المسيحيون لن يدخلوا الجنة الجنة للمسلمين وحدهم!
“المسيحيون لن يدخلوا الجنة، الجنة للمسلمين وحدهم”، حسنا إذن، هذا احتكار عنصري لجنة خلقها الله تعالى وطنا سماويا لكل من يجتازون الصراط بمعدل ثقل الموازين وخفة الهرولة، ولكن ليس المهم ما قاله الله، فالقرآن الكريم ليس مرجعا لأولئك الذين يروجون هذه العقيدة الطبقية التي تنتشر كالنار في الهشيم في عقل أطفالك، ودفاترهم المدرسية، وأفكارهم الصامتة، أو الأحجبة السرية التي يتلقفونها عبر شيفرات سحرية الكترونية تخض دمهم البرعمي وتلعب بأحاسيسهم البريئة، دون أن تدرك أو يدركون، فهل أنت مسلم ؟!
(المسيحيون لا يدخلون الجنة)، عبارة بمثابة القنبلة العنقودية، كانت قبل زمن قريب فقط أشبه بروشيتة دينية يوزعها بعض الشيوخ على رواد حلقاتهم وأتباعهم، لتأخذ فيما بعد مفعولها من خلال عمليات تفاعل كيميائي بين الوصفة والسموم المعرفية الأخرى، مما أدى لنشوء جيل كامل مشوه روحيا وعقائديا … وليست «داعش» انعكاسا لهذا التشوه، بل هي صناعة غربية تغذت على الشوائب المترسبة منه، فهل لك أن تتخيل كيف نصبح جزءا لا يتجزأ من المصيدة، حتى لتختلط علينا فخاخنا، فنظنها أطواق نجاة!
برنامج «آمنت بالله»، الذي قدمه خيري رمضان، مذيع السرير المباركي «أبو عجلة»، قد تطرق إلى الموضوع قبل فترة حين استضاف الإمام الحبيب الجفري والأنبا مرقس في مناظرة مكشوفة على «سي بي سي»، طالبهما بها بالإعتراف بنظرة كل عقيدة لأصحاب العقيدة الأخرى بلا حرج، وهنا تقع الطامة، فبين الشللية الدينية التي تقتضي مراعاة زملاء الكار، وبين صورة رجل الدين المتناقضة أمام أتباعه وشبهة المجاملات الإعلامية ما يخل بالمصداقية ويوغر الصدور إذ يطبطب على الفتيل بماء النار!
وجع العقائد
رمضان تحدث عن وجع العقائد، ورفض الالتفاف على المشكلة، متجنبا الانفعال الحواري – وهو ما يحسب له – ولحسن حظه أعانه على شجاعة الطرح رجلان مثقفان دينيا، ومنفتحان اعترف كل منهما بالتالي: «المسلم يعتقد بأن المسيحي كافر بنبوة محمد، والمسيحي يعتقد بأن المسلم كافر بألوهية عيسى، وليس له خلاص» في المقابل دعيا إلى احترام هذا الاعتقاد دون التورط بالكره والعداء، فالاختلاف لا يمكن أن يكون سببا للمشاحنة والاقتتال.
طيب ماذا تقول مثلا لو سمعت تلميذا لم يتجاوز العاشرة من عمره، ينشر أفكارا تبشيرية عن المسيحية أو آخر يحرض على النهج التكفيري في الحرم المدرسي؟ هل في هذا سوء تعبير عن المعتقد؟ أو إفشاء لسرية وخصوصية الأحكام الدينية؟ أم هو حق يجب أن يمارس ويحترم طالما أنه لا يحض على الكراهية والعنف؟ ولكن أي حق نهبه لمن ليس مؤهلا لنشره طالما أنه في مرحلة عمرية تتلقى ولا تحلل؟ ترث ولا تستنتج؟ مرحلة تبعية تامة تكتظ بمخزون معلوماتي لا شأن للنظام العقلي به سوى بحفظه، مع العجز عن إرداكه واستيعاب مبرراته؟! ألا تصبح الأحكام الدينية وقتها إرثا ثقيلا!
دينك أم وطنك؟
نجح خيري رمضان بالتوصل إلى صيغة تسامح ديني في إطار احترام الإختلاف ونبذ التطرف وتجاوز التأويلات الخاطئة لحفظ كرامة الوحدة الوطنية والمواطنة، ثم الابتعاد التام عن الخوض في النقاش اللاهوتي في ظل هذا الظرف العصيب «وقت إحراق الكنائس في مصر»، والذي لا يحتمل محاكمة العقائد، وصب الزيت على الحرائق!
حسنا إذن، أين المشكلة؟ ألا يمكن أن يكون الدين نزيها وأدعى للاتباع دون الحاجة إلى تشويه أديان الآخرين؟
الجفري استعان بكتاب «يعقوب نخله» – تاريخ الأمة القبطية، ليؤكد على اعتراف هذا الباحث القبطي بالفتوحات الإسلامية التي اعتبرها خلاصا من الإضطهاد الروماني لأقباط مصر، وقد استشهد فيه بوقائع تبرهن أن الفتح الإسلامي لم يهمش المسيحيين بدليل أن عمرو بن العاص عين كبير مستشاريه من الأقباط لتنظيم أحوال البلاد، والضرائب «الجزية»، واختصهم بتولي الدفاتر والدواوين، ورد البابا بنيامين من منفاه الصحراوي ليتولى منصبه في الكنيسة بعد أن عزله الروم عنه… ولكن هل كانت الجزية عامل ضغط على المسيحيين لدخول الدين الإسلامي والتخلص من أعبائها؟
الجميل بإجابة الجفري، كانت في دعوته للمسؤولين عن المناهج المدرسية في العالم العربي والإسلامي، للاستفادة من قصص التاريخ وضمها للمقررات الدراسية، ربما لإدراكه ووعيه بالتعويم المنهجي لهذا النوع من الدروس والعبر المستلهمة من تاريخنا، وربما أيضا لذات السبب الذي أكتب لأجله هذه المقالة في هذا الوقت تحديدا، لأن المدرسة هي مصنع العقول والأفكار، وأي خلل بالتوجيه أو التأثير سيدمر أجيالا لاحقة…. فمسألة إسلام الكثير من المسيحيين لا تتعلق بالضغوط المادية، التي عانى منها أولئك في ظل حكم الروم واضطهادهم الذي تفاقم خاصة في حملاتهم الصليبية ضد بلاد العرب حين طلبوا من مسيحيي الشام ومصر الانضمام إلى رايتهم، فما كان منهم سوى أن يرفضوا ويتمسكوا بعروبتهم، ليدفعوا نتيجة مواقفهم البطولية هذه أثمانا باهضة، وعقابا شديدا من قتل وحرق ونهب وحرمان وسجن … فهل أنت مسيحي؟ أم عربي؟ أم مسلم؟ وحين يصبح الدين سببا في الفرقة الوطنية والانفصام المجتمعي وتفكك النسيج الإجتماعي، هل تتخلى عن وطنك أم عن دينك؟
ختم اللعنة
إن لم تستطع أن ترى الله بلا عينين، فلا حاجة لأن تستعين بنظارات ملونة، لأنك كمسلم تنسى – وأنت تتلقى معرفتك بربك من الكائنات الفضائية التي تولت عنك مهمة اكتشافه – الآية الكريمة: «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى»، ولا تتذكر سوى ما يرتبط بواقعة تاريخية، يتخذها فضائيو القنوات المتطرفة ختما للعنة الأديان الأخرى، فتسمعهم يتشدقون بكلام الله: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى»… فهل هذه مرجحة تأويلية تجد مبررا لخوف المسيحيين العرب من مفهوم الدولة الإسلامية؟
يعتبر الجفري أن الكافر هو من يعتدي على أرض وحرمات ومقدسات المسلمين، وهو من وجبت مقاتلته، أما الذي يكفر بمعتقداتهم دون قتال فعليه أمانُ مِنْ لم يعتد عليهم، في حين يرى الأنبا مرقس أن الفقر والجهل والبطالة، وتدهور الحالة الاقتصادية مسوغا لانتشار الجريمة الاجتماعية والدينية، وثقافة الكراهية ونبذ الاختلاف، والانتقام منه، ويتساءل لماذا لا تقبل شهادة المسيحي في المحكمة؟ وبأي حق يخرج شيخ من الأزهر على الملأ يكفر في صحيفة «الأهرام» المسيحيين ويتهم كتابهم بتحريف كلام الله؟ مما دعى رمضان لاقتراح مناظرة دينية لفهم عقيدة الآخر لا للتحيز لعقيدة على حساب أخرى، مستنكرا تصريح الأزهري، تاركا للجفري أن يبرد قلب القس بحادثة مسيحيي نجران الذين سمح لهم النبي الكريم بالصلاة في مسجده والتوجه لغير قبلة المسلمين. فلماذا لا يدخل المسيحيون الجنة إذن؟
نظارات سوداء
إن كان من يقتل ذميا لا يشم رائحة الجنة، فكيف يدخلها وهو يحرم على الذمي دخولها؟ هل يستقيم ما يحمله معنى الحديث الشريف، مع نظريات لا يمكن أن توافق المنطق الرحماني والإنساني بالتعامل مع أهل الكتاب!
إنها نظارات سوداء، معتمة، نصدم حين نرى أبناءنا يرتدونها على غفلة، فممن سنحميهم إذن؟ من الله؟ قد أعترف أمام الله الواحد أعترف، أن صغيري قرر أن يغير دينه، ويعتنق المسيحية، لما رآه من معلمة اللغة العربية والإسلامية من تعنيف وتطرف ووحشية، فهل ألومه؟ أم أحمد الله على قراره لأنه لا يحمل يقين زميله المتطرف الذي يرى أن التكنولوجيا الداعشية تناسب شريحة دماغه المتطورة أكثر مما يرثه عن أبويه الرجعيين؟!
لم أستغرب حين تحدثت أم أحد الإرهابيين للإعلام قبل أيام، تقر بفشلها بإقناعه عكس ما أقنعه به الإرهابيون وإخفاقها باستعادة عقل ابنها من المصائد العنكبوتية؟ فهل جاءت الأم على المهمة متأخرة، أم أن الشبكة أقرب إلى أبنائنا من حبل الصرة أو حبل الوريد؟
هل فعلا لم يعد للأهل دور سوى الرقابة؟ وإن كان الرقيب لم يدرك بعد آليات وظيفته فهل نلوم المنظومة التعليمية أم الدينية؟
بعيدا عن الانحراف الجنسي في الرسوم المتحركة الذي حدثتكم عنه مرة والذي يمكن أن يكون له أثر مضاد، فإن المدرسة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، لأن الفضول الفطري عند الأطفال يؤدي إلى حرفهم عن فهم الأمور فهما صحيحا وحساسيتهم تجاه سلوكيات مدرسيهم اللانموذجية تصيبهم بانحراف تصوري وسلوكي يلازمهم طوال حياتهم.
يا الله أي ظلم يعانيه أطفالنا العرب والمسلمون بين عالمين: الأول عالم غربتهم الذي يخاف من إرثهم الديني على مستقبله العلماني، والثاني: عالمهم الذي يشوه دينهم بنظرهم لأنه يخاف من حريتهم على ماضيه الحجري يا إلهي رحماك!
لينا أبو بكر – كاتبة فلسطينية تقيم في لندن