|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فقدان الحب يعني أن نقبل فكرة أننا فقدنا شخصًا وفقدنا معه جزءًا من الروح، جزءًا لن يعود كما كان حتى لو حاولنا مع آخرين، فقدان الحب لا يختلف عن الموت، بل هو متطابق معه. كل محاولة ليست إلا أمل لاستعادة ما فقدناه. الحياة تكوينا بنار فقدان الحب لتوشمنا على جبيننا بعلامة تؤهلنا لدخول عالم الكبار الراشدين الذين يتحكمون في عواطفهم، العاقلين الذين يُحسنون الاختيار دائمًا، الحكماء الذين لا يندفعون مثلنا، أو هكذا نعتقد على الأقل. الحقيقة أن كل ما في الأمر أننا نتعلم كيف نبتلع الألم ونضعه في قاع الروح في مكان مظلم مهمل، مكان الكراكيب، الحجرة المائة التي لا نفتحها أبدًا إلا عندما تبدأ بعض التجاعيد في احتلال أركان العين. كنت أعرف أن الحجرة لا بد أن تُفتح يومًا ما، لكنني كنت دائمًا أؤجل، فأتعلل أن العمل كثير وأن الأمر يتطلب الكثير من الوقت الذي لا أملكه وأن غبار الحجرة سيقتلني إن فتحتها وأنني لا يمكن أن أقوم بهذا الجرد بمفردي. انتهي بي الأمر في برلين الألمانية بمفردي مع مفردي. فتح الحجرة المائة عمل فردي تمامًا، مهما كانت المتاعب والجروح من الأدوات الحادة التي غالبًا ما سنتعثر فيها، ومهما كانت شراسة عناكب الذاكرة التي ستنقض علينا ومهما كان عدد عفاريت الظلمة الذين استوطنوا الحجرة. الآن أنا أمام أنا كيف السبيل والحياة علمتنا أن نكون معًا جميعًا دائمًا؟ حتى مهارات فتح الحجرة لم أتعلمها، ظننت أنها انتهت وذهبت إلى النسيان بكل ما فيها. آه إنها لم تذهب! بقيت هي ومحتوياتها تنظر إليّ شذرًا لتفرض قوتها وليتآكل عنادي وكبريائي ويظهر ضعفي. كيف السبيل إلى تلك المواجهة التي نهرب منها دائمًا؟ في البداية كنت أظن أنها أشياء بسيطة، موجعة مؤقتًا، سخيفة في حينها وستمر، تعللت بكل الحجج المستهلكة، أقنعت نفسي أن درجة الحساسية تزداد كلما تقدمت السنون، وأنني أراقب نفسي وأقف أمامها لأخرج لها لساني وأقول بنبرة الأطفال عندما يحصلون على شيء رغمًا عنا "شايفاااكيييي"، أزحت كل القصص جانبًا وكأن شيئًا لم يحدث. إلحاح الحجرة المائة يزداد، إلحاح جعلني لا أفكر في السفر مرتين، مرة واحدة ثم قرار ثم مطار ثم طائرة ثم بلد آخر. مكان مجهول، جديد بكل ما فيه، وجوه ولغة وممرات ومناظر ومأكولات ومشروبات وعملات ورقية. مكان جديد لا بد أن نخوض فيه ممرات الألم لنصل. لكي أبدأ لا بد أن أقع تحت طائلة الذاكرة التي لا ترحم، ذاكرة لا تشبه شيئًا لأنها تبدأ في العمل ولا تتوقف مهما كانت التمائم والأحجبة، ذاكرة تهرس كل خلية في القلب والعقل، ولا أعرف النتيجة بعد كل هذا الهرس والعجن، كل ما أعرفه الآن هو شلالات الدموع التي تنهمر مني لا إراديًا، دموع حارقة أشعر معها بوخزة ألم في منتصف صدري، دموع ألم وتأنيب ضمير وشعور بالضآلة والشفقة على الذات والندم، البكاء والبكاء. من برلين أرسلت رسالة لـ"سمر" صديقتي بالبريد الإلكتروني عنوانها "مساعدة عاجلة"، سألتها ما العمل في تلك الدموع وكل ذاك الرثاء وأنا هنا بمفردي وحيدة تمامًا، وفورًا أجابت: "لن أقول لك لا بأس، ولن أطلب منك التوقف عن البكاء، بل سأقول ابكي وابكي حتى تتخلصي من كل الآهات، بل علّقي ورقة في الغرفة تقول إنك مجروحة حتى الثمالة. ابكي وابكي وعندما تذرفين دمعك بأكمله سيجيء وقت الفهم. لكن تذكري أنك لن تفهمي كل شيء، وعندما تحاولين الفهم لا تعفي نفسك من المسؤولية. عندئذ ستطهرين الجرح من الدم والصديد الذي تراكم في الحياة. وعندما يصبح الجرح نظيفًا سيترك مكانه علامة عجوز (لا تقلقي، يمكن أن نعالجها فيما بعد بجراحة تجميل). ابكي واعلمي أنني أحبك وأؤمن بك. ابكي حتى تجدي الطريق الذي بدايته شوك ودموع وآخره سلام وأمان". كم جراحة تجميل أحتاجها؟ وما زلت أبكي ذاكرة ماكرة لئيمة، ذاكرة بشعة تحتفظ بكل همسة ولمسة، ذاكرة لا تخون إلا في الأشياء التافهة، ذاكرة تنهش فينا لتؤكد أن كل ما حدث قد حدث بالفعل، ذاكرة تعيد لنا كل الوجوه التي كرهناها، وكل الألسنة التي ظننا أننا قطعناها، وكل المشاعر التي كنا قد نسيناها، وكل الأحداث التي كان لا بد أن نصرخ فيها ولم نفعل، واللحظات التي كان لا بد أن نُقبَل فيها فرُفِضنا، والأماكن التي ما كان يجب أن ندخلها فدخلناها بثقة ولا مبالاة، والنساء ذوات الأرواح القبيحة اللواتي كان لا بد أن نمنعهن من مجال رؤيتنا فدخلن قسرًا وغصبًا ليقبرن بطوننا، والرجال الذين أسلمنا لهم القيادة أحيانًا فكانت حوادث مروعة.. كل تلك الروائح الكريهة، كيف سمحنا لأنوفنا أن تلتقطها؟! لن أعفي ذاتي من المسؤولية، ولن أبحث عن شماعة، لديّ مئات الشماعات في الحياة. |
14 - 10 - 2017, 10:35 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حجرة الذكريات الدفينة والهروب
لن أعفي ذاتي من المسؤولية، ولن أبحث عن شماعة، لديّ مئات الشماعات في الحياة.
ربنا يباركك |
||||
14 - 10 - 2017, 09:08 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: حجرة الذكريات الدفينة والهروب
ميرسى على مرورك الغالى |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الله لا يجرب احدا وانما الشيطان هو من يجرب |
افحص رغباتي الدفينة بالنار، جرب أفكاري |
وتنهيداتك الدفينة جواك هيعرف يتعامل معاها |
قشور الفواكه.. كنوز من الفوائد الدفينة |
قصة: حجرة الذكريات |