الوصيّة السّابعة (ج1)
أسباب ارتكاب خطيّة الزّنا وسعة انتشارها
خروج 14:20 "لاَ تَزْنِ".
مدخل: يعتبر الجنس عطية رائعة وجميلة ومفرحة من الله، وعلينا أن نشكر الله على هذه العطية. ولكن روعة هذه العطية وجمالها يبقى ما دامت العلاقة الجنسية محصورة بالكامل بين رجل واحد وامرأة واحدة وهما الزوج والزوجة. أي أن العلاقة الجنسيّة يجب أن تنحصر بين الزّوج الواحد مع زوجته الواحدة. فالزواج هو علاقة عهد مقدسة وضعها الله للجنس البشري، وفي الزواج يفرح الرجل وتفرح المرأة في العلاقة الجنسية الحميمة التي رتّبها وأوجدها وقدسها الله. هذا الكلام يعني ببساطة أن كل علاقة جنسية خارج الزواج هي علاقة شريرة، ويجب أن نسميها باسمها الحقيقي: هي علاقة زنا ونجاسة وقذارة.
ولكن المشكلة اليوم هي أن النَّاس على استعداد تام لسماع أصوات الكذب والخداع الشّيطانيّة، وإهمال بل ورفض صوت الله. وكلّنا نعرف أنّ الشيطان مخادع ومنافق وكذاب وأبو الكذاب: فالشيطان يقول للإنسان بأن الجنس هو أمر طبيعي بين الرجال والنساء والشّباب والصّبايا وحتّى بين الصّغار من الأولاد والبنات. وكثيراً ما يزرع الشيطان أفكاراً مخادعة في عقول النّاس، ويستخدم حتّى اسم الله ويقول للنّاس بمكرٍ ودهاء: ألم يخلق لنا الله الرغبة الجنسية والأعضاء الجنسية، فهل يخلقها ثم يمنعنا من ممارسة الجنس. يقول لك الشيطان أنه ما دام الطرفان متفقان فلا دخل لأحد بهما، ويدفعك لتنغمس في شهواتك، بل ويدفع النَّاس لعلاقات منحرفة ما دامت تجلب لهم اللذة والفرح، مثل علاقات النساء مع النساء، والرجال مع الرجال، والبنات مع البنات، والأولاد مع الأولاد، وللأسف الشديد، تتزايد أيضاً علاقة النساء مع الحيوانات وحتى الرجال مع الحيوانات. حقاً أنّنا نعيش في زمن منحط ورديء، وما أسهل أن ينخدع الإنسان بحضارة هذا العصر، ويسقط في براثن إبليس.
يريد الله لنا الأفضل والأروع والأقدس، فهو يحبنا ويريد لنا الخير. أما الشيطان فيريد أن يدمرنا ويأخذنا معه إلى جهنم. لذلك علينا أن نصحو ونحذر من هجمات عدو النفوس. كذلك علينا أن نطيع الله بكل قوتنا، فلا نسقط في مصيدة إبليس.
نعيش اليوم في حضارة الحلقة المفرغة، والبحث عن لذّات وشهوات الجسد بأي شكل من الأشكال. نعيش في أحط مرحلة في تاريخ الحضارة البشرية، وخصوصاً في زمن انتشار المحطات التلفزيونية الفضائية الخلاعيّة، وشيوع استخدام الإنترنت والأجهزة الذّكيّة، وما يمكن أن يسمعه ويشاهده ويقرأه الإنسان بواسطة هذه الوسائل. هذا الوضع أدّى الى انتشار خطيّة الزّنا في العالم بشكل لا سابق له في كل العصور التاريخيّة السّابقة. وهذا يعني أن كل إنسان عاقل بحاجة إلى معرفة ما يقوله لنا الله خالق الكل حول هذه الخطيّة الّتي تكاد أن تدمر كل القيم والاخلاق في المجتمعات البشريّة.
تكرّرت وصيّة أو أمر الله للبشريّة بالإمتناع عن خطيّة الزّنا في عشرات المرّات في الكتاب المقدّس. وهذا التكرار يأتي ليبيّن للعالم أنّ إراداة الله الصالحة والمرضيّة هي ان يعيش النّاس حياة صلاح وتقوى وقداسة، وأن يمتنعوا نهائيّاً عن حياة الشّر والنّجاسة والرّذيلة.
وردت وصيّة الإمتناع عن الزّنا أوّلاً في سفر الخروج 14:20 "لاَ تَزْنِ". ثمّ تكرّرت بصيغ متعدّدة في أسفار الكتاب المقدّس مثل سفر الّلاويين 20:18 "وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ امْرَأَةِ صَاحِبِكَ مَضْجَعَكَ لِزَرْعٍ، فَتَتَنَجَّسَ بِهَا". وفي سفر التّثنية 18:5 "لاَ تَزْنِ". وفي الإنجيل بحسب البشير متى 27:5-28 "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ". وأيضاً في متّى 18:19 "قَالَ لَهُ:"أَيَّةَ الْوَصَايَا؟" فَقَالَ يَسُوعُ: لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ". ومرقس 19:10 "أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ". ولوقا 20:18 "أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ". وفي رسائل العهد الجديد مثل كورنثوس الأولى 13:6ب – 20 "وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّب لِلْجَسَدِ. وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّب، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّب فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. اُهْرُبُوا مِنَ الزّنا. كُلُّ خطيَّة يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لله"، ويعقوب 11:2 "لأَنَّ الَّذِي قَالَ: "لاَ تَزْنِ"، قَالَ أَيْضًا:"لاَ تَقْتُلْ". فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ".
تعتبر وصيَّة الإمتناع عن ارتكاب خطيّة الزّنا من أصعب الوصايا وأكثرها حساسيّة، ولها وقع خاص في النّفس البشريّة منذ أن أعطاها الله للإنسان. فهي وصيَّة تعالج أمراً شخصياً واجتماعياً في نفس الوقت. وتتعلق بمصداقية الإنسان وشهامته وطهارته وقداسته، ومدى قدرته على الحياة بطريقة تخالف مقاييس العالم بكل معنى الكلمة. وللأسف الشّديد، نحن نعيش في زمنٍ انقلبت فيه اعمدة الحياة الأخلاقية، كما نقرأ في مزمور 3:11 "إِذَا انْقَلَبَتِ الأَعْمِدَةُ، فَالصِّدِّيقُ مَاذَا يَفْعَلُ"؟ فالأعمدة الّتي تقوم عليها المجتمعات لكي تتقدّم وتزدهر أخلاقيّاً واجتماعيّاً وتربويّاً انقلبت وتغيّرت، بل وانهارت، بشكل مخجل وكارِثي. والثقافة والفكر التي تروّج لها حضارة اليوم تقوم على مقاييس الخطيَّة بأشكال وألوان متنوعة: السرقة شطارة، والفساد امتياز ومنصب، والنصب ذكاء، والرّشوة هديّة وتكريم، والكذب لغو كلام، والزّنا متعة، والذهاب إلى بيت الرَّب للصّلاة غباء ورجعيّة وتخلف، والنجاح في الحياة من حيث العمل وتجميع الأموال هو أهم شيء. فالمال يفتح أمامك كل الفرص، بما في ذلك الخطيَّة بأشكالها، وأهمها الزّنا والدّعارة وحفلات المجون والعربدة والسّكر والتّعري الخلاعة. إنه طوفان من الشّر بتسمياتٍ مخادعة لقنص الإنسان وسقوطه فريسة في يد إبليس الّذي يسود على حياة الملايين من النّاس.
تعريف الزّنا في المسيحيّة: هو الإتصال الجنسي الطّوعي وغير الشرعي بين رجل وإمرأة غير متزوجين لبعضهما البعض. كذلك يشتمل الزّنا على التفكير الرديء والشّهوة الجامحة باتصال جنسي غير شرعي. أي أنّ الزّنا هو علاقة جنسيّة طوعيّة بغرض المتعة واللذة خارج إطار العلاقة التي يريدها الله أن تكون محصورة بين الزوج والزوجة، أي بين رجل وامرأته. هذا التعريف الواضح للزّنا يبيّن بجلاء أنّ الزّنا يعني بكل بساطة كسر عهود الزواج، فهو خيانة من طرف الرّجل أو المرأة لشريك أو شريكة الزّواج. وعادة تبدأ خطيَّة الزّنا أولاً في العقل والقلب قبل أن تنتقل إلى العمل الجنسي نفسه.
ما الذي تنهانا عنه الوصيَّة السابعة: لا تزن؟ يأمرنا الله في هذه الوصيَّة بالإمتناع بشك كامل ومطلق عن إقامة علاقة جنسية مع أي شخص غير الزوج أو الزوجة. أي أنه يجب أن ينحصر فعل الجنس فقط بين الرجل وامرأته اللذين اتحدا بعهد زواج مقدّس بحسب مشيئة الله.
كذلك تنهانا الوصيَّة عن أفكار الشهوة الرديئة، وعن النظرات التي تخلو من الاحتشام وتنم عن رغبة جنسية وإثارة لا أخلاقية. كما يقول ربنا يسوع له المجد في متى 27:5-28 "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ".
لماذا يريدنا الله أن لا نزني؟ الجواب بكل بساطة هو لأن الله يحبنا ويريد الخير لنا، وبالتّالي فإنه يحرص علينا من ارتكاب هذه الخطيّة البشعة والنّجسة والمخزية. فعلاقة الرجل مع شريكة حياته أو علاقة المرأة مع زوجها يجب أن تكون مبنية على أساس علاقتنا بالله، ومن نقض علاقته مع شريكه فقد نقض علاقته مع الله. كذلك يريدنا الله أن لا نزنِ وذلك لأن الزّنا يعني أن الإنسان ينقض العهد الذي قطعه مع شريك حياته، وقد يؤدي إلى ولادة أطفال بدون بيت صحي، وبدون وجود آباء في البيت، وبدون رعاية، وبدون محبَّة، وبدون تربية في تقوى الله. لذلك فإن الزّنا يدمر الحياة الروحية، وقد يكون سبباً لأمراض قاتلة مثل الإيدز. والأهم من كل ذلك أن الزّنا يدمر شريك الحياة نفسياً ويسبب آلاماً مزعجة وقاتلة.
صور ومشاهدات وأمثلة من حياة عالم اليوم تبيّن حقيقة الإنتشار الهائل لخطيّة الزّنا: خطية الزّنا شائعة في العالم أجمع، وتسيطر على حياة وفكر الكثيرين، ومع ذلك يمكن كسر شوكتها بقوة الله وعمل نعمة الرب يسوع المسيح في حياة النّاس.
1. في كثير من المدن الكبرى في الشّرق النّاطق باللّغة العربيّة، يغادر عدد كبير من الرّجال بيوتهم صباحاً بقصد الذّهاب إلى العمل أو الوظيفة أو المقاهي والنّوادي وأماكن غيرها. وفي وقت غيابهم عن بيوتهم، تستقبل نساؤهم رجالاً آخرين في ذات البيوت، ويمارسن الزّنا مع هؤلاء الرّجال على سرير الزّوجيّة. وهذا الكلام ليس من الخيال، بل حقيقة معروفة في المجتمعات الشّرقيّة، مع أنّ النّاس في هذه الدّول يمارسون لعبة الفضيلة والتّدين والتّظاهر بالعفّة.
2. عدد ضخم من رجال الأعمال وكبار الموظّفين المتزوّجين نساءٍ من عائلات معروفة وعريقة، ولهم مكانتهم الإقتصاديّة والإجتماعيّة في المجتمع. أي الرجال الذين عندهم أعمالهم ومؤسّساتهم، ولديهم موظفين وعمّال، يمارسون الزنا بكل صوره، بل أن كثيرون منهم يضبطون متلبسين بممارسة الجنس مع واحدة أو أكثر من العاملات عنده. ومع ذلك لا تنتشر الفضيحة بسبب الخوف على الوظيفة أو الرّشوة وشراء الذّمم وتكميم الأفواه. والّذي يتجرّأ ويذيع الخبر، تلفّق له تهمة نشر الإشاعات الباطلة والتّطاول على المقامات الرّفيعة.
3. نساء متزوجات من رجال محترمين اجتماعيّاً، وهنّ معروفاتٍ بأنهنّ نساء محترمات وسيّدات المجتمع ومن عائلات محترمة، وفجأة يكتشف الناس أنهن تمارسن الزّنا مع عدد كبير من رجال المجتمع الذين من المفترض أنهم شرفاء.
4. قصص كثيرة عن شباب وشابات منغمسين في علاقات جنسية نجسة.
5. العثور على أجنة ميتة لأطفال تم إجهاضهم ورميهم في حاويات النفايات، أو في الحارات وأطراف الشوارع وأمام المستشفيات.
6. شباب وصبايا يتصفحون المواقع القذرة على الإنترنت دون مراقبة الأهل.
7. الآباء والأمهات يشاهدون محطات تلفزيونية قذرة في البيت.
8. ديانات وفلسفات وحركات اجتماعيّة وسياسيّة وعقائد تبيح الزّنا والنجاسة تحت مسميات متنوّعة مثل الحريّة والثّورة والإنفتاح وحقوق المرأة، والزنا تحت مسمّيات مخادعة، لدرجة تسمية القذارة بالزّواج بحجة المتعة والمسيار والعرف والسفر. فقط مارس الجنس باسم الله، وادفع الثمن، وأتكل على الله.
9. حفلات تعري ودعارة عموميّة، يتم فيه عرض أجساد نساء ورجال عراة أمام الحضور، والكلّ يمارس الجنس مع الكل في حفل هوسٍ ومجونٍ وخلاعة وقذارة.
10. بيوت وشقق مكرّسة لممارسة الزّنا والدّعارة في معظم دول العالم، وخصوصاً في دولٍ يدّعي رجال الدّين فيها بأنها بلاد مقدّسة ومتديّنة ومحافظة، وهي في واقع الحال تعيش في وحل ومستنقع الخطيّة والفسق والدّعارة والفساد والرّذيلة.
دوافع وأسباب ارتكاب خطيّة الزّنا: لماذا يقدم أي انسان على الزّنا، رغم معرفة هذا الإنسان بأن ما يعمله غير صحيح؟ فحتّى بين الشّعوب الّتي لم تعرف الله قديماً، وكذلك بين من ينكرون وجود الله في أيامنا، نجد أنهم ينظرون للخيانة الزّوجيّة وللزّنا نظرة سلبيّة. ونعرف من سجلات التّاريخ أنّ الزّنا كان منتشراً بين الشعوب القديمة، وخصوصاً في العبادات الوثنية، حيث كانت هنالك معابد بها نساء يمارسنَّ "الزّنا المقدس" كجزء من العبادة الوثنية للبعل أو عشتاروت أو أرطاميس وغيرها من الآلهة. ومع ذلك فقد كان للزّواج احترامه. بل أنّ معظم الحضارات قديماً وحديثاً ترفض المعاشرة الجنسيّة بين غير المتزوجين. هذا الإنتشار الكبير لخطيّة الزّنا قديماً وحديثاً له دوافع وأسباب معروفة ومحدّدة، وعند الرّجوع الى وحي الله في الكتاب المقدّس، نجد أن الله قد أعلن لنا حقيقة فساد وسقوط الطبيعة البشريّة في الخطيّة، وكيف أن الإنسان يبحث عن التّمتع الوقتي بالخطيّة دون أي اعتبار لوصايا الله أو للنّتائج المدمّرة لخطيّة الزّنا. وأهم دوافع ارتكاب خطيّة الزّنا بحسب الكتاب المقدّس هي:
1. الطبيعة البشرية الفاسدة: نقرأ في سفر المزامير 3:14 "الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ". وتكرّرت نفس الحقيقة في رسالة رومية 12:3 "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ". فمنذ أن سقط الإنسان الأوّل في الخطيّة، فسدت الطبيعة البشريّة، وانتقل الفساد عبر جميع أجيال الجنس البشري. فساد الطبيعة البشرية يعني بكل بساطة أنّ قابليّة ارتكاب الخطيّة موجودة عند كل إنسان. وهكذا فبسبب فساد الجسد، يعمل الإنسان ما يريده الجسد وليس ما يريده الله. نقرأ في رسالة غلاطية 19:5 "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ". وكذلك في رومية 12:13-13 "قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. 13لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ". وتتكر حقيقة فساد الجسد وأعماله الباطلة في آيات أخرى كثيرة في في الكتاب المقدس، كما نقرأ مثلاً في رسالة كولوسي 5:3-6 "فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزّنا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، 6الأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ".
2. شهوات القلب الردية: قال الرّب يسوع المسيح في الإنجيل بحسب البشير متى 19:15 "لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ". وكرّر مثل هذا القول في الإنجيل بحسب البشير مرقس 21:7-22 "لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، 22سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ".
3. النظرة الدونية إلى الإنسان، وخصوصاً المرأة: عندما خلق الله المرأة، وصفها بأنها معيناً ونظيراً للرجل، حيث نقرأ في سفر التّكوين 18:2 "وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ". ولكن بسبب سقوط الإنسان في الخطية، أصبح كثير من الرجال ينظرون إلى المرأة باعتبارها وعاء للشهوة والجنس. فبدلاً من أن تبقى معيناً له، صارت لعبة له. أي أن نظرة الرّجال الخطاة للمرأة أصبحت نظرة دونية وتحقيرية، وهذه النظرة السّلبية انتشرت واتّسعت وتسود اليوم حضارات وثقافات وديانات كثيرة في العالم. فعندما توصف المرأة بأنها حرث للرجل، وبأنها سفيهة أو ضلع أعوج، وبأنّها مجرّد فرج ورحم، أي إناء للجنس والحبل، فإن مثل هذا التحقير للمرأة يشكل دافعاً قويّاً لخطية الزّنا.
4. طبيعة الجنس تقود إلى الزّنا باعتباره مغرٍ وجذَّابٍ ومغوٍ ومصدر لذّة ونشوة: هذه الطّبيعة تدفع الكثيرين إلى السّقوط في نجاسة هذه الخطيّة. أي أنّ منبع خطية الزنا هو الشهوة أو الشبق، أي الرغبة الجنسية الملحّة والجامحة والقوية. فعندما سقط الإنسان في الخطية، هبط فيه الحس المقدس والبراءة والطهارة، وسيطرت عليه شهوة الجسد والمتعة. نقرأ في الكتاب المقدّس تحذيراً إلهيّاً للرّجال من السّقوط في حبال شهوة ارتكاب الزّنا من قبل نساءٍ يحترفن فن الإغواء، حيث نقرأ في سفر الأمثال 14:7-21 "عَلَيَّ ذَبَائِحُ السَّلاَمَةِ. الْيَوْمَ أَوْفَيْتُ نُذُورِي. 15فَلِذلِكَ خَرَجْتُ لِلِقَائِكَ، لأَطْلُبَ وَجْهَكَ حَتَّى أَجِدَكَ. 16بِالدِّيبَاجِ فَرَشْتُ سَرِيرِي، بِمُوَشَّى كَتَّانٍ مِنْ مِصْرَ. 17عَطَّرْتُ فِرَاشِي بِمُرّ وَعُودٍ وَقِرْفَةٍ. 18هَلُمَّ نَرْتَوِ وُدًّا إِلَى الصَّبَاحِ. نَتَلَذَّذُ بِالْحُبِّ. 19لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ. ذَهَبَ فِي طَرِيق بَعِيدَةٍ. 20أَخَذَ صُرَّةَ الْفِضَّةِ بِيَدِهِ. يَوْمَ الْهِلاَلِ يَأْتِي إِلَى بَيْتِهِ. 21أَغْوَتْهُ بِكَثْرَةِ فُنُونِهَا، بِمَلْثِ شَفَتَيْهَا طَوَّحَتْهُ". ونقرأ في أمثال 3:5 "لأَنَّ شَفَتَيِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ تَقْطُرَانِ عَسَلاً، وَحَنَكُهَا أَنْعَمُ مِنَ الزَّيْتِ". ويحذرنا الله قائلاً في أمثال 20:5 "فَلِمَ تُفْتَنُ يَا ابْنِي بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَتَحْتَضِنُ غَرِيبَةً؟".
5. محبّة المال، أي ممارسة الزنا بقصد الحصول على المال: كثيرة هي الخطايا الّتي يرتكبها النّاس بسبب المال، مثل الكذب والقتل والزّنا والغش والسّرقة وغيرها من الشّرور. نقرأ في رسالة تيموثاوس الأولى 10:6 "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ". وما أكثر الرّجال والنّساء الّذين سقطوا في أشكال متعدّدة من الخطايا والشّرور بسبب محبّتهم للمال. وما أكثر الآباء والأمهات الّذين دفعوا بناتهم إلى حياة الرّذيلة والدّعارة من أجل المال. وفي نفس الوقت، ما أكثر الرّجال المستعدّين لتبذير المال على شهواتهم الرّديّة.
نقرأ في الكتاب المقدّس قصصاً عن رجالٍ ونساءٍ سقطوا في نجاسة خطيّة الزّنا، ونكتشف من هذه الحوادث أنّ سقوطهم كان بسبب واحد أو أكثر من الدّوافع الّتي نتعلّمها من الكتاب المقدّس. وتعتبر قصّة الملك داود مع بثشبع من أشهر قصص الزّنا في الكتاب المقدّس. وقد وردت القصّة في سفر صموئيل الثاني 1:11-5، حيث نقرأ: "وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ وَحَاصَرُوا رِبَّةَ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ. 2وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا. 3فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟. 4فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. 5وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: إِنِّي حُبْلَى". نجد هنا أن الملك والنّبي داود قد سقط عند رؤيته لإمراة تستحم. هذه الرّؤية ولّدت في جسده شهوة جامحة لممارسة الجنس معها لدرجة أنّه نسي دعوته للنّبوة ومركزه كملك لشعب الله القديم. كذلك نلاحظ هنا أن الخطيّة بدأت بالنّظر، ثم سيطرت على العقل والشّعور. وبدلاً من أن يزيغ ببصره بعيداً ويصلّي طالباً من الله أن يغفر له نظرته وشهوته، استسلم في لحظة ضّعف لشهوة الجسد، وسقط في خطيّة زنا بشعة جلبت كوارث عديدة له ولغيره من النّاس.
وعلى النّقيض من الملك داود، يخبرنا الكتاب المقدّس قصة رجل الله يوسف الّذي قاوم الإغراء، ولم يسمح لنفسه أن يسقط في خطيّة الزّنا. نقرأ في سفر التكوين أنّ رئيس الشّرط فوطيفار، الّذي اشترى يوسف من التّجار الإسماعليين، استخدم يوسف للعمل في بيته، وأنه اكتشف في يوسف رجلاً ناجحاً وأميناً في كل ما يعمله، حيث نقرأ في تكوين 3:39-12 "وَرَأَى سَيِّدُهُ أَنَّ الرَّبَّ مَعَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ. 4فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ، وَخَدَمَهُ، فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. 5وَكَانَ مِنْ حِينِ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ، أَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْحَقْلِ، 6فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الصُّورَةِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ. 7وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: "اضْطَجعْ مَعِي". 8فَأَبَى وَقَالَ لامْرَأَةِ سَيِّدِهِ: هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي. 9لَيْسَ هُوَ فِي هذَا الْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟. 10وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا. 11ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُنَاكَ فِي الْبَيْتِ. 12فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: اضْطَجعْ مَعِي!. فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ".
تساعدنا مثل هذه القصص في الكتاب المقدس على أخذ عبرة منها لحياتنا الشخصية، وبالتالي التّصرف بما يتفق مع وصية الله القائلة "لا تزنِ". فيوسف هرب من التجربة، وهو بذلك يجسد مثالاً رائعاً لكل رجل وامرأة وشاب وفتاة. فلا تعط للشهوة مجالاً لتسيطر عليك، بل اهرب من الزنا. أما قصة داود فتعلمنا أن النظر إلى ما لا يليق قد يدفع الإنسان إلى السقوط، ونحن نعرف من قراءة الكتاب المقدس أن الولد الذي أنجبته بثشبع نتيجة ممارسة الزنا مع داود قد مات (صموئيل الثاني 15:12-19). وأن الله عاقب داود بشدة على سقوطه. لم يكن سقوط داود نهاية لحياته ولخدمته، فقد تاب ورجع إلى الله بدموع حارّة، وصلى صلاة توبة صادقة نقرأها في مزمور 51، حيث يقول في الآيات 1-4 "اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. 2اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. 3لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا. 4إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ، لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ". وأضاف في الآية رقم 10 "قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي".