14 - 10 - 2017, 04:49 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
الفرح في رسالة فيلبي
هل يمكن أن تكون البرية - مع جفافها ووعورتها وأشواكها - مكانًا للفرح؟! وهل يمكن أن يصير وادي البكاء ينبوعًا؟! هل تتغطى مُورَة بالبركات؟! وهل تتحول مفاجآت الحياة وأتعابها لمستودعات للبركة؟! أيمكن أن يُرى المؤمنون في عمق ألمهم، يحمدون ويسبحون قدام الله؟ أيبيت البكاء في المساء، وفي الصباح ترنم؟! أيغمر الفرح العميق الهادئ القلب، بينما تُدمي الأقدام أشواك الطريق؟!
نعم! هذا بالذات ما نراه في حياة القديسين في مسيرهم مع إله كل نعمة، وهذا ما نختبره عمليًا في حياتنا. وهذا ما نُلاحظه بصفة خاصة في رسالة البرية، رسالة فيلبي؛ الرسالة التي تفيض بالفرح والسرور في كل جنباتها، على الرغم من أن الرسول بولس قد كتبها وهو موثق في السجن.
والمؤمن يُرى في رسالة فيلبي وهو يَعبُر هذا العالم، في سعيه نحو السماء التي منها ينتظر مخلِّصًا هو الرب يسوع المسيح. لكن ما هي الأسباب التي تجعل رسالة البرية هي بعينها رسالة الأفراح؟!
هناك سببان:
السبب الأول: تخلو هذه الرسالة من ذكر الخطية
ولا عجب فإن مياه التطهير هي التي تتحول إلى خمر الأفراح (انظر يوحنا 2)؛ وحيث لا خطية فلا إحزان للروح القدس الساكن في المؤمن، وبالتالي هناك ثمر الروح: فرح. فالتجارب، والضيقات والآلام لا تحني المؤمنين، بل في مَعيَّة الرب «يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ» (مز84: 7).
والألم يُقوّي المؤمنين، ويُنضجهم ويدفعهم إلي الرب، ويُحمِّلهم بالثمار. ماذا تقول العروس في سِفْر النشيد عن رياح الحياة، حارة أم باردة؟ وما تأثيرها على جنة كيانها؟ «اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هَبِّي عَلَى جَنَّتِي فَتَقْطُرَ أَطْيَابُهَا. لِيَأْتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ النَّفِيسَ» (نش4: 16). أما الخطية فهي تحني المؤمنين، وتأتي بوجوههم نائحين إلى التراب والرماد. هي التي تبكيهم بكاءً مُرًا. هي التي تجعل مرنم إسرائيل الحلو، الذي طالما أنعشت مزاميره ملايين المؤمنين على مر العصور، يقول: «تَحَوَّلَتْ رُطُوبَتِي إِلَى يُبُوسَةِ الْقَيْظِ» (مز32: 4)، وتجعله يتوق إلى رد بهجة خلاصه (مز51: 7-11). ومكتوب: «إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1يو1: 9)، وهكذا تُرَدّ النفس وتُستعاد أفراح الشركة من جديد.
والسبب الثاني: أن المسيح في هذه الرسالة يشغل مكانه اللائق به بالنسبة للمؤمن:
ففي الأصحاح الأول: المسيح هو حياتنا «لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (في1: 21).
وفي الأصحاح الثاني: المسيح هو مثالنا «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا» (في2: 5).
وفي الأصحاح الثالث: المسيح هو غرضنا وغايتنا «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ... وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ ... أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ. أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (في3: 10-14).
لذلك لا عجب أن نجد المسيح في الأصحاح الرابع هو فرحنا «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا» (في4: 4).
فحياة هي المسيح، وهو مثالها، وغرضها وانتظارها، لا بد أن تفيض بالأفراح.
وحيث أن «فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ» (نح8: 10)، فلا عجب أن يقول الرسول في نفس الأصحاح: «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي» (في4: 13).
فحيث لا خطية هناك الفرح، وحيث المسيح الكل في الكل، هناك كل السرور والرضا.
|