فى تقديس الذات من أجل خلاص الاخرين
--------------------------------------------
وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ.
يو 17 : 19
كَمَا
أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ طَالِبٍ
مَا يُوَافِقُ نَفْسِي، بَلِ الْكَثِيرِينَ، لِكَيْ يَخْلُصُوا.
1كو 10: 33
الآن أفرح في آلامي لأجلكم، وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي
1 كو 1: 24
ما أحوج البشرية للاقتداء بالمسيح فى كل خطواته سيما فى محبته التى جعلته
يقدس ذاته من أجل فرحها الدائم واستحقاقها المجد الأبدي ، ورغم ان وصول
البشرية إلى هذا المستوى من المحبة يكاد يكون الشىء المستحيل بعينه إلا
ان البشرية هذه سوف ترتقى وتتغير كثيرا نحو الأفضل وطاعة فكر المسيح
إذا ما وجدت فيها الجماعات المقدسة التى تكرس نفسها بقوة وبلا يأس
لتقديس الاخرين فى الحق بغية خلاصهم ومعرفتهم بالمسيح ..
حقا إن الطريق صعب وشاق ويجلب على النفس مزيدا من الأحزان والخسارة
والحرمان ، ولكن كل هذا سوف يتلاشى إذا ما وُجد داخل النفس الإصرار على
الوصول إلى الهدف والرغبة المستمرة فى تبعية المسيح والإقتداء به ..
ولاحظ معي صديقي ما يلي :
+ محبتك الصادقة للأخرين تدفعك للاهتمام بسعادتهم وخلاصهم الأبدي ،
وكلما تزايدت هذه المحبة فى داخلك كلما تزايدت منك الأعمال التى تهدف إلى
البنيان و تحقيق الإنجيل وخلاص النفوس ،
ولو كان الطريق إلى ذلك شاق
وطويل ويدفع النفس إلى مواجهة مزيدا من الألم وتحمل كثيرا من الصبر..
+ ما أروع الحياة فى ظل المحبة التى حسب الروح ، إذ تؤهلنا لاختبار العيش
فى ظل السعادة والنقاوة والسلام ، ولكن ما أقل الذين يؤمنون بما فى
المحبة من أهمية وارتباط بمراحم الرب و دخول الملكوت الأبدي ، ومن هنا
نفهم سر ضعف الرغبة فى إماتة الذات من اجل الله وتقديسها من أجل خلاص
الاخرين ..
+ ما المنفعة من عيش المرء خادما لذاته وأغراضه فى الحياة ناسيا او متناسيا
دعوته للسلوك فى درب محبة القريب وبغضة الذات ؟ وما النفع الأبدي الذى
سوف يعود على من يخدم ذاته ومصالحة دون التفكير فى الاخر والتعب من
أجل راحته ؟ إن المسيحية عندما تدعونا للتفكير فى الأخر والاجتهاد من
أجل راحته إنما تدعونا للتمتع ببركة طاعة الإنجيل والإقتداء بالمسيح ،
والقول بغير ذلك جهل وحماقة أو عناد وإصرار على الحياة حسب الجسد وفكر
أهل العالم ..
+ يستطيع كل إنسان أن يسمو ويرتفع كل حين إذا قدم ذاته ذبيحة للرب من اجل
حياة وسعادة وخلاص الاخرين ،أما الذين امتلأت قلوبهم من الأنانية وتملكت
عليهم الرغبة فى الحياة حسب شهواتهم وأفكارهم الباطلة فمثل هؤلاء لا
يمكن الاعتماد عليهم فى شىء على الإطلاق ، إذ أن ألهتهم هى ذواتهم ، ومن
صار له إله غير الرب لا يستطيع أن يحب الأخر محبة طاهرة ، ومن ثم لا
يقدر أن يبذل ذاته من اجله ...
+ تقديس الذات من اجل الاخرين هى دعوة المسيح لكل الذين يرغبون فى شركة
أمجاده والتمتع بمواعيده المباركة ، بيد أن هذا التقديس لا يأتى بثماره
المطلوبة ما لم يكن فى إطار من المحبة والمثابرة والرجاء ، ولكى ننجح فى
تقديس ذواتنا من اجل الاخرين يلزمنا الاقتداء بالمسيح ، رئيس خلاصنا ،
ومثلما نجح هو فى تقديس ذاته من أجل الاخرين يقدر أن يعين الراغبين فى
الإقتداء به حتى ينجحوا فى خلاص الاخرين ، إلى أن يصلوا جميعا إلى
المجد الأبدي ..
+ من هو الإنسان الذى قدس ذاته من اجل خلاص الاخرين ؟ هو إنسان زاد اشتياقه
لملكوت الله وسعادة كل إنسان وبنيان جسد المسيح ، هو إنسان نسى خطيته
واهتماماته وكيف يصل إلى السعادة ولم يشغله سوى أن يرى العالم كله
متهللا بخلاص المسيح وشركة أمجاده الدائمة ، هو إنسان استطاع التغلب
علي نوازع الانانية وتغليب جانب العقل ، هو إنسان امتلأ قلبه من نور
الإيمان والرغبة الصادقة فى تبعية المسيح حتى الموت ، هو إنسان تناسى
السلوك حسب أهل العالم واهتم بأن يقتدي كل حين بالذين وضعوا أنفسهم عن
الاخرين حبا فى المسيح وإكراما لآلامه المحيية ، هو إنسان عرف معنى
المحبة الحقيقة ومارسها بروح الإيمان والصدق والرجاء ، هو الوكيل
الأمين الذى يصلح أن يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه ..
هو كل إنسان فرح فى آلامه من أجل خلاص الاخرين واستحقاقهم لمجد الحياة
الأبدية ..