الإله الواحد الحق
"لأني أنا الله وليس آخر" (أشعياء 22:45)
إن الاعتقاد بوجود كائن إلهي يكاد يكون اعتقاداً عالميا. هناك أقلية في العالم تنكر وجود إله. ويصف الكتاب مثل هؤلاء بأنهم جهلة: "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مزمور 1:53). كل ما هو حولنا أو ما هو فوقنا يصرخ بالشهادة بوجود الله: "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مزمور1:19).
يُروى عن نابليون أنه كان جالساً ذات مساءً يصغي لنقاش يدور بين ضباطه وقد أخذ بعضهم يهزأ بالأمور الدينية بينما ذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك فأنكروا حتى وجود الله. فما كان من نابليون إلا أن تقدم إلى وسطهم وأشار إلى النجوم المبعثرة في القبة الزرقاء وقال: "أيها السادة ربما كنتم على حق فيما تقولون، ولكن، إن كان الأمر كما تقولون، فمن هو صانع هذه النجوم؟"
فيما يعترف معظم البشر بوجود الله فإنهم يختلفون كثيراً في إدراكهم له. فبعضهم جسمت لهم تصوراتهم إلها حسب مقتضى أهوائهم ورغباتهم. وبعضهم ينظرون إلى الله نظرهم إلى إنسان "السوبرمان" أي الإنسان الأسمى المتفوق فيعطونه شكل الإنسان وطبيعته. وآخرون ينظرون إليها نظرتهم إلى قوة مبهمة تشمل الكون بأكمله لكن لنا مرجعاً واحداً نستطيع أن نرجع إليه لندرك الله إدراكاً صحيحاً وذلك هو الكتاب المقدس ففيه يكشف الله لنا عن ذاته.
إن الكتاب لا يقوم بأي مجهود ليثبت وجود الله. لكنه يبتدئ بالقول "في البدء خلق الله السموات والأرض" ففي بدء ماذا؟ من البديهي أن الكلمات تشير إلى بدء ما ندعوه "الزمن" بدء الكون المادي.
ما الذي يظهره الكتاب المقدس عن الله؟ اسم الله
عندما نستعمل كلمة الله لا يخالج أحدنا الشك عما نعنيه. أننا نعني ذلك الكائن الأسمى الأوحد بارئ كل الأشياء وربّها. أمّا الأقدمون فقد كانوا يعتقدون بأن للكون آلهة عديدة وبولس يقول "لأنه وإن وجد ما يسمى آلهة سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون" (1 كورنثوس 5:8). فقد كان لكل أمة إلهها الخاص بها، وقد عبد بعضهم آلهة عديدة أطلقوا عليها عدة أسماء. لقد أطلق الله على ذاته أسماً به يعرف ويتميز عن الآلهة الأخرى، "أنا الرب (يهوه) هذا أسمي" (أشعيا 8:42). إن لفظة "الرب" حيثما ترد في العهد القديم هي في الغالب الترجمة التي أختارها المترجمون للفظة "يهوه" العبرية.
لقد كشف عن هذا الاسم أولاً لموسى عندما أمره بأن يقود بني إسرائيل من العبودية. "هكذا تقول لبني إسرائيل، يهوه إله أباكم إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب أرسلني غليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور" (خروج 15:3). وفي سفر الخروج 2:6 – 3 يقول أنه لم يعرف بهذا الاسم من قبل. "ثم كلم الله موسى وقال له أنا الرب (يهوه) وأنا ظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب وبأني الإله القادر على كل شيء وأما باسمي يهوه فلم أعرف عندهم".
والحقيقة أنهم عرفوا شيئاً عن هذا الاسم لأن إبراهيم قد دعا المكان الذي كان مزمعاً أن يقدم فيه إسحق ذبيحة "يهوه يرأه" (تكوين 14:22). ولكنهم لم يفهموا المعنى الكامل لهذا الاسم. فقد اتخذ معنىً جديداً عندما ظهر موسى. لقد كان هذا الاسم اسم عهد فدائه.
هناك أشياء كثيرة يجب ملاحظتها حول هذا الاسم الذي أطلقه الله على ذاته.
1. اسم شخصي
اعتقد الناس قديماً بآلهة كثيرة. فكان لكل أمة إلهها الخاص. لكل من هذه الآلهة اسم شخصي يعرف به، فإله الموآبين كان يدعى "كموش" وإله العمونيين "مولك" وإله الصيدونيين "البعل" ولكن اسم إله العبرانيين كان يهوه. "أنا الرب (يهوه) هذا اسمي".
2. اسم وصفي
كانت الأسماء الوصفية الدالة على خلق أو مزية تطلق على الناس في تلك الأيام فاسم يعقوب أطلق على الابن الثاني المولود لإسحق ورفقة ويعني هذا الاسم أنه أخذ محل شخص آخر بالخداع ثم أبدل باسم إسرائيل عندما أصبح من عظماء الله. وعلى هذا الغرار كان اسم الرب اسماً وصفياً لله فهو يحمل في طياته معنى الكائن الخالد ذي الطبيعة غير المتغيرة أو المتحولة فعندما سأله موسى أي اسم يطلقه عليه عندما يخبر بني إسرائيل بأن "إله أباكم أرسلني إليكم" (خروج 14:3) وهذا الاسم يشتق من ذات المصدر الذي اشتق منه يهوه. يهوه هو أ ْهيَهْ الكائن العظيم الذي لا فرق فيه بين ماضٍ وحاضر ومستقبل. إنه الواحد السرمدي. إنه الإله الأزلي الإله غير المتحول، هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد. "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله" (مزمور 2:90).
3. اسم مقدس
عندما أعطى الله وصاياه لإسرائيل قال: "أنا الرب (يهوه) إلهك" (خروج 2:20) وفي الوصية الثالثة
قال " لا تنطق باسم الرب (يهوه) إلهك باطلا لأن الرب (يهوه) لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً" (خروج 7:20).وعندما علمنا يسوع صلته النموذجية قال "أبانا الذي في السموات ليتقدس أسمك" (متى 9:6). لأن اسمه كان اسماً مقدساً لدرجة أن اليهود تهيبوا أن يلفظوه بشفاههم وكانوا يستخدمون كلمة "السيد" بدلاً منه.
4. اسم تذكاري
قال الله لموسى عندما أظهر اسمه "هذا اسمي للأبد وهذا ذكري إلى دور فدور". لقد كان ذكر إحساناته لبني إسرائيل عندما أعتقهم من ربقة العبودية حتى كل ما ذكروا اسمه في الأجيال التالية تذكروا كيف فداهم في مصر، الذي كان رمزاً لعمله الفدائي في الجلجثه.
طبيعة الله
أي كائن هو الله؟
1. بعض الكلمات الوصفية
إننا نجد في الكتاب المقدس أربع عبارات صريحة تصف الله.
(1) الله روح. هذه هي العبارة التي فاه بها يسوع "الله روح" (يوحنا 24:4). الله ليس إنساناً عظيما بجسد من لحم ودم. إنه كائن روحي. وهو مجرد من كل الحدود التي يفرضها الجسد.
إن بعض الفقرات التي استعملت في وصف أعضاء الله الجسدية كالذراع والعينين واليدين أدت بالكثيرين لأن ينظروا إلى الله كمن له جسد شبيه بجسدنا. والبعض يتصورنه شيخاً جليلاً عرشه في سماواته. إنه ليصعب على العقول المحدودة أن تفكر بالله دون أن تلصق به شكلاً من الأشكال الجسدية – ولكن مثل هذا الكائن لابد أن يكون محدود بأمور كثيرة. الله روح فهو إذن مجرد من كل الحدود.
وبما أنه روح فالله إله حي. وقد وصف هكذا في الكتاب "أما الرب الإله فحق. هو إله حي" (أرميا 10:10). "وكيف رجعتم إلى الله من الأوثان لتعبدوا الله الحي الحقيقي" (1 تسالونيكي 9:1). وبما أنه إله حي لا يحوي الحياة في ذاته فقط ولكنه منبع الحياة ومصدرها وبما أنه روح فالله إله شخصي وكائن بار ذو وعي وإرادة ذاتيين. ونحن غالباً نربط الشخصية بالجسد. فالشخص كائن نستطيع أن نراه. أما الشخصية فلا تختص بالجيد ولكنها تختص بالروح. وبما أن الله كائن شخصي يمكننا أن تكون لنا شركة معه.
(2) الله نور. هذا هو الوصف الذي أسبغه يوحنا على الله. "الله نور وليس فيه ظلمة البتة" (1 يوحنا 5:1) . الظلام رمز الجهل والخطأ والخطية. والنور يرمز إلى الحكمة والطهارة والله كائن كلي الحكمة وكلي الكمال.
(3) الله محبة. كلمة أخرى من الكلمات التي استعملها يوحنا هي "محبة" (1 يوحنا 8:4). إن الله العظيم القدوس هو أيضاً إله محبة هذه السجية من سجايا الله تمنح الأمل للقلب الخاطئ. إن معرفة الله كإله كلي القوة والقداسة فقط تجعل الفرد في خوف ورهبة دائمين ولكن المعرفة أن هذا الإله العظيم القدوس هو إله محبة، توقد شعلة الأمل في القلب.
لقد ظهرت محبة الله بعدة طرق ولكن أسمى مظاهرها هي أنه وهبنا ابنه: "بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به" (1 يوحنا9:4). وهناك عدة اختبارات قد تترك الإنسان مشككاً في محبة الله، ولكن ما من أحد يستطيع الوقوف أمام صليب الجلجثه ويبقى فيه أي شك "ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه وبعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية 8:5).
(4) الله نار آكلة. إن كاتب الرسالة إلى العبرانيين في 29:12 قد اقتبس من سفر التثنية 24:4 "لأن الرب إلهك هو نار آكلة". الله ليس فقط إله محبة، ولكنه إله بر أيضاً. يعظم بعض الناس محبة الله ولكنهم يتجاهلون بره. فصاحب المزامير يصوره إلهاً غير متناهي المحبة "الرب رحوم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة" (مزمور8:103). ولكنه في غلاطية 7:6 نقرأ "لا تضلوا الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً". لا يستطيع البشر أن يستهينوا بالله ثم يتنصلوا من دينونة بره.
2. الله غير محدود
ربما كانت أجمل كلمة تصف الله هي أنه غير محدود والتي تعني أن لانهاية له ولا حدود.
(1) سرمدي. ليس لله بداية ولا نهاية إنه الإله السرمدي. "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله" (مزمور 2:90). لأن وجود كائن دون بداية أمر فوق العقل البشري، وكثيرون هم الذين عثروا بهذا الأمر. "من أين جاء الله؟" سؤال طالما تردد على أفواه الناس. إننا نتكلم عن مستقبل أبدي، مستقبل بلا نهاية. وأملنا أن نحيا إلى الأبد. إن الاعتقاد بماضٍ لا بداية له وكذلك فهمنا إن الله قد كان منذ الأزل وأن لا بداية له ليس أصعب من فهمنا أننا سنحيا حياة أبدية لا نهاية لها. إن الله لا يحده زمان: "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر" (مزمور4:90). "إن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد" (2 بطرس 8:3).
(2) كلّي الوجود. إن الله كلي الوجود. وهذا لا يعني أنه منتشر ف الكون بأسره، لكن الله بكامله حاضر في كل مكان. هناك عبارات في الكتاب المقدس تظهر وكأنما هي تحصر وجود الله في مكان معين "أبانا الذي في السموات" (متى 9:6). "يا ساكناً في السموات" (مزمور 1:123). "الرب في السموات ثبت كرسيه" (مزمور 19:103). إن هذه العبارات يجب أن ننظر إليها كتعابير رمزية تماماً كتلك التي تتكلم عن ذراعيه أو يديه. لا يمكننا أن نحصر الله بمكان أو في مكان.
إن في الكتاب المقدس عدة آيات تعلن أن الله حاضر في كل مكان. "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مزمور 7:139-10). "مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيداً لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" (أعمال 27:17- 28).
(3) كلي المعرفة. إن الله إله كلي المعرفة. وهو يعلم كل شيء، يعلم الماضي والحاضر والمستقبل. وهو يعلم بكل شيء ويعرف عن كل شيء ويعرف عن كل مخلوق. لا شيء يخفى عليه. وقد قال صاحب المزامير "أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها" (مزمور 2:139- 4).
(4) كلي القدرة. إن الله كلي القدرة يملك كل القوى. "مرة واحدة تكلم الرب وهاتين الاثنتين سمعت أن العزّة لله" (مزمور 11:62). وفي أكثر من مرة صرّح الكتاب بأن ليس شيء غير ممكن لدى الله. وهذا ما يقوله الله عن نفسه "هأنذا الرب إله كل ذي جسد. هل يعسر علي أمر ما؟" (أرميا 27-32). وهذا ما قاله يسوع."هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع" (متى 26-19).
وبالطبع هذا لا يعني أن الله يستطيع أن يعمل أشياء تضاد طبيعته. فقد أعلن بولس أن الله لا يستطيع أن يكذب. "على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها الله المنـزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية" (تيطس 2:1). كما أنه لا يعني أن الله يستطيع أن يعمل أشياء تناقض بعضها بعضاً. لأن هذا يعني إنكار طبيعته. والدكتور مولنـز يوضح الحقيقة بهذا الصدد بقوله "قولنا أن الله قدير يعني أن قوته غير المحدودة تعمل أي شيء وكل شيء يتفق وطبيعته وغرضه".
3. الله آب
هناك إشارات في تاريخ العهد القديم إلى الله كأب "أبو اليتامى وقاضي الأرامل الله في مسكن قدسه" (مزمور5:68). "أسيرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها. لأني صرت لإسرائيل أباً" (أرميا 9:21). "فإن كنت أنا أباً فأين كرامتي" (ملاخي 6:1). غير أن المسيح هو الذي بسط حقيقة أبوة الله بكل كمالها وجمالها.
ماذا نعني بقولنا أن الله أب؟ إن سوء الفهم وسوء التفسير لهذا الأمر قد قادا إلى أخطاء جمة.
(1) علاقة خلق. هناك معنى بأن الله هو أبٌ للجميع وفي هذا يقول بولس "لأننا أيضاً ذريته فإذ نحن ذرية الله لا ينبغي أن نظن أن اللاهوت شبيه بذهب أو فضة أو حجر نقش صناعة واختراع إنسان" (أعمال 28:17- 29). الله آب للجميع بمنى انه خالق الجميع وحافظهم ومن هذه الحقيقة رسم البعض التعليم القائل بخلاص الجميع والذي يناقض كلمة الله.
(2) علاقة الفداء. إن الله – بتعبير خاص – أبٌ لأولئك الذين أصبحت لهم علاقة روحية بيسوع المسيح. "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 12:1).
والكتاب المقدس يذكر ثلاث طرق بها يصبح الفرد ابناً روحياً لله أو بالأحرى هي جوانب ثلاثة للاختبار نفسه.
أولاً، نصبح أبناء بالإيمان "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غلاطية 26:3).ما من أحد يستطيع أن يكون ابنا حقاً لله إلا إذا وضع ثقته بالمسيح يسوع.
ثانياً، نحن أبناء الله بالولادة الروحية. "الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" (يوحنا13:1). فالإنسان يصبح ابنا لله باختيار التجديد أو الولادة الجديدة فقط.
ثالثاً، نحن أبناء الله بالتبني. "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أباً الآب" (رومية 15:8).
فأبوة الآب للمؤمنين هي من أكثر التعاليم تعزية في الكتاب المقدس فهذا التعليم يعني أن الله الكلي الحكمة والقوة بالذات هو أبونا الخاص وكأبناء لله فنحن محاطون بمحبته وعنايته الدائمين "وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء" (2كورنثوس 18:6). وكأبناء لله "فنحن ورثة الله ووارثون مع المسيح" (رومية 17:8).
الله المثلث الأقانيم
يظهر الله في الكتاب المقدس إلهاً مثلث الأقانيم أي ثالوثاً. إن كلمة الثالوث في الأسفار المقدسة فقد استعملها ترتوليانس في القرن الثاني ليظهر حقيقة الله في ثلاثة أقانيم. إن الثالوث هو من أعظم الأسرار إطلاقاً ولم نكن لنعرفه لو لم يعلن في الأسفار المقدسة. هذا التعليم لمّح إليه العهد القديم وظهر جلياً في العهد الجديد. وهناك حقيقتان ضمنيتان في الثالوث.
1. إله واحد
هذه الحقيقة مذكورة عدة مرات في الكتاب المقدس: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد" (تثنيه 4:6). "هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (أشعيا 6:44). "نعلم أن ليس وثن في العالم وأن ليس إلا واحداً" (1 كورنثوس 4:8) وهكذا فالتعليم القائل بالتثليث لا يعني أن لنا ثلاثة آلهة.
2. في ثلاثة أقانيم
إن الله الواحد موجود ، ويظهر ذاته بطريقة مثلثة: الآب والابن والروح القدس. فمن أجل تعبير أفضل وأوضح نقول بثلاثة أقانيم في اللاهوت. هؤلاء الثلاثة واحد في الجوهر متميزون بشخصياتهم.
إن أياً من هذه الأقانيم الثلاثة في الله لا يعمل منفرداً عن الأقنومين الآخرين. ومع ذلك فقد كان هناك ثلاثة مظاهر لمعاملة الله للجنس البشري
(1) الآب. لدينا القصة الجزئية لظهوره في العهد القديم. كما كان هناك ظهورات خاصة للروح القدس وربما للابن أيضاً في شخص "ملاك الرب" ولكنه كان دائماً "الرب الإله" الذي يتعامل مباشرة مع الجنس البشري. هذا الظهور تميز بثلاث وجهات.
أولاً، كان الله غير منظور لا يستطيع البشر رؤيته. كما أنه كان يرسل بين الحين والآخر ملائكة لمخاطبة البشر ولكنه لم يسمح لإنسان قط أن يرى الله ذاته. التمس موسى هذا الامتياز، ولكن كل ما منحه الرب كان أن يقف في ثغرة في الصخرة ويرى مجد الله مجتازاً (خروج 18:33-23). كما نقرأ في يوحنا 18:1 ما نصه "الله لم يره أحد قط".
ثانياً، لم يقترب الله من الإنسان بل كان يتعامل معه عن بعد. حل على رأس الجبل متحجباً بالغيوم والدخان، وخاطب موسى. أما فيما يتعلق بالشعب كمجموعة فقد قال "احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه، كل من يمس الجبل يقتل قتلاً" (خروج 12:19).
وعندما بنيت خيمة الاجتماع وعد الله بأن يكون في قدس الأقداس ولم يسمح لأحد غير رئيس الكهنة بالدخول إليه،وحتى هذا الامتياز لم يمنح له أكثر من مرة واحدة في السنة.
ثالثا، قداسة الله كانت المزية الإلهية المشدد عليها. فقد قال مرنم المزامير "يحمدون اسمك العظيم والمهوب. قدوس هو" (مزمور3:99). وكما قال في مكان آخر "علوا الرب إلهنا واسجدوا عند موطئ قدميه. قدوس هو" (مزمور5:99). وفي رؤيا أشعيا للرب في الهيكل سمع السرافيم يرتلون" قدوس قدوس قدوس رب الجنود" (أشعيا 3:6).
(2) الابن. إن لنا في الأناجيل الأربعة سجلاً وافياً. ففي هذه المرة الله الابن هو الذي يتعامل مع الناس مباشرة. كما أن هذه الفترة موسومة بمظاهر ثلاثة أيضاً.
أولا، بمجيء المسيح وجد الناس إلهاً منظوراً، إلهاً باستطاعتهم أن يروه. فقد قال يسوع لتلاميذه "الذي رآني فقد رأى الأب" (يوحنا9:14). كما نجد في يوحنا 18:1 هذه الكلمات "الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر". وهكذا نرى أن الله الغير منظور قد أصبح منظوراً في المسيح يسوع.
ثانياً، اقترب الله من الإنسان. إنه في شخص ابنه قد انحدر من على السحب ليقترب إلى الناس ويلتصق بهم. "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يوحنا 14:1). فبالمسيح يسوع حلّ الله وساكن البشر وخاطبهم وجها لوجه.
ثالثاً، لقد ازدادت محبة الله وضوحاً. كما أن أجمل ما قيل في هذه الفترة هم في انجيل يوحنا 16:3 "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد". إن الله، ذا الاسم العظيم الرهيب كما وصفه مرنم المزامير، أصبح أباً محباً لأبنائه المؤمنين.
(3) الروح القدس. هذا الظهور ابتدأ بالحوادث التي سُجّلت في سفر الرسل في الأصحاح الثاني وظل مستمراً إلى يومنا هذا. عندما كان يسوع يخاطب تلاميذه بخصوص مغادرته للأرض قال "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق" (يوحنا 16:14 – 17).
لقد اقترب الله أكثر إلى أبنائه في شخص الروح القدس. إنه لا يمكث معهم فقط ولكنه يسكن فيهم. "لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يوحنا 17:14). بالروح أصبحت قوة الله ظاهرة. فقد قال الرب المقام لتلاميذه "أنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أعمال 8:1).
عمل الله
يمكننا تفصيل عمل الله بثلاث نقاط رئيسة:
1. خلق العالم
يبتدئ الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السموات والأرض" ثم يلي ذلك قصة الخليقة فترينا المراحل المختلفة التي مرت بها. فقد كانت الخليقة على نوعين، أشياء لا حياة لها وأشياء حية. والأشياء الحية كانت على نوعين، نبات وحيوان. وحياة الحيوان أيضاً كانت على نوعين، دنيا وهي الحيوانات العجماوات وعليا وهي الإنسان.
وهنا يبرز لنا سؤالان عما يتعلق بالخليقة.
(1) طريقة الخلق. كيف صنع الله العالم وكل ما فيه؟ وهناك عدة نظرات في الأمر إلا أننا منجذبون إلى تلك العبارة البسيطة "الله خلقه". إن كلمة "خلق" تحمل معها فكرة إيجاد شيء لم يكن موجوداً. لقد استُعملت هذه الكلمة لله وحده في الأسفار المقدسة. ولم يقل قط عن إنسان أنه خلق شيئاً.
إنه لأمر هام الإشارة إلى أن كلمة "خلق" ترددت ثلاث مرات في قصة الخلق.
أولاً، فيما يتعلق بالأشياء المادية. "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تكوين 1: 1) وليس هناك تعليل آخر لأصل المادة.
ثانياً، فيما يتعلق بخلق حياة الحيوان. "فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه" (تكوين 1: 21). وليس هناك أيضاً تعليل آخر لأصل الحياة الحيوانية.
ثالثاً، فيما يتعلق بخلق الإنسان. "فخلق الله الإنسان على صورته" (تكوين 1: 27). وليس هناك تعليل آخر لأصل الإنسان. فقد خلق الله الكون المادي وخلق الله الحيوان كما أنه خلق الإنسان.
ولكن كيف خلق الله هذه الأشياء؟
إن الكتاب المقدس يعطينا الحقيقة على بساطتها دون أن يظهر لنا الأسلوب بأكثر من أن "قال ليكن فكان ...".
"وقال الله ليكن نور فكان نور" (تكوين 1: 3).
"وقال الله ليكن (الجلد) فاصلاً بين مياه ومياه. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد وكان كذلك" (تكوين 1: 6 – 7).
"وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة وكان كذلك" (تكوين 1: 9).
"وقال الله لتنبت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض وكان كذلك" (تكوين 1: 11).
هذه هي العبارة التي تتردد في قصة الخليقة كلها: "وقال الله فكان كذلك". أما صاحب المزامير فيصف لنا الخليقة هكذا "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها" (مزمور 33: 6) "لأنه قال فكان. هو أمر فصار" (مزمور 33: 9).
هذا ويتفق الكاتب إلى العبرانيين مع مرنم المزامير في تعليل الكون "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر" (عبرانيين 11: 3).
(2) زمن الخلق. كم من الوقت قضى الله في خلق كل الأشياء؟ تقول الأسفار المقدسة أن الخليقة قد أكملت في ستة أيام: "لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (خروج 20: 11). ترى هل كانت تلك الأيام تعادل في طولها أيامنا ذوات الأربع والعشرين ساعة، أم كانت تشير إلى فترات زمنية غير محدودة؟
إن تعبير "مساء وصباح" قد فسره البعض بمعنى أن الأيام كانت في طولها كأيام الأسبوع. وقد يكون التفسير الآخر أكثر انطباقاً على كل الحقائق. فكلمة "يوم" قد استعملت مرات عديدة في الأسفار المقدسة لتدل على زمن غير محدد كما في "يوم الرب" و "يوم الخلاص" و "يوم الغضب" الخ .. استعملت كلمة يوم في سفر التكوين 2: 4 لتحوي كل الخليقة. "يوم عمل الرب الإله الأرض والسموات".
إن "كيف" و "متى" في الخليقة ليستا مهمتين كحقيقة أن الله صنعها بطريقته الخاصة وفي وقته هو.
2. حفظ العالم
ليس الله صانع كل الأشياء فحسب ولكنه حافظها وضابطها أيضاً فهو لم ينسحب من الكون بعد أن خلقها. لكنه وضع أنظمة خاصة يسيّر بها الكون إلا أنه غير مقيد بهذه الأنظمة التي وضعها لأنه إذا رأى مناسباً أن ينسخها لأي مقصد فهو قادر على ذلك فللخوارق مكان في خطة الله.
إن الله قصداً يريد أن يتممه في الخليقة أو بواسطتها. إن يده هي التي توجه الكون. قد تظهر بعض أعماله غريبة كما أن أعمال عنايته الإلهية غير مفهومة دائماً ولكن لنا الإيمان الذي يجعلنا نعتقد بأن الله يعرف كل شيء وإن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رومية 8: 28).
"لماذا يسمح الله للخطية أن تدخل خليقته ولماذا يسمح للشر أن يستمر في العالم؟" هذا السؤال طالما تردد على ألسنة الناس. لكنه سؤال ليس له جواب محدد يستوعبه عقل الإنسان المحدود. كما أن الله لم ير مناسباً أن يعطينا جواباً. ولكن هناك ثلاث حقائق نستطيع أن نتأكد منها.
أولاً، لا يستطيع الشر أن يحدث بدون سماح الله به فالشيطان لم يستطع أن يضايق أيوب حتى سمح له الله بذلك.
ثانياً: إن الله أيضاً يحدد المدى الذي يستطيع الشرب أن يمتد إليه فالشيطان بمضايقته أيوب لم يستطع أن يذهب لأبعد من المدى الذي سمح به الله.
ثالثاً: إن الله غالباً ما يحوّل ما كان يقصد به شراً إلى خير وبركة. فقد قال يوسف لإخوته "أنتم قصدتم لي شراً أما الله فقصد به خيراً لكي يفعل كما اليوم ليحي شعباً كثيراً" (تكوين 50: 20). وقال مرنم المزامير "لأن غضب الإنسان يحمدك" (مزمور 76: 10).
يجدر بنا ونحن نبحث في عناية الله أن نقول كلمة عن الملائكة. لقد خلق الملائكة قبل خلق العالم وهم كثر في عددهم. وقد وصفوا بأنهم أرواح خادمة. "أليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عبرانيين 1: 14). يستعمل الله الملائكة لتنفيذ خطط عنايته الإلهية "لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصطدم بحجر رجلك" (مزمور 91: 11 – 12).
3. الخلاص
عجيبة حقاً هي الخليقة الأولى. ولكن الأعجب منها هي خليقته الجديدة. "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كورنثوس 5: 17).
إن الإنسان الذي خلقه الله على صورته أخطأ ضد الله وسقط من علياء مركزه جالباً الخراب لنفسه ولكل الجنس البشري. ولكن الله برحمته لم يتركه لمصيره. لكنه يسر له طريقة للخلاص بإرساله ابنه إلى العالم ليفدي الإنسان من الخطية بموته الكفاري على الصليب.
إن موضوع الخلاص بكامله سيبحث في فصل آخر، ولكننا سنؤكد هنا بأن الخلاص هو عمل الله. فالله هو الذي أخذ زمام المبادرة في الخلاص، وهو الذي وضع خطة الخلاص والله هو الذي يخلص بنعمته. قال مرنم المزامير "للرب الخلاص" (مزمور 3: 8)، وأعلن بولس "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله" (أفسس 2: 8). وفي الأصحاح ذاته والعدد العاشر منه نرى هذه العبارة. "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع."
"فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم" (مزمور 107: 8).