أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأُنثى؟.. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا (متى19: 4، 5)
كانت بين اليهود في أيام المسيح مدرستان للفكر في مسألة الطلاق استنادًا على ما ورد في تثنية 24: 1. الأولى اتخذت موقفًا صارمًا متشددًا في تفسير كلمة ”عيب“ ( تث 24: 1 ) واعتبرته عيبًا جوهريًا، عدم الأمانة في العلاقات الزوجية. أما الثانية فاتخذت موقفًا متسيبًا، فيكفي أن تكون المرأة طباخة غير ماهرة، أو أنها تحرق طعام زوجها ولو مرة واحدة، أو حتى لو فقدت جاذبيتها بالنسبة للرجل وأحب غيرها. هذه وغيرها كانت أسبابًا كافية ـ في نظرهم ـ للطلاق، وكان الفريسيون أميَل إلى هذا الرأي لِما فيه من سهولة واتساع.
لهذا أراد الفريسيون أن يعرفوا رأي المسيح، إلى جانب أي من المدرستين هو يقف. والرب في رده على الفريسيين عاد بهم إلى البداءة، إلى ما كان قديمًا في الجنة قبل السقوط. فمن البدء خلق الله ذكرًا واحدًا وأُنثى واحدة. هذا هو فكر الله إذًا من جهة الزواج. ويقول الوحي «ويكون الاثنان جسدًا واحدًا». وهذه الآية العظيمة التي قيلت في الجنة، تلخص لنا فكر الله من جهة الزواج كالآتي:
(1) «يكون الاثنان»؛ أي رجل واحد وامرأة واحدة: هذا يلغي فكرة تعدد الزوجات.
(2) «جسدًا واحدًا»؛ فالزواج ليس جمعية ممكن أن تُحل، وليس مجرد عقد مدني يحتاج إلى عقد آخر لفسخه، بل إنه ارتباط عضوي وثيق كارتباط الجسد الواحد ـ وهذا يلغي فكرة الطلاق.
لكن بعد دخول الخطية إلى العالم، انحرف الإنسان عن خطة الله. فظهر تعدد الزوجات (خطية الشهوة) في نفس الأصحاح (تكوين4) الذي بدأ بخطية القتل (خطية القسوة). ثم جاء من بعدهما الطلاق الذي جمع بين القسوة والشهوة!
ولكن المسيح عاد إلى البداية، إلى ما كان في الجنة قبل دخول الخطية، وما رآه الله أنه حسن. ثم يُعلق الرب قائلاً: «فالذي جمعه الله لا يُفرقه إنسان». وهذه الآية لا تعني ـ كما يقول بعض المتسيبين والمنحرفين ـ أن هناك زيجات جمعها الله وأخرى لم يجمعها الله، بل تعني أن الله قصد أن يكون الارتباط بين الرجل والمرأة في الزواج هو ارتباط دائم. إنه اتحاد، الله صانعه، ولا يجوز لإنسان أن يهدمه.