القدّيس البار لوقا الجديد، ناسك جبل ستيريون
(القرن10م):
وُلد سنة 890م في قرية كستوريون في هلاذة اليونانية.
ذووه مهاجرون من جزيرة أجينة رحّلتهم هجمات العرب, وهو الولد الثالث لعائلة قوامها سبعة أولاد.
مال، منذ حداثته، إلى حياة العزلة والتقشّف. لم يرشده إلى ذلك أحد غير الله. كان يكتفي من الطعام، في العادة، بخبز الشعير والخضار ولا يشرب غير الماء ويحفظ الصوم الكامل الأربعاء والجمعة.
أُوكلت إليه ملاحظة القطعان وفلاحة الأرض. كانت العائلة في يُسر. اعتاد التوزيع على الفقراء. حتى ثيابه كان يعود إلى المنزل، أحياناً، من دونها.
لما مات أبوه، هجر الزراعة وانصرف إلى حياة الصلاة. ويبدو أنه أصاب. في سعيه، تقدّماً كبيراً. كان يرتفع عن الأرض بالجسد كلما وقف للصلاة.
ترك منزله الوالدي إلى تساليا راغباً في اقتبال الحياة الرهبانية. في الطريق وقع بين العسكر فأساؤوا معاملته لأنهم ظنوا أنه عبد آبق، فلما سألوه من يكون معلمه أجاب: "المسيح!:. لكنه تمكّن من العودة إلى بيت أهله.
عانى، في المنزل، من الشتم والسياط زماناً. أخيراً تمكّن من إقناع والدته بتركه يذهب برفقة راهبين عبرا بالقرية في طريقهما من رومية إلى أورشليم.
هذان سلّماه إلى رئيس دير في أثينا اقتبل فيه ثوب البداية. كان يومها في الرابعة عشر من عمره. في تلك الأثناء لم تطق أمّه غيابه عنها فصارت تنوح وتبكي لدى الله حتى أخذ رئيس الدير يعاين الأم، كلّ ليلة، تطالب بولدها.
أخيراً قرّر إعادته إليها. لكن الصبي نجح، بعد أربعة أشهر من عودته، في إقناع والدته، من جديد، بتركه يخلد إلى الهدوء والصلاة في قمّة بوانيتزا غير البعيدة عن القرية.
هناك أقام في قلاية فقيرة بقرب كنيسة على اسم القدّيسين الصانعي العجائب والعادمي الفضة قزما ودميانوس.
اختار لوقا الحياة في القلاية ليكون بمنأى عن عيون الناس. سعى فيها إلى مقاومة النوم بضراوة. كما حفر داخلها، حفرة كانت له بمثابة قبر ليحفظ ذكر الموت ماثلاً لعينيه. اعتاد أن يقيم الليل بطوله في الصلاة والسجود.
اهتم بزرع بعض الخضار لديه وكان يوزّع ما يجنيه على الزوّار والجيران. أما هو فكان يزداد على نفسه قسوة وبالناس والبهائم، وحتى الحيّات، رأفة.
مرّ به راهبان وقوران، في طريقهما إلى رومية، فأكبرا سعيه وهو بعد فتى لم يتجاوز الثامنة عشرة فألبساه الإسكيم الرهباني الكبير. على الأثر كثّف خلوته وأصوامه وضاعف صلواته ودموعه فمنّ عليه ربّه بموهبة صنع العجائب والنبوءة.
ذاع صيته في الجوار فشقّ العديدون طريقهم إليه طلباً لبركته والاعتراف بخطاياهم لديه. كان يساعد المعترفين المتردّدين بكشف خطاياهم عنهم. كما كان يسبغ عليهم الصفح باسم الله بعد أن يعيّن لهم التدابير التكفيرية اللازمة.
جرّبه الشيطان مرّة وهو في هذا الوضع. بعث إليه في ثلاث نسوة كما ليعترفن لديه. حرّكن فيه أفكاراً دنسة. بقي في صراع مع نفسه ثلاثة أيام وثلاث ليال جاهداً في الصلاة والبكاء. أخيراً حضره ملاك الرب ووهبه نعمة اللاهوى فصار كملاك أرضي لا تحرِّكه أفكار الجسد.
بعد سبع سنوات على قمة يوانيتزا غادر القدّيس ومن اجتمعوا إليه إلى جزيرة قريبة فإلى كورنثوس إثر هجمات البلغار.
في كورنثوس رغب في تعلّم القراءة والكتابة رغم تقدّمه في السن. لم يجد حرجاً في مجالسة الصغار. لكنه تخلى عن الفكرة بعدما تعرّض للسخرية بإصرار.
عرض عليه أحد العموديين أن يقيم بالقرب منه فوافق. بقي في طاعته عشر سنوات عاد بعدها إلى بوانيتزا.
سألوه مرّة لماذا لا يذهب في الأعياد إلى الأديرة ليشترك في القدسات. أجاب: "الغرض من الأعياد والتسابيح بثّ مخافة الله. فأي منفعة لمن اقتنى خوف الله بالهدوء (الهيزيخيا) والصمت؟
عجائبه ونبوءاته اجتذبت إليه الكثيرين. فلكي يحفظ الهدوء ترك بوانيتزا إلى أكثر من مكان.
أخيراً استقر في ستريون إلى أن رقد بالرب في 7 شباط 953م.
كان زيت عطر يخرج من ضريحه ويُجمّع في قنديل. هذا صار مصدراً لأشفية كثيرة. بُني في المكان دير وكنيستان مازال إلى اليوم محجّة عامرة.