قصة رجل شاهد جثث 7 من أسرته وأنقذ طفلاً من داخل أتوبيس المنيا
مساء الخميس، غطى النوم جسد ميلاد شاكر، دق تليفونه مع ساعات الصباح الأولى، لم يستمع صاحب الـ32 عامًا إلى رنينه المتواصل، أيقظه أخيه في إلحاح غير معتاد، طالبه بالرد على عشرات المكالمات التي وصلته.
غير أن استقباله خبر وفاة 7 من أسرته في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل المعترف بمحافظة المنيا، أدخل الذعر في قلب المحامي الشاب طوال طريقه إلى مكان الحادث. كان مسلحون أطلقوا النيران، صباح الجمعة الـ26 من مايو الجاري، على حافلات تقل أقباطًا، في الطريق المؤدي إلى دير الأنبا صموئيل المعترف أقصى شمال غرب محافظة المنيا، ما أسفر عن سقوط 28 قتيلًا و25 مصابًا، بحسب وزارة الصحة.
بفزع، استقل شاكر سيارته بصحبة شقيقه ووالده. وصل إلى مدق الأنبا صموئيل، في حوالي التاسعة والنصف صباح الجمعة.
على بعد 300 متر من الأتوبيس المتوقف بفعل الحادث، هال شاكر منظر "12 واحد مرميين على الأرض ومضروبين بالنار في دماغهم.. عرفت بعد كده أنهم عمال الدير".
ترجل المحامي الثلاثيني باتجاه الأتوبيس في فزع "لقيت 6 رجالة من عيلتي جنب بعض واخدين طلقات في راسهم، بدور بين الجثث لقيت ابن عمتي مضروب رصاصة في صدره"، قبل أن تلمح عيناه سيارة محترقة على بعد أمتار منه.
لم يهتم شاكر بشأن السيارة المحترقة، صعد الأتوبيس المتعطل بفعل الغدر، دقق النظر في الكراسي المُلطخة بالدماء "لقيت طفل بنت عمتي اللي عنده 5 سنين تحت الكرسي بيعيط، وضهره كله بينزف دم، شيلته، وجريت لفيت ضهره بقميص مقطع"، قبل أن يحمله الرجل الثلاثيني إلى داخل سيارة أحد البدو المُشارك في عملية الإنقاذ "سيدة مصابة خدته في حضنها وراحوا بيه على مستشفى مغاغة".
في حوالي العاشرة والنصف، وصلت أولى سيارات الإسعاف -حسبما يقول شاكر- إلى مكان الحادث "كل المصابين كانوا أهل الخير نقلوهم.. وعربية الإسعاف لحقت أخر 3 أو 4 مصابين".
في الوقت الذي استقبل شاكر مكالمة من أحد أصدقائه "طمني أن بنت عمتي وابنها الكبير عايشين وبخير، وهو نقلهم لمستشفى العدوة".
بعد أن اكتظت أرض الحادث برجال الأمن والإسعاف، قرر صاحب الـ32 عامًا التوجه إلى مستشفى العدوة المركزي للاطمئنان على ابنة عمته.
في الطريق إلى المشفى، سرح المحامي الثلاثيني لدقائق، استعادت ذاكرته رحلته الأسبوعية إلى دير الأنبا صموئيل "متعودين كل جمعة نروح نصلي في الدير ده؛ عشان أقرب دير لينا"، ذكر نفسه في صمت بالقَدر الذي ألهمه عُمر جديد "يومها أهلي طلعوا من قرية نزلة حنا، وأنا كنت في مركز الفشن، ومعرفوش يتواصلوا معايا قبلها؛ عشان كنت قافل تليفوني يوم الخميس بحكم أجازتي"، قبل أن تقطع أفكاره لمس عجلات سيارته لرصيف المشفى.
داخل مستشفى العدوة، طمأن شاكر ابنة عمته عن صحة حياة ابنها الأصغر، سألها عن تفاصيل ما تعرضت له، بكت المُصابة بحرقة شديدة، حاول ابن الخال تهدئتها، قبل أن تحكي له السيدة ما جرى؛ والذي جاء تفاصيله على لسان ميلاد شاكر في حديثه لمصراوي.
على بعد كيلو مترات من الوصول إلى دير الأنبا صموئيل المعترف، أوقف مجموعة من المسلحين الأتوبيس الذي يقل الأقباط، أنزل المسلحون الرجال إلى الصحراء الساخنة، قبل أن يمطروهم بوابل من الرصاص القاتل. بعدها ترجل المسلحون إلى داخل الأتوبيس، طالبوا السيدات بنطق الشهادة بعد توزيع "إمساكيات رمضان" عليهم، رفض الأقباط الرضوخ لتهديداتهم المستمرة "راحوا دوروا في الحريم الرصاص العشوائي"، فيما صوب أحدهم سلاحه في وجه ابنة عائلة شاكر المحتضنة لطفلها.
حاولت السيدة استجدائه عن قتلها وطفلها بين يديها "قالتله سيبلي العيل ده أنت ضربت جوزي وضربت أخويا وموتت أعمامه.. أمن الواد"، بعدها وجهت حديثها إلى مهاجم آخر "عينه خضرة وقصير وبدقن، ولابس جلبية وبيتكلم لهجة أهل المنيا، وكان الوحيد اللي مش ملثم فيهم ومش معاه سلاح"، طالب الأخير زميله المسلح بترك "العيل للعمة تفرح بيه"، لم ينزل حامل السلاح عن رغبة زميله "ضربها رصاصة في رجلها، ورصاصة تانية جت في كتفها قبل ما تيجي في ضهر الواد".
جرت الدماء على أرض الأتوبيس، ساد الرعب قلب الأم على طفلها الصغير، اعتقدت أن الضربة أودت بحياته، تركته ضمن جثث الضحايا، فرت إلى الخارج حاملة طفلها الأكبر ذو الـ8 سنوات.
في الطريق إلى مدخل المدق الصحراوي، اصطدمت بقائد عربة خاصة "رمت نفسها على العربية، وقالتله أبوس أيدك نجيني، فصاحبي اللي كان رايح الدير بالصدفة سألها عن سكنها وعرف إنها قريبتي، خدها على مستشفى العدوة، وكلمني في التليفون".
مع حلول ليل الجمعة، طلبت السيدة المُصابة تسهيل نقلها إلى مغاغة، تمت عملية النقل بواسطة عربة الإسعاف إلى المشفى العام. تزامن ذلك مع إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطاب له، عقب اجتماع أمني لبحث تداعيات الحادث الدامي، أن "مصر لن تتردد أبدًا في توجيه ضربات ضد معسكرات تدريب الإرهاب في أي مكان".
في الوقت ذاته، نفذت القوات الجوية، 6 ضربات، دمرت خلالها المركز الرئيسي لمركز شورى المجاهدين بدرنة الليبية. فيما أعلن تنظيم "داعش"، صباح السبت، مسؤوليته عن الحادث الدامي. في النهاية، وصل الحال بأسرة شاكر داخل مستشفى الجلاء العسكري بالقاهرة، فيما تدور الأفكار بعقل الرجل الثلاثيني دون توقف "معقول يبقى كل شهر لينا حد يموت؟. ده الناس مبقتش عايزة غير إنها تعيش في أمان ومتشوفش يوم تاني زي ده. ياترى الإجراءات الأمنية نجحت في حمايتنا؟.. حرام مش عايزين الناس تكره البلد".
هذا الخبر منقول من : مصراوى