|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نستنتج من تفسير آيات مقدمة انجيل يوحنا (يوحنا 1/ 1-18) ان المسيح هو "كلمة" الله، الكائن الازلي الذي صار بشراً، ليجعل من البشر أبناء الله. وهو يعمل في الخليقة كما في التاريخ البشري. ومن هنا فإننا نبحث علاقة الكلمة بالوجود وبالخلق وبالتاريخ والتجسد. اولا: الكلمة والوجود: (1: 1-2) في بدء سفر التكوين نحن امام عمل الله في الخلق. " في البَدءِ خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرض" (التكوين 1/1) واما في مقدمة انجيل يوحنا فنحن امام "الكلمة: الذي كان موجوداً من الازل قبل الخلق "في البَدءِ كانَ الكَلِمَة" (يوحنا 1/ 1). كما ورد في سفر الامثال " مِنَذ الأَزَلِ أُقمتُ مِنَ الأوَلِ مِن قَبلِ أَن كانَتِ الأَرْض." (8: 23). وهو كائن غير مخلوق وهو ازلي ووجوده غير مرتبط بالزمن بصفته "كانَ لَدى الله". ثانيا: الكلمة والخلق: (1: 1-5) المصدر الاساسي للخلق هو الآب ولم يشترك في عملية الخلق أي عامل وسيط. فالخلق هو أول عمل، اول تعبير لله خارج عن ذاته. اما "الكلمة " فهو اداة عمل الخلق، لان " بِه كانَ كُلُّ شَيء" بمعنى ان "وبِه أَنشَأَ العالَمِين" (عبرانيين 1: 2) وان كل الخليقة تقوم به وتستمد منه الحياة. كما يقول بولس الرسول "ففيه خُلِقَ كُلُّ شيَء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض ما يُرى وما لا يُرى" (قولسي 1: 16). " وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان." أي لن نحصل على شيء خارجا عن المسيح، كلمة الله. انه مصدر الوجود ونبع الحياة. ونبع الحياة هو بالضرورة نبع النور. فيسوع المسيح هو خالق الحياة، وحياته تمنح النور للبشرية. فهو ينير الطريق أمامنا لنتمكن من ان نرى كيف نحيا. وفي نوره نرى أنفسنا على حقيقتها كما هي. فنحن خطأة بحاجة الى مخلص. ومع ذلك إن نور المسيح في نزاع مع الظلمة الروحية الناشئة عن عصيان الانسان وجهله. فلنتذكر ان الله خلقنا. فبدونه وبعيد عنه لا نستطيع ان نتمم المخطط الذي وضعه من اجلنا. ثالثاً: الكلمة والتاريخ: (1/ 6-13) بعد ان وصف يوحنا الإنجيلي "الكلمة" كائن ازلي وبه خُلق العالم، يصفه الآن في علاقته بالتاريخ. فيشير الى يوحنا المعمدان الذي بشّر بمجيئه وجاء ليشهد لنوره وبشهادته قاد الناس الى ايمان حيٍ في الشخص الآتي الى العالم. (1/6-9) مؤكدا اولوية "الكلمة" والخضوع له. واعلن "الكلمة" المتجسد نفسه تاريخيا الى شعبه اسرائيل، ولم يقبلوه (يوحنا 1/10) والى خاصته جاء (1/12) وأبت خاصته ان ترحّب به. مع ان المسيح خالق العالم، لم يعرفه الناس الذين خلقهم (يوحنا 1: 10)، بل رفضه الناس الذين اختارهم الله ليهيئوا بقية العالم لمجيئه (يوحنا 1: 11) بالرغم ممن أن العهد القديم بأكمله كان يشير الى مجيئه. وهنا تظهر مأساة الرفض. اما الذين قبلوا يسوع المسيح رباَ ومخلصاً فقد وُلدوا ثانية ولادة روحية وأصبحوا ابناء الله لا عن طريق الولادة الجسدية بل عن طريق الولادة الروحية الجديدة من الله. إن هذه البداية الجديدة في الحياة متاحة لكل من يؤمن بالمسيح. لأنه جاء الى الارض ليهب البشرية رجاء حياته الابدية ونورها، الحياة التي لا يمكن ان تباع او تُشترى لكنها تُعطى كهبة لمن يريد ان يحيا على طريقة ابناء الله الذين سيعيشون مستقبلا في ملكوته الابدي. وكأبناء الله يطلب منا المسيح ان نكون شهوداً على مثال يوحنا المعمدان فنعكس نور المسيح للناس ونوجِّههم الى النور الحقيقي. رابعاً: الكلمة والتجسد: ( 1: 14-18) "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا ". الانبياء حملوا كلمات الله، اما "الكلمة" الذي كان في البدء تجسَّد وصار إنساناً ودخل في الزمن ليجعل من البشر ابناء الله. انه لم يكن انسان تأله، بل كان الها تأنس. أي ان المسيح كان قبل تجسده ابن الله، كلمة الله؛ وكان بعد تجسده ابن الانسان أي ابن مريم. بعد تجسده هو ابن الله وابن الانسان معا. بولادة يسوع صار الاله بشراً، وهو لم يكن جزئياً إنساناً وجزئيا الهاً، بل هو الهاً كاملا وإنساناً كاملا كما يؤكد بولس الرسول "فِيه يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ الأُلوهِيَّةِ حُلولا جَسَدِيًّا" (قولسي 2: 9). فيسوع لم يوجد فقط عندما وُلد، لأنه ازلي الوجود. بميلاده يُعبر يسوع، كلمة الله المتجسد، عن ظهور الله السامي في قلب البشرية. فقبل مجيء المسيح لم يكن الناس يعرفون الله الا جزئيا من خلال الانبياء. أما بعد مجيء المسيح فقد كشف الله عن طبيعته وجوهره بطريقة يمكن رؤيتها ولمسها، لأنه في المسيح صار الله انسانا يحيا على الارض فمكن للناس ان يعرفوا الله بالكامل لأنه صار ملموسا ومرئيا لهم في المسيح. إن المسيح هو التعبير الكامل لله في صورة بشرية. وعليه "الكلمة" الذي كان عند الله حلّ بين البشر ليعلمنا كيف يفكر الله، وبالتالي كيف ينبغي علينا ان نفكر نحن؛ جاء بيننا ليكون قدوة لِمَا ينبغي ان نصيرَ عليه، فهو يُرينا كيف نحيا ويعطينا القوة ان نحيا بنفس الطريقة "ترَكَ لَكم مِثالاً لِتقتَفوا آثارَه" (1بطرس 2: 21) واخيراً جاء بيننا ليقدم نفسه ذبيحة عن كل الخطايا "وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه لِيَجعَلَنا في حَضرَتِه قِدِّيسينَ لا يَنالُنا عَيبٌ ولا لَوم"(قولسي 1: 20). فإذا كان موسى يُركز على شريعة الله وعدله، فالمسيح يركّز على رحمة الله ومحبته وغفرانه "فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة". وهو لا يزال يرافقنا على مر الاجيال ويتواجد في جميع مرافق حياتنا. الكلمة المتجسد هو الآن مسيح التاريخ بذاته. إنه اتخذ لنفسه جسداً بشرياً حقيقياً وليس جسدا ظاهريا فقط كما تدَّعي البدعة الظاهريّة (دوسيتيّة) التي أنكرت واقع التجسّد. إنه سكن وسط البشر. اما جلاله الالهي وقوته فقد أصبحا محجوبين في جسد. وقد ادَّى يوحنا المعمدان شهادة شاهد عيان عن مجد هذا "الكلمة" المتجسد. وهكذا لم يعد الله مخفيا بل أصبح الآن معروفاً عن طريق تجسد ابنه الذي هو نور العالم. فيسوع المسيح هو التفسير الكامل لله. ومن هنا يبدأ يوحنا انجيله ويختتمه معلنا ان الكلمة المتجسد يسوع المسيح هو الله. في بدء انجيله يعلن ان "الكَلِمَةُ هوَ الله " (يوحنا 1/1) ويؤكد ذلك في آخر إنجيله بشهادة توما أحد الاثني عشر رسولا بقوله " رَبِّي وإِلهي! " (يوحنا 20: 28). وهكذا تلخص هاتان العبارتان إنجيل يوحنا. فيسوع بصفته الابن الازلي هو التعبير التام عن الآب، " هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى "(قولسي 1: 15) "هو شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه" (عبرانيين 1: 3). ولأنه ابن الله قبل ان يكون ابن الانسان، فهو الحياة، لكل من يؤمن به ويتبعه، وهو النور للكل من يعتنق طريقه ويهتدي به، عندئذ تكون قد ولدت من الله حقا. يُبيِّن يوحنا الانجيلي، كواحد من الاثني عشر رسولا، وشاهد عيان، الى المؤمنين في كل مكان ان يسوع المسيح هو إنسان كامل واله كامل. فبرغم أن يسوع اتخذ الناسوت كاملا وعاش كإنسان، إلا أنه لم يكفَّ ابداً عن ان يكون الله الابدي الازلي الكائن على الدوام، وخالق الكون، ومصدر الحياة الابدية. ولأنه الله فهو قادر على ان يُخبرنا عن الله بوضوح. وعليه يمكننا ان نثق في كل ما يقوله. وبالثقة فيه نكتسب معرفة لفهم رسالة الله واتمام مخططه في حياتنا. عندئذ يتمجّد المسيح الإله بالإنسان، فكلّ إنسانٍ حيٍّ مدعوٌّ ليحقّق ذاته بكلّ أبعادها الروحية والمادّية، الثقافية والاجتماعية، الاقتصادية والوطنية، فيتمجَّد الله. فان لم نؤمن بهذه الحقيقة الاساسية فلن يكون لدينا ثقة ان نسلم حياتنا وابديتنا اليه. وهذا ما دعا يوحنا لكتابة انجيله لنشر الايمان والثقة في يسوع المسيح، لكي نؤمن انه حقا كان الله في الجسد كما قال "وإِنَّما كُتِبَت هذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِاسمِه." (يوحنا 20: 31). |
03 - 01 - 2016, 06:45 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: يسوع في مفهوم يوحنا الإنجيلي
مشاركة جميلة
ربنا يبارك خدمتك |
||||
04 - 01 - 2016, 02:02 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع في مفهوم يوحنا الإنجيلي
ربنا يبارك حياتك
|
||||
|