+ الإناء الصالح، عروس المسيح، مقر السكنى الإلهية +
منذُ خطيئة حوَّاء وطاعة آدم لمشورتها وتخلية عن الوصية التي سمعها من الله حياته، طاعناً حواء التي هي جسده باتهامها انها سبب سقوطه مع أنه هو الذي أخذ الوصية أولاً، وبذلك أصبح كُل رَجُل وامرأة ولدوا من نسله مجروحين في حُريتهم ومُداسه كرامتهم، مولودين تحت مذلة عبودية الموت المتسلط على كل نسل آدم عبر الأجيال كلها مؤكداً عليه من جيل إلى جيل بسبب الموت الذي تملك علينا كلنا باختيارنا وحريتنا فصرنا منفصلين مفككين.
وحينما أتى ملء الزمان أتى الله متجسداً ليُعيد إلينا بقيامته الحٌُرية في صورة مجد أعظم جداً في شخصه حتى يكون بذلك خلاصنا مضموناً لأنه رفعنا فيه لأعلى مستوى إذ شرفنا بالجلوس عن يمين الآب في شخصه، لأنه لم يكن محتاجاً ان يجلس لأنه هو والآب واحد، لكنه جلس بجسم بشريتنا فصار لنا الحق أن ندخل للأقداس طبيعياً بسببه هوّ فقط لأنه اتخذ جسدنا وارتبط بنا وجعلنا من طبيعة جديدة مكانها فوق وليس على الأرض، وذلك لا بأعمالنا ولا بقدراتنا الخاصة ولا عن طريق اي استحقاق لنا على وجه الإطلاق، بل كعطية وهبة حسب مسرة التدبير الأزلي.
وفي مريم العذراء – محور حديثنا – لم تَعُد هذه الحرية وعداً، بل إتمام ما قد وعد به الله الإنسان بأنبيائه القديسين حسب أمانته:
فمريم صارت حواء الجديدة بها تم استعادة كيان المرأة المجروح منذ السقوط، وصارت المثال الحي لكل امرأة تدخل في عهد الحب مع الله بإيمان حي وتوبة مستمرة، وبسبب مريم العذراء القديسة المختارة أم الله الكلمة المتجسد التي جعلها الله مثالاً للمرأة الجديدة في المسيح، تستطيع كل امرأة أن تقف من جديد حُرّه أمام الله لتنطق بإيمان ورجاء حي وطاعة كاملة لسيدها الرب قائلة: أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك (لوقا 1: 38)، فالمرأة صار لها رفعة خاصة مُمثلة في العذراء القديسة مريم، فلم تعد المرأة كما كانت، بل طبعها تغير وتوشحت بالله الكلمة، وصارت منارة إيمان حي عبر الأجيال وضربت مثالاً من التقوى الظاهرة في الصبر والثبات في الضيقات وتسليم الإيمان الحي لأجيال. لذلك فأن كل امرأة تقبل سكنى الله فيها وتطيع مشيئته تصبح بنت مريم [ حواء الجديدة ] لأنه فيها قبلت بشارة الملاك ونطقت بلسانها الحلو [ أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك = حسب ما قال وأمر به الرب ]، وبذلك عوض المعصية الأولى وعدم طاعة الله التي صنعتها حواء القديمة، ظهرت حواء الجديدة بطاعة الإيمان الواثق في أمانة الله وقبول عطيته الثمينة ببساطة المحبة، وهكذا صارت كل إمرأة مثل العذراء مقدسة في الحق، تقبل ببساطة ثقة الإيمان كل كلمة تخرج من فم الله، وتشهد للإيمان المسيحي عن جدارة بكل نشاط ومثابرة علمت أجيال كثيرة، وبكتت رجال ضعفوا أمام توافه العالم ولم يثبتوا.
فيا بنات حواء الجديدة، أنسوا تماماً إنكم كنتم بنات حواء زوجة آدم القديمة، فاليوم لأنكم آمنتم بالمسيح الرب واعتمدتم على اسم الثالوث القدوس ودخلتُم في طريق التوبة الحقيقي المُدشن بدم حمل الله رافع خطية العالم، فلم ولن تعودوا أبداً أبناء حواء القديمة التي لم تحفظ وصية الله وأغوتها الحية بثمرة المعصية وأغرت آدم زوجها وسقطت معه وكان سقوطهما عظيماً وصارت آنيتهما ملوثة مُظلمة، بل صرتم بنات حواء الجديدة التي قدمت طاعتها لله باتضاع عظيم في سرّ التقوى فصارت عن حق أماً للبشرية الجديدة في المسيح يسوع، بل وسبب بركة عظيمة للرجل، فها انتم ايها المؤمنات صرتم هياكل مقدسة للغاية وجسدكم صار إناء قداسة وعفة ونقاوة اساسها سكنى الله الحي عن جدارة في هياكلكم الرقيقة التي تظهر فيها روح الأنوثة الحلوة لأن عطر مسيح القيامة والحياة يملأها.
اثبتوا، تقووا، ولا تنظروا لأجسادكم باستخفاف ولا لغرائزكم باحتقار، بل ولا تسمحوا لأحد ان يدخل فكرة غريبة عن أنفسكم في أفكاركم، بل يكفيكم ان الرب ولد من إمرأة ليفتح الطريق لكل إمرأة ان تحمله في أحشاءها أي في قلبها وفكرها ويصير كساءها الخاص وطهارة كل أعضاء جسدها الذي صار ملكاً للروح القدس الذي يشع فيه نور الله الحلو ويوزعه على كل عضو فيه، فافرحوا في الرب إلهكم كل حين لأن خلاصكم فيه مضمون.