تأملات في الصليب
لنتأمل معًا قليلاً في حقائق موت المسيح... ولنقسم تأملاتنا حسب التوالي الزمني للأحداث كالتالي:
1- القبض على الرب يسوع ومحاكمته حتى تعليقه على الصليب
2- ساعات الصليب الثلاث الأولى
3- ساعات الصليب الثلاث الأخيرة
القبض على الرب يسوع ومحاكمته
استغرقت هذه المرحلة حوالي اثنتي عشرة ساعة، بدأت في بستان جسثيماني حيث قبضوا على الرب يسوع بمعاونة يهوذا الخائن.
كان الله حتى هذه اللحظة لم يسمح لإنسان أن يمد يده بالأذى إلى الرب يسوع. حاولوا مرارُا أن يقتلوه، ولكن خططهم كانت تفشل. ولكن الآن قد أتت الساعة ليسَّلم ابن الإنسان إلى أيدي الناس، ويهوذا مستعد لمعاونتهم لتحقيق أمنيتهم، ولو علموا لما تكلفوا الثلاثين من الفضة، فليس يهوذا هو الذي أوقعه، بل هو الذي سلم نفسه إليهم، أما يهوذا فقد كشف حقيقة قلبه ولم يكسب سوى العار والازدراء الأبدي.
في هذه المرحلة سمح الله للإنسان أن يعمل كل ما أراد بالرب يسوع، ويا ليتهم تمكنوا من أن يفرغوا شحنة الحقد التي في قلوبهم ضده، فغليلهم لم يُشفَ بعد. ولكن عقب محاكمة لم يستطيعوا أن يدينوه فيها تبادل عليه العبيد باللكم والجلد والهزء. ثم تشاوروا... وأرادوا أن يعملوا مشيئتهم في أن يعلق على الصليب، فهذا أقسى أساليب الإعدام، ولكنه يستلزم صدور الحكم من السلطة الرومانية، ولم يدروا أنهم إنما يتممون مشيئة الله.
أما بيلاطس فبالرغم من اقتناعه ببراءة الرب يسوع، لكن كان كل ما يهمه هو إرضاء اليهود ليضمن بقائه على الكرسي. فكل الاتهامات التي وجهت إلى الرب كانت تهمًا لا يعاقب عليها القانون، فماذا إن قال واحد إنه ملك؟ إنه لم يحمل السلاح ضد النظام الحاكم. والتهم الأخرى كانت كلامُا مرسلاً لا يتضمن وقائع محدده، كأن يقولوا "لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك" (يوحنا 18: 30) ولكنهم لم يستطيعوا أن يبينوا ما هو الشر الذي فعله.
لكن بيلاطس لأجل إرضاء اليهود خالف حتى القانون الصريح للدولة الرومانية، الذي كان يمنع تنفيذ عقوبتين على المذنب، أما الرب يسوع الذي اعترف بفمه ببراءته فقد حكم عليه بعقوبة الجلد ثم الصلب (متى27: 26). ولم يكن حكمه بجلد الرب محاولة منه لإنقاذه من الصلب، فقد أسلمه ليجلد بعد أن فشلت كل جهوده لمنع صلبه، فأطلق باراباس وأسلم الرب يسوع ليجلد ويصلب (متى27: 26).
كان الناموس يمنع أن تزيد الجلدات عن أربعين جلدة، لذلك حرصًا من اليهود على حفظ الناموس اعتادوا أن يتوقفوا عن الجلد عند التاسعة والثلاثين. عجبًا! أين كان هذا الحرص على الناموس وهم يأتون بشهود الزور، ويحكمون بشهادتهم التي لم تتفق بالرغم من ذلك، بل الأعجب أنهم يدنسون أنفسهم بسفك الدم البرئ، ويحرصون على عدم الدخول إلى دار الولاية حيث الأمم لئلا يتنجسوا، فأي رياء هذا؟ (يوحنا18: 28).
بالرغم من قسوة الجلدات فقد تحملها المسيح ولم يصرخ، فأن قوة المسيح لم تخر من الجلد والتعذيب،ولم يغب عن الوعي، الأمر الذي كان من الممكن أن يخفف من الإحساس بالألم. إن ما يسبب فقدان الوعي الذي قد يصل إلى الموت تحت تأثير الألم هو وجود طبيعة الخطية فينا، فقد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، أما ربنا يسوع فلم يكن ممكنًا أن يحدث معه هذا بالرغم من هول التعذيب لسببين، فأولاً لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن هذا الإنسان الذي فعلوا به كل هذا هو الله الظاهر في الجسد، الذي لا يتعب ولا يكل. ثم ثانيًا هو الذي لم يفعل خطية، ولم يعرف خطية، ولم تكن فيه خطية، إذا هو بطبيعته، حتى كإنسان، غير قابل للموت بالأساليب الطبيعية التي يموت بها باقي البشر، ولكن هذا لم يكن يقلل من إحساسه بالألم، بل على العكس، يزيد منه*.
* ملحوظة: لعل أخطر الأخطاء التي وقع فيها ميل جبسون في فلمه آلام المسيح هو أنه أظهر كما لو أن المسيح خارت قواه من تأثير التعذيب، فتعثر تحت الصليب، وأنهم سخروا سمعان القيرواني لحمل الصليب لهذا السبب. والواقع أن السبب في تسخير سمعان هو أن حجم الصليب كان يستلزم أن يحمله اثنين، واحد من الإمام يحمل الجانب الأثقل الذي فيه العارضة، وآخر يحمله خلفه من الناحية الأخف. وقد كان نصيب سمعان المبارك أن يحمل الجانب الأخف. كما أن الفيلم يظهر كما لو أن الرب يسوع في كلماته على الصليب كان في النزع الأخير، فخرجت الكلمات واهنة، مثلما يحدث مع بني آدم عند الموت، بينما يقول الكتاب إنه في نهاية ساعات الصلب "نادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي" (لوقا23: 46) مما يؤكد أنه حتى اللحظة الأخيرة كانت قواه الجسمانية في ملء كمالها. وبدون هذه الحقيقة تنعدم قيمة كفارة المسيح، كما سنرى عندما نتأمل قي الساعات الأخيرة للصليب.
وقد بارك الله عمل سمعان القيرواني بالرغم من أنه عمله سخرة، فقد كان شاهدًا لآلام المسيح، فرأى وآمن، وليس هو وحده، بل إن مرقس الإنجيلي يذكر اسم ابنيه مما يدل على أنهما آمنا أيضًا، وصارا معروفين يبن القديسين، وبولس الرسول يرسل سلامًا خاصًا إلى روفس ابن سمعان القيرواني في رسالته إلى القديسين في رومية، ملقبًا إياه بالمختار.
ماذا كان شكل الصليب؟تصوره الصور التي اعتدنا عليها كقطعة فنية من أجود الخشب، وقد صقلت وطليت بالأستر. كلا! بل إن الصليب كان عبارة عن فرع شجرة قوي بالقدر الذي يسمح بتعليق إنسان عليه، تسمر عليه عارضة من فرع شجرة أصغر، وإذا لزم الأمر ينقر بالقدوم في الفرع الأكبر موضعًا للعارضة. وكانوا يحفرون حفرة بعمق مناسب لتثبيت الشجرة – وهذه هي الكلمة التي ترجمت "خشبة" في حديث بطرس إلى كرنيليوس في أعمال10: 39 – وكانوا إذا أشفقوا على المصلوب يربطونه على الصليب بالحبال، لأنها أقل ألمًا. أما إذا كانوا يريدون التشفي من المصلوب كانوا يسمرونه فيه، الأمر الذي يسبب ألمًا عظيماً للمصلوب ويجعل عظامه تنحل وتبرز من لحمه، وهذا ما أشار إليه مزمور 22 بالقول "أحصي كل عظامي".
سمرت يدا السيد ورجلاه في الصليب، وعلق السيد على صليب اللعنة، وبدأت ساعات الصليب الثلاث الأولى. ولكن قبل التأمل في هذه الساعات الأولى يجب أن نتأمل في جوانب أخرى فيها ولو بصيص من النور.
الساعات الثلاث الأولى للصليب
لم يعد في إمكان الإنسان الآن أن يمد يده بالأذى إلى الرب يسوع، لأنه قد ارتفع عن الأرض (يوحنا12: 32)، وشحنة البغضة والضغينة ضده لم تفرغ، ولم تبقَ وسيلة لتفريغها سوى اللسان، وما أعجب ما صدر عن هذا العضو الصغير!
قالوا، بين ما قالوا، "انزل من على الصليب فنرى ونؤمن". وهل لو أنه نزل لآمنوا حقًا. كلا! أ لم يروا معجزات أعظم؟ أ لم يروا الريح والبحر يطيعانه؟ أ لم يروا لعازر وقد أقامه بعدما أنتن؟ إن المعجزات لا تقود إلى الإيمان الحي، لأن "الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رو10: 17) فكثيرون لما رأوا معجزات الرب آمنوا، ولكنهم ارتدوا عن الرب بعد ذلك، حتى أن منهم من قالوا للرب إنه سامري وبه شيطان وحاولوا أن يقتلوه (يوحنا8: 30-59). هب أنه نزل، فماذا تكون النتيجة؟ كانوا سيعاودون تعذيبه، ونحن كنا نمضي إلى الهلاك الأبدي. ولكن حاشا له، لأنه لأجل هذه الساعة قد أتى.
ولكن الأعجب هو ما قاله المصلوبان معه، اللذين كانا يعيرانه بالصليب رمز العار، بينما هما أيضًا معلقان على صليب عار نظيره. هل سمعنا أن شخصًا محكومًا عليه بالإعدام يعير آخر تحت ذات الحكم. بل الأعجب والأعجب كانت كلمات الرب نفسه، والتي مست قلب واحد من هذين اللصين فغيرته في اللحظات الأخيرة من حياته، فتحول من تعيير السيد إلى إدانة ذاته وتوبيخ رفيقه. كانت الكلمة الأولى للسيد هي التي مست قلب هذا اللص، بل وقلوب الكثيرين من بعده:
"يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"
حقًا لأنهم لو علموا لما صلبوا رب المجد. ما أعجبك يا سيدي!! ألا تفعل ما فعله الأتقياء قديمًا؟ داود في يومه طلب النقمة من آكل خبزه (أخيتوفل) الذي رفع عليه عقبه (مزمور109) وإرميا طلب النقمة ممن ألقوه في الجب، ولكن هذا الذي لم يفعل شيئًا ليس في محله يطلب الغفران لقاتليه، إذا فهذا هو المسيا، يهوه الذي تكلم عنه الأنبياء. هذا كان إيمان اللص التائب، فطلب من الرب أن يذكره مستقبلاً عندما سيعود ليأخذ ملكه الأكيد على كل الأرض. ولكن الرب صحح له إيمانه الذي كان يجب على اليهود أن يقبلوا به المسيا المصلوب، فقال له:
"اليوم تكون معي في الفردوس"
لن ينتظر فيذكره عندما يأتي ليملك، لكنه لن ينساه، لا وهو على الصليب، ولا بعد أن يستودع روحه في يد الآب، ففي اللحظة التي ستنتهي فيها حياته على صليبه سيجد نفسه مع المسيح في فردوس الله، وعندما سيأتي ليملك سيحضره الله مع المسيح ليملك معه.
كان الرب على الصليب في شدة آلامه غير مشغول بها، بل بالآخرين، لاسيما الذين تتأثر حياتهم بغيابه، وأولهم المطوبة أمه العذراء، لقد رحل رجلها، وها ابنها الوحيد تفقده، لكنه أعد لها ملجأ، لذلك توجه إليها وإلى تلميذه يوحنا بالقول:
"يا امرأة هوذا ابنك..... هوذا أمك"
يا لرقته وهو في آلامه، لم ينس اللص، ولم ينس أمه، ولم ينس أمَّته التي طلب الغفران لها، ولم ينسني، ولم ينساك أنت أيضًا، ومن هناك سدد كل احتياجنا.
أخي القارئ.... أختي القارئة....
لنسترجع ما حدث حتى الآن، ولنبحث عن أنفسنا في هذه المشاهد.
من هو الذي باع سيده بثلاثين من الفضة (حوالي 35 جرام)؟
من الذي قبض على يسوع وأوثقه بالحبال؟
من الذي لطمه؟
من الذي شهد زورًا عليه؟
من الذي صرخ "اصلبه اصلبه"؟
من الذي وضع الشوك على رأسه؟
من الذي ضربه على رأسه بالقصبة؟
من الذي جلده؟
من الذي سمره بالصليب؟
من الذي سخر منه وهو معلق؟
من الذي كان يعيره؟
... إنه أنا وأنتَ وأنتِ.
ولكن واحدًا منا قد يكون هو اللص التائب، وآخر قد يكون اللص الخائب... فأنت من تكون؟
بلغت الآن الساعة السادسة من النهار (الثانية عشر ظهرًا حسب التوقيت الحالي) وفجأة، وفي وقت كان يحب أن تكون الشمس فيه ساطعة، أظلمت الشمس تمامًا، حتى لم يعد في إمكان الإنسان حتى أن يتطاول عليه باللسان، فصمت الجميع.... عدا السيد...
الساعات الثلاث الأخيرة للصليب
اكتنف الكون الظلام، فسيد الأكوان المعلق على صليب اللعنة يتمشي الآن في طريق العدل، ولكن قبل أن يبدأ سيره في طريق العدل رضي بأن يضع الله عليه إثم جميعنا، لأن الله جعل نفسَه ذبيحة إثم (إشعياء53: 6، 10). كان منذ ولادته في شركة مع الله أبيه، يسير معه لحظة بلحظة، لأنه هو الطاهر القدوس. أما الآن فهو يحمل خطايانا، وهو يقف بديلاً عنا. كان الله كلما نظر إليه يرى مشهد الطهارة التي تريح قلبه، فشهد له مرتين "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". ولكن في هذه الساعات الثلاث عندما نظر إليه رآني أنا ورآك أنت ونحن في خطايانا، فكيف يسير الله القدوس مع الخطية.
لاحظ أنه لو انتهت ساعات الصليب بما عمله الإنسان بالرب يسوع لما خلص اللص التائب، ولا كان في الإمكان أن نخلص نحن، لأن أجرة الخطية ليست التعذيب ولا الجلد، ولا حتى التعليق على صليب اللعنة، بل أجرة الخطية موت أبدي في جهنم. هذه دينونة إلهية لا يستطيع البشر أن ينفذوها، فقد عملوا كل ما في وسعهم لتعذيب الرب يسوع، لكن كل هذه الآلام لم تكن تصلح لأن تكون سببًا لخلاصنا، بل هي لاشيء أمام الآلام التي احتملها الرب يسوع من يد الله العادل في ساعات الظلمة الرهيبة.
في تلك الساعات الثلاث استيقظ سيف عدالة الله ليضرب راعيه ورجل رفقته (زكريا13: 7)، يضربه نيابة عنا. لذلك في بداية هذه الساعات صرخ الرب يسوع لأول مرة بعد القبض عليه، فقال+
"إلهي إلهي لماذا تركتي"
لأن هول دينونة الله انصب عليه، ولم يكن ممكنًا وهو حامل خطايانا في جسده إلا أن يترك الله الرب يسوع المسيح في آلام الدينونة. في تلك الساعات ذاب قلبه كالشمع (مزمور22: 14). في تلك الساعات سر الله بأن يسحقه بالحزن بدلاً منا (إشعياء53: 10). وهذه هي الآلام التي بها نخلص.
إننا كثيرا ما نركز على آلام المسيح من يد البشر، ولا بأس، فالأناجيل أسهبت في وصفها، ولكن يجب أن نعلم أن ما تألم به المسيح من يد البشر ظلمًا لا يقارن بما تألم به من يد الله عدلاً كالنائب والبديل عنا. لقد وضع نفسه في مكاننا باختياره، ليس أحد – ولا الله نفسه – كان يمكن أن يُلزمه بذلك، وإلا لما كان ذلك عدلاً، ولكنه قبل باختياره، لمحبته لله أولاً، ومحبته من نحونا ثانيًا، أن يحتمل عنا هذه الدينونة.
وبالرغم من آلامه التي تعجز لغات البشر عن وصفها، إلا أنه لم ينشغل وهو يجتازها بنفسه، فبعد أن احتمل كل هذه الآلام كان لا يزال يلهج في ناموس الرب، فوجد أنه لا تزال هناك نبوة لم تتحقق بعد، لأنه مكتوب "في عطشي يسقونني خلاً" (مزمور69: 21) ومع أنه كان قد عطش فعلاً، لكن لم يقل "أنا عطشان" سوى "لكي يتم المكتوب" (يوحنا 19: 28).
وبعد أن تمم المكتوب عن الصليب في العهد القديم قال "قد أكمل". وهذه الكلمة في اليونانية هي التي يقولها الجندي عندما يرجع إلى قائده ليخبره بأنه نفذ المهمة التي كلفه بها، وهو ما يسمى في اللغة العسكرية "يعطيه التمام". نعم، لقد شرب كأس الدينونة كاملة، ولم يبق فيها شيء.
بعد هذا كان لابد أن الرب لكي لا تبقي دينونة على الذين يؤمنون به أن يموت، لأن أجرة الخطية تتضمن الموت الجسدي أيضًا. كان لا يزال في قمة قوته الجسمانية، وبدون ذلك لا يكون الرب قد وضع نفسه بذاته، وبالتالي لم يكن ممكنًا أن نثق أنه احتمل الدينونة كاملة. لذلك صرخ يسوع بصوت عظيم "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" وأسلم روحه في يد الله الآب متممًا كل العمل.
ليس هناك إنسان يستطيع أن يقول أنه يضع نفسه من ذاته، أو أن له سلطان أن يضعها من ذاته، سوى الرب يسوع. حتى الذي ينتحر لا يمكن أن قال عنه أنه كان له سلطان أن يضعها، لأنه في هذه الحالة يكون تحت السلطان الكامل لإبليس وليس حر الإرادة. أما ربنا يسوع، الذي له كل المجد، فلم يكن أبدًا تحت سلطان إبليس، ولا كان ممكنًا أن يأخذ أحد نفسه منه، إلا أن يسلمها هو بنفسه في يد الله الآب.
يبقى سؤال هام:كيف استطاع المسيح في ثلاث ساعات فقط أن يحتمل كل دينونة الله ضد الخطية، التي كنا سنقضي فيها الأبدية الطويلة؟ يجب أن لا يغيب عن ذهننا أبدًا أنه حتى في ساعات الظلمة الرهيبة لاهوته لم يفارق ناسوته، فذاك الذي احتمل الدينونة كإنسان، هو في ذات الوقت الله غير المحدود في القدرة، وهو الوحيد الذي يعرف مقدار هذه الدينونة، وهو الوحيد أيضًا القادر على أن يتحملها. لذلك لم يكن ينفعنا إنسان ليفدينا، ولا ملاك، ولا أي مخلوق. لم يكن يصلح فدية لنا سوى الابن الوحيد. هذا هو السبب وراء تجسد الكلمة، لأن العمل المطلوب أن يُعمل لا يقدر عليه سواه.
أخي... أختي...
ليت هذه التأملات تجعلنا ندرك بصورة أعمق محبة الله التي أعلنت في المسيح يسوع، الذي له المجد الآن وإلى جميع أجيال دهر الدهور... آمين