|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تفسير ايقونة الظهور الالهي (الأيقونة التي نحن في صددها بيزنطية من القرن السادس عشر) فن البيزنطي يختلف عن الفن الروسي وخاصة فن مدرسة نوفغورود المشهور برشاقة أشخاصه وتناسق أحجامه وجمال ألوانه وبساطة مواضيعه وشعور الإبتهاج المنبعث منه. الفن البيزنطي يتصف بالوقار والرصانة والوجوه المتشقفة القاسية. إنه يوحي، إجمالاً، شعوراً يثير الرهبنة والخشوع، ونشتم منه رائحة الزهد والنسك. وأما ألوانه فتميل إلى القتامة وإن كانت بهية نوعاً ما في لوحة الظهور هذه. و طبعاً. هذا الفرق بين الفنين يًُفسر بتأثير البيئة على رسامي الأيقونات، فتأتي اللوحة نتيجة تمخض داخلي هو وليد الظروف السياسية والروحية التي يمر بها الشعب المسيحي عبر السنين. إذا ما تمعنا في هذا المشهد الماثل أمامنا، تطن في آذاننا عبارات كنا نسمعها في طفولتنا في الكنيسة، كتمتمات مملة لا معنى لها ولا نفهم منها شيئاً. وعندما نكتشف معنى العيد المعبّر عنه في الطقوس الرائعة التي هي الصورة الصوتية للأيقونة أو العكس بالعكس، يتجلى أمامنا كل شيء: تتسلط الأضواء على صلوات البرامون أي اليوم السابق للعيد وتملي عليها حياة وحركة، وتأخذ حادثة الظهور مكانتها العظيمة في عملية الخلاص الكونية، فنردد تلك العبارات الغامضة سابقاً، بإيمان ويقين: (( قد أتيت يا رب آخذاً صورة عبد ملتمساً المعمودية... فالمياه أبصرتك ففزعت والسابق إرتعد وصرخ قائلاً كيف يستضيء النور من المصباح....)) إلخ. الأيقونة تصور جبلاً متشقفاً ــــ و هذا إطار معظم الأيقونات ــــ منفتحاً على شبه كهف تجري فيه مياه الأردن متموجة غاضبة (( أبصرتك المياه يا اللّه أبصرتك المياه فخافت وإرتعدت الغمار)). هذا النموذج أشد وضوحاً في سائر اللوحات البيزنطية وخاصة تلك التي تعرض في المتحف البيزنطي في أثينا. في المياه شخص لابدٌ عند قدمي يسوع ينظر اليه برعب ودهشة. (( أريد أن أفضح رؤساء الظلام وسلاطينه )) يقول المسيح للمعمدان. فهذا الشخص يمثل اذن قوات الشر الكامنة في المياه كما يذكر العهد القديم. أما في بعض الأيقونات فيوجد بضعة أشخاص في الماء وتنانين بحرية تحوم حول المعتمد (( لقد أحنيت هامتك للسابق فسحقت رؤوس التنانين )). أما المسيح فهو منتصب في وسط المياه: هذا أول لقاء بين الخالق المتجسد وقوات الكون الممثلة بالماء الذي هو أساس الحياة وأحد عناصر تركيب الكون. فبدخوله الماء تبتدئ مهمة المسيح حيث يجابه العناصر الكونية التي فيها تختبئ القوات المظلمة (( أتيت لأبيد المحارب، أركان الظلام المستتر في المياه )). وبعد عمادته سيواجه الصحاري وما تحويه من تجارب شيطانية! باشارة من يده اليمنى يبارك المسيح المياه ويطهرها مقدساً طبيعتها، جاعلاً إياها صالحة لكي تكون مياه معمودية محيية تمنح التقديس بفعل الروح القدس. وهكذا نرى أن أحداث العهد القديم كثيراً ما تأخذ معناها الصحيح على نور الإنجيل. فالماء رمز للابادة، كما ورد في رواية طوفان نوح، والتابوت الذي نجا بواسطته هو وعائلته هو رمز للمسيح. و كذلك مواضيع مبهمة كاجتياز إيليا واليشع نهر الأردن ( ملوك2 : 2ــ 6) واجتياز موسى و شعبه البحر الأحمر، فهذان الحدثان يشيران إلى المعمودية التي بواسطتها ننال الخلاص، أي المعمودية، إذا فهمت بمعناها العميق الذي يبينه لنا العيد : موت وقيامة، موت للخطيئة كما يقول بولس الرسول (( إن كنا على شبه موته على شبه قيامته أيضاً )). فالمعمودية ليست تلك العصا السحرية التي تفتح لنا أبواب الفردوس بل يجب أن تصطحب بالتغيير الجذري الكامل والتوبة الحقيقية. فالمسيح متحسس للمشكلة الإنسانية وكان يتبع شعبه في الخفاء في العهد القديم (( فإنهم كانوا يشربون من الصخرة الروحية التي كانت تتبعهم والصخرة كانت المسيح )) ( 1 كورنثوس 10: 3 ــ 4 ). وهو موجود أيضاً خارج الشعب وخارج الكنيسة لأنه لا يحصر في مكان وزمان، هو مع الإنسان أينما كان. أما الآن فهو يظهر علانية في نهر الأردن كإله وإنسان لتمهيد طريق الخلاص للإنسان. في الأيقونة يبدو المسيح وكأنه ملقى في المياه كفي قبر سائل يحضنه : عمادته رمز لموته ودفنه. يظهر في بعض الرسوم الكنسية عارياً و كأنه آدم جديد يولد ثانية ببهاء الصورة الإلهية. هنا يحاط حقواه بقماشة بيضاء، ناصعة البياض يستتر بها وتذكر أيضاً بالأكفان التي سيلف بها جسده. على وجهه ملامح القناعة والإستسلام (( ينبغي أن أتمم كل عدل )). عن يساره المعمدان منتصباً على صخرة ينحني بتأنٍ واحترام ومحبة. إنه رافع يده على هامة المسيح بكل تواضع وفخر وكأنه يقول : (( أنا لا أستحق أن أنحني وأحل سيور حذائه )) ( مرقس 1 : 7 ). الملائكة عن يمين المسيح يؤكدون التقاء السماء بالأرض أو بالأحرى انحناء السماء على الأرض (( لا الشيروبيم يستطيعون ان يحدقوا نحو مجدك ولا السيرافيم ان يتفرسوا بك، لكنهم ماثلون بخوف........ يمجدون قدرتك )). فالجنود السماويون ملائكة لخدمة المتجسد، ينتظرون خروجه من الماء مهيئين الأقمشة على أيديهم لينشفوا بها جسده الطاهر. في أعلى الأيقونة ملاك يتأمل النور المثلث الهابط من السماء والمستقر على المسيح. إنه يمثل ملائكة التسبيح المحدقين أبداً بالثالوث. من السماء يهتف الصوت الإلهي القائل : (( هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت....)) هذا الصوت الذي أبدع المسكونة بكلمة أمره، هذا الصوت الذي أبرز النور بقوله (( ليكن نور..)) هذا الصوت الذي سمعه موسى رعداً وعاصفة والذي طالما هتف في أذني آدم في الفردوس مع نسيمات السحر، هذا الصوت الذي تجسد كلمة في المسيح، ها هو الآن (( صوت الرب على المياه يهتف قائلاً هلموا خذوا جميعكم روح حكمة، روح فهم، روح مخافة اللّه بظهور المسيح )). يُخلق الآن كون جديد و إنسان متجدد : آدم جديد متسربل النور مسترجع الصورة الإلهية. و من هنا نستنتج أهمية عيد الظهور الذي هو بمثابة قيامة بالنسبة للميلاد. ففي برامون الميلاد تقول الكنيسة (( نسجد لميلادك أيها المسيح فأرنا ظهورك الإلهي )) كما ستقول للمسيح على الصليب (( نسجد لآلامك أيها المسيح فأرنا قيامتك المجيدة )). هناك بهجة في الظهور تفوق بهجة الميلاد لأن في الظهور شيئاً من بهاء نور القيامة يتراءى في انتفاض المسيح من ماء المعمودية التي ترمز إلى الموت على الصليب. حتى القرن الرابع كانت الكنيسة تعيد لعيدي الميلاد والظهور معاً. إنهما عيدان توأمان لم يفترقا إلا في سنة 326 في أنطاكية. وهذا التقارب ظاهر في ترتيب البرامونين وصلوات السحر....إلخ. وهذا التقليد تتبعه حتى الآن الكنيسة الأرمنية... فهناك إكتمال الميلاد في الظهور لأن بينهما علاقة وثيقة في الميلاد يظهر المسيح في الخفية لمستحقي القلوب، لرعيان، لمجوس! أما في ظهوره فهو يتجلى في مجد ألوهيته للمسكونة كلها: (( الظهور صورة لولادته الأبدية لا الزمنية، :اقنوم مولود من الآب، )) كما يفسر لنا الإنجيلي يوحنا في إفتتاحيته (( في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند اللّه وإلهاً كان الكلمة )). من الميلاد حتى الظهور كان يسوع ينمو ويتقوى بالروح إلى أن بلغ أقصى درجة لنضوجه الإنساني، فاختار اللّه هذا الوقت بالذات ليظهر للعالم إنسانية المسيح المكتملة مؤلهة، ممسوحة من الروح القدس. فالروح القدس يمثل دوراً هاماً في تماسك الثالوث. الآب يتقبله كابنٍ محبوب وهو، و إن كان مستقراً منذ الأبد على الإبن، يغمره مجدداً بنوع خاص ليثبت للناس أن المسيح ظاهر بطبيعتيه الكاملتين إلهاً وإنساناً معاً. فينسكب الروح عليه وهو في ذروة نضجه الإنساني ((... أنتم تعلمون... كيف مسح اللّه بالروح القدس وبالقوة يسوع الناصري )) ( أعمال 10: 38 ). أذن الإله ــــ الإنسان يظهر للعالم في الحقيقة إبناً في طبيعتيه، وفي هذه اللحظة يشهد الآب للإبن ويعلن عمله الخلاصي الذي كرّس له المسيح نفسه بملء إرادته، خاضعاً للمشيئة الإلهية.... هكذا يتحقق السرور الإلهي لأنه في الروح القدس يكمن الفرح الأبدي يبتهج الأقانيم الثلاثة معاً بطريقة متبادلة كما يعلم غريغوريوس بالاماس. أما الشاهد لإنبلاج هذا السر العظيم فهو يوحنا المعمدان. كأني بهذا الزاهد الموقر في أحضان الثالوث منذ ولادة الإبن أزلياً من الآب. و لذلك فيوحنا الإنجلي يتكلم عنه مباشرة بعد إفتتاحيته اللاهوتية فيقول (( كان إنسان مرسل من اللّه إسمه يوحنا...)) لم يكن يوحنا إلا صوتاً. هكذا عرف عن نفسه، هكذا أراد أن يكون : صوتاً يمهد الطريق للصوت المؤكد (( هذا هو إبني الحبيب )). ذلك الصوت الصارخ في البراري أعدوا طريق الرب هو صوت يوحنا السابق، يا له من شخصية فذة عنيفة ولكن كم يذوب هذا العنف أمام السيد فيتحول إلى رقة ولين! إنه خيرة ما قدمت الإنسانية، بعد مريم، من كمال ونزاهة وعظمة وتواضع وتقرب من اللّه. الكنيسة تعطيه صفاتٍ عديدة فهي تسميه رسولاً وسابقاً وصابغاً للمسيح وملاكاً ونبياً. إنه خاتمة أنبياء العهد القديم إذ تنحصر مهمته في كونه (( نبي العلي )) كما تنبأ عنه والده. المسيح يقر بأن يوحنا أعظم الأنبياء، وفي الواقع لم يتنبأ عن شيء! أشار إلى الحمل فقط لأنه مطلع على سر الحمل المذبوح قبل إنشاء العالم كما يقول كتاب الرؤيا. إنه عظيم لأنه لفرط إنسحاقه أمام المسيح لم يشأ أن يكون إلا (( صديق العريس الذي يبتهج لسماع صوته )). لم يكن له كيان بحد ذاته بل وجوده لا يبرز إلا بكونه الشاهد الذي لم يقل شيئاً عن نفسه بل يتكلم بإسم الذي سيأتي والذي هو أقوى منه والذي سيعمِّد بالروح. أدرك يوحنا، بإلهام من الروح، ألوهية المسيح، فأشار عنه ثم توارى، وكانت نتيجة هذه الإشارة دعوة إندراوس ويوحنا فجمعهما بالمسيح، لم يجتذبهما إليه : دلهما على الطريق... فن الأيقونات خصص له مكانة عريقة، وجعله مع والده الإله على أيقونة الدينونة متشفعأ من أجل الإنسانية المتألمة. في أيقونة الظهور هذه تبدو على محياه الصرامة والرهبة. حياة النسك تظهر بجلاء على منظره العام. تربى في الصحاري وتحمل جفافها وقساوتها فإكتسب متانة في شخصيته وجلداً. وأما المسيح فبادله محبته وشهد لمعموديته بقبوله إياها وسمح له أن يرفع يده على هامته. يوحنا شهد للمسيح فنال مكافأته لأنه رأى الثالوث في بهائه وشاهد السماء منفتحة (( ...التي كان آدم أغلقها دونه ودون الذي بعده...)) تمتع يوحنا برؤية الروح مستقراً على المسيح، وحضر مباركة المياه، وكان أول من إعتمد بالروح مدشناً المعمودية المسيحية. فتنعكس الآية ويصبح المعمدان مكان فيض النعمة. لقد شهد يوحنا للنور فإستشهد من أجله. رفع يده على هامة المسيح فقدم هامته فدية عن رسالته. همه الوحيد كان توبة البشر، توجه إليهم بقساوة وعنفٍ وها هو ساهر عليهم حتى اليوم الأخير. أراد أن يغسل الإنسان بدموع التوبة قبل أن يعمده بمياه الأردن فمهد له الطريق لكي يتقبل المعمودية الذي هو نار! محققاً هكذا المصالحة بين الخالق والمخلوق (( فيرد قلوب الآباء على الأبناء )) ( لوقا 1 : 17). يوم الظهور ترتل الكنيسة : (( اليوم ظهرت للمسكونة يا رب ونورك قد إرتسم علينا....)) اليوم بدا الإبن في أوج مجده وظهر في إشراقه الساطع في أحضان الآب، اليوم ظهر الثالوث القدوس بوضوح فأضاء المسكونة بنور بهي. فالعيد هو عيد الأنوار : النور يظهر بقوة للعالم. الشمس التي لاحت في الأفق يوم الميلاد تشرق بلمعان فائق الآن لتقتحم الظلمة وتنير الذين تحت سلطة الموت والجحيم. النور يمزق ظلام إدراكنا العقلي وينزع كثافة المادة من قلوبنا ليحررنا من ثقلها ويفتح أعيننا فنلتمس الأشياء الإلهية متقبلين النور والنععمة الإلهيين. وبعدإذن تصطبغ وجوهنا بالنور المستمد فتشع هي أيضاً بدورها فنخلع آدم القديم ونلبس المسيح في إعتمادنا (( فيا جميع العراة من ذرية آدم هلموا نتسربله لكي نستدفئ إذ هو ستر للعراة وضياء المظلومين )). من تبع المسيح لن يسير في العتمة أبداً ولن يتعثر بصخور الأرض ولن يجرح بأشواكها لأن النور يضيء طريقه... بنورك سيدنا تعطينا قوةً لنقتحم مخاوف الموت ومضايقات الشرير الحائم حولنا كالأسد المفترس محاولاً إجتذابنا إلى ظلمات الشك واليأس. (( في الأردن إبتدأ خلاصنا لأن السيد قد دبَّر إعادة ولادتنا في ذاته... إذ أنه يمحِّصنا خلوا من نار ويعيد إبداعنا من غير تهشم )). المسيح يعتمد و يصعد من الماء (( فيصعد العالم معه إليه )). وبعد أن نصعد من الماء مستمدين نوره الأزلي بوسعنا أن نصبح مركز إشعاع ننشره في العالم لنساهم في عملية الإنتصار النهائي للحمل على عالم الشر. فالمعركة مستمرة وإن غُلِب رئيس هذا العالم إلا أنه لم ينسحق كلياً فلنلبس درع المسيح ونتابع النضال! ولكن ما أسهل الكلام أمام مرارة الواقع وتجارب الحياة! الطريق شاق والصليب ثقيل للحمل، والإستسلام لليأس تجربة نمر بها كل يوم! ولذلك فطريق المسيح موت للخطيئة، والموت إنسلاخ وألم. كم من مرة يصل المرء إلى أعمق درجات الألم : إختناق وغرق فتقطع أنفاسه ويشعر الإنسان أنه وصل إلى نهايته، إلى الموت! وفي هذه اللحظة بالذات يتفجر النور بفعل الروح القدس وتأتي القيامة فيطفو على سطح المياه وينتشله الرب من محنه وينفخ فيه الحياة... وهكذا تصبح حياة المسيحي سلسلة موت وقيامة إلى أن تلتمس الروح خالقها فتنام الأجساد على رجاء القيامة بالمسيح والحياة الأبدية. |
18 - 01 - 2014, 12:38 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: تفسير ايقونة الظهور الالهي - المعمودية
ميرسى كتير على الإفادة |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
عيد الظهور الالهي |
من طلبة عيد الظهور الالهي |
عيد الانوار (عيد الظهور الالهى ) |
عيد الظهور الالهى |تصميم| |
عيد الظهور الالهى | مدفونين معه فى المعمودية |