الأنسان الجاد في أيمانه يسعى الى التقدم والنمو باستمرار نحو النضوج والكمال الروحي . فجديته تمنحه الحرارة الروحية فتدفعه الى الأمام . وسيبقى يجاهد من أجل الطهارة والنقاوة والكمال . وعلى كل مؤمن أن يفكر بأبديته أكثر من حياته الزمنية . عجيب هو أمر الكثيرين من البشر الذين يسلكون في أعمالهم اليومية وحياتهم الدنيوية بمثابرة وجد من أجل الأرتقاء نحو الأفضل وكسب المزيد من الأموال والمقتنيات ، لكنهم لا يسعوا الى تطوير حياتهم الروحية أبداً . وسبب تجاهل هذا الجانب يعود الى قلة حكمتهم وأفرازهم بين الروحانيات والماديات . فالأفراز والحكمة يحتاج اليها كل أنسان مؤمن ، بل عليه أن يطلب منها المزيد من لدن الله وبأتضاع لأجل الحصول على تلك الفضيلة . وهناك من يطلبها منذ صباه لكي يعيش مع الرب علاقة لائقة ومستحقة تقوده الى النضوج والقداسة . فالذي يبحث عن هذه الفضائل ويتدرب عليها كما فعلوا الآباء القديسين ، فعليه أقتداء هذا الطريق ويجب أن يبدأ بالتدريج ، وأن لا يعتمد على قناعته الشخصية ، بل على ما يريده منه الرب ، لهذا قيل ( كل طرق الأنسان نقية في عيني نفسه والرب وازِن الأرواح ) " أم 2:16 " .
على الأنسان أن يتدرب على أفراز الأمور لأن نعمة الأفراز ستصبح له مثل القائد والدليل ، فتقوده نحو الأفضل وفي الطريق الصحيح . لأن الأفراز هي بمثابة عين نفس الأنسان وسراجها . لذلك حذر الرب يسوع قائلاً ( أحذر لئلا يكون النور الذي فيك ظلاماً ) " مت 23:6 " .
فبالأفراز أذاً يفحص الأنسان سلوكه وأقواله وأعماله ويميّز الجيّد عن الردىء . لهذا نقول : لا يمكن أن تصل فضيلة ما في الأنسان الى كمالها المطلوب بدون أن يكون لذلك الأنسان نعمة التمييز لكي يستطيع رفع أي فضيلة فيه الى الكمال .
الحكمة والأفراز والتمييز هي التي تقود الأنسان المؤمن بخطوات ثابتة نحو الله وتحفظ له دوام سلامته ونقاوته حتى يبلغ ذروة الكمال ، وبدونها لا يمكن الوصول الى المرتفع المطلوب . فالتميّز هو أهم كل الفضائل وحارسها ومنظمها . وهذا ما نطلبه من الخالق بحرارة لكي يهدينا وبخطوات دقيقة في الطريق المستقيم لكي لا ننحرف نحو المجهول . فنقول للرب ( عرفني الطريق التي أسلك فيها لأني اليك رفعت نفسي . علمني أن أعمل رضاك لأنك أنت إلهي . روحك الصالح يهديني في أرض مستوية ) " مز 143 : 8-10 " والطريق المستقيم كما نعلم هو الأقصر المربوط مع الهدف . فطريق الوصول الى الخلاص ليس فقط بالصوم والصلاة والسهر والعزلة والتواجد المستمر في الكنيسة وغيرها ، بل بأختبار وتحقيق من كل فكرٍ أو عمل يخطر علينا فنوزنه بميزان القلب والفكر وقد يكون ظاهرياً مملوء بالخير لكن في باطنه سيقودنا الى التفاخر والتعالي والشموخ فنميل وننحرف بسببه عن طريق الأيمان السليم ، والأنسان يستطيع أن يرى بوضوح وبأفراز خطأ مسلكه فيتجنب الخطأ . والله يريد من كل أنسان أن يعرف ذاته ويقاوم كل التجارب والأمراض والأضطهادات التي يسمح الله للمجرب أن يجرب بها مؤمنيه . أنها أختيارات حياتية فيجب أفرازها في حينها وتحملها بفرح والفوز بنتائجها ، لا وبل نصلي الى الرب قائلين ( علمني يا رب كيف أتحمل الشدائد لأنها تجعلني أن أتشبه بك يا يسوع ، يا من أحتملت من أجلي ) .
الشاب الغني الذي جاهد حتى وصل الى حفظ جميع الوصايا والعمل بها منذ حداثته وأستحق محبة المسيح له ( فنظر اليه وأحبه ) " مر 10 : 17-21" لكن هذا الشاب كانت تنقصه فضيلة الأفراز لمعرفة الأفضل والأهم له ، لهذا لم يستطيع الوصول الى الكمال ، بل فشل أمام الرب الذي قال له ( إن أردت أن تكون كاملاً فأذهب وبع أملاكك وأعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال وإتبعني ) " مت 21:19 " . لكن أغتم على القول ومضى حزيناً .
الحكمة والأفراز أذاً مهمة في طريق الجهاد الروحي . فعلى الأنسان أن يهتم بحفظ الوصايا وتطبيقها عملياً وليس ظاهرياً وبمشورة الله الحكيم واللجوء الدائم الى الله لطلب المعونة ، والله يعطي بسخاء لكل من يتقدم اليه لكي يصل بالمؤمن الصالح الأمين الى باب الخلاص والحياة الأبدية .
11 - 06 - 2015, 08:29 AM
رد: أهمية الأفراز والحكمة في حياة المؤمن المسيحى
العرض المتطور