القديسة مريم المجدلية
لقد ولدت القديسة مريم المجدلية في بلدة مجدل وهي واقعة غرب بحر الجليل عند المدخل الجنوبي لسهل جنيسارت لذلك لقبت بالمجدلية .
لقد كانت بلدة مجدل نامية كثيفة السكان وكانت تشتهر بالصباغة ومصانع الغزل يدويا وهذه الصناعة أنمت ثروة المجتمع في هذه المدينة أو يبدو أن مريم المجدلية كانت لها أسهم في هذه الصناعة لذلك خدمت السيد المسيح من ثروتها مع أخريات بما كان يحتاج إليه من أموال .
لقد عاشت مريم المجدلية حياة ترف لأنها كانت من طبقة غنية وتنعم بظروف إجتماعية مريحة ولم يكن يعكر صفو حياتها إلا الشياطين السبعة الذين دخلوها ، لقد كانت الشياطين تتحكم في تصرفاتها فكانت تعاني معاناة قاسية ، لقد أفقدتها الشياطين التحكم في العقل والفكر النفسي .
مقابلتها مع السيد المسيح
كانت القديسة مريم المجدلية أسوء حالاً من الأخريات اللواتي شفين لذلك في اللحظة التي وقعت فيها عين السيد المسيح الرحيمة الحانية على المرأة الخائفة المرتعدة ذات العيون الغائرة من آلامها ، وسمعت صوت السيد المسيح و السلطان والسلطة والقوة وأمر تلك الأرواح التي تعذبها أن تخرج منها ولا تدخلها ثانيا فإستراحت من أحزانها ، وأصبحت هادئة متزنة . لقد وهبها السيد المسيح النجاة من قوى الجحيم . إنها مثل البحر الهائج الذي هدأ بأمر المسيح ، لقد صارت الآن إنسانة عاقلة لبيبة تتحكم في أفعالها وتصرفاتها . لقد أعطت السيد المسيح أفضل ما تملك وهو قلبها ، لقد صارت الآن بعقل سوي وفكر ناضج لذلك كرست نفسها لأن تتبع المخلص الذي تدين له بكثير والكثير .
التبعية للسيد المسيح
لقد صارت القديسة مريم المجدلية من أتباع السيد المسيح ، وبعد خلاصها من الأرواح الشريرة السبعة ، لقد تحررت من عبودية الشيطان ، وقد تركت مريم المجدلية منزلها وصارت تخدم السيد المسيح وتلاميذه مع النساء الأخريات ، كانت تعلم في هدوء ونشاط وحب ، مع كل هذا كانت توفر لهم المال من مالها الخاص الذي كان لازماً للخدمة ، لقد كان المال أحد الوزنات التي تملكها القديسة مريم المجدلية وقد كرست وقتها أيضاً لقد أصبحت تابعة للسيد المسيح تذهب معه في أسفاره الدائمة ، لقد خلصها السيد المسيح من الأرواح الشريرة فأثار قلبها بأسمى خصال التضحية والثبات والشجاعة .
لم تقف القديسة مريم المجدلية أمام قوة العمل الإلهي متفرجة ولكنها سلمت حياتها بين يديه ليعمل فيها بسلطانه ، تحررت من العبودية المرة وصارت تتبعه . لقد أيقنت أن السيد المسيح نورها الذى لا ظلمة فيه البتة فاستنارت حياتها بنوره وضيائه الإلهي سالكة في طريق الفضيلة بثبات وجمدت الأعمال المخزية ورفضت الخطية ، فصارت تعمل في النور وصارت هي نفسها نوراً لكل فتاه تعترف بقوة تقديسه وغفرانه ليس بالكلام وفقط بل بالاعمال المثمرة . لقد تبعت السيد المسيح الحقيقي تبعت الأصل الذي فيه ومنه قوة النمو الذي أنقذها من الخطية .
مع المسيح حتى الصلب
لقد تبعت السيد المسيح في الأيام الحلكة الظلام ، لقد رافقت السيد المسيح حتى دار الولاية غير عابئة بما سيحدث لها ، حتى عندما تنكر له تلاميذه وهربوا هي لم تهرب .
مع النساء الأخريات اللاتي تبعن المسيح حتى الصليب
لقد كانت مريم المجدلية في بيت بيلاطس البنطي يحكم بموت السيد المسيح على الصليب ، بكت عندما غادر الرب يسوع قصر بيلاطس ، رأته وهو يقاد إلى الجلجثة حاملاً الصليب ، وقفت أقرب ما إستطاعت عند أقدام المصلوب ، رأت رئيس الجند وهو يطعنه بالحربة شاهدة على فتح جنبه وميلاد الكنيسة، بأيدي حانية لمست جراحات المصلوب عندما أنزلوه من على خشبة الصليب ، ساعدت يوسف ونيقوديموس في إنزال الجسد المسحوق من على الصليب وإعداده للدفن ثم وضعه في المقبرة في البستان ، حتى دحرجوا الحجر عند أقدام المخلص في أشد لحظات تعبه أثناء الصليب ومعها القديس يوحنا الحبيب وقفت تبكي بحرارة متألمة من الذل والهوان الذي يلاقيه من خلصها من أتعابها مع الشياطين السبعة ، في الجلجثة ، بدأت مريم المجدلية المحبة الوفية وقد إتشحت بالسواد والحزن وكساها ثوب الألم ووقفت تذرف دمع المحبة الصادقة الوفية حتى دفنوه في جثسيماني ، وبحسب أمانة مريم المجدلية ظلت إلى النهاية تخدم الرب بكل إجتهاد وسعي ، وحركتها محبتها حنو الرب لتنظر إليه وحده برغبة كبيرة فأخذت على عاتقها السير خلفه في موكب الصليب وأمتلأت نفسها بمكيال المحبة والطاعة للمتألم ، الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة .
ظهور السيد المسيح لها
لم تترك السيد المسيح حتى الدفن ، لقد أراد السيد المسيح أن يكافئها فكانت أول من رآه بعد قيامته في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية باكراً والظلام باق ، بينما كانت أشعة الشمس تنتشر فوق أورشليم ، كانت هي تسير ، كم كانت حزينة باكية وهي ذاهبة تفكر في حبيبها ومخلصها وتفكر من سيدحرج لها الحجر ومن معها حتى تضع له الحنوط والأطياب .
عند القبر
وقفت مريم المجدلية خارج القبر تبكي وعندما إستدارت رأت شخصا كانت تعتقد أنه البستاني وسألها :
" ياإمرأة لماذا تبكين ومن تطلبين ؟ " فأجابت :
" ياسيد إن كنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه " .
عندئذ سمعت كلمة واحدة من الصوت الذي تعرفه جيداً وتحبه " يامريم ! ! " ، وفي الحال صرخت " رابوني " لقد عرفته عندما ناداها كما كان يناديها قبل الصلب ، لقد كان ردها على السيد المسيح برهان على حبها الوقور للسيد المسيح .
يخبرنا يوحنا الحبيب أن مريم المجدلية كانت بدون منازع أكثر حرارة في حبها من سائر النسوة اللاتي خدمن الرب ـ هؤلاء اللواتي رأين القبر فارغا وفيما هن حائرات عاتبهن الملاكان في عتاب رقيق ملائكي كيف تتوقعن وجود الحي بين الأموات ليس هو ها هنا لكنه قام ـ لقد ناداها الرب القائم بإسمها فعرفته وانطلقت للبشارة بأنها رأت الرب فكان عليها أن تفرح لا أن تبكي وأن يدوم فرحها ، وتكلم معها وسمعت صوته فقامت من موتها ، ناداها الرب يسوع يامريم وأظهر ذاته بندائه عليها ، لأنه يعرف خاصته المدعوين للحياة معه وينادي كل من يريد ويسعى أن يأخذه ، إنه صوت الرب الذي ناداها وهي تعرفه جيدا وتميزه .
هذه هي خبرة القيامة لمريم المجدلية أن ترى السيد المسيح وجهاً لوجه ، أراد أن يكافئ محبتها له فدعاها لأن تتعرف عليه عندما إستنارت ، وعلى الفور فهمت وطرحت كل شكوكها فقدمت له كل الكرامة ، فالذين يتبعونه بكل قلوبهم طائعين وصاياه يعطيهم ميراثه السمائي .
عند أقدام المخلص
لقد طرحت نفسها عند قدمي يسوع المسيح القائم من بين الأموات وكادت تعانق قدميه الطاهرتين ولكنه قال لها لاتلمسيني لأن هيئته قد تغيرت وتغيرت وظيفته وهو لحظة عبور وليس أقامه " إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم " ( يو 20 : 17 )
إذ كيف يلمسه البشر وهو بعد في السماء ، لقد أراد أن تتلامس معه على المستوى الروحي لا أن تلمسه بالجسد بل تنتظر الروح القدس الذي به نقدر أن نلمسه لأنه من الآن سيعرف بالروح ( كو 5 : 16 ) إن القديسة مريم المجدلية لا تزال تبكيه إنسانا قد مات ورحل ، ولم يعد موجوداً في القبر بعد ، لم تعرفه كإله قائم من بين الأموات ، إنها لا تزال تتخيله كما كانت تشاهده بعينيها لذلك قال لها لا تلمسيني ، ولأنها بحثت عن الميت بين الأموات لا عن الحي بين الأموات بحثت عن المعلم لا عن الرب .
ويقول القديس يعقوب السروجي :
إنه أرادت أن تمسكه وأن تتعلق به أي أنها تخيلت أنه يمكن لها أن تبقيه على الأرض ولهذا قال لها ( لا تلمسيني ) فلا يزال حبها له على المستوى البشري المحسوس لذا أراد أن يرفع قلبها إلى السماويات وأن يمتص حماسها وإندفاعها فليس الوقت وقت إمساك وتعلق وإنما وقت فرح وبشارة ، فالمقصود بعدم اللمس التدرج بمريم من الشك إلى الإيمان ومن محاولة البحث عن جسد يسوع المسيح الميت إلى الإيمان بالحي بين الموات .
ذهاب المجدلية إلى التلاميذ
لا تستطيع أن تتخيل بأي سرعة عادت مريم المجدلية للتلاميذ لتخبرهم بأن الرب يسوع الذي مات قام من الأموات وصار باكورة الراقدين .
جاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ في الحال ببشارتها للعالم بأنها رأت الرب وهكذا أصبحت القديسة مريم المجدلية أول من رأى الرب قائما تذيع خبر الحياة المباركة ، ويوم بداية الخليقة الجديدة .
لقد كرم السيد المسيح المجدلية وأعطاها شرفاً أبدياً لاينزع منها وهو أن تكون الأولى بين الرجال والنساء التي ترى السيد المسيح القائم وتتسلم أول رسالة من شفتيه ( يو 20 : 18 )
مريم المجدلية بعد الصعود
لقد كانت مع التلاميذ والنسوة اللاتي إجتمعن مع الرسل في العلية ، من أجل الصلاة والتضرع وإنتظار حلول الروح القدس المعزي فنالت مواهب الروح القدس وبشرت مع التلاميذ وردت نساء كثيرات إلى الإيمان بالمسيح ، ويقال في التقليد أن القديسة مريم المجدلية تبعت القديس يوحنا الحبيب إلى أفسس حيث تنيحت ودفنت في أحد الكهوف ، وقيل أن رفاتها أخذت من هناك مع رفات القديس يوحنا الحبيب الذي كان يسوع يحبه .
وجاء في كتاب الحياة الرسولية للقديسة مريم المجدلية :
أن القديسة مريم المجدلية أبحرت من فلسطين إلى فرنسا وعاشت حياة الصلاة والتكريس في اطراف مدينة Baune إلا أن رفاتها سرقت ونقلت من مكان إلى آخر ، ولها كنيسة في شمال فرنسا تعتبر واحدة من أمجاد العمارة القوطية وبنيت كنائس على إسمها في فيزلاي .
وفي التقليد أيضا
أن الرسل أقاموها شماسة لتعليم النساء والمساعدة في تعميدهم ، وقد نالها من اليهود إضطهادات كثيرة لقد كان إيمان المجدلية يتزايد على مدى عمرها كله ينمو في ملء الطاعة والتسليم والتبعية والتلمذة الحقيقية في رجاء وجهاد ومحبة نحو الله العامل فينا لتسلك في جدة الحياة الروحية في الطريق الملوكي تطلب ماهو فوق حيث السيد المسيح جالس، مستترة مع السيد المسيح في الله وستظهر معه في المجد الأبدي .
نياحة القديسة مريم المجدلية
تنيحت بسلام إلى الكنيسة المنتصرة في الأبدية وهي متوجة واقفة في حضرة الملك الأبدي مع كل أرواح الأبرار والصديقين في يوم 28 أبيب . بركة صلواتها تكون معنا آمين .
*بركه صلاته تكون معنا أمين*