفظ "البكر" فيشير إلى التنازل إلى الخليقة، لأنه بسببها سُمى بكرًا فإن كان هو "الابن الوحيد" تمامًا مثلما هو فى الحقيقة، فإن لفظ بكر تحتاج إلى تفسير، لأنه لو كان "بكرًا" لما كان "وحيدًا"، لأنه غير ممكن أن يكون هو نفسه "وحيدًا" و "بكرًا"، إلا إذا كان يشير إلى أمرين مختلفين. فهو "الابن الوحيد " بسبب الولادة من الآب، ولكنه يسمى "بكرًا" لسبب التنازل إلى الخليقة وجعله الكثيرين أخوة له. فإن كان اللفظان متعارضان أحدهما مع الآخر، فإن فى إمكان أى شخص أن يقول إن اصطلاح "الوحيد الجنس" متعلق بالكلمة وذلك بسبب عدم وجود كلمة آخر أو "حكمة" آخر، بل إنه هو وحده ابن الآب الحقيقى. لأنه كما قيل سابقًا فإن اصطلاح وحيد الجنس لم يذكر مرتبطًا بأى سبب، بل ذُكر بصورة مطلقة أنه: " الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب" (يو 18:1). أما اصطلاح البكر فهو مرتبط بالخليقة التى أشار إليها بولس عندما قال: " لأنه فيه خُلِق الكلّ" (كو 16:1). فإن كانت كلّ المخلوقات قد خُلِقت بواسطته فإنه يكون مختلفًا عن المخلوقات، ولا يكون مخلوقًا بل هو خالق المخلوقات. إذن فهو لم يُدعَ "بكرًا" بسبب كونه من الآب، بل بسبب أن الخليقة قد صارت به. وكما كان الابن نفسه كائنًا قبل الخليقة وهو الذى به قد صارت الخليقة، هكذا أيضًا فإنه قبل أن يُسمى "بكر كل الخليقة" كان هو الكلمة ذاته عند الله. ولكن حيث إن الكافرين لم يفهموا هذا صاروا يجولون قائلين: "إن كان هو بكر كل خليقة فمن الواضح أنه هو نفسه أيضًا واحد من الخليقة ". يالهم من حمقى! فإن كان هو بكر كل الخليقة جمعاء فهو إذن مغاير لكل الخليقة، لأنه لم يقل إنه كان بكر بقية الخلائق لكى لا يظن أنه مثل واحد من الخلائق، بل قد كتب " بكر كل خليقة " كي يتضح أنه مختلف عن الخليقة. فرأوبين مثلاً لم يُدعَ بكر جميع أولاد يعقوب، بل بكر يعقوب وبكر إخوته، لكى لا يظن أنه شخص آخر ولا ينتمى إلى أولاد يعقوب (تك 35). أما بخصوص الرب نفسه فلم يقل الرسول: "لكى يصير بكر الجميع"، لكى لا يُظن أنه يلبس جسدًا مختلفًا عن جسدنا، بل قال: " إنه بكر بين أخوة كثيرين" (رو21:8)، وذلك بسبب مشابهة الجسد. فلو كان الكلمة واحدًا من بين الخلائق، لكان الكتاب قد قال عنه إنه بكر المخلوقات الأخرى. أما الآن حيث يقول القديسون إنه "بكر كل خليقة" فإنه يتضح العكس تمامًا لأنه غير كلّ الخليقة، وأن ابن الله ليس بمخلوق. لأنه إن كان مخلوقًا فسيكون هو بكرًا بالنسبة لنفسه. فكيف يكون ممكنًا أيها الآريوسيون أن يكون هو الأول لذاته والثانى بالنسبة لنفسه؟ وبعد ذلك، فإن كان هو مخلوقًا، وكل الخليقة قد صارت به وتتكوَّن فيه، فكيف يستطيع أيضًا أن يخلق الخليقة وأن يكون فى نفس الوقت واحدًا من أولئك الذين خُلِقوا فيه؟ فبدعتهم هذه تظهر منافية للعقل وسقيمة، فهم يحيدون عن الحق، لأنه قد دُعى "بكرًا بين أخوة كثيرين" بسبب علاقة الجسد. وسُمى " البكر من بين الأموات" لأن قيامة الموتى تنبع منه وتلي قيامته. وقد دُعى "بكر كل الخليقة" من أجل محبة الآب للبشر التى بسببها، ليس أن الكلّ فقط قد تكوَّن بكلمته، بل إن الخليقة نفسها ـ التى تحدث عنها الرسول أنها "تنتظر ظهور أبناء الله" (رو 19:8)، هى أيضًا سوف " تُعتق يومًا من عبودية الفساد إلى حرية مجد ابناء الله" (رو 21:8). وهكذا فبعد أن تتحرر الخليقة فسيكون الرب أيضًا هو بكرها وبكر كل الأولاد المولودين، لكي بتسميته "الأول" فإن الذين يتبعونه يظلون مرتبطين به كبداية لهم. واعتقد أن الكافرين أنفسهم سيخجلون من مثل هذا الرأى، لأنه لو أن الأمر لم يكن هكذا مثلما قلنا، بل هم يريدونه أن يكون ـ بحسب الجوهر ـ مخلوقًا بين الخلائق. وبهذا المعنى يفسرون "بكر كل الخليقة"، فدعهم إذن يعترفون أنهم ـ فى هذه الحالة ـ سيفهمونه أنه أخ ومشابه للكائنات الغير ناطقة والتى بلا نفس. لأنه الأشياء هى أيضًا أجزاء من كلّ الخليقة، لذلك يكون البكر بالضرورة هو الأول من الناحية الزمنية فقط، أما من ناحية النوع والتشابه فيكون هو والجميع شئ واحد. فكيف إذن لا يفوقون كل كفر عندما يقولون هذا؟ ومن سيحتملهم عندما يتكلمون هكذا؟ وكيف يستطيع أحد ألا يشمئز منهم بسبب أنهم يتفكرون فى مثل هذه الأمور؟ لأنه واضح للجميع أنه دعى "بكر الخليقة" ليس بسبب نفسه كما لو كان مخلوقًا، ولا بسبب أن له علاقة ما من جهة الجوهر مع كل الخليقة، بل لأن الكلمة ـ منذ البدء ـ عندما خَلَقَ المخلوقات، تنازل إلى مستواها حتى يتيسر لها أن تأتى إلى الوجود. لأن المخلوقات ما كان ممكنًا لها أن تحتمل طبيعته ـ التى هى بهاء الآب الخالص ـ لو لم يتنازل ويعضدها ويمسك بها ويحضرها إلى الوجود بسبب محبة الآب للبشر. ونكرر أيضًا أنه بنزول الكلمة، قد صار به تبنى الخليقة نفسها به، لكى يصير هو بكرها فى كل شئ كما سبق أن قيل، سواء فى الخلق أم فى دخوله إلى العالم نفسه من أجل الكلّ لأنه مكتوب: "ومتى أَدخل البكر إلى العالم، يقول ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب 6: 1). فليسمع أعداء المسيح وليمزقوا أنفسهم بشدة. لأن إدخاله إلى العالم ساهم فى تسميته "بكر" الكلّ، حتى يكون هو ابن الآب الوحيد الجنس بسبب أنه هو الوحيد الذى من الآب، كما أنه "بكر" الخليقة من أجل تبنى الجميع. ولأنه هو بكر بين الأخوة، وقد قام من بين الأموات ليكون هو باكورة الراقدين (1 كو 15: 20)، لذلك كان من الواجب أن يكون متقدمًا فى كل شئ ... لكى إذ نتبعه وندخل بواسطته - وهو القائل "أنا هو الطريق" و "الباب" - ونشترك فى معرفة الآب، فإننا نسمع الكلمات: " طوباهم الذين بلا عيب فى الطريق" (مز 1:119) وأيضًا " طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 8:5). المرجع: المقالة الثانية ضد الاريوسيين، القديس أثناسيوس الرسولى، تعريب صموئيل كامل، د. نصحى عبد الشهيد، مراجعة د. جوزيف موريس، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. ++++++++++++++++++++++++++ شرح القديس كيرلس الإسكندري (القارئ المدقق سوف يلاحظ فيما يلي أن ق. كيرلس يشرح كلمات معلمه أثناسيوس، كما جاءت في المقالة الثانية ضد الأريوسيين المذكورة أعلاه) كيف إذن يكون بكراً، وفي نفس الوقت هو وحيد الجنس؟ لماذا يجب أن يسري عليه هذا أو ذاك؟ وإذا كان الكتاب المقدس يدعوه وحيد الجنس وبكراً، فمن الضروري على الذين يهينون الكتب المقدسة، أن يفسروا بدقةٍ كيف يكون بكراً، وبأي طريقة يكون وحيد الجنس. هو وحيد الجنس، لأنه هو الكلمة المولود من الآب قبل الدهور، وليس لديه أخوة بحسب الطبيعة، ولا يُحسب مع آخر. فابن الله واحد هو فريد. وهو أيضاً بكرُ لأخوة كثيرين - كما هو مكتوب (رو 8: 29). لكن متى صار أخاً لنا، إن لم يكن ذلك قد حدث حين لَبَسَ جسدنا؟ إذن، هكذا صار بكراً عندما أتى بأبناء كثيرين لله بحسب النعمة. لقد دُعي بكر كل خليقة ليس لأنه الأول بالنسبة لها من جهة الزمن، ولا لأنه هو من نفس جوهر المخلوقات، لكن مثلما قلنا سابقاً، بسبب تنازله نحو المخلوقات وتشبُّهه بنا، لكن من الأفضل أن نلاحظ أيضاً أنه دُعيَ وحيد الجنس وبكراً بين أخوة كثيرين. فعندما دُعيَ وحيد الجنس، دُعيَّ دون أن يكون هناك عِلةُ بمقتضاها أصبح وحيد الجنس، بل لأنه حُر من كل قيد، وهو الإله وحيدُ الجنس الكائن في حضن الآب. لكن عندما تدعوه الكتب المقدسة بكراً، فإنها للتو تضيف: مَن هو البكر، وكذلك السبب الذي لأجله دُعي بهذا الاسم. لأن الكتب تقول: "بكرا بين إخوة كثيرين" (رو 29:8)، "بكر من الأموات" (كو 18:1). لأنه كان ينبغي لابن الله، وهو الأول بحسب الطبيعة، عندما صار إنساناً، ألاَّ يفقد مكانته، فعندما صار شبيهاً بنا وُضِع أيضاً قبل كل الخليقة. فليس لأنه صار إنساناً، صار أدنى من كل ما يخص المكانة التي تتناسب مع الطبيعة الإلهية، بل أيضاً كإنسان هو الأول ويسبق كل الخليقة، طالما هو خالقها وهو الرب. هكذا الإنجيلي يقول: ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب" (يو 14:1). إن كان - كما يقول بولس - به صار الكل (كو 16:1)، إلاَّ أنه هو آخرُ بالنسبة للكل. لأن كلمة "الكل" لا تترك مخلوقاً خارجاً عنها لم يَصِر بواسطته. بالتالي، الابن ليس مخلوقاً، لكنه بالحري هو خالق الكل، كما هو مكتوب. لأن الكتاب المقدس لم يقل إنه بكر الخلائق الأخرى، حتى لا يُظن أنه حقاً واحدُ من ضمن هذه المخلوقات، ولكن بقوله "كل الخليقة" يعني أنه آخرُ مختلفُ عن الخليقة. ومَن يوجد خارج كل الخليقة، لا يمكن أن يكون من جوهر مخلوق، بل هو آخر مختلف عنها. وحسناً فعل الكتاب المقدس، إذ آخذاً في لاعتبار لهذه الملاحظة، لم يدعُ رأوبين أنه بكر كل أولاد يعقوب حتى لا يُعتبر أنه آخر مختلف عنهم، بل بدقة عظيمة يقول إن هذا هو بكر يعقوب وأخوته. إذا كان البعض قد شرع في وضع الابن ضمن الخليقة، بسبب أنه دُعيَ بكر كل خليقة، فإن ذلك يعني أن يكون الابن نفسه معدوداً ضمن الخليقة. ووفقاً لهذا الرأي يكون الابن أيضاً بكراً لذاته، فطالما هو حقاً بكر كل خليقة، يكون أيضاً في الكل، وهو ما يعني أنه سيكون الأول والثاني لذاته، أمَّا لو اعتبرناه خارج الكل بسبب أنه بكر كل الخليقة، عندئذ سيكون الأول بالنسبة للكل. لكن لو كان من ضمن الكل، لأصبح الثاني لذاته زمنياً، أي الأول بتلك الطريقة، والثاني بالنسبة لذاته بهذه الطريقة. لو كان الابن واحداً من ضمن الخليقة، بسبب أنه دُعيَ بكر كل خليقة، وفي ذات الوقت كان الكل قد صار بواسطته (يو 1: 2)، لكان عندئذ خالقاً لذاته وفق رأيكم، وهذا الذي يخلق صار مخلوقاً، وقد صار هكذا بواسطة ذاته. فإن كان ضمن الكل، وكان الكل قد صار بواسطته، لأضحى ما قلناه صحيحاً، لكن إذا كانت الخليقة قد خُلِقت بواسطته فكيف يمكن أن يكون هو واحداً منها هذا الذي أعطى الوجود لكل الموجودات؟ من الصواب تماماً أن يُدعى الابن بكراً لأخوة كثيرين، لأنه صار شبيهاً بنا في كل شيء ما عدا الخطية، ولأنه لَبَسَ جسدنا وصار أخا لنا. وهو أيضاً بكرُ من الأموات، لأنه هو الأول الذي أقام جسده في عدم فساد، وهو الأول الذي أصعده إلى السموات، لذلك يقول: "أنا هو الطريق" (يو 6:16)، و "أنا هو الباب" (يو 10: 9). وبواسطته تعلّمت الطبيعة البشرية أن تسلك في طريق القيامة الجديد، وبواسطته - كما من بابٍ - دخلت إلى السماء. بسبب محبة الآب لمخلوقاته دُعيَ الابن بكرَ كل خليقة، والابن بمحبته تجاه المخلوقات لم يتردد في أن يجعل ذاته بين المخلوقات، حتى أن المخلوقات التي جاءت بعده تخلُص بسبب أنه دُعيَ بكراً. هكذا ينبغي له أن يكون بكراً لكي تظل المخلوقات تدعوه بكراً. إذن هو المولود الوحيد من جهة الطبيعة، لأنه أتى من الآب، فهو إله من إله، ونور من نور، لكن هو البكر لأجلنا، لدرجة أن كل الخليقة طُعِّمت فيه كأنها في جذرٍ عديم الموت، لكي تنبت مرة ثانية من هذا الذي هو موجود دائماً. لأن الكل صار بواسطته والكل يخلُص بفضله. لو كنا نضع الابن ضمن الخليقة بسبب أنه دُعيَ بكر كل خليقة، لكان بحسب الطبيعة مخلوقاً، ولكان الأول زمنياً لهذه الخليقة، ولكان على صلة قرابة معها بحسب الطبيعة. ولشابه كل المخلوقات الأخرى، وبالتالي بكون على صلة قرابة أيضاً بالحيوانات غير العاقلة، والطيور الجارحة وتلك التي تسبح في الماء، لأن هذه المخلوقات، وإن كانت قليلة الأهمية، إلاَّ أنها جزءُ من كل الخليقة. لكن هذا الرأي غير معقول. إذن، بناءً على ذلك، فإن كلمة "بكر" تعبِّر بكل تقوى عن أنه الأول بين أخوة كثيرين، هؤلاء الذين دُعُوا بحسب النعمة إلى التبني، لكنه هو فوق الخليقة، لأنه يوجد قبلها، وهو الذي أحضرها إلى الوجود قبل أن يكون له بالتجسد جوهر مخلوق (ناسوت). مثلما دُعيَ بكراً بين أخوة كثيرين، لأن هؤلاء الذين خلصوا بواسطته، دُعُوا إلى التبني من الله بحسب النعمة، هكذا أيضاً دُعيَ بكراً من الأموات، لأنه قام إلى عدم الفساد قبل الجميع. وهكذا يُقال إنه صار بداية الطرق (أم 22:8)، لأن الجميع يستطيعون بواسطته إن يسرعوا إلى الخلاص. كما أنه لم يُدعَ وحيد الجنس لسبب آخر، إلا لأنه هو فقط الوحيد الذي وُلِد بالحقيقة. |
|