هقبلني بكل ما فيّ من ضعف وعجز وإعياء، هقبل جنوني وغبائي وشرودي ونظري للسماء، توجد مناطق بداخلي معاقة والعجز يصل فيها إلى حد الشلل، أحيانًا أفقد قدرتي في التواصل وتهرب رغبتي في المشاركة أو الحديث معك، لكنني أقبلني في تلك الأوقات. أعرج كثيرًا على أرض مستوية وأحيانًا أجري وأتسلق الجبال. احترت كثيرًا فيّ "من أنا؟" هل أنا قوي أم ضعيف؟ شكّاك أم واثق؟ ثابت أم مهزوز؟ عنيف أم هادئ؟ أنا إنسان مليء بالتناقضات ولم أجنِ شيئًا من مناقشتي تلك، ولم تثمر مباحثاتي حول أسباب غبائي. أنا خليط عجيب من الضعف والقوة، أستطيع أن أكون كئيبًا ويمكنني أن أفرح أيضًا، لكن هذه التناقضات تربكني. فلماذا أريد دائمًا أن أقيّمني تقييمًا متعسفًا حاسمًا وثابتًا؟! ربما كان الأمان، فاحتياجي للأمان يدفعني دفعًا نحو إيجاد إطار من الصفات والمواصفات.
ما أجمل كلمة "إنسان" دون أخرى تليها! فهي كافية وشاملة، لماذا تلحّي عليّ يا نفسي في وضع صفة للإنسان؟ ولمَ أتوقع دائمًا من عقلي أن يتفنن في وضع هذا الوصف؟
لقد عشت سنين كثيرة أصارع معي وألومني بل وأجلدني، أضع معايير أخلاقية ودينية ونفسية لا حصر لها كي أنضبط وأرضى عني، فما ملأني سوى المزيد من الذنب والخزي والعجز. فقد فشلت في إرضاء كل المعايير وانهارت علاقتي بنفسي وبالآخرين وأيضًا بإلهي. قادني جلدي لذاتي لمزيد من الهروب وإلى دوائر مفرغة من العمل والإعياء والألم. إلى أن تلامست مع قاعي، وهناك فقط ارتطم رأسي بكل الأحجار، هناك تعرفت على نفسي وعلى خالقي، فرأيت القبول، احتواني وأجلسني لأستريح. فمن الحكمة أن أصدق أن الحديد لا يلين إلا بالنار، وأن الاقتراب من الشمس يحرق رغم أنها سببًا من أسباب الحياة.
وقبولي ليس تشجيعًا على العبث أو التأرجح أو الفوضى الأخلاقية، لكنه القبول المطلق لمن أنا.
هقبلني عندما أغضب لكنني سوف أرفض ثورتي الجارحة وصوتي العالي واستخدامي للألفاظ البذيئة.
هقبلني عندما أشتاق إلى حبيب غاب عني وحسنًا أنه فعل، لكنني سأرفض أن تقودني مشاعري للانخراط مجددًا.
هقبلني عندما أبكي من أجل السيطرة على أمر فلت زمامه من بين يديّ، لكنني سأرفض مناوراتي للسيطرة والتلاعب بالآخرين.
هقبل ضعفي عندما أرى عجزي يدميني واحتياجي في وحدتي يعتصر قلبي، لكنني سأرفض أن تسلسلني تلك الوحدة إلى بئر الاكتئاب أو اليأس.
هقبل تمردي على تابوهات التدين الكاذب والظاهري، لكنني سأرفض تحطيم تماثيل الآخرين؛ إذا كانت تناسبهم فهم أحرار إلى المنتهى.
هقبل دموعي وطفلي الداخلي بحضن دافئ، لكنه لن يثنيتي عن أداء واجبي أو ينسيني مسؤولياتي تجاه راشدي.
هقبلك يا نفسي بكل ما فيكي، وبكل وصم وصموكِ به، بل وأقبل من وصموكِ، لكنني لن أصدق كلماتهم ولن أتعاطف معها.
لقد قررت أن أستريح وأقر بضعفي وأن أكتفي بمحدوديتي، التي من خلالها تتفجر ينابيع قوتي.