الطلبة الأولى: ليتقدس اسمك
سنشرع الآن بدراستنا للطلبة الأولى وقبل أن نقوم بذلك بشكل مفصل نقول أن طلبات الصلاة الربانية وهي ست طلبات إنما تقسم بدورها إلى قسمين: القسم الأول وفيه ثلاث طلبات تتعلق جميعاً بالله تعالى والقسم الثاني وفيه أيضاً ثلاث طلبات تتعلق باحتياجاتنا نحن وعلاقاتنا مع بني البشر.
نبدأ الصلاة الربانية قائلين: أبانا الذي في السموات: ليتقدس اسمك. هذه هي إذن الطلبة الأولى للصلاة الربانية: الطلبة المتعلقة بقداسة اسم الله. ماذا نعني بهذه الكلمات؟
إن اسم الله- حسب تعاليم الكتاب المقدس- إنما يشير إلى الله ذلك الاسم الذي يعرف بين البشر، إنه اسم الباري الخالق لكل شيء والمعتني بكل شيء والمتسلط على كل شيء. وعندما نقول ليتقدس اسمك إنما نظهر رغبتنا بأن ينتشر مجد اسم الله تعالى في كل مكان وفوق كل شيء. طبعاً هذا لا يعني أننا نحن البشر نقدر أن نزيد أو ننقص من مجد اسم الله، بل عندما نقول: ليتقدس اسمك، إنما نكون قائلين لله:
"ساعدنا يا الله وأنعم علينا لكي نعرفك بهكذا صورة حتى أننا نمجد اسمك ونذيع خبر قوتك وحكمتك وجودتك وعدلك ورحمتك وحقك ومحبتك التي تشع في كل أعمالك.
"أعطنا اللهم بأن هكذا نتسلط ونتحكم على أفكارنا وأقوالنا وأعمالنا وسيرتنا حتى أننا لا نكون سبباً بأن يجدف الناس على اسمك بل أن يمجدوه ويقدسوه."
"ساعد الله جميع الناس بأن يصلوا إلى معرفتك معرفة خلاصية وحقيقية لكي يمجدوا هم أيضاً اسمك القدوس في جميع الأمور كما يليق بك".
وهذه بعض الآيات الكتابية التي تتعلق بموضوع قداسة اسم الله:
قال الله بواسطة عبده حزقيال النبي في أيام السبي البابلي:
"لذلك فقل لبيت إسرائيل: هكذا قال السيد الرب: ليس لأجلكم أنا صانع يا بيت إسرائيل بل لأجل اسمي القدوس الذي نجّستموه في الأمم حيث جئتم. فأقدس اسمي العظيم المنجس في الأمم الذي نجستموه في وسطهم فتعلم الأمم أني أنا الرب، يقول السيد الرب حين أتقدس فيكم قدام أعينهم" (36: 22و 23).
وقال السيد المسيح في صلاته إلى الله الآب قبيل الصليب:
"أيها الآب قد أتت الساعة: مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً. إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته. أنا مجّدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته والآن مجّدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم. أنا أظهر اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم. كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك... أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني وعرّفتهم اسمك وسأعرّف ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (الإنجيل حسب يوحنا 17: 1- 6و 25و 26).
وكذلك نتعلم من الكتاب أننا عندما نصلي إلى الله بأن يتمجد اسمه إنما نكون في نفس الوقت طالبين من الله أن يساعدنا لكي نتخلى عن كل مجد ذاتي وعن كل رغبة في الكبرياء أو التعلق بأمور هذا العالم بصورة تبعدنا عن الله وعن تمجيد اسمه القدوس. إن موضوع قداسة اسم الله بالنسبة إلى كل واحد منا هو موضوع عملي حياتي للغاية لا موضوع نظري. عندما يبغي كل واحد منا أن يتمجد اسم الله في حياته عليه أن يصلي إلى الله بهكذا طريقة حتى أنه يسأل الله الآب السماوي أن يساعده لتصبح حياة المصلي حياة خالية من الشر والخطية والثورة والعصيان على الله وشريعته ونواميسه وإرادته. فعندما يطلب المؤمن في صلاته من الله بأن يتقدس اسمه القدوس فذلك يعني أن المؤمن ملزم بأن يحيا حياة الطاعة التامة لمشيئة الله. لأن الله لا يُسر بتلك الصلاة التي تصدر عن الشفاه فقط، إنه يطلب منا أن نصلي من قلوبنا وأن تكون رغبتنا الأكيدة تكييف جميع نواحي حياتنا بمقتضى المشيئة الإلهية المعلنة في كتاب الله المقدس.
وهكذا نصل إلى القول بأننا كلما نتفوه بالطلبة الأولى في الصلاة الربانية قائلين لله: ليتقدس اسمك، يجب أن نسأل أنفسنا قائلين: هل نحن جادين كل الجد بأن نحصل من الله على القوة والنعمة والمقدرة التي تساعدنا على تقديس اسم الله في حياتنا بأسرها؟ المهم أن يقدس كل مؤمن اسم الله في سيرته وأن يتضرع يومياً إلى الله ليمنح القوة التي تساعده على القيام بهذا الأمر الهام. من كانت حياته سائرة في محيط الشر والخطية لا يكون مقدساً لاسم الرب القدوس. فلتكن طلبتنا إذن طلبة صادرة عن رغبة صادقة في أن يتمجد اسم الله ليس فقط بين الآخرين بل في حياتنا نحن لأنه بذلك وبذلك فقط نكون متممين لغايتنا في الوجود.