الحياة المسيحية أرادها المسيح ثورة جادة على الواقع البشري، يقلب القديم الى الجديد بالتجدُّد، الثائر يسوع هبط من السماء ليُحدث ثورة في الأرض كالصاعقة التي تُلهب ناراً! فبدأت تلك النار اشتعالها وعصفها بالمنزل يوم العنصرة، فاخترقت جذوتها قلوب سامعي الكلمة!
كانت لهذه النار قوة لتغيير كُلِّ الإعتبارات والمقاييس، حيث طهَّرَت ونَقَّت طين الإنسان وحوَّلته الى إله! لأن الله محبة، والمحبة تُطارد المحبوب وهو الإنسان ولا تتوقف، ساعية لإنشاء علاقة حبٍّ بين الله والإنسان، وكلاهما يتبادلان الحبَّ في الخليقة!
لقد سقطت الآلهة الوثنية المتسيِّدة الجالسة على العروش تحكم وتدين. انخذلت آلهة الفلاسفة المُفعمة بالغبطة النائمة في هنائها في لُبِّ موسوعة الأفكار البشرية.
كان يسوع ثورة عارمة ألغت تلك النظرة الخاطئة، بأنَّ الإنسان مُجرَّد كائن وُجد بالصدفة تُحركه الأقدار، أوهو شبيه للحيوان لا مرجعية له غير الأرض. بل الإنسان وليد المحبة الإلهية، يكمن فيه عمقها، صورته غَدت من نور لا من طين!
الإنسان الجديد يعي مسؤوليته على الأرض، سُلطته هي خدمية وليست استهلاكية، لأنَّ حياتَه صارت عجيبة، وما أعجب الله في قديسيه! ها إننا نرى ميلان الشيوخ الى وداعة الأطفال، والأطفال يسعون للإغتناء من حكمة الشيوخ، ولدى كليهما نلاحظ إبداعاً وشجاعة في اتخاذ قرار ببذل الذات حباً في ايجادها خالدة!
ليس القتل بأن تسفكَ دماً فحسب، بل هو مُجرَّ أن لا تُبدي محبةً! فكُل كلمة نابية وقاسية يتمثَّل فيها الحقد والغضب هي القتل بعينه! كان الزنى الفعلي فقط المُدان، أما الآن فمجرَّد النظر بشهوة هو مُدان. لم يبقَ للعطاء مقدارٌ مُحدَّد، بل مَن طلب منك مطلباً إمنحه مطلباً إضافياً. الإكتفاء بالمظهر الخارجي المُعرَّض للفراسة لم يعُد كافياً، إذا لم يدعمه النقاء الداخلي وليد الحب الحقيقي.
لا يطلب الله من الإنسان أعمالا فقط، بل يطلب قلبَه أيضاً، لكي تكتمل تعمة الله في ضعف البشر! لا تؤدي عملاً للرب محبةً لذاتك دون الآخر، لأنَّ عمل الرب يكمل بالمحبة. إذا فكَّرَ الإنسان بذاته فقط يُصبح ضميرُه ميِّتاً. الإنسانية لا تنمو وتزدهر إلا بخدمة الآخرين. بالإهتمام بحياة القريب تَتِم عبادة الله، لذلك فالرحمة هي الذبيحة المقبولة لدى الله!