|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الناموس الذي يخضع له المسيحي
لقد ثبت لنا مما تقدم أن المسيحي "ليس تحت الناموس بل تحت النعمة"، فهل معنى ذلك أنه لا يخضع لأي ناموس؟! وهل معناه أنه لا يوجد له قانون يطيعه؟ كلا.... لأن الحق المعلن في ثنايا الله يؤكد لنا أن هناك ناموساً جديداً يخضع له جمهور المؤمنين، هذا الناموس قد أسماه يعقوب "الناموس الكامل" (يعقوب 1: 25)، و"ناموس الحرية" (يعقوب 1: 25)، و"الناموس الملوكي" (يعقوب 2: 8)، وأطلق عليه بولس اسم "ناموس المسيح" (غلا 6: 2). وما أجمل أن نقف لحظة لنستمع إلى كلمات الرسول الجليل "صرت للذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس.... وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس. مع أني لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس المسيح لأربح الذين بلا ناموس" (1كو 9: 20 و21) وفي هذه الآيات يتبين لنا الفرق بين الناموس الذي يخضع له اليهودي، والناموس الذي يخضع له المسيحي. فاليهودي يعيش تحت ناموس موسى، وأما المسيحي فيعيش تحت ناموس المسيح، فما هو ناموس المسيح، الناموس الكامل، ناموس الحرية، الناموس الملوكي؟! هو ذلك الذي أمر السيد له المجد تلاميذه، يوم قابلهم لآخر مرة بعد قيامته أن يعلموه للناس، عندما قال لهم "دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معك كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 18 و19). ولنتأمل في هذه الآيات الكريمة فهي تحمل لنا آخر أوامر أصدرها المسيح له المجد لجماعة الرسل، وفيها طلب إليهم: (1) أن يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم، ومعنى ذلك أن يعلموا الناس عن التوبة والرجوع إلى الله، وقبول المسيح ملكاً ورباً وسيداً "إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً، ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14: 26 و27). (2) وطب إليهم كذلك أن يعمدوا من يتتلمذ بالماء باسم الآب والابن والروح القدس. (3) وطلب إليهم أيضاً أن يعلموا الذين رجعوا إليه من الأمم جميع ما أوصاهم به". وهنا نقف لحظة لنسمع كلمات السيد "وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به". لماذا لم يقل السيد وعلموهم أن يحفظوا الوصايا العشر، وما أوصيتكم به".... لا شك أن رب المجد كان يعني ما يقول، ولذا فلما أكمل كل شيء وأنهى الناموس ومتعلقاته إلى الأبد، بدأ بعهد جديد أفضل يحوي النور والحق والحرية، لذلك قال يوحنا في غرة إنجيله "لأن الناموس بموسى أعطى وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (1: 17) وهكذا طلب صاحب الحق من سفرائه أن يعلموا الناس الذين آمنوا به أن يحفظوا جميع ما أوصاهم به.... وأين نجد وصايا المسيح؟ أننا نجدها في الأناجيل الأربعة وفي الرسائل التي نقرأ فيها عظة الجبل التي تعلن لنا مبادئ ملكوت الله، ونجد فيها الأمر بالعشاء الرباني (لو22) وبغسل الأرجل (يو 13)، وبالحياة العالية الخالية من الخطية. (1يو3). وإن قال واحد إن عظة الجبل هي ذاتها الناموس، موضحاً ومتسعاً أقدم له هذا المثل البسيط من هذه لعظة المباركة "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً" (مت 5: 38 و39). وفي هذه الآيات لا نرى اتساعاً وتوضيحاً للناموس، بل نرى إلغاء لذلك الناموس القديم، فالناموس كان يقول "سن بسن وعين بعين" ولو أن عظة الجبل هي اتساع الناموس، لقال السيد "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن، أما أنا فأقول لكم. عين بعينين وسن بثلاثة أسنان"....وهناك مثال آخر، في الوصية الثالثة من الوصايا العشر أمر الله قائلاً "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً" وفي هذه الوصية سماح بالحلف باسم الرب بالصدق والحق، وتحريم لاستخدام اسم الرب في الباطل، لكن سيدنا في عظة الجبل يقول "سمعتم أنه قيل للقدماء لا تخنث بل أوف للرب أقسامك، وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة. لا بالسماء لأنها كرسي الله. ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة بيضاء أو سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (مت 5: 33-37) ومن هذه الكلمات نتيقن أن المسيح قد أنهى عهد الناموس، بعد أن أكمل الناموس في حياته، وفدانا من لعنته على الصليب، وبدأ عهداً جديداً هو عهد الفداء، الذي فيه يفدي المسيحي الحقيقي خد الضارب بخده، لا عن ضعف لكن عن حب، فيحول لمن ضرب خده الأيمن خده الآخر أيضاً.....نعم هذا هو العهد الذي فيه تتجلى قوة المسيح التي تهب النصرة العظمى. هذا هو العهد الذي يحاسب على نظرة العين، وكلمة الغضب، عهد يدخلنا إلى المخادع، ويميت الذات التي فينا بالصليب، هذا هو عهد المحبة الطاهرة التي من قلب طاهر، عهد الرب من السماء "لأن الناموس بموسى أعطى وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو 1: 17). ولا يسعني في ختام هذه النقطة إلا أن أضع أمام القارئ الكريم جدولاً مبسطاً يظهر له الفرق بين العهد الأول والعهد الجديد. ناموس موسى بأجزائه الثلاثةناموس المسيح المعلن في الأناجيل والرسائل1- ناموس موسى، بوصاياه العشر المكتوبة على الحجرين قيل عنه، أنه خدمة موت، كما يقول الرسول بولس "ثم إن كانت خدمة الموت المنقوشة بأحرف في حجارة قد حصلت في مجد حتى لم يقدر بنو إسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل" (2كو 3: 7) 1- ناموس المسيح هو خدمة الروح، في عهد الروح القدس كما يقرر الرسول قائلاً "فكيف لا تكون بالأولى خدمة الروح في مجده" (2كو 3: 8) 2- ناموس موسى هو خدمة دينونة "لأنه إن كانت خدمة الدينونة مجداً فبالأولى كثيراً تزيد خدمة البر في مجد" (2كو 3: 9 2- ناموس المسيح هو خدمة بر كما يؤكد الرسول قائلاً "فبالأولى كثيراً تزيد خدمة البر في مجد" (2كو 3: 9) ناموس موسى بأجزائه الثلاثة ناموس المسيح المعلن في الأناجيل والرسائل 3- ناموس موسى هو ناموس العبودية كما يقول الرسول "وكل ذلك رمز لأن هاتين هما العهدان أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية" (غلا 4: 24) 3- ناموس المسيح هو ناموس الحرية كما يقول يعقوب "ولكن من اطلع على الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعاً ناسياً بل عاملاً بالكلمة فهذا يكون مغبوطاً في عمله" (يعقوب 1: 25) وهكذا إذ نرى الفرق بين الناموسين لا يسعنا إلا أن نذكر للذين يريدون العودة إلى الناموس تلك الكلمات التي قالها الرسول لجماعة الغلاطيين "فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتكبوا أيضاً بنير عبودية ها أنا بولس أقول لكم إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً لكن اشهد أيضاً لكل إنسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس. قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس سقطتم من النعمة" (غلا 5: 1-4) "ولكن إذا أنقذتم بالروح فلستم تحت الناموس" (5: 18) نعم فثمار الروح هي كل مطاليب العهد الجديد "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف ضد أمثال هذه ليس ناموس" (غلا 5: 22). بقي سؤال أخير نريد أن نجيب عليه في هذه الرسالة، وهو إن كنا لسنا تحت الناموس الأدبي، فهذا معناه أننا لسنا ملتزمين أن نحفظ السبت، وإن كنا لسنا ملتزمين أن نحفظ السبت حفظاً ناموسياً، ففي أي يوم نتعبد لإلهنا إذاً؟! ولكي نجيب على هذا السؤال نقول، أننا نتعبد لإلهنا بفرح وحرية في يوم الأحد. لا كعبيد ملزمين، بل كأحرار مسرورين بذكرى نصرة قائدهم الذي حررهم من الموت والعبودية.... ونحن نتعبد لسيدنا يوم الأحد للأسباب الآتية: (1) إن يوم الأحد هو اليوم الذي قام فيه فادينا من بين الأموات، ناقضاً أوجاع الموت، كاسراً شوكة القبر، أنه من العجيب أن يطالبنا بعضهم بالعودة إلى الناموس، وبالتعبد يوم السبت، إذ كان سيدهم في القبر، فكيف نتعبد بفرح وبهجة وسيدنا في القبر، والأختام الرومانية تؤكد أنه ما زال موجوداً هناك.... إن أشخاصاً يبتهجون وفاديهم مازال في القبر، يكونون في الواقع بلا إحساس ولا شعور. لكننا نتعبد يوم الأحد بفرح مقدس، لأنه اليوم الذي ينطبق عليه قول المرنم "هذا هو اليوم صنعه الرب. نبتهج ونفرح فيه" (مزمور 118: 24) (2) إننا نتعبد يوم الأحد لأنه اليوم الذي ظهر فيه الرب لتلاميذه للمرة الثانية بعد قيامته "وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلاً ونوماً معهم فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم" (يو 20: 26)، فلماذا اختار السيد أن يكون يوم ظهوره الأول لتلاميذه هو يوم الأحد (يو 20: 19) وأن يكون يوم ظهوره الثاني للتلاميذ أنفسهم وتوما معهم هو يوم الأحد، إلا إذا كان هذا اليوم هو يومه الجليل الذي ينبغي أن نفرح فيه ببهجة وحرية؟!؟ (3) إننا نتعبد يوم الأحد لأنه اليوم الذي حل فيه الروح القدس على التلاميذ في الكنيسة الأولى "ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين.... وامتلأ الجميع من الروح القدس" (أعمال 2: 1-4) ويوم الخمسين كان يوم الأحد، إذ هو اليوم الأول بعد سبعة أسابيع تبدأ بالسبت وتنتهي بالسبت، ففي هذا اليوم الأول من الأسبوع حل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين للصلاة....فلماذا اختار الرب هذا اليوم بالذات لظهوره مرتين، ثم لحلول الروح القدس على شعبه المنتظر؟! (4) أننا نتعبد يوم الأحد لأنه اليوم الذي تعبد فيه الإخوة في الكنيسة الأولى فنقرأ في سفر الأعمال "وفي أول الأسبوع (والأحد هو أول الأسبوع) إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً خاطبهم بولس وهو مزمع أن يمضي في الغد وأطال الكلام إلى نصف الليل" (أعمال 20: 11) ونعود فنقرأ في الرسالة الأولى إلى كورنثوس هذه الكلمات "وأما من جهة الجمع لأجل القديسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضاً، في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازناً ما تيسر حتى إذاً جئت لا يكون جمع حينئذ" (1كو 16: 1 و2). وفي الختام أقول، أننا إذ نعبد الرب يوم الأحد، نعبده عبادة روحية خالصة "كنت في الروح يوم الرب" (رؤ 1: 10)، لا عبودية فيها ولا دينونة وراءها. أما عبادة السبت، فقد كانت تتفق مع حالة الدولة اليهودية كدولة دينها الرسمي يعطيها الحق في الانقطاع عن العمل يوم السبت، دون أي ضرر يلحق بالفرد كمواطن....أما الآن والمسيحية ليست دين دولة، بل هي دين الفرد يختبره بقبول المسيح فادياً ومخلصاً، فلا يعقل أن الرب يضع على عنق أولاده نيراً يضرهم ويسيء إلى مصالحهم في وسط أمم لا تدين بدينه ولا تؤمن بكلمته. لهذه الأسباب القوية نحن نتعبد لإلهنا، عبادة حرية ومحبة وبهجة في يوم الأحد، مذكرين أولئك الذين يريدون أن يعودوا بنا إلى الناموس بهذه الكلمات التي كتبها الرسول بولس إلى جماعة الغلاطيين فقال "أريد أن أتعلم منكم هذا فقط أبأعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان. أهكذا أنتم أغبيا. أبعد ما ابتدأتم بالروح تكلمون الآن بالجسد..... فالذي يمنحكم الروح ويعمل قوات فيكم أبأعمال الناموس أم بخبر الإيمان؟" (غلا 3: 2-5) "أتحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثاً" (غلا 4: 10). أما أولئك الذين تيقنوا من حريتهم في المسيح فأكدوا لهم هذه العبارة الحلوة "فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنير عبودية" (غلا 5: 1). |
|