|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أننا من خلال تاريخ الكتاب المقدس نتعرف على أننا جميعاً طبيعة بشرية واحدة، لا تختلف قط مهما تغير الزمان أو المكان أو الظروف، فنحن جميعاً كإنسان نتعرض لنفس ذات التجارب والسقطات والشهوات، وان اختلف شكل السقوط أو مظهره من واحد لآخر ومن مجتمع لآخر، فمن الممكن أن يسقط أي أحد في أي خطية مهما كان علمه أو تربيته أو أخلاقه أو حتى قامته الروحية، بل ومن الممكن أن يسقط في أعظم الخطايا شراً وعنفاً بل وقد تصل للزنا أو القتل أو أي نوع من أنواع الخطايا التي نعتبرها بشعة للغاية، ولا توافق الضمير الإنساني ويشمئز منها البعض، ويرفض البعض من يفعلها وقد تصل لحدّ أنه يُريد أن يقتله لأنه يراه لا يصلح لأن يعيش في المجتمع ولا يُريد ان يرى وجهه !!!! وبالرغم من ذلك كله – ومهما ما حدث لنا – فأن الله ينقذنا ويقدم لنا طوق النجاة، وهو الإيمان به كمُخَلِّص، وإمكانياته لا تتغير قط، لأنه هو الله القدير فعلاً وهو هو أمس واليوم وإلى الأبد، إذ أنه قادر بفعل نعمته أن يخلق من أشر المجرمين وأعظم العتاة وأفجر الخطاة قديسين وبلا لوم أمامه في المحبة، على المستوى العملي وخبرتنا الشخصية، لأن الله ألاب ارسل ابنه إلى العالم، واسمه يسوع لأنه يُخَلِّص شعبه من خطاياهم (متى 1: 21)… فلنا أن نعرف أننا لا نختلف عن القديسين الذين نعتبرهم أعمده في الكنيسة، لا أقصد من جهة القامة أو المواهب، إنما من جهة إنسانيتنا الواحدة، والتي تتعرض للتجارب والسقوط وحرب عدو الخير من جهة معرفته بمداخل الشر عندنا من جهة خبرتنا التي قضيناها في زمان الشر الذي مارسناه بالخطية، فهو يدخل لنا من خلال محبتنا للذة معينة أو بسبب كبرياء القلب أو غيرها من الأسباب المتعددة والتي توجد في عمق كل شخص فينا قد نعرفها أو لا نعرفها، وفي هذا لا فرق بين صغير وكبير وقديس متقدم في الطريق ومبتدأ في الحياة الروحية !!! فيا ترى ما هو الفرق الحقيقي بيننا وبين القديسين الذين نجدهم وصلوا للحرية الحقيقية والتطبع بالطبع الإلهي وحراسة القلب والفكر بقوة الله فتحرروا من الهوى في داخل القلب الذي هو المحرك الأساسي للخطية فينا !!! عموماً الفرق الحقيقي بيننا وبينهم ينصب في أمرين : [1] الأمر الأول : هو معرفتهم – الإيمانية – بإمكانية النعمة الإلهية المخلصة القوية القادرة أن تعمل بقوة الله في داخل النفس فتغيرها بالتمام، وقد وضعوا كل ثقتهم في الله المُغير مع تقديم توبة مستمرة عن كل خطأ، طالبين ليلاً ونهاراً المعونة الإلهية لتسندهم ليقينهم أنهم بدون نعمة الله لا يقدروا أن يصنعوا شيئاً قط، غير قادرين على أن يسيروا في طريق القداسة لأنهم لا يثقون في قوتهم الشخصية أو جهادهم الخاص، بل في قوة الله وحده !!! لذلك اعتمادهم على الله قوي، بل ثابت كجبل من الصخر لا يتزحزح مهما أتت من رياح أو عواصف شديدة أو حتى تكسر بعض أجزاؤه !!! فالقديس هو إنسان مثلي ومثلك، له ضعفاتي وضعفاتك، لأنه عاش بنفس ذات الجسد بكل غرائزه وإمكانياته، إنما أدرك القوة الإلهية وتلامس معها بالإيمان والتوبة، وتلاقى مع الحب الإلهي في قوة الصليب والفداء، وعرف أنه هو مثل ما هو، ليس له شيء في ذاته يُنجيه أو يُخلصه حتى توبته نفسها، بل نعمة الله العاملة فيه، لهذا لا عجب في أن القديس بولس الرسول لا يكف عن أن يطلب من أجل شعب المسيح لكي تستنير عيونهم وقلوبهم فيدركوا تلك القوة الفائقة العظيمة التي تعمل في قلوب المؤمنين التائبين. [2] والأمر الثاني الذي ميز القديسين: أن معرفتهم لم تقف عند حدود المعرفة العقلية الجافة كمعلومة أو فكرة للوعظ أو المعرفة، أو الإيمان النظري الذهني، أو تقديم أفكاراً للناس منمقه حلوة وعميقة، لكنهم آمنوا إيماناً حياً عاملاً بالمحبة. فالمعرفة الحقيقية تتطلب منا حياة مُعاشة، بالجهد والاغتصاب [ ملكوت الله يُغتصب والغاصبون يختطفونه ]، فينبغي أن نعمل ونجتهد جداً، وكما يقول القديس بولس الرسول: [ لكن بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المُعطاة لي لم تكن باطلة بل تعبت ... ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي ] (1كو15: 1) . ___من الأهمية ___ يا أحبائي أن لا تفزعوا أو تخوروا في أنفسكم وتفشلوا حينما تجدوا أنفسكم وقعتم في أشد الخطايا فظاعة وعنفاً، أو أحد القامات العليا وقعوا في خطايا لا يقع فيها المبتدئين، لأن جميعنا نضعف ونخور ونسقط لأسباب كثيرة ومتنوعة، وهي تختلف من واحد لآخر ومن قامة لقامة، إنما أفزعوا من عدم التوبة والعودة بقوة أعظم لحياة القداسة والتقوى والشركة المقدسة مع الله، لأن نعمة الله مخلصة ويد الرب لا تُقصر على أن تُخلص، فهو قادر أن يغير الفجار لقديسين عظام جداً، فلا تفشلوا أو تحزنوا حزن بلا رجاء حي بيسوع المسيح الذي مات لأجل خطايا العالم كله، لأن الخطية خاطئة جداً تجرح وتُميت، وخطورتها تكمن في أنها تعطي روح الفشل واليأس أن استمرت فترات طويلة بلا توبة صادقة، فلنا أن نبتعد عنها فوراً مهما تورطنا فيها أو سقطنا وكان سقوطنا عظيماً، ولا نهتم أبداً بروح الفشل والحزن الذي بلا رجاء الذي تولده فينا، لأن أي فشل وحزن واكتآب هو ثمرتها الطبيعية، ونعمة الله المخلصة هي أقوى بما لا يُقاس، إذ أنها (النعمة) قادرة أن تبددها فعلاً وبل وتلاشيها تماماً وتفقدها سلطانها، لأن الخطية لها سلطان الموت، والنعمة المخلصة لها سلطان الحياة في المسيح يسوع، لأن من آمن يرى مجد الله ويقوم من الموت، لأن ربنا يسوع هو القيامة والحياة، الذي إن آمنا به يكون لنا حياة أبدية ولا نأتي لدينونه، إذ بالمسيح الرب يحق أن ندخل للأقداس لأنه هو برنا وسلامنا الحقيقي … فاليوم لنا أن نتوب ونعود لذلك الحضن الحلو، مهما ما كنا متورطين في الخطية لحد النتانة، لأن لعازر الميت اقامه الرب بعد أن أنتن، فلا ينبغي أن نفقد رجاءنا لأن اتكالنا على الرب القيامة والحياة وحده، وهو الذي قام وأقامنا معه وصعد بجسم بشريتنا وجلس عن يمين الآب بمجد عظيم في الأعالي يشفع فينا وينجينا من فخ الصياد ومن الوباء الخطر، ويدخلنا لعرش مملكه مجده لنتذوق حبه ونحيا له مبررين بدمه، لأننا إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطيانا، إذ يسمع لنا وبدمه يطهرنا من أي خطية وكل إثم…. فيا إخوتي لا أحد منكم يشتكي وتقولوا أننا لن ننفع ان نعيش مع الله، لأني انا صاحب خطايا فظيعة لا تعرفها، كيف يقبلني الله، اشتكوا انفسكم عند قدمي المُخلص عند الصليب ليأخذكم للقبر الفارغ فتجدوه منتظركم بقوة الحياة التي فيه لأنه يُقيم الساقط ويُحيي الميت، تعلقوا بالرب بكل قلبكم لأنه مكتوب: [ لأنه تعلق بي أُنجيه، أرفعه لأنه عرف إسمي. يدعوني فاستجيب له، معه أنا في الضيق، أُنقذه وأُمجده، من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي ] (أنظر مزمور 91) الخطوة الثانية : الشركة كهدف وأساسها المحبة [ البداية والاستمرار بالمحبة ] دائماً عند بداية الطريق الروحي، يبدأ بشعور الإنسان أنه غير نافع وغير صالح في شيء وليس له أي قدرة أن يحيا مع الله بأصوامه أو جاهده لأنه لن يُرضي الله بأي حال من الأحوال، لأن كل أعماله ستظل منقوصة لن يستطيع بها أن يُرضي الله أبداً لأنها تخلو من عنصري القداسة وطهارة القلب وقداسة الفكر، وحينما يحاول جاهداً أن يقدم صوماً ويتمم طقوس الكنيسة يعود ويرجع للخطية التي تعمل في أعماق قلبه وفكره بعنف وترديه صريعاً في النهاية ويجد نفسه غير قادر على التغلب عليها، فيصرخ في النهاية [ ويحيي أنا الإنسان الشقي من يُنقذني من جسد هذا الموت (رومية 7: 27) ] … ومن هنا تبدأ التوبة الحقيقية، لأن التوبة في مفهومها الأصيل [ ألبسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات (رومية 13: 14) ]، فيبدأ الله يتعامل مع النفس وتحل نعمة الله المُخلَّصة في القلب، ويتيقن الإنسان أن بالمسيح الرب وحده القيامة الحقيقية من موت الخطية، فيدخل في خبرة [ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت (رومية 8: 2) ]، فيبدأ الإنسان في حياة الإيمان بشخص المسيح الكلمة الذي هو القيامة والحياة ويبدأ يُبصر مجد الله [ ألم أقل لك إن آمنتِ ترين مجد الله (يوحنا 11: 40) ]، ويبدأ التعرف على النعمة المُخلصة ويتذوقها بفرح حينما يجد قلبه يتحرر وينطلق نحو الله بالمحبة لأنه يشعر أنه هو من فداه وهو حياته الأبدية، فلا يعد يخاف شراً ولا كل حروب العدو ولا حتى من نفسه، وذلك لأن من معه أقوى ممن عليه، وله النصرة بيسوع وحده لأنه مخلص نفسه ومعطيه حياة باسمه، وله الوعد برجاء حي أنه يدخل للأقداس بدم المسيح يسوع حينما يستمر في حياة التوبة بإيمان حي لا يلين، وحتى لو سقط يعود ويقوم أعظم مما كان، بالرجاء الحي والثقة في شخص الكلمة الذي يعطيه النصرة ليغلب بالإيمان: العالم والجسد والشيطان [ و أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (يوحنا 1 : 12) ،ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء (لوقا 10 : 19) ] … ومن هنا ينطلق الشكر الحقيقي – على مستوى الواقع المُعاش بخبرة – من أعماق قلب الإنسان ليقول [ أشكر الله بيسوع المسيح ربنا ]، ويحب الاسم الحلو اسم [ يسوع ] ويصير أنشودة قلبه المبتهج به لأنه هو سر خلاصه وفرح حياته الخاص [ اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (متى 1: 21) ]… ولكن الطريق يمتد ويطول، لأن كل هذا المجد يبدأ ويتداخل مع خطوات أخرى ليدخل الإنسان في حياة تُسمى التجديد المستمر والذي لا يتوقف قط [ تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رومية 12: 2) ]، بل يستمر ليوم انتهاء أيامه على الأرض، لأن كل واحد فينا لازال وهو في الجسد معرض للسقوط والضعف واستمرار الحرب الروحية، مهما ما كانت قامته الروحية، وعليه أن يتقدم من مرحلة لمرحلة، قد تتوالي أو تتداخل، لذلك نحن نتدرج في الطريق الضيق لكي نسير معاً في درب المسيح الحلو الذي سنبلغ منتهاه للسكنى في حضره الرب بل في حضنه المبارك ونتهلل بلقاؤه المفرح إلى الأبد … [ فان مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات (أفسس 6: 12) ]، [ إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون (2كورنثوس 10 : 4) ] … وأول شي ينبغي أن نسعى إليه ونقتنيه هو المحبة، والمحبة ليست كلمة تقال إنما هي فعل ذات سلطان، لأنها وحدها القادرة أن تدخلنا لله بجدارة، وبدونها سنفقد كل شيء حتى قوة النعمة المخلصة، لأن بدون المحبة ليس هناك علاقة شركة مع الله القدوس، لأن هدف المسيحي الحقيقي هو أن يكون له شركة حيه مع الله بإيمان رائي وقلب شديد الحب … ونشكر الله لأن المحبة ليست صناعة بشر ولا عمل إنسان لئلا كنا كلنا فشلنا ولن يحب أحد الرب قط بحسب ما يُرضيه، بل هي انسكاب الروح القدس في داخل القلب الذي يؤمن بالله القدوس الحلو ويتمسك به ويتعلق، لأنه مكتوب في رسالة رومية 5 [ محبة إلهنا قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا ] … والمحبة يا إخوتي ليست سلبية تنسكب ونسكت ولا نتحرك أو نقوم بفعل – لا بأعمالنا الخاصة – بل بفعل المحبة كثمر الروح في حياتنا، لأن طبيعة المحبة مثمره ـ وثمرتها هي حفظ وصية المحبوب يسوع، لأن من يحب الرب يحفظ وصاياه [ إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً (يوحنا 14: 23) ]، ومن يحفظ وصاياه يبحث عن كلام الرب بشغف لكي يحيا به، ومن يحيا به يبحث عن إرادة الله وينفذها بكل شوق واجتهاد عظيم، لأن المحبة في قلبه كالنار تشتعل فيه وتقوده لله بقوة وعزم لا يلين …. يا أحبائي لنا أن نعرف أن القداسة ليس معجزات ولا خوارق، بل أساسها المحبة، أي إفراز النفس وتخصيصها لله، لتكون إناءه الخاص يحل فيها ويسكنها ، ومن هنا تأتي قداستنا لأننا نكون اللابسي الله، أو المتوشحين بالله، فعلى الفور نصير قديسين لأن القدوس السماوي يسكننا وهو القدوس الذي يشع فينا قداسته … حقيقي أكرر كما قلنا سابقاً، وأحدث الكلمات قليلاً قائلاً : لا ترتعبوا من سقوطكم في خطية، إنما ارتعبوا من عدم التوبة، وافزعوا من أن تكون توبتكم ليس لها هدف الشركة مع الله، واحزنوا جداً أن لم تسكن محبة الله في قلوبكم لتعيشوا كما يحق لإنجيل ربنا يسوع، واحذروا من الخطية والإثم لأنها ضد المحبة [ و لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين (متى 24: 12)، بل لنا اليوم وفي هذه الساعة، الآن، أن نهرب منها ونتمسك بالرجاء الحسن بشخص ربنا يسوع القيامة والحياة الذي وحده قادر أن يُقيم الميت ويُقدس الفاجر ليُصبح قديس عظيم ] … أفرحوا يا إخوتي بالرب كل حين واطلبوه ليلاً ونهاراً ولا تدعوه يسكت حتى يسكب محبته بالروح القدس في قلوبكم فتعيشوا الوصية بتدقيق وإخلاص المحبين لله والطالبين اسمه ليلاً ونهاراً، ولا يكن لكم غرض آخر سوى حياة الشركة مع الثالوث القدوس وبالتالي مع الكنيسة … + اجعلني كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت الغيرة قاسية كالهاوية لهيبها لهيب نار لظى الرب (نشيد 8 : 6) + مياه كثيرة لا تستطيع أن تُطفئ المحبة والسيول لا تغمرها، أن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقاراً (نشيد 8 : 7) + المتوكلون عليه سيفهمون الحق والأمناء في المحبة سيلازمونه لأن النعمة والرحمة لمختاريه (الحكمة 3: 9) + وتطلب التأديب هو المحبة والمحبة حفظ الشرائع ومراعاة الشرائع ثبات الطهارة (الحكمة 6: 19) + بنو الحكمة جماعة الصديقين وذريتهم أهل الطاعة والمحبة (سيراخ 3: 1) + الحكمة والعلم ومعرفة الشريعة من عند الرب، المحبة وطرق الأعمال الصالحة من عنده (سيراخ 11: 15) الخطوة الثالثة : فلاحة النعمة [ الحفاظ على استمرار عمل الله في داخل القلب ] + حينما نعي الطريق الروحاني وهو الرب يسوع نفسه الذي قال [ أنا هو الطريق والحق والحياة ] ونبدأ ندخل إليه بالتوبة لنسير فيه، إذ قد عرفنا أننا مزدرى وحياتنا برمتها قبيحة لا تُرضي الله [ الجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس من يعمل صلاحاً، ليس ولا واحد ] (رومية 3: 12)، بل ولا نستطيع مهما ما قدمنا من عمل أو اي شيء، أن نتجاوب مع قداسة الله التي لا يستطيع أحد أن يفحصها أو يعرف عمق اتساعها، لأن الله غير مفحوص أو مدرك ولا حتى من الملائكة، إلا في حدود إعلانه هو عن ذاته حسب إمكانية كل واحد على قدر انفتاح قلبه، وعمل الله فيه بالروح، ليفتح ذهنه بالنور قليلاً قليلاً ليدرك أقل من أقل القليل عن الله، لأن الله في كمال اتساعه لا يُحدْ، فهو أعلن لنا عن ذاته في الابن الوحيد الذي اتخذ جسم بشريتنا ليُدخلنا إلى داخل الله، لأنه يستحيل أن نعرف الله إلا من خلال الطريق المرسوم منه، والطريق الذي أعده لنا هو تجسد الكلمة ليُصعدنا إليه، والذي من خلاله فقط نعرف الله : [ الله لم يره احد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر (يوحنا 1: 18)؛ أيها الآب البار أن العالم لم يعرفك أما أنا فعرفتك (أو أعرفك) وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني (يوحنا 17: 25) ] وحينما نأتي إلى الرب المسيح البار بالتوبة والإيمان الشخصي، ندخل فيه كطريق حي نرعى فيه، ونأخذ منه قوة الحياة الجديدة لنتجدد كل يوم حسب صورته هو [ أنا هو الباب إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى (يوحنا 10: 9) ]، بل وتنمو فينا بذرة الحياة الأبدية التي ذرعها فينا بالمعمودية، لننمو في النعمة والقامة كل يوم، ونتعمق في معرفته، ونتأصل في حياة القداسة والبرّ فيه، ولكن بالرغم من نعمة الله المجانية والتي لا تُعطى لنا بسبب برنا الشخصي أو لأن فينا ما هو صالح، لأن كما رأينا سابقاً أن كل أعمالنا مستحيل أن تُرضي الله، لأن أصبح طبيعياً – بسبب السقوط وشدة الفساد – لا نقدر أن نصل لله أو نعمل أعمال برّ ولا قداسة، أما في المسيح يسوع، وحسب الإنسان الجديد الذي نلناه بمعموديتنا تصبح أعمالنا كلها معمولة بالله، لأننا طُعمنا في الكرمة الحقيقية بسبب التجسد [ أنا الكرمة وأنتم الأغصان الذي يثبت في وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يوحنا 15: 5) ] إذن في المسيح يسوع ربنا نقدر أن نعمل أعمال الله بقوة الله، وعمل الروح القدس في داخلنا، ولكن علينا أن نثبت في الكرمة ونُثمر لله، فواجب علينا الآن أن نفلح حياتنا بفلاحة النعمة، وفلاحة النعمة تبدأ بوعينا التام أنه ينبغي في كل حين نجدد العهد مع الله بالتوبة الدائمة والثقة فيه، ومفهوم التوبة الصحيح هو لبس الرب يسوع وعدم صُنع تدبير أو تخطيط للجسد لأجل الشهوات، أي أن نلبس قداسة المسيح الرب وبره وطهارته كل يوم، وهذا هو عمل الله الإيجابي فينا بالروح القدس الذي يأخذ من المسيح الرب ويعطينا، ويتم ذلك باستمرار الاعتذار عن أقل هفوة في حياتنا معترفين أمامه بخطايانا ولا نعود إليها مرة أخرى، بل نتمسك بالرب يسوع طالبين أن يلبسنا ذاته لنتشح به ويسكن فينا بقوته لتنحل كل رباطات الخطية وتهرب الظلمة الداخلية أمام نوره المُشرق فينا : [ والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه (يوحنا 1: 5) ] [ ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلا أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة (يوحنا 8: 12) ] [ أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة (يوحنا 12: 46) ] فالمسيح الرب يُشرق في داخل النفس كنور مبدداً ظلام النفس ويزيل خبرتها في الشرّ، وذلك لكي يُرجعها لبساطتها الأولى التي شوهتها الخطية وظلمة الفساد، وعلى الإنسان أن يحفظ نور الله في قلبه بقراءة الكلمة بوعي، مع الحفاظ على صلاته بقلب محترف للتوبة الصادقة، مُحباً لله الذي فداه وأعطاه حياه باسمه، مستمراً في شركة الكنيسة في سر الإفخارستيا بكل نشاط وعزم لا يلين، وهذه تُسمى فلاحة النعمة … _____الدينونة_____ يا إخوتي لا تظنوا أن الدينونة مجرد حساب على ما نقترفه من أعمال لا تليق، لأن وأن كان كتب أنه يُجازي كل واحد حسب أعماله، ذلك لا من أجل الأعمال ذاتها بل من أجل أنها تظهر كثمرة عن ما في داخل النفس، لأن كل عمل هو ناتج من الداخل، فالعمل الخارجي يدل على البذرة الحقيقية المزروعة في داخل الإنسان، فأن كان ما في داخلنا بذرة الحياة، سنثمر طبيعياً ما يتفق مع الحياة التي فينا، أي تظهر حياة الله فينا، أما أن كانت البذرة غير صالحة فستخرج أعمال الموت، وأنا هنا لا أتكلم عن حالة ضعف عابرة، إنما اتكلم عن حالة دائمة مستمرة لا تتوقف، بمعنى حياتي هي الشر والفساد والله غايب عني أو بالحري أنا غايب عن الله كشخص حي وحضور مُحيي، وعموماً الرب كشف لنا سر الدينونة إذ قال بفمه الطاهر : [ و هذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة (يوحنا 3: 19) ] يا أحبائي لنا أن نحذر جداً من أن نحب الظلمة أكثر من النور، ونهمل حياتنا ولا نُفَلَّح القلب فلاحة النعمة، ليُزال كل ما في تربة القلب من شوائب تعيق بذرة الحياة أن تنمو فينا، لأن الشوك والحسك يخنق الزرع الجيد، ويتحول في النهاية لموت داخلي لا تسعفه حياة !!! وأيضاً فلنحذر جداً من أن نعتقد أننا وصلنا للكمال، لئلا نتوقف عن السعي وننتفخ ونتكبر، فنخسر النعمة وعمل الله في داخلنا، لأن كما قلنا أن كل واحد يستوعب غنى وأسرار النعمة حسب قامته ونموه في الروح، لأن الزرع الجيد يأتي بثمر بعد أن يصل للوقت المعين الذي فيه تظهر الثمار أي أوان الثمر، ونحن مهما ما وصلنا في معرفة الله مستحيل أن ندرك أعماقه، لأن كل ما ندركه هو القليل جداً لأن الله مُطلق في اتساعه، مستحيل يدركه إنساناً مهما ما بلغ من قامة، والكنيسة كلها كأعضاء معاً تُدرك الله لأنه حي فيها وتنبض بحياته، فالكنيسة كلها معاً بأنبياء وأتقياء العهد القديم إلى آخر إنسان يأتي قبل مجيء الرب، هما معاً سيدركون عظمة بهاء مجد الله في ملكوته الآتي، لتصل الكنيسة ككل إلى ملء قامة المسيح كما هو مكتوب : [ إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح (أفسس 4: 13) ] الرسالة الثانية للقديس الحامل الإله أبانا الأنبا آمون عن: فلاحة النعمة والمعونة الإلهية إلى أحبائي في الرب ، سلاماً إذا أحب أحد الرب من كل قلبه وبكل روحه وبكل قوته فإنه يثبت في خوفٍ، والخوف يلد فيه النوح، والنوح يلد الفرح، والفرح يلد القدرة، ومن خلال هذا تُثمر النفس في كافة الأمور. وعندما يرى الله مدى جمال ثمرها فإنه يقبلها إليه كرائحة طيبة، ويغتبط بهذه ( النفس ) في كل حين مع ملائكته، ومن ثم يهبها حارساً ليحفظها في جميع سُبلها ولكي يقودها إلى موضع راحتها كي لا يقوى عليها الشيطان. ذلك أن إبليس عندما يرى الحارس وهو القوة المُحيطة بالنفس، فإنه يهرب خائفاً من الاقتراب من ( مثل هذا ) الإنسان، ويأخذ حذره من القوةالكامنة فيه. ومن هنا، يا أحبائي في الرب، ويا من تحبهم نفسي، أعلم أنكم محبون لله, ولذلك عليكم أن تمتلكوا في أعماقكم هذه القوة لكي يهابكم الشيطان، ولكي تصبحوا حكماء في كل ( أعمالكم ) ولكي تزيدكم حلاوة النعمة السابقة من ثِمرها، لأن حلاوة النعمة الروحية أشهى من العسل والشهد، وكثيرون من الرهبان والعذارى لم يعرفوا مدى عظمة حلاوة النعمة هذه فيما عدا قليلين في أماكن متفرقة . حيث أنهم لم يحصلوا على العون الإلهي وما لم يعمل البعض في أمكان ( مختلفة ) على فلاحة هذه القوة والعناية بها، فأن الرب لن يمنحها لهم، لأن الله يعطيها للذين يعملون في فلاحة هذه القوة، ذلك لأنه ليس محابياً للأشخاص ولا متحيزاً لهم، بل يهبها لأولئك الذين يفلحونها ويرعونها من جيل إلى جيل . والآن، يا أحبائي، أعلم أنكم أحباء الله. وحيث إنكم تقومون بهذا العمل فإنكم (بهذا) تحبون الله من كل قلبكم. وبناءً على هذا فإنني أنا أيضاً قد أحببتكم من كل قلبي بسبب استقامة قلوبكم. وعلى ذلك اكتسبوا لأنفسكم هذه القوة الإلهية لكي تمضوا كل أوقاتكم في حرية, ولكي يغدو عمل الله سهلاً معكم. فهذه القوة الممنوحة للإنسان هاهُنا ( من شأنها ) أن تقوده من جديد إلى تلك الراحة إلى أن يعبر كل سلطان للهواء. ذلك أن القوة الكامنة في الهواء تعوق الناس ولا تسمح لهم بالوصول إلى الله، لذا دعونا الآن أن نُناشد الله بلجاجة حتى لا تمنعنا ( هذه القوى ) من الصعود إليه. وطالما حظى الصديقون بمثل هذه القوة الإلهية فليس بوسع أي شخص أن يقف في طريقهم أو يمنعهم. هذه هي فلاحة ( النعمة ) إلى أن تسكن القوة نفس الإنسان، فتحث الإنسان على ازدراء كافة إهانات البشر ( الآخرين ) وكافة صنوف تكريمهم أيضاً. [ ولذلك فإن النعمة الإلهية عندما تسكن في الإنسان فإنها تجعله يحتقر كل إهانات الناس ( له ) وتكريمهم أيضاً، وتجعله يزهد في ضروريات هذا العالم، ويرفض راحة الجسد، ويطهر قلبه من كل فكر نجس، ومن كل حكمة هذا العالم التافهة ]، وأن يدعو ( الله متوسلاً ) بصيامه ودموعه أثناء الليل والنهار، ولن يتوانى الله المتحنن عن منحكم إياها. وعندما يمنحها لكم فإنكم سوف تمضون سنوات عمركم في راحة ويُسر وسوف تجدون طلاقة كبيرة في الحديث في حضرة الله، ولسوف يُحقق لكم حينئذ كافة مطالبكم، وفقاً لما هو مكتوب. ولكن إذا ما تخلى عنكم اللهيب الإلهي وانحسر عنكم بعد حصولكم عليه، فإن لكم أن تبحثا عنه مرة أخرى وهو سوف يأتي إليكم، لأن اللهيب الإلهي مثل نار وهو يغير من الفتور بقدرته الذاتية، فإذا رأيتم قلبكم مُثقلاً ( بالهموم ) في أي ساعة، فأتوا بأنفسكم لتجلس في مواجهتكم ولتختبروها بسريرة ورعه وإيمان، وهكذا فأن الاشتياق إلى الله سوف يعود إليكم مرة أخرى ويضطرم كالنار … |
|