العظة علي الجبل ج142
بقلم مثلث الرحمات وطيب الذكر قداسة البابا شنودة الثالث
٢٣ مايو ٢٠١٥
لا تكنزوا لكم كنوزا علي الأرضمت6:19
قال الرب في عظته علي الجبللاتكنزوا لكم كنوزا علي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ ,وحيث ينقب السارقون ويسرقون بل اكنزوا كنوزا في السماء لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضامت6:19-21
والمقصود بالكنز ليس مجرد المال:الذهب والفضة
الذي لأجله ينقب السارقون ويسرقونوإنما كل ما يملكه الإنسان أو يقتنيه حتي من الغلال التي يفسدها السوس أو المعادن التي يفسدها الصدأ إنه يحذر من كل مظاهر الغني بوجه عام ولذلك فإنه يقول في موضع آخر.
ما أعسر دخول ذوي الأموال إلي ملكوت اللهلو18:24.
ويتابع لأن دخول جمل من ثقب أبرة أيسر من أن يدخل غني إلي ملكوت اللهلو18:25ويكرر هذا فيمر10:25وفي مت19:24فهل يعني هذا أن جميع الأغنياء لايخلصون؟!كلا,بلا شك.
أغنياء قديسون:
فالكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة من أغنياء أبرار قديسين.
0منهم أيوب البار,وكان غنيا جدا.
ويقول عنه الكتاب إنه كان في غناهأعظم كل بني المشرقوكانت مواشيه سبعة الاف من الغنم وثلاثة الاف جمل ,وخمس مئة فدان بقرن وخمس مئة أتان وخدمة كثيرين جداأي1:3
وعلي الرغم من كل هذا الغني قال عنه السيد الرب وهو يتحدي به الشيطان هل جعلت قلبك علي عبدي أيوب؟لأنه ليس مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشرأي1:8.
وقد سمح له الله بتجربة صعبة جدا ومع ذلك احتملها وقال الرب عنه بعدها وإلي الآن هو متمسك بكمالهأي2:3
نذكر أيضا إبراهيم أبا الآباء والأنبياء وكان غنيا جدا
ويقول الكتاب في ذلك وكان ابرأم غنيا جدا في المواشي والفضة والذهبتك13:2وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وآتن وجمالتك12:16وكان في مستوي الملوك في أيامه يحاربهم وينتصر ,كما حدث عندما أنقذ لوطا من سبي سادومتك14
وفي كل ذلك كان قديسا موضع رضي الرب ووعود.وقد باركه الرب وقال له أباركك وأعظم اسمك وتكون بركة وتتبارك فيك جميع قبائل الأرضتك12:3,2.
من الأغنياء القديسين أيضا:يوسف الرامي
وقيل عنه بعد صلب السيد المسيحوجاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف وكان هو أيضا تلميذا ليسوعمت27:57وأنه مشير شريف وكان هو أيضا منتظرا ملكوت اللهمر15:43
علي الرغم من غني يوسف الرامي ومركزه كرجل مشير شريف فإن الإنجيل يقول عنه إنه كان رجلا صالحا وبارالو23:50وهو الذي أنزل جسد المسيح من علي الصليب وكفنه مع نيقوديموس ووضعه في قبر منحوت لم يكن أحد قد وضع فيه قطلو23:35
وفي التاريخ:نذكر القديس أنطونيوس الكبير
وكان شابا غنيا ورث عن أبيه ثلاثمائة فدان من أجود أطيان بني سويف وقد تأثر بوصية الرب فيمت19:21فمضي وباع كل أملاكه ووزعها علي الفقراء ومضي فعاش حياة الوحدة والنسك وصار أبا لجميع الرهبان بل أبا لحياة الرهبنة ذاتها.
نذكر أيضا في التاريخ المعلم إبراهيم الجوهري وأخاه جرجس.
وكان إبراهيم الجوهري من أكبر أغنياء الأقباط وكان صاحب مركز كبير أيام محمد علي وكان رغم غناه ومركزه محبا للخير وللكنيسة وقد عمر الكثير من الأديرة والكنائس وكان محبا للفقراء ينفق عليهم في سخاء ويفرح بأن يعطي وأن ينقذ من هم في ضيقة.
وكذلك كان أخوه أيضا والمعلم فانوس المعاصر لهما.
ويعوزنا الوقت لذكر الأمثلة العديدة في الكتاب وفي التاريخ.
الموقف من المال:
ليس اقتناء المال خطية إنما محبة المال هي الخطية وكذلك عبادة المال والاتكال علي المال والبعد عن الله.
فلما تحير التلاميذ من قول الربما أعسر دخول ذوي الأموال إلي ملكوت اللهأجابهم ما أعسر دخول المتكلين علي الأموال إلي ملكوت اللهمر10:24فالذي يتكل علي ماله في كل ما يحتاج إليه قد لايفكر في الاتكال علي الله والالتجاء إليه بالصلاة.
ومحبة المال تجعل الإنسان يكنز بلا غرض سوي أن يفرح بكثرة وازدياد ما يكنزه.
يفرح أن يصير الألف عدة آلاف أو عشرات الآلاف ويفرح بأن يصبح في فرحة بازدياد رصيده,يعز عليه أن ينفق فيصاب بالبخل والتقتير.ولذلك بعد وصية لاتكنزوا لكم كنوزا علي الأرضقال الرب:لايقدر أحد أن يخدم سيدين الله والمالمت6:24
هنا تتحول محبة المال إلي عبادة ويتحول المال إلي سيد ولذلك نقول ليست الخطية أن تملك مالا إنما الخطية هي أن يملكك المال فيصبح هو الموجه لك في تصرفاتك والمتحكم في تشكيل شخصيتك والمؤثر عليها.
فالاعتزاز بالمال قد يقود إلي التعالي والكبرياء.
وإلي الافتخار بالمال وفي نفس الوقت ربما يؤدي إلي احتقار الفقراء والارتفاع عن مستواهم واختبار طبقة مماثلة من الأغنياء يلتصق بها الغني ويجاريها في أسلوب الحياة.