|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
آية للناس شراء الإنجيل من مكتبة العاصمة عندما افترق أعضاء حلقة البحث في آخر لقاء لهم، بقي كل من الشيخ أحمد البعمراني والشيخ عبد العليم الشرقاوي، واتفقا على أنهما قد تعلّما وتعمّقا في الآيات القرآنية المتعلّقة بالمسيح بما فيه الكفاية، وأجمعا على أنّ هناك عدّة أحداث وحوادث في حياة المسيح تبقى مبهمة وغير واضحة بشكل كافٍ من خلال القرآن. لذلك قرّرا أن يشتريا نسخاً من إنجيل المسيح، من إحدى مكتبات العاصمة، ويقوما بعملية المقارنة بين القرآن والإنجيل، لأنهما اعتبرا الإنجيل المصدر الأول والأساسي لسيرة عيسى المسيح وشريعته، وبإمكانه أن يساعدهما بشكل جيد في إيجاد حقائق كانت غائبة عنهما. ولم يقصدا من هذا أن يرتدّا عن الإسلام، بل أرادا أن يدركا عظمة ابن مريم بصورة أفضل وأكمل. عندما سافر الشيخ عبد العليم الشرقاوي إلى عاصمة البلاد، عانى الأمرَّين قبل أن يجد المكتبة التي تبيع الكتب المسيحية، فدخل إليها وطلب نسخا من إنجيل المسيح عيسى. فدار بينه وبين أصحاب المكتبة الحوار التالي. إنجيل واحد أم أربعة؟ أخبر المشرفة على المكتبة عن هدف مجيئه إلى العاصمة، ورغبته الملحة في اقتناء بعض الكتب المسيحية. ابتسمت السيدة التي تبيع الكتب، وقالت: يمكنني أن أقدم لكم إنجيل متى،مرقس، لوقا ويوحنا في أشكاله المختلفة. لدي نسخ عادية، وأخرى رفيعة ومزخرفة؟ أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: شكراً جزيلا، لم أكن أعرف أنّ هناك أناجيل متعددة. لا يهمني العدد، بقدر ما يهمني أن أحصل على الإنجيل الوحيد الذي استودعه الله بين يدي عيسى وأتباعه، ولا أبغي غيره. التفتت البائعة يميناً ويساراً، جالت بنظرها باحثة عن مديرها الذي كان يراقبهما من بعيد، إذ لاحظ حيرتها واستغرابها، فأقبل مسرع الخطوات، راغباً في تحقيق طلب الزبون. فقال المسؤول بولس حنا: تعرفان جيداً أن محمداً في بداية دعوته كان أمِّـيـاً (الأعراف 7: 158-159) وقد ساعده عدد من الكتبة لتدوين ونسْخ آيات من القرآن الكريم؛ مثل عبد الله ابن مسعود، وأُبي ابن كعب، وعبد الله الحضرمي، والزبير ابن العوام وآخرون. وبنفس الطريقة - تقريبا- كتب إنجيل يسوع المسيح. سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي: ألم يكن عيسى ابن مريم يعرف القراءة والكتابة؟ فالقرآن يخبرنا بأنّ الله شخصيا علّمه كل الكتب السماوية. أجاب بولس حنا: كان يسوع يجيد العبرانية والأرامية قولا وكتابة؛ كما يظهر في عدّة آيات من الإنجيل، وبشكل واضح في (لوقا 4: 16–20) هو لم يأت إلى الدنيا حتى يكتب أويؤلف كتاباً، لأنه هو نفسه كلمة الله المتجسّدة (يوحنا 1: 14) فحياته وإيمانه وأقواله هي الإنجيل. أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: نعتمد في الاسلام على سُنَّة النبي محمد كالمصدر الثاني من مصادر الشريعة الاسلامية، حيث نقتفي أثره الذي يعتبر جزءاً من الصراط المستقيم. أجاب بولس حنا: عندنا ما يشبه ذلك، تجد ان حياة يسوع المسيح هي الإنجيل. لوسمحت لي يمكنني أن أقرأ لك بعض النصوص التي كتبها الطبيب اليوناني لوقا في افتتاحية انجيله. فتح المسؤول انجيل لوقا وسلَّمه إلى الشيخ عبد العليم الشرقاوي، الذي قرأ هذه الآيات بلمح البصر: “إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ” (انجيل لوقا 1: 1-4). من هذه الكلمات، أفهم أنّ الإنجيل، هو اجتهاد تلاميذ عيسى ابن مريم، الذين دوَّنوا كل أعماله، وكلماته، وكل ما صدر منه، فالإنجيل حسب البشير لوقا، هوعمل إنساني، وليس وحياً إلهياً؟؟ ابتسم بولس حنا، وقال: على رِسْـلِكَ، أخطأتَ في الإجابة، فالوحي الإلهي في المسيحية ليس كتاباً بل شخصاً. يسوع هو ذاته الإنجيل، لأنّ كل كلمة نطق بها، وكل عمل قام به، هو وحي خالص. فكل ما كتبه كُـتَّـاب الوحي المتعددين، ليس إلا وحياً حقيقياً بشهادة شهود عيان. سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي: من هم البشيرون الأربعة؟؟ أجاب بولس حنا: كان متى حوارياً من حواريي يسوع، اشتغل من قبل كجابي للضرائب، وكان يتقن عدة لغات. هو الذي جمع أقوال يسوع في خمسة أقسام، ورتّبها حسب المضمون أوالموضوع وألَّـف منها إنجيله. أمّا مرقس فكان ابن العائلة التي كان يسوع المسيح وتلاميذه يبيتون عندها كلما نزلوا في القدس. بعد ذلك رافق البشير مرقس الرسول بولس وبرنابا، فقدّم المساعدة لبطرس، الذي أملى عليه كل ما جرى له مع يسوع أثناء حياته على الأرض. أما لوقا كان طبيباً يونانياً، وقد سافر بناءً على طلب أحد الموظفين الرومانيين، ذوي المناصب العالية، إلى فلسطين كي يستخبر ويسأل الشهود الذين عاينوا وعاصروا وصادقوا يسوع، وحفظوا منه التفاصيل المتعلّقة بحياته. أمّا البشير يوحنا فقد كان أصغر حواريي يسوع، ذو تفكير ومشاعر صوفية، أدرك بشكل أعمق - بالمقارنة مع الآخرين - كلام يسوع من خلال تأمّلاته المتعددة. عصمة الإنجيل سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كيف أعلم أنّ هذه الأناجيل الأربعة غير محرّفة ومضلّة، ولا تزال تحوي بين دفتيها النص الأصلي كما أنزل من قبل؟؟ أجاب بولس حنا: لدينا النصوص الأصلية للإنجيل، فهناك أكثر من 1500 جزء ومقطع، كذلك عندنا أسفار كاملة منتشرة بين كل متاحف العالم، يعود تاريخها إلى ما بين 200 و300 سنة قبل مجيء محمد. فالإنجيل الذي كان متواجداً في عهد محمد، لا يزال مطابقاً لما هو متداول بين أيدينا الآن. ظهر على وجه الشيخ عبد العليم الشرقاوي بعض ملامح الاستغراب، فقال: إن الإنجيل الذي تتكلم عنه، ليس مكتوبا في الأصل باللغة العربية أو باللغة العبرية، فكيف يمكنني أن أعرف بأنّ المترجم أوالناسخ كان أمينا أثناء ترجمته، ولم يتلاعب بالكلمات والألفاظ؟؟ أجاب بولس حنا: كانت في فترة محمد ترجمات متعددة وبعدّة لغات، مثل اليونانية، السريانية، الأرمنية، القبطية، اللاتينية، الحبشية وغيرها من اللغات، فإن عرفت وأتقنت هذه اللغات، تستطيع أن تضع هذه الترجمة بجانب اللغة الأصلية، التي كتب بها الإنجيل، وتقارن بنفسك بين الترجمتين. وأنا واثق بأنّك، لو قمت بهذه العملية، ستتعجب كثيراً من إخلاص الترجمة وأمانة المترجم. وتجد أن ترجمات الإنجيل تبرهن مدى دقّة وتواتر النص بين المؤمنين من جيل إلى جيل، مما أدى إلى سلامة المضمون من أي تحريف أو زيغ للمعنى. أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كل كتاب، بعد ترجمته، يفقد حيويته التي كان يتميّز بها من قبل، كما يفقد جماله اللغوي ورونقه. فالقرآن مثلا كتب باللغة العربية، لغة السماء والفردوس. أجاب بولس حنا: الإنجيل لم ولن يفقد أية قوة بعد ترجمته إلى لغة أخرى، لأنّ مضمونه شخص وليس فلسفة أو أحرفاً. إن يسوع ابن مريم هو هو، وقد التقى به ملايين من طلاب الحق عبر الإنجيل المترجم إلى لغات متعددة . فالإنجيل الآن مترجم إلى حوالي 2800 لغة من لغات العالم، إذ يسمعون رسالته من خلال لغتهم الأم، وكل من يؤمن بالمسيح يستطيع أن يتعرّف عليه من خلال كلماته المدونة في الإنجيل. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: هل تبيع سلسلة التفاسير الخاصة بالإنجيل، لأنه من الصعب علي وعلى سائر أصدقائي، أن نستوعب معاني ومبادئ هذا الكتاب الثمين؟؟ قال بولس حنا: نملك سلاسل متعددة تفسر الأناجيل ، غير أنّ قيمتها جد مرتفعة . أقترح عليك - إذا كنت توافق – أن أرسل لك قسيساً، وهو يقطن بجواركم ، ليزوركم بين الحين والآخر، حتى يكون بجانبكم، ويقرأ معكم الإنجيل، ويجيب على أي سؤال أواستيضاح قد يتبادر إلى ذهنكم. عمّ الصمت المكتبة لبرهة من الوقت، وبعد تفكير عبّر الشيخ عبد العليم الشرقاوي عن أسفه قائلا: ربما لن يوافق المشتركون في لقائنا على بعض الكلمات الواردة في الإنجيل، فهناك آراء صعبة القبول، مما قد يسبب بعض المشاكل بيننا، وفي نفس الوقت نريد أن نعرف الكثير عن الإنجيل، وما جاء فيه من أخبار، تغاضى وسكت القرآن عن ذكرها وسردها. ابتسم بولس حنا وقال: تألّم المسيح ورسله كثيراً أثناء حياتهم من جراء المعارضة التي صادفوها في محيطهم، والاضطهادات المتعددة التي واجهت دعوتهم، وهذا طبيعي إذ لولاه لما انتشر الإنجيل، الذي هو الفرقان المفرق بين الحق والباطل، بين النور والظلمة. إنّ القس الساكن بالقرب من مدينتكم من أعزّ أصدقائي . سأتّصل به وأقترح عليه المجيء والمساعدة، كي يلتقي بكم بعد أن يحدد معكم موعداً مسبقاً. عمّت الابتسامة وجه الشيخ عبد العليم الشرقاوي، كأنه رزق بمولود، فقال: أشكرك كثيراً، ولكن أي إنجيل من الأناجيل الأربعة تنصحني بشرائه؟ لأنني أريد أن اقتني عشر نسخ لحلقة الدرس المقامة في بيتي. أجاب بولس حنا: نقدم نسخاً صغيرة الحجم خاصة بالقراءة اليومية، إذ يمكنك وضعها في الجيب، كما عندنا مجموعة أناجيل تسمى بالعهد الجديد، تحتوي بالإضافة إلى الأناجيل الأربعة على رسائل رسل يسوع المسيح . فأقترح عليك أن تشتري الكتاب الفاخر الذي يحوي المجموعة كلها (العهد الجديد)، وسأعطيك بعض النسخ التي تحتوي على أناجيل منفردة ومستقلة بذاتها، لكي توزعها على أصدقائك مجاناً. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كلا، إني لن اقبل أي كتاب مجاناً، بل أريد أن أدفع قيمة الأناجيل بثمنها الأصلي دون زيادة اونقصان. سوف أشتري خمس كتب من العهد الجديد ذات الطبعة الرفيعة، وعشر نسخ من الأناجيل الأربعة بالطبعة العادية . تعجب بولس حنا، صاحب المكتبة، من هذا الطلب المحترم، كما أنه لم يسأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي، إذا كان يريد أي شيء آخر. فجمع كل ما طلبه منه الشيخ وسلّمه إياه، دون إخباره بوجود نسخ مجانية، واكتفى بالقول أنّ القسيس الذي يقطن بالقرب من مدينته سوف يتصل بهم عما قريب. بعدما دفع الشيخ عبد العليم الشرقاوي إلى بولس حنا المستحق عليه، أخذ الكتب وعاد إلى مدينته مبتسماً، وظافراً بكنـز لا يفنى. |
30 - 11 - 2014, 02:36 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
بعد مرور بضع أيام، رنّ هاتف بيت الشيخ عبد العليم الشرقاوي،
وكان المتكلم “ فادي عبد المسيح ” قسيس إحدى الكنائس القريبة من مقر سكناه. أكّد هذا الأخير للخطيب استعداده أن يقوم بزيارة لمجموعته مع صديق آخر في اليوم الذي يعقد فيه اللقاء، وذلك كي يوضح لهم بعض ما عسر عليهم فهمه من الإنجيل. اتفقوا على أمسية معينة تكون في بيت الشيخ عبد العليم الشرقاوي. فشرح له الشيخ عبد العليم الشرقاوي الطريقة المتبعة أثناء حلقة الدرس، والمواضيع التي تكلموا عنها من قبل. في الختام أخبره الشيخ عبد العليم الشرقاوي بأن موضوع الحلقة الدراسية المقبلة سيكون عن: “أم عيسى من خلال الإنجيل”، تعقبه مواضيع أخرى سبق أن درسوها من الوجهة الإسلامية، لكن هذه المرة من منظار مسيحي انجيلي. مريم أم المسيح بعدما دخل القس فادي عبد المسيح، وصديقه أستاذ الدين ناجي فياض، إلى بيت الشيخ عبد العليم الشرقاوي، استقبلهما الحضور، الذين كانت ذقونهم كثيفة السواد، بترحاب مميز مع الحيطة والحذر من هؤلاء . فشكرهم القس فادي عبد المسيح لأجل دعوتهم إياهما إلى حلقة العلم والمعرفة، وعلى الثقة التي وضعوها فيهما، فأكد لهم احترامه التام، وأضاف بأنّ مضمون الأبحاث ربما لن يلقى القبول عند الجميع، مؤكداً على أنّ الحق المكتوب من الصعب علينا تغييره أوتحريفه حتى يلقى القبول عند الجميع. أكد أنّ الاختلافات الموضوعية والجوهرية، لن تقلل من احترامنا المتبادل لبعضنا البعض. افتتح الشيخ عبد العليم الشرقاوي اللقاء بتلاوة البسملة، والثناء على محمد وأتباعه، ووجّه سؤاله للضيفين قائلا: ماذا كُتب في انجيلكم عن مريم أم عيسى قبل أن يزورها الملاك جبريل، ويبشّرها بالمولود الموعود؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: نقرأ في الإنجيل، أنّ مريم العذراء كانت مخطوبة لشاب ينتمي إلى ذرية داود اسمه “يوسف”، كلاهما عاش في مدينة الناصرة بهضبة الجليل. كان يوسف على وشك الزواج بعروسه في أقرب وقت. سأل الشيخ عبد الله السفياني: ماذا تعرف عن والدي مريم؟؟ أجاب ناجي فياض: الأناجيل لا تخبرنا كثيراً عن قبيلة مريم، لكن نجد، حسب التقاليد، ان اسم أمها كان “حنة”، وكانت عائلتها محافظة على تقاليدها، وتمارس شريعتها بشكل منتظم. أضاف الشيخ أحمد البعمراني: إن كتابنا يعرف أكثر من الإنجيل، إذ يخبرنا بأن والدها كان يلقّب بـ “عمران”، وابنه اسمه “هارون”، وكانت مريم تلقّب بـ “مريم بنت عمران وأخت هارون” (آل عمران 3: 35 ومريم 19 :28 والتحريم 66 :12). أجاب ناجي فياض: إن القصة التي تتحدثون عنها لا تشير إلى مريم أم يسوع المسيح، بل مريم أخرى. تخبرنا التوراة بأن أباها هو”عمرام”، وأمها تدعى “يوكابد”، وكان لهما ولدان وبنت، وهم: هارون وموسى ومريم (انظر: خروج 6: 18-20 وعدد 26: 59) عندما حاول فرعون مصر أن يقتل أطفال بني يعقوب، خبّأت مريم أخاها الرضيع موسى في سلّة لا يَنْفُذ إليها الماء، ووضعتها على سطح نهر النيل، قرب المكان الذي تستحم فيه أميرات فرعون. عندما حضرت الأميرات للاستحمام وجدته إحداهن، وتبنّته ابنة فرعون، وسلّمته إلى أمه كي ترضعه (خروج 2: 1-10 وسورة طه 20: 23-29). أضاف ناجي فياض: تنتمي عائلة عمران إلى أسرة نبوية. هارون كان كاهنا، وموسى كليم الله، ومريم نبية. غير أن المشكلة تكمن في أن مريم أخت هارون عاشت 1350سنة قبل مريم أم يسوع، كما أن مريم أخت هارون عاشت وترعرعت في مصر، في جبل سيناء؛ بينما عاشت مريم أم يسوع في الناصرة بفلسطين. ثم إن مريم أخت هارون كانت تنتمي إلى سبط اللاَّويين؛ بينما مريم وخطيبها يوسف كانا ينتميان إلى سبط يهوذا. هناك اختلافات واضحة بين المريمين، سواء من خلال التاريخ، أوالمنطقة الجغرافية، أوالبيئة التي عاشتا فيها. فهما شخصيتان تختلفتان عن بعضهما البعض. قال الشيخ محمد الفيلالي: ربما كان في بني اسرائيل رجال متعددون يلقبون باسم “هارون”، وكان هناك أخ لمريم أم عيسى يلقب بـ “هارون”. أجاب ناجي فياض: لن نختلف حول هذه النقطة الحساسة، وسنضع الفكر والمنطق حكمين بيننا.أنا أعتقد بأن القصتين مختلفتان تماماً، لا تتعلقان بشخصية واحدة، فالحقائق التاريخية واضحة، تخبرنا بأنّ المريمتين عاشتا في زمانين منفصلين عن بعضهما البعض. انتصب الشيخ عبد السميع الوهراني قائماً وقال: أمّا نحن فنعرف أن القرآن معصوم عن الخطأ. إنّه وحي إلهي خالص، ولا يمكن للقرآن الكريم أن يحتوي على أخطاء مثل باقي الكتب، وكفى بالله وكيلا. عمّ الضجيج الغرفة نتيجة ما قاله الشيخ عبد السميع الوهراني، فتدخل الشيخ عبد العليم الشرقاوي ليهدئ من روعهم، وقال: أيها الإخوة الأحباء، اسمعوا وَعُوا ولا تُقَعْقِعُوا. إن الضيفين لم يقولا أن القرآن يتضمن أخطاءً، ولم يلمحا إلى ما استنتجتموه، بل أخبرانا بما هو مكتوب في التوراة والإنجيل. فمثل هذه الاختلافات لن تعيقنا، إذ من المهم أن نستمر ونتعمق فيما هو مكتوب وغير معروف ومتداول عندنا. قال ناجي فياض: يُخبرنا الإنجيل بشكل واضح، أن الملاك جبرائيل ظهر لمريم كي يزف اليها البشرى، فاسمحوا لي أن أقرأ عليكم الآيات من الإنجيل، التي تطرقت إلى هذا الموضوع: “وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللّهِ إلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاء. فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!” (انجيل لوقا 1: 26-29). نستخرج من هذا الإعلان اسم المدينة التي أرسل الله إليها روحه، وهي الناصرة. أمّا جبريل فلم يلتق بمريم خارج البيت، بل زارها في بيت والديها. كما أنها لم تصرخ من الفزع أوالخوف عندما رأته، بل تحدثت معه بهدوء. ونجد أن الملاك هو المبتدئ بالكلام، إذ حياها بلطف، وألقى عليها السلام، ووصفها بالمباركة بين النساء. وهكذا شهد جبريل بأنها مباركة أكثر من الأخريات. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: هذا النص يشبه النص القرآني. الله اختار مريم من بين نساء العالم، فأرسل إليها الملاك جبريل والتقاها على انفراد، وكانت مريم مضطربة عندما رأت الروح المنير في الوهلة الأولى، كما جاء في القرآن. اقترح ناجي فياض أن يصغوا إليه بانتباه شديد، كي يقرأ عليهم ما قاله الملاك لمريم حسب الإنجيل: “فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللّهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟” (لوقا 1: 30-34). لقد شهدت مريم في الإنجيل كما في القرآن، بأنها لم تكن لها علاقة مع أي رجل من قبل، وبأنها لم تتزوج بعد. فأنا أعتبر هذه الشهادة مهمة للغاية، لأنها توافق القرآن والإنجيل بنفس الوقت. سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي: لماذا كان ينبغي على ابن مريم أن يسمى “يسوع” وليس “عيسى”؟ ولماذا هذا الاختلاف الجذري بين الإنجيل والقرآن؟؟ قال ناجي فياض: اسم يسوع يعني بالعبراني “الرب يُعين، الرب يُخلِّص” أمّا اسم عيسى، فهي الكلمة السريانية المترجمة لاسم يسوع ذات الأصل اليوناني. ربما سمع محمد إسم “عيسى” من بعض العبيد المسيحيين الذين كانوا بمكة. أمّا الاسم العربي “يسوع” فهو قريب الإيقاع أو”النغمة” من الاسم العبراني الأصلي “يشوع”. قال الشيخ أحمد البعمراني: إني لجدُّ مسرور لأن جبريل لم يعلن لمريم بأن عيسى هو”ابن العلي”، بل وضح لها بأنه سيلقّب بهذا الاسم، إلا أن الجماهير عندما رأت معجزاته العظيمة وآياته الخارقة أضافوا هذا اللقب لاسم المسيح وسموه بـ “ابن العلي”. أجاب القس فادي عبد المسيح: نجد لهذا اللقب نبوءة قديمة. عندما أعلن رب العهد للنبي داود منذ ألف سنة قبل ولادة يسوع المسيح، حيث أكد له بأنه سيقيم له من ذريته ملكاً، والذي سيمتد إلى الأبد، وهو في الوقت نفسه ابن الله وسيشمله بروحه: “مَتَى كَمِلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً...” (2 صم 7: 12-14). إن هذه النبوءة لا تنطبق على عيسى، فالمسيح عيسى لم يكن ملكاً بل رسولا لله، وما كان يملك أسلحة ولا جيشاً أوعتاداً ولا مالا. لم يكن جبّاراً ولا عنيداً، فالرومان ربما صنّفوه من بين الثوار، لأنه كان محاطاً دائماً بالجموع الذين يركضون إليه كلّما لمحوه ومعظمهم كانوا من الفقراء والمرضى والمنبوذين، لكن الحقيقة هي أن المسيح كان من المتصوفين الزهاد المعرضين عن الدنيا ومتاعها، لهذا لم يسْعَ إلى بناء مملكة دنيوية. أجابه الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كان عمل عيسى جباراً، لقد غيّر الأنانيين إلى محبّين وجدّد المتكبّرين ليتواضعوا، فانتصر على الموت وارتفع إلى العُلَى، رغب في تكوين أمّة روحية أساسها الرحمة والحق، لذلك سيظل عيسى دائماً الملك الروحي المقتدى به. قال القس فادي عبد المسيح: اصغوا إلى كلمة الوحي وتَدبَّروا وتعمّقوا فيها، فعيسى هو ابن داود، وسمي في الوقت نفسه “ابن الله”. لم تفهم مريم هذا السر وكل ما أخبرها الملاك عنه، لكن على الرغم من ذلك لم تعارض قوله، كما أن الملاك تعامل معها بلطف بالغ إذ لم يجبرها على قبول الوعد، بل شرح لها الأمر بكلّ أناة ومحبة وأخبرها أنها سوف ترزق بطفل بدون مضاجعة ذكر، فنقرأ: “فَأَجَابَ الْمَلاَكُ اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللّهِ. وهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَة عَاقِراً، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللّهِ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ. فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ” (لوقا 1: 35-38). الآن ندرك صدق القرآن، فمريم لم تحبل بعيسى عن طريق رجل بل بواسطة الروح القدس، إذ نفخ الملاك جبريل روح الله فيها، فتكوَّن الابن في أحشائها. أضاف ناجي فياض: لا نقرأ في الإنجيل أن جبرائيل نفخ روح الله في مريم، فجبرائيل مخلوق، أمّا روح الله فهو حي وموجود قبل كل الدهور. إنه أزلي، فالروح القدس خيم على العذراء حتى ولد الابن الروحي منها. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: الحمد لله، لا نقرأ في هذا النص بأن عيسى ابن الله بل لقّب به، كما أن الوحي لا يخبرنا بأن الله عاشر مريم، بل إن روح الله خيم عليها. فالإنجيل قد صدق القول وهو موضع تقدير واستقامة. قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: تأثرت كثيراً من وحي جبريل بأن ابن مريم قدوس. فالقداسة تعني الخلو من كل خطيئة أو شبه خطيئة وعدم الانفصال عن الله، وهذه الصفة تختص بالله. مات عيسى وهو منفصل عن الإثم منذ ولادته، إذ أثبت أنه بالفعل من الله وفيه وإليه. أجابه القس فادي عبد المسيح: عندما لم تتمكن مريم من استيعاب السر الذي أعلنه لها الملاك بأنها ستلد ابنا وهي عذراء، لم يغتظ جبرائيل أو يفقد صبره، بل ساعدها بتأنّ وأورد لها مثلا عملياً عن نسيبتها أليصابات العاقر زوجة زكريا التي هي الآن حبلى أيضاً، عندئذ أدركت مريم أن كل ما هو مستحيل عند الإنسان ممكن عند الله. تدخل الشيخ عبد الله السفياني: لم يصدر الله أمره المعتاد “ كن فيكون ”، بل أرشد روحه أن يوضح ويفسر لمريم السر خطوة خطوة، حتى تدرك كيف يصير المستحيل ممكناً. فلماذا أظهر جبريل هذا الصبر الفائق نحو هذه الفتاة؟؟ أجاب ناجي فياض: لا يرغب الرب في الخضوع المطلق بدون فهم، كما لا يرغب في تصرفات العبيد الذين يطيعون سادتهم بدون عقل أو فكر، بل يحب أن ينشئ فيهم الإيمان والمعرفة والإرادة، وينتظر منهم التسليم الطوعي من صميم قلوبهم، فإلهنا ليس جبّاراً بل أبٌ حنونٌ. أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: أثّرت فيَّ كلمات مريم التي نطقت بها بعد تفكير طويل عندما قالت: “أنا أمة الرب ليكن لي حسب قولك” لم يأمرها الله بالخضوع والانكسار بل أحيا فيها الإيمان والثقة والرجاء، إنه محب ومن يعرفه يختبر ويحصل على محبته. |
||||
30 - 11 - 2014, 02:37 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
تسبيحة مريم قال القس فادي عبد المسيح: لنصغ إلى فقرة أخرى من الإنجيل المقدس، تخبرنا عن سفر مريم إلى نسيبتها أليصابات، زوجة زكريا الكاهن، الساكنة بالقرب من القدس، إذ أسرعت إليها لتجد عندها تعزية وتشجيعاً. فتثبيتاً لإيمانها طوّبتها أليصابات لأنها آمنت بكلمة الله وساهمت في تحقيق مشيئته (لوقا 1: 39–45). كان فى جواب مريم على تشجيع أليصابات لها بمثابة تسبيحة حمد لها ولكل من يريد أن يتعلم الدعاء والصلاة ليحفظها عن ظهر قلب ويتأمل في معانيها العميقة: “قَالَتْ مَرْيَمُ تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللّهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَائَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَد” (لوقا 1: 46-55). أعجبت بهذا الدعاء، لأنه غير مكتوب وغير محفوظ عن ظهر قلب، فقد انبعثت هذه الكلمات من أعماق قلب مريم، إذ ألهمها روح الله أن تصلي هذه الكلمات. ليتنا نصلي بالروح ونشكر ونسبح الله من أعماق قلوبنا. أضاف الشيخ متولي صابر: اعترفت مريم بأنها ليست هي الفادية كما يعتقد بعض المتطرفين من النصارى، لأنها دعت الله مخلِّصها. لقد اعترفت بهذه العبارة أنها كانت خاطئة مثل بقية الناس وأنها بحاجة إلى مخلِّص وفادٍى. لم تستغفر الله فحسب بل شكرته لأجل تحقيق خلاصها. لقد افتديت بالنعمة والإيمان، بالاختيار والطاعة. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: يظهر لي أن مريم كانت نبية، عرفت مسبقاً أن كل النصارى والمسلمين سيطوّبونها. ولم تقل أثناء دعائها أن الناس سيمجدونها بل سيطوّبونها، فكانت بهذا قد اختارت الكلمات المناسبة بتمعّن. قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كانت مريم مؤمنة إلى أقصى درجة. كان لها إيمان عميق اختبرته عن قرب، فسمته بالقدير القدوس، الرحيم القوي الذي يُنـزل المتكبرين ويرفع المتضعين، لقد اختبرت هذا السر في نفسها وتكلمت من خلال تجربتها وإيمانها، فآمنت بعنايته لها ولطفلها الحي الراقد في رحمها، وأدركت بأنها حلقة مهمّة في خطة ومشيئة الله. يوسف خطيب مريم سأل الشيخ محمد الفيلالي: كيف كان رد فعل يوسف خطيب مريم عندما علم بأمر حملها؟ هل هددها بأنه سيكشف أمرها ويضربها جزاء على عملها الشَّنَيع، وانه سيطبق عليها حدا من حدود الله المتمثل في الرجم، ويرفع أمرها إلى فقهاء الشريعة اليهودية؟؟ أجاب ناجي فياض: رحم الله يوسف خطيب مريم، فقد أرسل الله إليه الملاك جبرائيل أثناء نومه، وأخبره بالمسؤولية المنوطة به وهيأه لكي يصير أبا ليسوع المسيح بالتبني وأمام الناس، فأنصِتوا الى النص الذي يحكي عن هذه الواقعة: “...لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ...” (متى 1: 18-21). كان يوسف ذا أخلاق عالية، فهو لم يشهر بخطيبته أو يشتمها، بل فضل أن ينسحب ويهجرها بصمت ليظن الناس أنه تخلى عنها بعدما حملت منه، ولكي يجنبها المشاكل مع عشيرتها. لقد احترمها وأحبها حبا جما. قال القس فادي عبد المسيح: سمعتم من خلال هذا النص وللمرة الثانية بأن اسم عيسى الحقيقي هو يسوع، فالملاك أمر يوسف بشكل واضح أن يسمي الطفل بهذا الاسم وأكد عليه،وأعلن معنى هذا الاسم الذي يعني: “الذي يخلص شعبه من خطاياهم”. فيظهر بشكل واضح ان يسوع لم يقصد إنشاء مملكة سياسية في هذه الدنيا بل أراد إنشاء أمة روحية طاهرة. لم يكن هدفه حكم بشري بل حكم الله بواسطة التوبة والتطهير والإيمان والمحبة والرجاء، فكل من يفهم معنى كلمة يسوع يدرك خطة الله وسلطان ابن مريم. سأل الشيخ محمد الفيلالي: كيف حقق الله هذا البرنامج، لا بد من تعدد ظروف وتحركات دنيوية وسماوية لتحقيقه؟؟ ولادة يسوع أجاب القس فادي عبد المسيح: الحق معك، فمن أجل تحقيق الغرض حرك الله الوالدين العالميين، غير أن الحدث العظيم تحقق دون أي انتباه من الناس. كانت ولادة مريم لابنها يسوع أهم لحظة في حياتها،إذ سافر الطبيب لوقا إليها شخصيا بعد سنوات من هذا الحادث ليستفهم منها عن كل التفاصيل المتعلقة بالحمل والولادة. من إعلان جبرائيل والحقائق المرتبطة بالولادة، أراد أن يعرف بدقة - كطبيب يوناني - كيف يمكن لعذراء أن تنجب طفلا بدون أب؟؟ وكتب بعد بحثه الدقيق النص الثالث المتواجد الآن بين أيدينا والمسمى بـ”انجيل لوقا”، فأقترح أن يتقدم واحد من الحاضرين ليقرأ هذه الآيات بصوت مسموع. قرأ الشيخ محمد الفيلالي: “وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهذَا اِلاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضاً مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِل...” (لوقا 2: 1-7). تدخل ناجي فياض: كانت فلسطين في زمن ولادة يسوع تحت الاستعمار الروماني، وكان القائد “بومبايوس” قد تمكن من فتح مدينة القدس سنة 63 ق.م وفي السنة التالية ضم بلاد سوريا لحكمه، وبما أن كل الملوك والسلاطين الطغاة بحاجة ماسة ودائمة إلى الأموال، هكذا لم يتخل الرومان عن هذه القاعدة، فأمروا بفرض الضرائب على السكان بشكل دائم، وطلبوا من كل السكان أن يعودوا إلى أوطانهم الأصلية التي ولد فيها أجدادهم كي يسجلوا أنفسهم في المنطقة التي ينتمون إليها. فابتدأ تحرك عام في كل البلاد، وتوجه كل غريب إلى مدينة أجداده. لاحظ الشيخ عبد الله السفياني: لم تكن مريم لوحدها عندما فاجأها المخاض في البرية. كما أنها لم تسكن إلى جذع النخلة، بل رافقها يوسف خطيبها، وبحثا معا في بيت لحم عن مكان ينامان فيه، إذ كانت المدينة مزدحمة بالغرباء والمسافرين. وقد كان ذلك نتيجة كون النبي داود قد انجب عددا من الأبناء الذين تناسلوا وتضاعفوا مع مرور السنين، واعتبروا أنفسهم أمراء وأسياداً، لأنهم انتسبوا إلى ذرية ملكية من آل البيت الملكي. قال التاجر البشير الدمشقي: حرام، لم يتمكن يوسف ومريم من إيجاد مكان فارغ إلا في إسطبل داخل مغارة حتى اضطرا معه إلى وضع الطفل المولود في مذود. فلم يكن عيسى روحا متجولا بل طفلا عاديا، احتاج كبقية الأطفال إلى أقمطة كانت أمه تلفها عليه. التفت القس فادي عبد المسيح نحو الشيخ أحمد البعمراني وطلب منه أن يقرأ نصوصاً من الإنجيل: “وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطاً مُضْجَعاً فِي مِذْوَدٍ. وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللّهَ وَقَائِلِينَ الْمَجْدُ لِلّهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ” (لوقا 2 :8-14). ما أروع اختيار الله للبدو عوض الحضر، فليس أحد من أهل بيت لحم سمع شيئاً عن هذه الولادة العظيمة باستثناء الرعاة، ربما لأن بعضهم قدم ليوسف ومريم مكان المنامة، كي تستطيع المسكينة أن تلد فيه بسلام، فأكرم الرب ضيافتهم بإعلان البشارة لهم. أقرَّ الشيخ أحمد البعمراني: عندما قرأت هذه الآيات ارتعبت بسبب خوف الرعاة العظيم، إذ ظنوا أن يوم الحساب قد حلّ. فنور السماء المشرق كشف لهم كل تلك الخطايا التي قاموا بها من سرقات وأكاذيب وكبرياء وزور، فبهتوا من ظهور وإشراق أشعة النور السماوي، ولم يبق أي شيء مستتراً. أن كل النجاسات من مكر وخداع قد انكشفت أمام نور الله، فخافوا خوفاً عظيماً. لو كنت أنا مكانهم لحصل معي الشيء ذاته. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: أمّا ملاك الرب فمنعهم من الخوف، لأنه بواسطة ولادة المسيح قد ابتدأ عصر جديد. لهذا بشّر البدو بفرح عظيم، لقد ولد لنا الإنسان والاله، وفيه بدأت الخليقة الجديدة، وحلّت التعزية على التائبين والمساكين، ومنذ ذلك الوقت بدأ الفرح العظيم والبهجة الدائمة يكونان شعار المسيح والمسيحية. سأل الشيخ محمد الفيلالي: لماذا نقرأ بأن عيسى ولد للبدو، إذ قال الملاك “ولد لكم” فماذا قدم الله للمرفوضين ولغير التائبين من المدن؟؟ أجاب ناجي فياض: أعلن الملاك البهي أن يسوع لم يولد لنفسه حتى يرضيها بل كان هدية الله العظمى في ليلة الميلاد لكل الناس. كان عليهم أن يدركوا أنه هدية من الله ليقبلوها بشكر ومحبة وإيمان، ويختبروا الغنى الروحي المعطى لهم من خلال هذه الشخصية الفريدة. سأل التاجر البشير الدمشقي: أوضح الملاك خلال إعلانه البشرى بأن عيسى المولود حديثا سيكون المخلِّص، فما معنى هذا اللقب؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: كان من ألقاب القيصر “أوغسطس” أنه المخلص، بمعنى “حاكم السلام” الذي يأتي للمسكونة كلها بالسلام والراحة والرفاهية. وهكذا يكون يسوع الشخص الفريد الذي يصالح العالم بالله، وينشئ سلاماً مع القدوس، ويتغلّب على أعداء الله المتمثلين في الموت والشيطان. ومنذ ذلك الوقت تمكّن يسوع أن يخلص التائبين من الخطيئة ويزحزحهم عن غضب الله وعن دينونته، لذلك نقرّ بأنّ يسوع هو مخلصنا الفريد والوحيد. سأل الشيخ عبد الله السفياني: قال ملاك الوحي أن عيسى هو”المسيح”، فماذا تعني كلمة “المسيح”؟؟ أجاب ناجي فياض: تجد في تاريخ الشعوب كثيرا من المسحاء، فمَسْحُ الأنبياء بالزيت علامة على أن نعمة الله وروحه تحلّ فيهم بالوحي والالهام. ومسح الملوك “الملك الممسوح” هو المؤَهَّل لخدمة الشعب. لكن الصورة تغيرت إذ أصبح الناس يخدمون الملك. أمّا يسوع المسيح فلم يأت ليُخدَم بل ليَخدِم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين. إن رئيس الكهنة “الكاهن الممسوح” هوالذي يقرب الناس إلى الله عن طريق تقديم الذبائح والقرابين. أمّا يسوع المسيح فلعب هذا الدور لكن بشكل أوسع، إذ قرّب نفسه ذبيحة حيَّة حتى يقرّب كل من يؤمن به إلى الله. ألحّ السائل مرة أخرى وقال: ولماذا سمي عيسى بـ”المسيح”؟؟ استمر ناجي فياض في الحديث قائلا: إن لقب المسيح ليس اسما من أسماء يسوع بل لقب يصف وظيفته أو مهمته. كان نبي الأنبياء لأنه كان الوحي المتجسد، وكان ملك الملوك لأنه لم يملك بالسيف بل بروح المحبة، وهو رئيس الكهنة الحي والقائم عند الله ليصالحهم بالقدوس من خلال كفارته. إن هذه الوظائف الثلاث: النبوية والملكية والكهنوتية تجتمع في خدمة المسيح. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: ولماذا سمى الملاك جبريل عيسى “الرب” ؟؟ وأعوذ بالله من غضب الله و لا إله إلا الله، إنا لا نقبل أربابا أخرى بجانب الرب الوحيد حتى لا ندخل في زمرة المشركين. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: الحق معك، ونعلم أيضاً أن عيسى كلمة الله وروحه ورحمته، فقوة الأزل عملت في ابن مريم، لذلك ظهر عيسى كصورة تعكس مجد الرب. لقد كان وحي الله ومشيئته المتجسدة. لا يوجد ربان فالرب الواحد ظهر في عيسى. من يستطيع أن يمنع ملاك الرب من إعلان وحيه في ليلة ممتلئة بالنور. قال التاجر البشير الدمشقي: ما أجمل ظهور جماهير الملائكة على هضبة بيت لحم، حيث أعلنوا أن المجد لله وحده، وبواسطة الطفل المولود حديثا سيحل السلام على الأرض. لكن هذا السلام لم يعط لكل الناس بل للمنفتحين والراغبين في الحصول على مسرة الله. إن المائدة المنزلة من السماء والمليئة بالخير والنعم والعناية الإلهية، هذه كلها هي خلاصة ولادة عيسى. قال القس فادي عبد المسيح: لنستمر في مطالعة النص المختص بولادة يسوع المسيح، إذ نصل الآن إلى مرحلة ختان المولود إتماماً لشريعة إبراهيم. أخذ أستاذ الرياضيات، رياض العلمي، الذي كان صامتا منذ البداية الكتاب، وقرأ بتمعن: “وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ. فَجَاؤُا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعاً فِي الْمِذْوَدِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللّهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ. وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ” (لوقا 2 :15-21). قال الشيخ متولي صابر: كيف كانت حالة البدو عندما اختفت الملائكة وانطفأت أنوارهم البهية وحل عليهم ظلام دامس. إنهم لم يعودوا يسمعون اي شيء سوى صوت المضغ الذي تحدثه البهائم المتواجدة حولهم. فماذا كان شعورهم في ذلك الوقت؟؟ أجاب الشيخ محمد الفيلالي: قد سمعنا أنهم تباحثوا حول الرؤيا. ثم قاموا وانطلقوا وفتشوا، في تلك الليلة، كل المنطقة المحيطة بهم إلى أن وجدوا المغارة التي بشّرهم بها الملائكة وفيها العائلة الجديدة. فاندهشوا دهشة عظيمة، لأنهم لم يروا ملاكاً بجانب المغارة بل طفلا صغيرا برفقة أمه وزوجها بدون أي هالة أو تبجيل حول رأسه. ربما كان هناك بعض الدواب مثل الحمار واقف بالداخل أو خراف في الحوش، أمّا المذود والأقمطة فكانت بمثابة علامات بارزة أعلن عنها الملاك، فانحنوا أمام الملك الجديد وسجدوا للذي رتلت ورنمت له جماهير الملائكة. قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: عندما أدرك الرعاة أن كلمة الله وروحه تجسدتا في إنسان عادي، ابتدأوا بإخبار الرعاة الآخرين وسكان بيت لحم بما سمعوا ورأوا. أما أهل الحضر فقد سخروا مدعين بان هذه الأمور “قصص وخرافات بدوية، تخيلات وأوهام ليلية”. لم يتقدموا نحو الاسطبل ليتيقنوا الخبر بل استسلموا إلى نومهم العميق. ربما علينا أن نخبر زملاءنا النائمين والمتواجدين في باقي المساجد- الذين لم تتح لهم فرصة الحضور- وكل الناس، ماذا أعلن الله لنا حتى نشاركهم ما توصلنا إليه ولا نخفيه عنهم، فالحق يعلو ولا يعلى عليه. قال الشيخ أحمد البعمراني: إن الرعاة الذين ترفضهم أكثرية الأغنياء رجعوا إلى رعيتهم ولم يتذمروا من رفض النائمين لخبرهم وعدم تصديقهم له، بل مجدوا الله وسبحوه على كل ما اختبروا، لأنهم علموا أن كل ما رأوه وسمعوه لم يكن خيالا أو حلماً بل حقيقة. قد رأوا الطفل في المذود وصُدموا برائحة الإسطبل، فأدركوا أن المسيح عيسى الموعود قد نزل إلى مستوانا وأصبح واحداً منا ونحن له. اعترف الشيخ عبد السميع الوهراني: قام يوسف ومريم بختن الطفل في اليوم الثامن. نرى هنا أن عيسى كان حنيفاً مسلماً، لا يستطيع أحد أن ينكر هذه الحقيقة الواضحة. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: بالصواب حكمت، فإبراهيم كان المسلم الأول قبل مجيء محمد بـ2500 سنة، أطاع الله وختن عائلته بأكملها، ويظهر أن عيسى كان مسلماً على رتبة إبراهيم، هو لم يأتِ بإسلام خاص بل أسلم وجهه لله وأكمل شريعته مثلما فعل إبراهيم في السابق. أضاف ناجي فياض في نهاية اللقاء: نقرأ في قصة الميلاد جملة في غاية الاهمية: أمّا مريم فحفظت هذه الكلمات في قلبها وتمعّنت فيها، فأدركت أن الملاك جبرائيل قد أصدقها القول، منحها سرّاً عظيماً إذ رأت تحقيق هذه النبوة في حياتها. في الوقت نفسه نرى أن الطبيب اليوناني لوقا قد استوضح هذه الأخبار كلها من مريم العذراء ودوَّنها ونقلها إلينا، فمريم العذراء هي التي استلمت الوحي وهي المصدر الاخير لهذا الحديث، ولو لم يزرها لوقا لما كان بامكاننا معرفة إلا القليل من التفاصيل المتعلقة بالولادة. شكر الشيخ عبد العليم الشرقاوي كلا من القس فادي عبد المسيح وزميله ناجي فياض لأجل ملاحظاتهما اللطيفة والنيرة، وعلى معرفتهما الكاملة بنصوص الإنجيل. واقترح رب البيت أن يتعمق كل واحد من الحاضرين في النصوص التي مرت عليهم أثناء هذا اللقاء، حتى يستطيعوا أن يقدموا ملاحظاتهم وأسئلتهم في المرات القادمة. ودعا الشيخ أحمد البعمراني إلى الإجتماع القادم في بيته حيث سيكون موضوع المناقشة “علاقة عيسى بالله تعالى”. |
||||
30 - 11 - 2014, 02:37 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
علاقة المسيح بالله وروحه التقى طلاب الحق بالقس فادي عبد المسيح وزميله ناجي فياض في بيت الشيخ أحمد البعمراني، فتوجه الشيخ عبد العليم الشرقاوي باقتراح إلى القس فادي عبد المسيح طالبا منه تفسير آيات من الإنجيل تشير إلى علاقة المسيح بالله وروحه. قال القس فادي عبد المسيح: في زمن يسوع عمَّت حركة التوبة كل أرجاء بني اسرائيل. كان يوحنا بن زكريا الملقب في القرآن بـاسم “يحيى” محور هذه الحركة وزعيمها، وسوف نلقي عليه بعض الأضواء كي نستوعب بشكل أفضل الآيات التي ستأتي فيما بعد. قرأ الشيخ أحمد البعمراني: “وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلاً تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَاداً وَعَسَلاً بَرِّيّاً. حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنّ، وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ. فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ لَنَا إبراهيم أَباً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَداً لإِبْراهِيمَ” (انجيل متى 3:1 9). ماذا يعني ملكوت السماوات؟؟ هل يريد الله أن ينشئ مملكة قوية على هذه الأرض ويزيل كل السلاطين والممالك الأخرى؟؟ أجاب ناجي فياض: لا يتكلم الإنجيل عن دولة سياسية بل يقصد تجديد الأمة روحيا من خلال تطهير القلوب وتنقية الأعين وصدق الألسن وتحفيز الأيدي على الاجتهاد ودفع الأرجل للسعي نحو الخير وخدمة المساكين. ملكوت السماوات هو مملكة المحبة والتواضع المبني على القداسة والقوة الروحية الخارقة. أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: أعلن الله منذ 700 سنة نبوءة على لسان النبي إشعياء تحققت في يحيى. وقد تنبأ بأن المتخاصمين يتصالحون، والمتكبرين يتواضعون، والحزانى يتعزون، والأثمة يتبررون. سأل الشيخ صابر متولي: ماذا تعني عبارة “أعدّوا طريق الرب” هل يريد الله العظيم أن يعدوا له الطريق حتى يأتي إلى أرضنا الصغيرة، إذ كيف يمكننا أن نعد الطريق للأزلي حتى يأتي إلى الإنسان الفاني وإلى المؤمن المحدود الحياة؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: صدقت، إن إعداد طريق الله لا يمكن أن يتم إلا بروح الله نفسه، فالرب هو الذي يشق طريقه نحونا وينتظر منا الاستعداد والترقب والاستقبال. هو يقترب من كل واحد. غير أن خطايانا تبعده.وتمنعه من الوصول إلينا. لقد عم الفساد كل مجتمعاتنا إذ نجد الزناة يزنون بلا خجل ولا حياء، والبعض الآخر يمارس الفرائض والطقوس الدينية حتى يتلقوا المدح والثناء من الآخرين، ليمجدوهم ويعتبروهم من زمرة المقربين الصالحين، والبعض الآخر يتظاهر ويعتصم طالبا السماح له بالزواج بمن يماثله جنسيا (الذكر مع الذكر والأنثى مع الأنثى). فيوحنا أظهر لنا الطريق الفضلى: “اكشف نفسك في نور الله، اعترف بذنوبك أمام القدوس، تب لربك واستغفر له فلا مفر من الحق الإلهي”. سأل الشيخ محمد الفيلالي: لماذا هرول الناس باتجاه يحيى قادمين من فلسطين والأردن والمدن العشر الأخرى، هل لأنهم أبصروا شخصاً كثيف الشعر لم يزر حلاقا طيلة حياته، يقتات من الجراد والعسل البري. هل ظهوره كان يثير الخوف والغرابة في نفوس الناس؟؟ أجاب ناجي فياض: كلا، إنما الداعي أنه كشف لهم عن أخطائهم وعيوبهم، فلاحظوا أن المعمدان كان شخصا مستقيما أراد أن ينجيهم ويرفع عنهم غضب الله الآتي، فأقبلوا إليه لكي يطفئ كبرياءهم وينقص من شرفهم المزعوم ويحررهم من الأنانية الكاذبة. سأل الشيخ أحمد البعمراني: إلى ماذا تشير عملية المعمودية في نهر الأردن؟؟ هل تشبه عملية التطهر والوضوء قبل الصلاة ؟ إذا كان كذلك فهذا يعني أنه ليس باستطاعة أحد التقدم إلى الحضرة الإلهية أومُباشرة الصلاة بدون الطهارة البدنية. أجاب القس فادي عبد المسيح: لمعمودية يوحنا في نهر الأردن معان عديدة. إنها ترمز إلى أن الشخص المعتمد ذو طبيعة فاسدة، يستحق الموت أو بالأحرى الغرق، فلا مهادنة ولا مسامحة مع الخطية، فالمعمودية تأخذ مكان الدينونة الإلهية مسبقا، وعلى المعتمد أن يعترف قبل معموديته بأنه مذنب ومستحق للموت عن خطاياه. أمّا المعنى الثاني للمعمودية فهو تطهير المعتمد. هكذا ينبغي على المؤمن التائب أن يعيش بعد معموديته بدون تسلط الخطيئة عليه، مثل الشخص الذي ينزل الى الماء وسخا ثم يصعد منه طاهرا نقيا مما عُلِّقَ به. لاحظ التاجر البشير الدمشقي: أليست المعمودية هدفاً صالحا ذا محتوى فارغ؟ وبالرغم من ذلك نجد أناساً يستمرون في خطاياهم ولم تحدث فيهم المعمودية أي تغيير يذكر. قال ناجي فياض: كلا، كبرياءهم قد انكشف من خلال اعترافهم بخطاياهم، والرب القدير قد استجاب لهم. إن سلوك التائبين يتغير جذريا وتدريجيا، ولم تعد إرادتهم متجهة للشهوات الدنيوية الدنيئة فيما بعد، بل اتخذوا الله هدفا لمسيرهم ولمصيرهم. سأل الشيخ عبد السميع الوهراني: من هم الصدوقيون والفريسيون الذين نعتهم يحيى بـ”يا أولاد الأفاعي”؟؟ هل هم أصحاب الجحيم الذين أنزل الله عليهم غضبه ومسخهم مثلما مسخ غيرهم من اليهود، إذ أصبحوا قردة خاسئين؟؟ أجابه القس فادي عبد المسيح: كان الصدوقيون ينتمون إلى إحدى الطوائف اليهودية المتحررة، إذ اكتفوا بطقوس الهيكل، واعتقدوا بأن الله راضٍ عنهم بفضل صلواتهم وقرابينهم وصيامهم الأيام الواجبة والمفروضة عليهم. أمّا الفريسيون فينتمون إلى إحدى الطوائف المحافظة والمتشددة في تنفيذ الشريعة، فخلصوا إلى وجود “613” وصية من التوراة –بل هناك أكثر– وظنوا أن بتنفيذهم هذه الوصايا سيحوزون على رضى الله ورضوانه. قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كان جواب يحيى صائباً، فالإنسان لا ينال الخلاص بناءً على أعماله الحسنة من عبادات ومعاملات، بل يتم ذلك من خلال تجديد القلوب. قرأت في بعض الكتب المسيحية أنه ينبغي للإنسان العتيق أن يموت ويقوم بدلا منه إنسان جديد، ذو قلب نقي طاهر، فالطريق الأمثل للوصول إلى هذا الهدف، يمر بواسطة النصوحة النابعة من القلب، وعمل الله في حياة الفرد. قال الشيخ محمد الفيلالي: قال يوحنا كلمة مهمة: “إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم. “وذلك في حالة عدم توبة اليهود أو النصارى أو المسلمين، فالله قادر على تجديد القلب الفاسد والذهن المتحجر والعنيد. أضاف القس فادي عبد المسيح: لنستمر في قراءة الإنجيل، كي نرى ما هو الحل الأمثل الذي قدمه يحيى للحصول على النجاة. قرأ الشيخ عبد العليم الشرقاوي: “وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ” (متى 3: 10-12). هل رأيتم جذع الشجرة الكبيرة كم هو لَيِّن مما يسهل قطعه بسرعة. إن هذه الشجرة تشبه حال أمتنا الفاسدة المنخورة الجسم، والمستحقة لغضب الله ان لم تتب من اعماقها. أضاف ناجي فياض: أنبأ يوحنا المعمدان الجموع بمجيء يسوع المسيح، واعترف بأن هذا الأخير أقوى منه بالروح وأعظم في المحبة والقداسة، وأعلن أنه غير مستحق أن ينحني أمامه ويحِلَّ سيور حذاءه ويغسل رجليه. قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: من خلال هذه النبوة نقرأ أن المسيح عيسى الموعود لن يعمد بالماء بل بالروح والنار. ربما دلت هذه الموهبة على تجديد القلوب وتنقيتها من الذنوب، فالمسيح الآتي هو المستحق أن يعمد التائبين بالروح القدس. أضاف الشيخ عبد السميع الوهراني: قرأنا في القرآن أن الروح القدس يأتي على قلوب العباد لكي ينذر غير المبالين والمعرضين عن الحق. سألهم القس فادي عبد المسيح: في هذا المثل، يقف المسيح الآتي على البيدر، ويقوم بعملية ذر المحصول، حتى يميز بين القش الفارغ وبين الثمرة الصالحة النافعة، فأين نضع أنفسنا: هل نحن ننتمي إلى التبن الذي تتقاذفه الرياح، أم نشبه البذرة الثابتة النافعة لنفسها ولغيرها؟؟ |
||||
30 - 11 - 2014, 02:37 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
معمودية يسوع اقترح ناجي فياض: لنستمر في قراءة الإنجيل كي نرى لماذا أتى يسوع المسيح إلى يوحنا، وماذا طلب منه؟؟ قرأ التاجر البشير الدمشقي: “حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ! فَقَالَ يَسُوعُ لَهُ اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ” (انجيل متى 3: 13–17). إنّ هذا النص مثير من عدة نواحي، فكيف يعقل أن يأتي المسيح إلى يحيى حتى يعتمد على يديه، وقد عاش المسيح عيسى حياة خالية من الخطيئة، وفي سلام تام مع الله. لم يكن في حاجة إلى توبة ولا إلى معمودية تغطيس ولا إلى تطهير القلب لأنه روح الله المتجسّد، غير أن يحيى كان يَعْلَم كل هذه الأمور، لهذا امتنع بشدة في الوهلة الأولى أن يعمد المسيح أمام الجماهير، فلماذا ألحّ عيسى أن يعتمد في نهر الأردن؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: تمعّن فيما قاله يسوع المسيح ليوحنا. لقد ذكره بأنه يليق بنا أن نكمل كل بر، فلم يعتمد يسوع لأجل خطاياه بل لأجل ذنوبنا وسوء أعمالنا المقرفة*. فيسوع رفع خطايانا وخطية العالم بأكملها وعوقب عوضا عنا وأُغطس لأجلنا حتى نتطهر. سأل الشيخ عبد الله السفياني: لماذا نزل روح الله على عيسى كهيئة حمامة؟ إنه مولود من مريم العذراء بواسطة الروح القدس، ألم تكن هذه الولادة الروحية تُغنيه عن هذه الحمامة النازلة عليه لكي ينال قوة من الله ويتمم قصده؟ أجابه الشيخ أحمد البعمراني: قرأنا في المصحف أن عيسى ابن مريم ولد من روح الله الذي كان ملازماً له على الدوام، غير أن الله القدير ايده ببينات وبروحه القدوس لتتميم قصده. أجاب ناجي فياض: اعترف المسيح بعد معموديته أنه هو الذي سيرفع خطية العالم على كتفيه، وفي ذلك الوقت انفتحت السماوات وأنزل روح الله عليه حتى يشد أزره ويقوي عزمه في سبيل تحقيق هذا الفداء. أمّا الشكل الذي اتخذه الروح القدس والمتمثل في شكل حمامة، فإنه يرمز الى السلام . إن الروح القدس ليس حمامة بل اتخذ هذا الشكل ليشهد أنه بمعمودية يسوع المسيح ابتدأت المصالحة بين الله والخليقة. قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: قرأت في الإنجيل حسب البشير يوحنا، أنّ يحيى لما أقبل إليه عيسى قال: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” فماذا تعني عبارة “حمل الله” التي لقب بها عيسى؟؟ قال القس فادي عبد المسيح: نجى أبناء يعقوب أثناء مكوثهم في مصر من غضب الله، بواسطة حمل الفصح الذي رشوا دمه على عتبة أبواب بيوتهم. بالطريقة نفسها كان يسوع على أتم استعداد أن يموت مثل “الذبح العظيم” الوارد في القرآن (سورة الصافات 37: 107) حتى يرفع غضب الله عن الجميع إذا وضعوا أنفسهم تحت حماية دمه المسفوك والطاهر. تمتم الشيخ عبد السميع الوهراني قائلا: نقرأ مرة أخرى بأن المسيح عيسى هو ابن الله، فلماذا جاء صوت من السماء حتى يخبر الناس “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” مع العلم أن الله ليس له ولد، فلماذا نجد مثل هذا التجديف على الله في الإنجيل كأنه صادر عنه؟؟ أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: عندما اعتمد عيسى انفتحت السماوات لأن معموديته كانت مهمة،وهذا العمل دفع بالله للتدخل كي يخبر الناس عن ابنه وعمله العجيب. بالمقابل من يجرؤ على منع الله من القول بأن له ابن ممتلئ بالمحبة؟ من الأفضل أن نصغي عوضاً عن الإكثار في الكلام واصدار الأحكام الجاهزة. الله لم يقل بأن له ولد بل قال أن له ابن روحي وهو على كل شيء قدير. أجاب القس فادي عبد المسيح: انسجم القدوس مع تلك الانحناءة التي قام بها يسوع اثناء معموديته نيابة عنا على يد يحيى. لقد سر بما قام به يسوع وبناء عليه اعتبره ابنه، وقال ما معناه “لقد تم هذا حسب إرادتي وأمنيتي وقصدي، واريد أن أنشئ سلاماً مع العصاة المتمردين واخلصهم من غضبي الموعود، فلا يستطيع أحدأن يمشي في طريق الفداء إلى المنتهى إلا ابني الحبيب هذا”. ولأجل إنكار الذات سماه القدوس ابنه الحبيب. إنه لم يقل هذا هو ولدي بل قال “ابني”. صدقت القول عندما قلت بانه ليس لله ولد حسب الولادة الجسدية، لكن هو ابن شرعي مولود من روح الله. تجربة يسوع من قبل الشيطان قال ناجي فياض: لنتعمق في دراسة هذه الفقرة التي تاتي مباشرة بعد معمودية يسوع، كي ندرك بشكل واضح وجلي من هو ابن الله، ما يجب عليه أن يقوم به وما يجب عليه تجنبه. فطلب من رياض العلمي الذي ظل صامتاً طوال هذه الحلقة أن يقرأ النص التالي: قرأ رياض العلمي: “ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيراً. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً فَأَجَابَ مَكْتُوبٌ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللّهِ” (انجيل متى 4: 1-4). لماذا أصعد روح الله عيسى بعد معموديته مباشرة للالتقاء بابليس؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: كان يجب على يسوع بعد بداية خدمته كفادي للعالمين، أن يصطدم بعدوالله الأول عاجلا أم آجلا وكي يعرف من هو المنتصر منذ البداية. لذلك قاد روح الله يسوع مباشرة بعد معموديته إلى الحلبة لمصارعة الشرير. قال الشيخ عبد الله السفياني: أظن أن الشيطان كان يعرف مسبقا أن عيسى هو ابن لله،لأن الشياطين يعرفون أكثر مما نعرف نحن، غير أنني لا أستطيع أن استوعب بشكل جيد رفض المسيح لاقتراح الشيطان بأن يصنع من الحجارة خبزاً. لو أن عيسى استجاب لطلبه لما كان في حاجة بعد ذلك إلى الكد والشغل والتعب، بل كان حصل على خبز طري مخبوز في الصحراء ومطبوخ تحت أشعة الشمس الملتهبة. أجاب ناجي فياض: يبحث يسوع دائما عن أشخاص تائبين وأنقياء القلب. لم يبحث عن مؤمنين آمنوا لأجل الخبز المجاني. لهذا رفض السلطة الدنيوية وسلطة ملء البطون لأن هذا كله مؤقت وزمني. بل رغب في تقديم الغذاء الروحي المجدد للقلوب. بالمقابل لم يرفض ضرورة الخبز الجسدي، بل أكد أن الغذاء الروحي هو أهم، باعتباره كلمة الله الخالقة والشافية الغافرة والمعزية والمجددة للقلوب. فالمؤمنون يعيشون من قراءة الإنجيل باستمرار، ومن لم يتعمق في كلمة ربه باستمرار سيموت روحيا وبشكل تدريجي. استمر الشيخ أحمد البعمراني في قراءة الإنجيل: “ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَا طْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ قَالَ لَهُ يَسُوعُ مَكْتُوبٌ أَيْضاً لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ” (انجيل متى 4: 5-7). لماذا لم يرم عيسى بنفسه من قبة الهيكل كما طلب منه الشيطان كي تحمله الملائكة إلى داخل الهيكل ويكلم الجماهير من المنبر؟ فلو استجاب لطلبة الشيطان لكان ذو هالة عظمى ولنال السجود والتقدير من الناس. أجابه الشيخ عبد العليم الشرقاوي: لقد أدركْتَ السر لامحالة، فالمسيح عيسى لم يرد أن يجذب الجماهير إليه بالخبز أو بالألعاب البهلوانية، ولا بالمال أو بالعجائب الخارقة، بل قصد أن يُرشدهم إلى النضوج الروحي من خلال تواضعه ومحبته وقداسته. فلو رمى المسيح بنفسه من أعلى الهيكل لارتطم جسمه بالأرض ومات، وهذا هو غرض وهدف إبليس الكذاب وأب الكذابين. لا يريد العدو القديم إلا أن يبيد الله ومسيحه ويستهزئ بهما. قال رياض العلمي: قرأنا في هاتين الفقرتين عبارة صغيرة وردت عدة مرات وهي: “مكتوب” لم يجب عيسى إبليس من خلال أفكاره الخاصة وثقافته وحكمته بل كان جوابه مؤسسا.على الوحي الإلهي، واستخدم كلمة “الصمد” كحق لا يتغير. أمّا إبليس فيعرف الكتب المقدسة ويتظاهر بالتقوى حتى يضل عباد الله. غير أن عيسى قد انتصر على المخادع مرة أخرى بواسطة كلمة “مكتوب” فيظهر أن السر العظيم في مواجهة إبليس ووساوسه يكمن في حفظ كلمة الله عن غيب حتى نستطيع مواجهة ما يقذفه الشيطان في عقولنا وقلوبنا. لكن ليس من الحكمة أن نردد الكلمات كالببغاء بدون فهم، بل علينا أن نختار الكلام المناسب في الوقت المناسب. لم يلق يسوع موعظة على الشيطان بل أمره من خلال آية واحدة: “لا تجرب الرب الهك” وهذا يساعدنا ويحثنا على استخدام عقولنا حتى لا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة. استمر التاجر البشير الدمشقي في القراءة: “ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ·اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ” (انجيل متى 4: 8-11). فعلا إن إبليس هوالكذاب بل وأب الكذابين، لأنه أوهم ابن مريم بامتلاكه كل البلدان وكل الذهب والممتلكات وأن السلطة هي بين يديه، لكن العكس هو الصحيح فالكل بين يدي الله وليس بيد الشيطان. قال القس فادي عبد المسيح: توضح لنا هذه الآيات أن يسوع لم يشأ أن يكون رسولا سياسياً أو ملكا دنيوياً، وكل من يعتقد هذا في المسيح يكون قد أخطأ خطأً فادحا. إن ابن مريم لم يقع في الفخ الذي نصبه له الشيطان باحكام أثناء محاولته الثالثة، لأن هدف يسوع على هذه الأرض ليس السعي إلى الرفاهية، بل شعاره المحبة والقداسة والتواضع. فقصد المسيح بهذا أن ينشئ أمة روحية تعتمد على التواضع وفي الوقت نفسه يجنب أتباعه طرق الشيطان وسبله الملتوية المؤدية إلى الطمع والكبرياء. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: الحمد لله، لقد طرد عيسى الشيطان بكلمة “مكتوب: للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد”. فالمسيح عيسى لم يستجب لطلب الشرير على الرغم من أهميته، وبهذا العمل أكد أنه المسلم الحقيقي وأنه لا يشرك بالله أحداً وأنه ليس هناك من يستحق السجود إلا الله الواحد الصمد. قال الشيخ أحمد البعمراني: مر علينا في هذه الجلسة أن جبريل سمى عيسى : “ابن العلي وابن الله” وأن الله نفسه دعاه بابنه الحبيب. وقرأنا في تجربة المسيح مع الشيطان أن هذا الأخير لقبه بعبارة “ابن الله”. يتضح من هذه الآيات أن الله والأرواح يعرفون أكثر مما نعرف. لذا فنحن في حاجة إلى توسيع أذهاننا وطلب الإستنارة لقلوبنا حتى ندرك جوهر المسيح روحيا وليس جسدياً. قال الشيخ محمد الفيلالي: عندما فارقه إبليس أقبلت إليه الملائكة وقدمت له كل ما يحتاجه من طعام وشراب. لقد تأثرت بعمل المسيح عيسى هذا إذ هو لم يصم شهرا كاملا من شروق الشمس إلى غروبها مثلما نفعل نحن في شهر رمضان المبارك، بل صام أربعين يوماً وليلة استعداداً للمهمة المنوطة به، ويصبح بحق حمل الله الوديع. فالشيطان لم يقترب منه عندما كان قائما يصلي بل جربه عندما أتم صلواته وتأملاته الروحية وشعر بالجوع والعطش، عندئذ دنا منه المجرب متظاهرا بأنه سيقدم له معروفاً. أمّا ابن مريم فقد اكتشف خطة الشيطان وانتصر عليه بإنجيله على الرغم من الضعف والألم الَّذَين ألَمَّا بجسده. |
||||
30 - 11 - 2014, 02:38 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
تعريف المسيح بنفسه قدم القس فادي عبد المسيح الإنجيل حسب البشير لوقا وطلب من الشيخ عبد السميع الوهراني أن يقرأ بعض الفقرات. غيرأن أعضاءه اضطربت، فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، فسخر منه الجميع وقدموا إليه الإنجيل ليقرأ ما تيسر من الآيات، حتى يميز بين الحق والباطل. أخذ الكتاب الصغير ويداه ترتجفان، كأنه ارتكب جرما فاضحاً، وقرأ بصوت خافت. قرأ الشيخ عبد السميع الوهراني: “وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ. ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ” (انجيل لوقا 4: 16-21). من خلال هذه الآيات يتضح أن المسيح عيسى كان يتقن اللغة العبرية بشكل جيد. قد اعتاد أن يدخل إلى المجمع (الهيكل/ الكنيس) كل يوم سبت حتى يسمع الخطبة التي كانت تُلقى كل أسبوع. ونقرأ بأن المسيح في هذه المرة كان الخطيب والمفسر للشريعة. قال التاجر البشير الدمشقي: كان عيسى معروفاً في مدينة الناصرة - الواقعة في المنطقة الجبلية للجليل - لأنه ترعرع هناك بين أهاليها وابنيتها، كما كان من المواظبين على الصلاة وحضور المجمع. قال ناجي فياض: اسمعتم ما قال يسوع بشان النبوة التي وردت عنه منذ زمن؟ لقد شهد بأن روح الرب عليه لأنه مسحه. فيسوع هو المسيح الممسوح بروح الرب، ومن هنا يظهر مفهوم الثالوث: “رب وروحه ومسيحه” والثلاثة في وحدة متكاملة. فكل من يستوعب هذه الكلمات يدرك أننا لا نتكلم عن وحدة مادية بل عن انسجام وتوافق كاملين. أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: نجد في هذه الآيات الهدف الذي جاء من أجله المسيح، وغاية المسحة التي مسح بها. هو جاء كي يبشر المساكين بالإنجيل. لم يأت لأجل الأغنياء أو العظماء أو الأذكياء أو الحكام والوجهاء، بل جاء من أجل المساكين المزدرى بهم تحتسلطة الخطيئة، المحتقرين والمرفوضين من قبل الجميع، لقد كانت محبته بالغة الأهمية. قال القس فادي عبد المسيح: أرسل الرب العلي القدير المسيح ليكرز ويشفي، لكن في هذه الآيات نقرأ أنه لم يشف المرضى حسب الجسد فحسب بل منكسري ومنسحقي القلوب. كما لم يقل أنه سيفتح أبواب السجون حتى يخلص اللصوص والمجرمين، بل سعى إلى تحرير المقيدين تحت سلطة الذنوب والخطايا والساعين إلى الحرية الروحية. ويشاء يسوع المسيح أن يمنح للمكفوفين روحيا قلباً نقياً طاهراً، وأن يأخذ بيد اليائسين نحو الرجاء والأمل. إن كنتم تبحثون عن معنى المخلص في الإنجيل فهذا الشرح يكفي ويلقي الضوء على هذا المخلص العجيب. سأل الشيخ عبد الله السفياني: ماذا تعني عبارة “سنة الرب المقبولة” هل انتهت النعمة بعد اثني عشر شهراً، وهل رحمة الله مؤقتة؟؟ أجاب ناجي فياض: بالطبع لا، لقد كان اليهود ينتظرون تحقيق النبوة التي وردت على لسان النبي اشعياء منذ 700 سنة قبل ولادة يسوع المسيح، وكمالها على يد المسيح الموعود والمنتظر على أحر من الجمر. لكن عندما جاء يسوع رفضوه ولم يقبلوا دعوته بل طردوه من المسجد دافعين إياه نحو حافة الهاوية ليلقوا به إلى اسفل الجبل أمّا هو فالتفت نحوهم محدقاً في أعينهم ومارًّا في وسطهم، فَشُلَّت أرجلهم وأيديهم ولم يحركوا ساكناً للقبض عليه. ومعظم اليهود رفضوا دعوة المسيح لأنه لم يات حسب اعتقادهم وهواهم. كانوا ينتظرون مسيحا جباراً يحمل سيفاً وترساً ليحررهم من نير الإستعمارالروماني، وينشر الذعر بين جيرانه ويستعمر دولا أخرى وينهب خيرات غيره. (قارن: لوقا 4: 22-30). يسوع الراعي الصالح قرأ التاجر البشير الدمشقي: “وَكَانَ عِيدُ التَّجْدِيدِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ شِتَاءٌ. وَكَانَ يَسُوعُ يَتَمَشَّى فِي الْهَيْكَلِ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ، فَاحْتَاطَ بِهِ الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْراً. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. وَلكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي، كَمَا قُلْتُ لَكُمْ. خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ” (انجيل يوحنا 10: 22-30). نجد في هذا النص، كبقية النصوص الأخرى، مدى عناد اليهود ورفضهم للحق. فبالرغم من اختبارهم لصلاح عيسى وسماعهم لكلماته الحكيمة وتعجبهم من بيناته التي تأخذ بالألباب، فقد اشتروا الكفر بالإيمان والعذاب بالمغفرة. وكما قيل فإنهم انتظروا زعيماً سياسياً ولم يكونوا مستعدين أن يقبلوا مخلصاً روحياً، إذ تمنوا التحرير الفوري من نير الإستعمار الروماني، ولم يريدوا سماع أي شيء عن التوبة وتجديد القلوب والسلام. ثم سعوا إلى الرفاهية والتدين الزائف معرضين عن روح المحبة الإلهية المتجسدة في عيسى. فاستخلص من هذه الحقائق أنه من الصعب على الإنسان أن يخدم السلطتين الدنيوية والروحية في آن واحد. قال الشيخ متولي صابر: يظهر لي أن عيسى راقب الرعاة وخرافها في جبال الجليل بانتباه كبير، فرأى أن الخراف لا تتبع أي شخص آخر إلا صوت راعيها الذي تميزه عن غيره من الأصوات الأُخرى. ولأن الراعي يعرف كل خروف من خرافه ويوليه أهمية بالغة ويحرسه تجاه كل الأخطار، ويدافع عنه ضد الحيوانات المفترسة التي تتربص به وتنوي ايذاءه. فقد ساهم هذا في خلق ثقة متبادلة بين الطرفين الراعي وخرافه التي تتبعه بكل ثقة وأمان وبدون أدنى تردد. تعمق القس فادي عبد المسيح في هذه الكلمات، وقال: سمى يسوع نفسه “الراعي الصالح” الذي يبذل حياته من أجل الخراف، فعلم مسبقا أن موته النيابي لأجل خرافه سيمنحهم حياة فضلى، ولأجل موته الكفاري استطاع روح الله أن يحل في أتباعه ويمنحهم الحياة الأبدية. المسيح قام من بين الأموات ليشفع بخرافه عند القدير، وكل من يضع نفسه بين يدي الراعي الصالح يبقى مصاناً محفوظاً إلى الأبد. ابتسم الشيخ عبد السميع الوهراني ابتسامة خفيفة وقال: لم يقل عيسى أنه عظيم مثل الله ولم يدِّع أنه الله، فلا إله إلا الله، بل أكرم عيسى ربه وشهد بأنه تسلم أتباعه مباشرة من الله وسيحافظ ويدافع عن الأمانة ما داموا متمسكين وثابتين فيه. كما أننا لا نقرأ في هذه الآيات عبارة “عسى” أو”انشاء الله” أو”لعل” بل نسمع وعد حق ويقين لحفظ أبدي دون شك. إن كل العبارات الواردة على لسانه مقبولة باستثناء قوله “أبي” والتي تكررت أكثر من مرة، فمن المستحيل أن ندعو الله بـ”الآب”. أضاف ناجي فياض: حتماً سمى يسوع الله العظيم “الآب الروحي” الذي ولد منه عن طريق الروح القدس وليس عن طريق العلاقة الجنسية، كما يعتقد البعض. فاسم “الآب السماوي” عبارة شرعية تنم عن المحبة التي ربطت بين القدير وابنه المولود من الروح القدس. فالابن أتمّ إرادة أبيه إذ قال: “طعامي أن أعلن مشيئة الذي أرسلني وأتمّم عمله”(يوحنا 4: 4 )، فعاش المسيح في انسجام كامل وتام مع أبيه السماوي حتى استحق قول: “أنا والآب واحد”. فكلمة الثالوث الواردة في الكتاب المقدس تشير إلى الوحدة الكاملة في المحبة والتواضع والإحترام. صلاة المسيح الشفاعية قال القس فادي عبد المسيح: لنتقدم في قراءتنا إلى صلوات يسوع ونطلع على ما قاله عندما تكلم مع ابيه السماوي. تكلم مع القدير عن هدف ارساليته ووضوحها بتعابير دالة على امتلاء أتباعه بالروح القدس. قرأ الشيخ أحمد البعمراني: “وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ...” (إنجيل يوحنا 17: 3). تدخل الشيخ عبد السميع الوهراني: أثبت عيسى بشكل واضح أنه رسول الله، فلم يتكبر ليصير مشابهاً لله بل تواضع وأطاع الله إلى المنتهى. قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي: كان لمجيئ عيسى هدف واحد وهو أن ينال أتباعه الحياة الأبدية حتى لا يعرفوا الخوف أو الرهبة يومالقيامة والحساب، وسيبث الله روحه وحياته في قلوبهم إلى أن يقوموا من بين الأموات، ويعيشوا منذ الآن في الحياة الأبدية. قال ناجي فياض: إن الطريق الوحيد لنيل الروح هو معرفة الله حق المعرفة، فلا يكفي أن نؤمن بأن الله حي موجود، بل علينا أن نركز على جوهر الله وندرك صفاته. أعلن إلهنا أنه إله المحبة المعتني بأبنائه والمضحي بأثمن ما يملك كي ينقذهم من الموت والهلاك. وليس ذلك فحسب، إنما قبل أن يلقب من قبلهم بـ “أبونا” يتنازل لتكون له علاقة شخصية ومباشرة معهم. قال الشيخ عبد الله السفياني: اعتذر منكم إذا أخبرتكم أن عبارة “الله أبونا” لا أتحملها، كما أنني لا أستطيع نطقها، وكلما سمعتها يقشعر بدني إذ اعتبرها تجديفا وقذفاً في حق الله تعالى. إن هناك فرقاً شاسعاً بين الخالق والمخلوق، فمن أنا حتى أدخل في علاقة شخصية ومباشرة مع الله. قال القس فاديعبد المسيح: لا يستطيع أي إنسان أن يدرك حقيقة الله من تلقاء نفسه إلا إذا أخذ سبحانه وتعالى بيده وأعلن له عن نفسه. فبعدما تجسد يسوع كشف الله له عن نفسه وأوضح له علانية انه “ابنه الحبيب الذي به سر”. من يعرف محبة الآب السماوي ويدرك محبة ابنه الوحيد ينصهر في هذه المحبة، وكل من حل عليه روح الله ينال الحياة الأبدية ولا خوف عليه فيما بعد. لخص الشيخ عبد العليم الشرقاوي اللقاء قائلا: تطرقنا إلى معمودية عيسى على يد يحيى في نهر الأردن، ورأينا كيف أيده روح الله وأقر بأنه ابنه الروحي. وقرأنا أن روح الرب حل عليه لأنه مسحه وباركه فحق له أن يسميه “أباه الروحي”، ويدعونا المسيح أن نتبعه بثقة كما تتبع الخراف راعيها لننال منه الحياة الأبدية ويحفظنا ويحمينا من كل شر وسوء عاقبة. إننا بحاجة إلى دراسة أعمق في آيات الإنجيل كي ندرك من هو الله ومسيحه وروحه، فهم ليسوا ثلاثة بل واحد في المحبة وفي التواضع والقوة. |
||||
30 - 11 - 2014, 02:38 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
مضمون رسالة المسيح لما اجتمع الباحثون عن الحق مع القس فادي عبد المسيح وزميله ناجي فياض للمرة الثالثة، طلب الشيخ عبد العليم الشرقاوي من الضيفين أن يكون موضوع الحلقة : “رسالة المسيح ومبادئها”. بدأ القس فادي عبد المسيح البحث بالكلمات التالية: كتبت تعاليم يسوع على صفحات الأناجيل الأربعة، التي تحتوي على العبادات والمعاملات، بالإضافة إلى الوعود والصلوات والأدعية. نجد أيضاً مجموعة من الأمثال التي ضربها يسوع لقساة القلوب وللراغبين في قبول الحق، كما نجد نبواته عن الأمور المستقبلية مع دلائل عن مجيئه الثاني المجيد، والكلمات الأخيرة التي قالها قبل صلبه... فمن يرغب أن يتعرف على كل هذه الآيات الثمينة، عليه أن يقرأ الأناجيل مصلياً لله كي ينال القوة والحق. المعاملات سأل الشيخ محمد الفيلالي: ما هي شريعة المسيح عيسى؟ لأننا نجد في القرآن “فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ” (آل عمران 3: 50 والزخرف 43: 63) فما هي الوصايا التي يجب أتِّباعها؟؟ أجاب ناجي فياض: لخص يسوع وصاياه وأوامره في آية واحدة عندما قال: “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً” (يو13: 34). إنها وصية بالغة الأهمية، إذ كيف تجاسر المسيح وشرَّع تشريعاً جديداً، لم يطلب منهم أن يحبوا بعضهم بعضاً فحسب بل جعل محبته الخاصة مقياساً لشريعته الجديدة، ويمكن القول وبإيجاز ان عيسى هو شريعة العهد الجديد كما أن محمداً من خلال سنّته النبوية أتم شريعة الإسلام. أضاف التاجر البشير الدمشقي: هناك فرق كبير بين الشخصيتين، فعيسى أمر بتنفيذ محبته العظيمة كما عاشها وقدمها للجمع، بينما محمد أمر بالجهاد والقتال وسفك الدماء. لم يقصد المسيح إنشاء حكم دنيوي بل سعى إلى إنشاء مملكة روحية، بالمقابل رغب محمد في تنفيذ حكم الله على الأرض بكل ما أوتي من قوة. سأل الشيخ متولي صابر: ماهو موقف عيسى من القتال والجهاد ؟؟ لقد قرأت في الإنجيل بأن عيسى دعى أنصاره لتأسيس ملكوت الله على الأرض إلى الأبد. أجاب القس فادي عبد المسيح: قال يسوع أثناء محاكمته أمام الوالي الروماني بيلاطس: “أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي” (يو 18 :36-37). رفض عيسى تنفيذ مخطّطه بالوسائل السياسة، لأنه أراد أن يربّي الإنسان على الصدق والحق، ففضّل الجهاد الروحي مستغنيا عن الأسلحة ومستعينا بالحق. سأل الشيخ عبد الله السفياني: ما هوالحق؟ في أيامنا نجد طرقاً متعددة وكل واحدة منها تدعي بأنها تمثل الطريق الأفضل. أجاب ناجي فياض: تمعن في كلام يسوع، اختبر أقواله فتكتشف بنفسك الطريق الذي سيوصلك إلى السلام العام والشامل. “سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ” (متى 5: 43-45). قام الشيخ عبد السميع الوهراني من مكانه متهجما وقال: إذا أحببنا أعداءنا وسامحناهم باستمرار لعاملونا بما يحلو لهم، ظانين هذه المحبة خوفاً وضعفاً، فتكون بداية النهاية. لذلك أرى من الواجب علينا أن نكافح ونقاتل من أجل حقوقنا ونقاصص كل ظالم سوّلت له نفسه التعدي علينا. سأل الشيخ متولي صابر: كيف يمكنني أن أحب جاري الذي يخطئ بحقي وبحق زوجتي وأولادي باستمرار؟ إذا جازيته بالمثل لرد الصاع صاعين ولبدأت بيننا سلسلة ردود الفعل السيئة. أجاب القس فادي عبد المسيح: إن كل من يريد أن يسامح مثلما يسامحنا الله، عليه أن يفتح قلبه للمحبة الإلهية. ألم يرد في القرآن أن اتِّباع الشرع ومسامحة الآخرين هو الطريق الأفضل، فيحق لنا نحن النصارى أن نسامح أعداءنا لأن الله قد غفر لنا جميع خطايانا بواسطة كفارة يسوع المسيح؟ لم يغفر خطايانا فقط بل خطايا كل الناس حتى آثام أعدائنا. فلأجل كفارة يسوع يحق لنا أن نغفر للجميع كل ما يصدر عنهم. قاطعه الشيخ عبد السميع الوهراني فقال: كلام رَنَّان لكنه غير واقعي. لماذا نجد في بعض الدول قتالاً وحروباً بين المسيحيين والمسلمين، إذ رفضوا منحهم فرص عمل أو أمكنة للسكن. أنا لا أجد عند أتباع عيسى محبة تجاه خصومهم، وكل ما قلته من قبل هو عبارة عن حبر على ورق ليس إلا. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: على رسلك، لقد أرسل نبينا محمد أكثر من 60 صحابياً مضطهدين من قبل قريش إلى ملك الحبشة ليطلبوا الحماية واللُّجوء لدى النصارى، لأنه علم مسبقا أن أتباع عيسى رحماء يحبون أعداءهم ولن يستعبدوهم حيث نقرأ في القرآن: “...وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” (المائدة 5: 82). فلا ينبغي أن نتخذ سوء تصرف بعض المسيحيين كقاعدة عامة أو مقياساً نطبقه على الجميع . كثيرون منهم يتصفون بأمور نفتقدها ونحن في أمَسِّ الحاجة إليها. يقول القرآن: “ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً” (الحديد 57: 27). كم ستكون حياتنا جميلة لو أحب الناس بعضهم بعضا وسامحوا بعضهم بعضاً حتى يعم السلام كل البلدان والقبائل. إن العالم كله يتوق إلى ذلك الشخص الذي يأتي بقانون الروح، وينشر السلام على الأرض، عوض الحرب والدمار، ويحول البغض والكراهية إلى الحب والمودة. تدخل رياض العلمي لتوضيح الفكرة: إن الشريعة، بل كل الشرائع، قاصرة عن تغيير الإنسان، فإما أن تهديه أو تجزيه على عمله. بينما نحتاج إلى شريعة تجدد الذهن والفكر والروح. لقد رأينا أن شريعة المسيح لم تركز على القصاص والعقاب، بقدر ما اهتمت بمعرفة الأفكار والمقاصد والدوافع في دواخل الفرد، حتى تقهر وتحطم النوايا السيّئة وتطرحها جانباً. قال القس فادي عبد المسيح: أحسنت القول، لقد أدركت سراً مهماً وعميقاً، فيسوع لم يقصد إصلاح الشر بواسطة قوانين صارمة وزجرية، أو عن طريق الخوف والوعيد والترهيب ، بل ركز على تجديد الأذهان والأفكار، إذ قال: “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ” (متى 5: 27، 28). تابع ناجي فياض قوله: أوضح يسوع أن كل من يقول لأخيه “يا أحمق” أو أي قول غير محترم فقد استوجب نار جهنم، وكل من يحقد على أحد فهو في نظره قد ارتكب ذنباً عظيماً. “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ” (متى 5: 21، 22). إن شريعة المسيح عيسى تنفذ إلى القلوب حتى تنخس أصحابها وتدينهم على أعمالهم غير الصالحة، فلا يبقى أحد باراً بل الجميع أشرار. أمّا سؤالي فهو: ما هو هدف هذه الشريعة؟ وأين تنتهي؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: شريعة يسوع تماثل شريعة الله، فليست سيرته هي المقياس لسلوكنا وحسب، بل الله ذاته هو مقياس شريعتنا تصديقاً لقول ابن مريم: “فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ” (متى 5: 48). قال الشيخ عبد السميع الوهراني: أعوذ بالله من غضب الله، إن الله كبير (الله أكبر) فمن هو هذا الإنسان ؟– أليس بفان ومؤقّت– حتى يقارن نفسه بالله الأزلي الأبدي؟ كما أنه لا يحق للنجس أن يقترب من القدوس الطاهر، ولا الضعيف من القوي الجبار. فلو جاز للمتعالي أن يقيس فكره بأفكارنا لكانت نتائجنا صفراً على صفر. قال ناجي فياض: الله يحبنا كثيراً ويريد منا أن نحب كما أحبنا، ونرحم كما هو رحيم. فأبونا السماوي يريد أن يرفعنا إلى مستواه ويجعل من الخطاة أنقياء وأحباء حسب الروح، كي تظهر من خلال سلوكهم ملامح وصفات أبيهم الروحي. ردّ رياض العلمي: لواتخذنا من الكامل مقياساً لنا لاكتشفنا أننا دون المستوى المطلوب وفاسدين، عندئذ ستظهر أمامنا خطايانا بشكل جلي وواضح. فما هو الحل يا ترى الذي أوجده عيسى كي ينتشلنا من هذا اليأس المميت؟ أعلم أن المسيح لم يأت ليهلكنا بل لينقذنا وينجينا من الموت. العبادات أجاب القس فادي عبد المسيح: لم يقتصر يسوع على المعاملات والعقوبات فحسب، بل اعتمد أيضاً العبادات التي أولاها أهمية قصوى. لقد علّمنا الصلاة بطريقة جديدة، إذ قال: “وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ” (متى6: 5-8). سأل الشيخ عبد الله السفياني: ما هي الصلاة المستجابة عند الله؟ وما هي اللغة التي لا يجب علي أن أخاطبه بها؟ وهل بإمكانه أن يميز صوت ستة مليارات شخص أثناء صلواتهم؟؟ كما أسأل ومن خلال قول عيسى: ما هي الكلمات القليلة المستجابة عند الله؟؟ أجاب ناجي فياض: منح المسيح لأتباعه نموذجاً للصلاة، فلو أردت الفوز ورغبت أن تستجاب صلاتك احفظ هذه الصلاة عن ظهر قلب وتمعن فيها وادع بها ربك وسوف تجد استجابةً من مجيب الدعوات. سأل الشيخ متولي صابر: هل بإمكانك أن تخبرنا عن هذه الصلاة التي علّمها عيسى لأتباعه؟؟ أجاب ناجي فياض: إقرأ في إنجيل يسوع حسب البشير متى في الأصحاح السادس وابتداءً من الآية التاسعة فستجد نموذجاً لهذه الصلاة: “فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلاَّتِكُمْ” (متى6: 9-15). كيف نستطيع نحن العباد أن نسمي المجيد العظيم:”أبانا” إن الله هو خالقنا ونحن عباده وخاصته، فَمَنْ من المملوكين أو من العبيد يتجرأ على تسمية سيده بـ”الآب”؟ هذا الاسم يثير في نفسي كثيراً من التحفظات وأعتبره خروجاً عن اللياقة والاحترام. ان الله رب وسيد فكيف نصفه بـ”أبانا السماوي”. أجاب القس فادي عبد المسيح: الحق معك، ليس هناك إنسان مولود من روح الله إلا يسوع المسيح، وليس هناك من هو قدوس وكامل مثل الله. ولهذا السبب تجد أن يسوع هوالمستحق الوحيد أن يسمي الله “أباه” وبهذا أعلن لنا يسوع اسم الاب، وأشرك هذا الامتياز مع أتباعه الأحباء، وأدخلهم إلى هذا الحق كإخوة مستحقين مثله إلى صلاة خاصة. منذ ذلك الوقت أصبحنا أولاد الله بالتبني، نتمتع بكل الحقوق والواجبات، وكل متجاسر على تسمية الله أباه ينال حبّاً خاصّاً منه ويقبله كابن له. تمتم الشيخ أحمد البعمراني: هذه العبارة تفوق إدراكنا. إن كان الله أبانا فسوف يبث فينا صفاته الروحيه وقوته ومحبته حتى نستطيع أن نكون بحق أولاداً له، ونعيش كما يحب منا أن نكون عليه. هذا يعني أن كل خاطئ يتقدس والفاني يصير أبديا والأناني يصبح متواضعا. فلو صحَّ هذا القول تكون بداية عهد جديد لكل الحضارات ويكون تغيير جذري لكل ما هو موجود على الأرض. أجاب ناجي فياض: توصلت إلى نتيجة مهمة. فهذه هي الطلبة الأولى التي نتوجه بها إلى أبينا السَّماوي “ليتقدس اسمك”. إن الله قدوس في ذاته ولا يحتاج إلى تقديس منا، بل يريدنا أن نتقدس إلى النهاية، ونذكر اسمه كأولاد سالكين في محبة وطهارة. أرسل لنا روحه القدوس لنولد ولادة ثانية روحية، فالطلبة الأولى هي أن نطلب من أبينا أن يولد له أولاد بالروح وأتباع كثيرين على هذه الأرض، ويسلكوا حسب قداسته كي يمجده الجميع، وذلك حسب قوله: “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” متى 5: 16). لماذا يجب على المسيحي أن يطلب مجيء ملكوت الله على الأرض؟ هل كان الخميني على صواب عندما دعا إلى إنشاء حكم الله ومملكته على الأرض؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: كلا، إن أبانا السماوي لا يرغب في إنشاء دولة أو مملكة سياسية مبنية على القهر والظلم، بل يريد إنشاء ملكوت ابنه القدوس الذي قُـدِّم كفارة ليقدس به غير المقدسين كي يستحقوا أن يعيشوا في حظيرة أبيهم السماوي. إن هذه الطلبة تدعو إلى إخراج الأرواح النجسة من القلوب الملتوية حتى تنفتح ويحل فيها روح الآب والابن. ان الرب يدعوكم أن تنشروا ملكوته الروحي من خلال إيمانكم وصلواتكم وأقوالكم وأعمالكم. قال الشيخ عبد الله السفياني: مكتوب “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” هل هذه الفكرة تشير إلى القضاء والقدر، أي أن كل الأمور لا تتم إلا بحسب رغبة المتعالي وقصده، ولا يكون إلا ما يريد؟؟ أجاب ناجي فياض: أظن أن عندك أولاداً يرغبون في أن يكون مستقبلهم زاهراً، ويحبون أن يتعلموا في أحسن المدارس التي لم تتح لك الظروف أن تتعلم أنت فيها، وأن يحصلوا على عمل مريح أفضل من عملك الشاق. إذاً أنت تتمنى لهم الخير والأفضل. إذا كان الإنسان هكذا فكيف بالله “الآب السَّماوي” وما يريده لأبنائه أن يكونوا عليه. كتب الرسول بولس خلاصة إرادة الله بكلمات مناسبة، إذ قال: “لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللّهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ” (1 تيمو 2: 3-5). لقد صدق الكتاب، ألم تسمع بقوله “لا إله إلا الله وبأنّ عيسى رسول الله” اختاره الله حتى يكون وسيطا. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: تقريباً أصبت، ان عيسى إنسان وروح في نفس الوقت،وهو وسيطنا عند الله، وهدفه من التجسد والوساطة خلاص ونجاة البشرية لأن الله - كما قرأنا من قبل - يريد الخلاص والهداية للجميع، وهو لا يهدي البعض ويضل البعض الآخر، حاشا، بل يجذب كل قلب لاتِّباع خطوات المسيح عيسى. قال القس فادي عبد المسيح: علّمنا يسوع أن نهتم أولاً بالطلبات السماوية الثلاث المختصة بمقاصد أبينا السماوي، وعلَّمنا بعدئذ أن نصلي لأجل احتياجاتنا الخاصة. وأول ما نطلبه منه: “خبزنا اليومي الذي يكفينا”، فالله يمنح القوت والكسوة والأرض والمسكن والعمل والصحة والعائلة والسلام إذا آمنا به وطلبنا منه ذلك بكل يقين وإيمان. هو أبونا الحنون الذي يعطف على أبنائه ويحبهم حباً جماً لأجل وسيطنا يسوع المسيح. كما لا ننسى أن يسوع يشفع في طلباتنا، ولا محالة فهي مستجابة عند الله. ان طلبة الخبز اليومي تأتي في المرتبة الرابعة وليس في المرتبة الأولى، لأننا نطلب أولاً تنفيذ مقاصد أبينا الروحية، وبعد ذلك نسعى إلى أمنياتنا البشرية. قاطعه الشيخ متولي صابر: لماذا يجب علينا أن نصلي ونطلب من الله أن يمنحنا خبز يوم واحد فقط. إنه من الأفضل أن نطلب من الله قوت شهر كامل حتى لا نهتم فيما بعد بهذه الأمور التي تقض مضجعنا باستمرار. ابتسم الشيخ أحمد البعمراني: هل هذا كل ما تريد أن تكون عليه حياتك؟ هل هذا هو اهتمامك الأول؟ أريد أن أطرح عليك سؤالاً: مثلا، إن أقبل إليك ابنك وقال لك “أبي أعطني خبزاً وجبنة لأسبوع كامل” ماذا سيكون جوابك؟؟ ستقول له بطبيعة الحال “يكفيك خبز اليوم الواحد” لكن إن أجابك: “لا أعرف إن كنت ستعطيني الخبز فيما بعد”؟؟ بماذا ستجيبه؟ ستضمه إلى صدرك وتقول له: “إن أباك موجود لأجلك وهو سيعتني بك”. قال التاجر البشير الدمشقي: إن الطلبة الخامسة يحتاجها كل إنسان باستثناء يسوع المسيح، إذ يجب علينا أن نستغفر لربنا كل يوم لأجل خطايانا التي اقترفناها سواء عن قصد أو عن جهل، فالكل خاطئ، وليس هناك من هو أفضل وأحسن من الثاني . حتى محمد طلب من ربه المغفرة تقريباً أربع مرات حسب آيات القران (انظر: غافر40: 55، محمد 47: 19،الفتح 48: 2، النصر 110 :3 )، إذن يحق لنا أن نتواضع ونلتمس الغفران من الله. لكن لماذا يطلب يسوع في هذه الصلاة الغفران من الله مع العلم أنه طاهر ولم يقترف أي ذنب طوال حياته؟ أجاب ناجي فياض: لقد حمل يسوع المسيح خطايانا وذنوبنا على عاتقه لمحبته الفائقة لنا، كما أنه صلى هذه الصلاة نيابة عنا، ولنا يقين بأن صلاته وصلواتنا تأتي بغفران أكيد. هو مات لأجلنا حتى نعيش في سلام واطمئنان، وكفر عن خطايانا حتى نتبرر ونقف أمام الله “أبينا” أنقياء بفضل نعمته. فبسبب كفارة المسيح غفر لنا أبونا السماوي جميع خطايانا بشكل دائم ونهائي. أمّا رياض العلمي فقال متسائلا: ماذا تعني كلمة “كما” الواردة في الطلبة الخامسة؟ فهل معناها: “يا أبانا السماوي اغفر لنا بمقدار المغفرة التي نغفر بها للمذنبين إلينا”؟ وهل تعني أيضاً “يا أبانا لا تغفر لنا إن نحن لم نغفر للمذنبين إلينا”؟ إذا كان هذا صحيحاً فهي صلاة مخيفة لأنها تقسّي قلوب الناس بشكل تلقائي وتساهم في البغض واللعنة لغير الغافرين!! أجاب القس فادي عبد المسيح: غفر الله لنا كل خطايانا مجانا بفضل يسوع الفادي، الذي يريد منا أن نقتفي أثره ونغفر للجميع كل آثامهم بشكل شامل ونهائي، مثلما غفر لنا هو من قبل كي نكون بركة للآخرين كما باركنا هو. قاطع الشيخ عبد السميع الوهراني القس فادي عبد المسيح مانعاً إياه من إتمام كلامه مجيبا: كلام غير معقول، إنه لظلم كبير إذا سامَحْنَا كل قاتلٍ أو زانٍ أو سارقٍ ارتكب مثل هذه الأعمال الشنيعة، وغضضنا عنه الطرف كأن شيئاً لم يحدث، فنتيجة هذه المسامحة واضحة: ستعمّ الفوضى كل البلاد وهذا أمر غير عادل. إن كل آثم يستوجب العقاب والقصاص التام، ونقرأ في التوراة بأن “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة”، فمن يسامح بدون قيد أو شرط يكون مشاركاً في الجرم، وقد قيل “الساكت عن الحق شيطان أخرس”. أجاب ناجي فياض: نطقت بالصواب، لكن لا تنس أن يسوع صالح الخليقة مع الله عندما سفك دمه الذي سال على الصليب حسب شريعة الكفارة الوارد ذكرها في التوراة، ومنذ ذلك الوقت عمّ الغفران والنعمة والسلام والمحبة والمسامحة كل الأرض. فلأجل يسوع المسيح المصلوب تستحق أن تسامح كل الناس، كما أنك مدعو ان تكون إبناً لأبيك السماوي الذي ينتظر منك أن تغفر للآخرين كما غفر لك من قبل. لم يقتنع الشيخ عبد السميع الوهراني بهذا الجواب فتدخل قائلا: نفهم من هذه الصلاة النموذجية أن الله يقودنا نحو التجارب والامتحانات والصعاب الشاقة، فيصدق عليه بأنه يهدي من يشاء إلى النور ويضل من يشاء عن الهداية. أجاب القس فادي عبد المسيح: إنك لمغرور بعض الشيء، فإلهنا ليس إله طاغ وجبار يهدي هذا ويضل ذاك، لا يوجد أب يقود ابنه أو ابنته إلى التجربة والارتداد عن سبل الحق، بل يحذرهم ويرشدهم ليميزوا الخير عن الشر. فهذه الطلبة نتوجه بها إلى الأب حتى يحفظنا ويمنعنا من السير وراء الخطيئة. لاحظ الشيخ أحمد البعمراني: إن الإنسان ضعيف أمام القوى الخارقة، والضعيف دائما يبحث عمَّن هو أقوى منه ليحميه من كل أذى. هكذا صلاة عيسى المسيح التي كان الهدف منها التوجه إلى الله طلبا للحماية من سلطة الشرير. أوضح ناجي فياض: لقب المسيح الله باسم جديد “أبانا” وهذا اللقب هو أول ما ورد في الصلاة الربانية كما أنه سمى الشيطان باسم جديد وهو “الشرير” وهذا اللقب جاء ذكره في ختام الصلاة النموذجية، فبين هذين الاسمين “الآب” و”الشرير” تسير سيرتنا، إذ يقدم يسوع نفسه كشفيع لنا وملجأ لنا نلتجئ إليه إذا وثقنا به، فالقرار يرجع لكل واحد منكم. سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي: حدثتنا عن شريعة عيسى وعن صلاته النموذجية، هل هناك نصوص أخرى مهمة في الإنجيل يجب علينا معرفتها؟؟ |
||||
30 - 11 - 2014, 02:38 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
تطويبات المسيح أجاب القس فادي عبد المسيح: كل من يقرأ الإنجيل يجد فقرات فريدة من نوعها، تفوق نطاق بحثنا لهذا اليوم. لكن أقترح عليكم التعمق بشكل أكثر في تطويبات يسوع لأنها من مميزات الوحي الالهي، كما تعتبر من الكلمات التي افتتح بها يسوع شريعته، إذ بواسطتها قدم رسالة مشجعة ومعزية للجميع، فنجد فيها برنامجا لخلاص العالم كله بشكل منظم وواضح. قرأ الشيخ عبد العليم الشرقاوي: “وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. فَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ” (متى 5: 1-6). نشكر الله كثيرا لأن عيسى لم يُطَوِّب الأغنياء والأذكياء والأقوياء والوجهاء، بل اقتصر على الفقراء والمزدرين والضعفاء الذين أشركهم في تطويباته. أجاب ناجي فياض: اسمح لي أن أخبرك بأن يسوع لم يقصد الفقراء والمزدرى بهم فحسب بل قصد التائبين من كل الطبقات العليا أو الدنيا، الذين أدركوا بواسطة حلول الروح القدس فيهم أنهم خطاة، فانكسرت أنفسهم ونخستهم قلوبهم وبدأ روح الله العامل والفاعل فيهم يوبخ نفوسهم. فهؤلاء الأتقياء المتواضعين الذين وضعوا أنفسهم تحت قداسة الله هم المميزون. سأل الشيخ محمد الفيلالي: ماذا تعني عبارة أن ملكوت الله خاص بالتائبين والمساكين بالروح؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: لا يستطيع أي إنسان أن يتقدم إلى الله كما هو. الجميع محتاج إلى الانكسار والتوبة والاعتراف بخطاياه والندم عليها، حتى يستطيع نيل الغفران والتبرير، كل من يقبل عمل الله على الصليب ينال الغفران، ويدخل روح الله إلى قلبه التائب ليصبح عضوا في ملكوت الله الروحي ويعيش في ملء نوره البهي. فلا حياة بدون توبة ولا حياة بدون طاعة الله التي تعتبر مفتاح ملكوت السماوات. تدخل الشيخ عبد السميع الوهراني: كيف كان عيسى يطوب الحزانى؟ عندما تفقد المرأة زوجها أو ابنها تكون في قِمَّة الحزن، ومن الصعب على الإنسان أن يحدثها عن السَّعادة أو الابتهاج، وكما يقول المثل “الذي يده في النار ليس كالذي يده في الماء”. أجاب ناجي فياض: لم يتكلم يسوع في هذه الآية عن حزن العائلات أو حزن الشعوب المقهورة، بل قصد حزن التائب على خطاياه، إذ وعده بالتبرير والتقديس وبتعزية روحية أبدية. أمّا يسوع المسيح فإنه يقوي عزيمة اليائسين في مواجهتهم للموت، والحزانى في المصائب التي ألمت بهم، إذ يقدم لهم روح المعزي النازل من الله، الذي يغلب كل حزن مهما تكن قوته ومرارته، فروح المعزي هي الحياة الأبدية التي لن تضمحل مهما استغرقت من وقت، وكل من يقبل روح يسوع ينل تعزية وفرح في كل أمور حياته، ولن يعرف اليأس أو الاضطراب في ما بعد، لأن المسيح هو أملنا وفرحنا. لاحظ الشيخ عبد الله السفياني: لماذا يطوب عيسى الودعاء ويعدهم بإرث الأرض، مع أن الواقع عكس هذا تماماً، إذ نجد الأقوياء والجبابرة وفاحشي الثراء هم الذين يربحون ويرثون الأرض، أمّا غيرهم من الودعاء واللطفاء فيبقون خارج اللعبة، أي في الهامش، مُهْمَلين غير فاعلين لأن لا حول لهم ولا قوة. أجاب القس فادي عبد المسيح: أصبت إلى حد ما، لأن الحروب تهدم وتخرب أكثر مما تبني، فهي تخرب البلدان والأخلاق والصحة. أمّا الذين يبنون بلدانهم بعد الحرب فهؤلاء هم الأمناء الرحماء الباحثين عن السلام، وأكثر من ذلك فنحن لا نعيش في هذه الدنيا وحسب، بل حياتنا مستمرة إلى ما بعد الموت، حيث تكون هناك مقاييس ومعايير مغايرة. إن محبة الله ووداعة يسوع، ستشمل كل الرحماء والودعاء واللطفاء، أمّا الجبابرة والأغنياء والمتمردون فسيكون مصيرهم جهنم. يسوع هو الوديع المثالي بين كل الأنبياء، لذلك يتمتع بسلطان قوي يبيد به الدجال في آخر الزمان، وسيرث الأرض كلها، وكل من يتبعه في وداعته سيقف إلى جانب المنتصر الذي لا يُقهر، لأنه مطوب الودعاء والمعتني بهم. سأل الشيخ أحمد البعمراني: من هم الذين يجوعون إلى البر وكيف يشبعون، وما هو البر المقصود في هذه الآية؟؟ أجاب ناجي فياض: طوبى لكل متألم بسبب خطاياه ولا يجد سلاماً في قلبه، لأن يسوع المسيح أعد له طعاماً، هو بر الله الذي سيكفيه ويسد حاجاته إلى الأبد. يريد الله القدير أن يبرر الخطاة لأجل إيمانهم، لذلك مات يسوع عوضا عنهم، فمحبة الله أوجدت طريقة ناجحة متمثلة في صلب المسيح العظيم، وهو الأمر الوحيد الذي يضمن بر الله الكامل والأبدي . سأل الشيخ محمد الفيلالي: من يستطع أن يساعدني حتى أفهم قوله: “يشبع ولا يعطش أبداً”. هل يقصد المسيح هنا الغذاء السماوي الذي أنزله الله عليه عن طريق المائدة؟؟ أجاب ناجي فياض: كلا، لأن يسوع تكلم عن حمل الفصح المذبوح وعن الدم المرشوش على عتبة الأبواب الذي نجَّاهم من غضب الله - كما رأينا من قبل عندما تحدثنا عن العبرانيين في مصر وما جرى لهم مع فرعون وقومه - إذ كان يجب على العائلات أن تشوي الحمل المذبوح وتأكله مصحوباً بسُلطة وقوة المذبوح وكفارته حتى يمتزج بداخلهم وأنسجتهم ويصبح جزءاً لا يتجزأ منهم. يخبرنا المسيح يسوع في هذه الآية عن سلام الله وعن عطش القلب الذي لا يرويه إلا يسوع بعد قبوله للكفَّارة والفداء. استمر ناجي فياض في قراءة التطويبات: “طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللّهَ. طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللّهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ” (متى 5: 7-12). قد سمعت من يَرحم يُـرحم ومن يرجو تجارة لن تبور عليه بالزكاة والصّدقة حتى ينال أجراً مضاعفاً (انظر: سورة فاطر 35: 29-30). أجاب القس فادي عبد المسيح: لم يتكلم يسوع في هذه الآية عن الأعمال الصالحة التي تبرر الشخص، بل على عكس ذلك، إذ بعدما يتبرر الأثيم مجاناً تغمره رحمة الله المجددة وتملأ قلبه إلى أن يصير رحيماً ومباركاً، ليعين الآخرين المحتاجين لهذه الأمور. إن أعمال رحمتنا لا تبررنا بل هي ثمر من ثمار تبريرنا الإلهي الذي نناله مجانا من الرحمان الرحيم، وكل من لا يَرحم لن يُرحم وليس من أتباع يسوع المسيح ولا يمت إليه بأية صلة، لأن المسيح يطوِّب الرحماء الذين يرحمون الجميع. تكلم الشيخ عبد العليم الشرقاوي بصوت حزين وخافت: من يستطيع القول أنه يملك قلباً طاهراً لا دنس ولا عيب فيه؟ فقلب كل واحد منا لا يخلو من بقع سوداء تلطخه وتحجب عنه النور، مما يبعدنا عن معاينة الله عن قرب والعيش معه. أجاب ناجي فياض: ما أعظم نعمة الله المقدمة للإنسان. فالله القدوس والمحب يريد أن يقترب منا دائماً كي نعاينه عن قرب ونتغير إلى صورته، وكما قلت لا يوجد أي إنسان يستحق هذا الامتياز العظيم باستثناء الإنسان الذي غُسِل بدم يسوع ابن الله الذي شفع فينا وطهّرنا من كل إثم (يوحنا 1: 7) فنعمة الله هي هبة مجانية لكل المؤمنين، بفضل ابنه المحبوب الذي يطوب أنقياء القلب والراغبين في تنقيته. قال الشيخ أحمد البعمراني بكل تركيز وتمعن: كل من يريد أن يساير عدوين في نفس الوقت تحل عليه الضربات من كلتا الجهتين. لماذا يلقب عيسى صانعي السلام بأبناء الله؟؟ أجاب القس فادي عبد المسيح: يريد الله أن يتصالح مع خليقته التي ارتدت وابتعدت عنه، فأصبح الإنسان بعيداً عنه، وبعد أن أخذ الإنسان موقف العصيان للأوامر الإلهية، أعدَّ الله طريقاً كي يزيل ذلك الحاجز الذي يعيق الإنسان من الاتصال به وذلك بفضل إنجيله الذي ينشئ سلاماً على الأرض. لقد أسّسَ يسوع سلاماً بين الله والناس وضحى من أجل هذا السلام، وهذا من الأسباب التي جعلت يسوع الملقب بابن الله صانع سلام، وكل من يتعقب أثره في هذه الخدمة يقاسمه هذا اللقب وهذه الصفة. قال التاجر البشير الدمشقي: لماذا يُطَوِّب الإنجيل المضطهدين والمطرودين لأجل البر، أرى أنّ هؤلاء المساكين قد تخلوا عن بيوتهم وممتلكاتهم لأنهم فكروا بخلاف الآخرين ولم يكن قرارهم صائباً. أجاب ناجي فياض: ما هو الأهم: رِضى الله أو مدح الجماهير؟؟ هل محبة الله وطاعته أم الانجراف وراء تيار الجماهير؟؟ كل من يسبح ضد التيار أي ضد الفكر الدنيوي ومن يمثلوه يكون الله قد ألهمه فكراً جديداً، ومنحه رؤية لا يوافقه أحد عليها مهما كان توجهه. قال الشيخ متولي صابر: حتى أسرتك ستعارضك معارضةً شديدةً إن قدمت لها صورة مخالفة عما تعتقده عن الله أو عن المستقبل، فلن يتحملوك إذا وضعت شرفهم وتقواهم موضع سُؤال أو شَكٍّ. أجاب القس فادي عبد المسيح: كل من يتألم من أجل يسوع يطوبه، لأنه قد برهن باحتماله هذا أنه يحب الله ومسيحه أكثر من الذهب والشرف، ويكون قد تغلب على إغراءات إبليس ووساوسه، التي يبثها بين الحين والآخر في قلوب أعداء يسوع كي يتهموا أتباعه بكل الشرور. لكن المسيح قد عَلِم هذا من قبل وعزَّى أتباعه بقوله “لا تضطربوا ولا تحزنوا من الأكاذيب التي يبثها المعارضون ضدكم بل افرحوا وتهللوا وابتهجوا بهذا لأنكم ستشتركون في حمل عار الله”. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: توجد في الإنجيل مكافأة عظيمة لكل المضطهدين في سبيل المسيح، إن كل من يتبع عيسى ويتعذب من أجله يسعى لتجارة رابحة لن تبور، وهذا لا يقتصر على محبة الله فقط بل محبة الذات والمباهاة في الوقت نفسه. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: لا تستهزئ، هل تجد شرفاً إن أُلْصِقَتْ بك التُّـهم، وقيل أنك لص، وصُنِّفت ضمن النجسين غير المرغوب فيهم، ثم تلقيت نتيجة ذلك ضربات موجعة يتلوها تعذيب بالكهرباء، والتفنن في استخدام طرق جديدة، وذلك نتيجة ادعاء باطل؟ ليس هناك أي شخص يسعى إلى العذاب حتى يفوز بتجارة، فثمن البر أغلى من الدَّراهم المعدودة التي يمكن جنيها من الآلام والعذاب الشاق والنيل من الشرف والمهانة. قال القس فادي عبد المسيح: إن أحب أحدكم يسوع وشكره لأجل فدائه وآلامه، ثم شارك هذا الخبر السار أهله في البيت أو في المسجد، فلا يستغرب إذا تعرض للاضطهاد والضرب، وأعدوا له من القوة والمهانة ما استطاعوا. هكذا صار مع الأنبياء من قبل، إذ طُردوا من ديارهم والتجأوا إلى الجبال والأودية. أمّا يسوع فقد عزَّاهم وطوَّبهم وأكد لهم أن جوعهم، ودموعهم، وآلامهم، محسوبة ومقدرة عند الله أبيهم السماوي، الذي ينتظرهم وذراعاه مفتوحتان إليهم كي يحتضنهم ويخفف عنهم. |
||||
30 - 11 - 2014, 02:39 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
معجزات يسوع المسيح بحسب الإنجيل اتفق أصدقاء الحق، في آخر لقاء لهم، أن يقرأوا في بيوتهم بينات عيسى ومعجزاته كي يتحدثوا عنها في هذا اللقاء. وعندما اجتمعوا طلب منهم القس فادي عبد المسيح أن يقرأ كل واحد منهم، وبالتناوب، معجزة من معجزات يسوع المسيح. شفاء المسكون بالأرواح النجسة داخل المجمع قرأ الشيخ أحمد البعمراني: “ثُمَّ دَخَلُوا كَفْرَنَاحُومَ، وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ الْمَجْمَعَ فِي السَّبْتِ وَصَارَ يُعَلِّمُ. فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ. وَكَانَ فِي مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، فَصَرَخَ قَائِلاً: آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ، قُدُّوسُ اللّهِ! فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: اخْرَسْ وَاخْرُجْ مِنْهُ! فَصَرَعَهُ الرُّوحُ النَّجِسُ وَصَاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَخَرَجَ مِنْهُ. فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: مَا هذَا ؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ! فَخَرَجَ خَبَرُهُ لِلْوَقْتِ فِي كُلِّ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْجَلِيلِ” (مرقس 1: 21-28). كان يسوع المسيح تقيا ورعا يدخل بشكل منتظم إلى الكنيس (مسجد اليهود ) لا ليسمع ما يُقرأ ويُشرح، بل لكي يعلِّم أيضاً. وكان هناك إنسان به روح نجس، فلما أحس باقتراب المسيح منه، وشعر بسلطانه صرخ بصوت عظيم وقال: “يا يسوع هل أتيت حتى تهلكنا، إنك تملك سلطاناً، أنت قدوس الله”. أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: لم يسمح عيسى للروح الشرير بالكلام، لأنه لم يرغب أن يؤمن به الناس على أساس هذا الكلام، لذلك منع ابن مريم الروح من الاستمرار في التخاطب معه، فطرده بأمر واحد “أُخرج” ففارقه الروح في الحال ثم أعقبته صرخات مرعبة. عيسى يملك سلطاناً على الأرواح النجسة التي تخافه وتخضع لكلامه وأوامره. عندما يدخل المسيح أية قبيلة أو بيت يتطهر المكان من كل ما هو نجس، لأن الأرواح النجسة تهرب من أمامه باستمرار. شفاء الأبرص قرأ التاجر البشير الدمشقي: “فَأَتَى إِلَيْهِ أَبْرَصُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ جَاثِياً وَقَائِلاً لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي! فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ، فَاطْهُرْ. فَلِلْوَقْتِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ وَطَهَرَ. فَانْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْوَقْتِ، وَقَالَ لَهُ: انْظُرْ، لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ شَيْئاً، بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ. وَأَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وَابْتَدَأَ يُنَادِي كَثِيراً وَيُذِيعُ الْخَبَرَ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةً ظَاهِراً، بَلْ كَانَ خَارِجاً فِي مَوَاضِعَ خَالِيَةٍ، وَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ” (مرقس1: 40-45 قارن أيضاً متى 8: 2-4 ولوقا 5: 12-16). ما الفريد في هذه المعجزة؟؟ أجاب الشيخ محمد الفيلالي: البرص مرض خبيث ليس باستطاعة أحد أن يشفى منه بشكل كامل، أمّا هذا الأبرص فيظهر أنه قد سمع عن قدرة عيسى على الشفاء، وأنه يحب المرضى فآمن به وتقدم إليه قائلا: “إن أردت تقدر أن تطهرني”، لم يشك المصاب في قدرة المسيح الشفائية. أجابه الشيخ عبد العليم الشرقاوي: قرر عيسى أن يشفيه على الفور، إنه دائماً يبحث عن المرضى والمحتاجين. تحنَّن على المسكين المتألم ومد يده ولمس جلده المريض، رغم تراجع الجميع إلى الوراء خوفاً من انتقال العدوى إليهم. فوجه المسيح كلامه إلى الأبرص وقال بصوت عال: “أريدك أن تطهر فاطهر... “ما أعظم هذه الكلمات الموجهة إلى الأبرص، وكذلك إلى كل واحد منا، لأنه يريد أن يطهرنا من كل نجاساتنا. فمن يؤمن بكلمته يختبر قدرته على التطهير والشفاء. أضاف رياض العلمي: نقرأ في هذا النص أن يسوع المسيح بعد ما خاطب المريض اختفى المرض مباشرة، وأصبح جسم هذا الشخص نقياً طاهراً كما كان يوم ولادته. لقد راقب الجميع عملية الشفاء بأُم أعينهم. لكن لماذا منع عيسى المريض أن يخبر الآخرين بهذه المعجزة العظيمة؟ لو سمح له بذلك لكانت أفضل دعاية للمسيح؟؟ أجاب ناجي فياض: لم يرد يسوع أن يكسب الناس بواسطة معجزات وشفاءات باهرة، بل تمنى أن يعرفوا الخطيئة، ويندموا عليها، ويتوبوا توبة نصوحة صادقة، فإن لم يندم الخاطئ على آثامه، وينسحق أمام الله، فلن يتأصل الإيمان في قلبه. أمر يسوع المشفى أن يذهب إلى الكهنة، ويقدم ذبيحة الإثم لكي لا يقتصر على التطهير الجسدي فحسب، بل أن يطهر نفسه النجسة. إن يسوع يريد شفاء كل الأمراض، غير أن شفاء النفس تحظى بالأولوية والإهتمام. شفاء غلام الضابط الروماني قرأ الشيخ عبد السميع الوهراني: “وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ يَا سَيِّدُ، غُلاَمِي مَطْرُوحٌ فِي الْبَيْتِ مَفْلُوجاً مُتَعَذِّباً جِدّاً فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ فَأَجَابَ قَائِدُ الْمِئَةِ · يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. لأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهذَا اذْهَبْ فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ اِيتِ فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ افْعَلْ هذَا فَيَفعَلُ فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَه اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً بِمِقْدَارِ هذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إلى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ · اذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ فَبَرَأَ غُلاَمُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ” (متى 8: 5-13، قارن أيضاً لو7: 1-10 ويو4: 46-53). كانت مدينة كفر ناحوم ملتقى لطرق البعيدة والقريبة من مصب الأردن في بحيرة طبرية. وقد اختار يسوع هذه المدينة مقراً له، إذ أجرى فيها معظم معجزاته، وكان الرومان قد أسسوا فيها ثكنة عسكرية صغيرة تتكون من مئة جندي ليوفروا النظام ويُشيعوا الاستقرار. قال الشيخ عبد الله السفياني: إذاً، فقائد جيش المستعمرين في كفر ناحوم تقدم شخصياً إلى يسوع المسيح طالباً منه شفاء غلامه، وهذا يعني أنه كانت ليسوع اتصالات مشبوهة وواضحة مع عدو الأمة. أجاب ناجي فياض: تمهل، لم يتقدم يسوع إلى قائد المئة، بل الضابط هو الذي أتى إليه طالبا منه، بكل تواضع واحترام، عدم الدخول تحت سقفه، كي لا يتهم بأنه عميل للرومان، وكان هذا الضابط يؤمن بأن كل الأرواح والأمراض تخضع لسلطة يسوع وتطيع أوامره، بدون أي عناد أو شرط مسبق، حتى ولو كانت بعيدة عنه. كانت تصله كل الأخبار عن يسوع المسيح من خلال أعوانه وأتباعه الذين يجولون في المنطقة، فأدرك أنه ليس بثائر سياسي بل هو رجل دين له سلطة الله. أجابه التاجر البشير الدمشقي: تعجب يسوع من إيمان القائد ومن أنه يدرك محبة الله لكل العالم، فأثبت له المسيح أنه سوف يجلس مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات لأجل إيمانه به. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: إن أكثرية اليهود لم يؤمنوا بالمسيح فبشرهم بالعذاب الأليم، أمّا غلام الضابط فشفاه من مسافة بعيدة جداًّ دون أن يلتقي به أو حتى يلمسه، وذلك بفضل إيمان سيده. شفاء المفلوج يوم السبت قرأ الشيخ عبد الله السفياني: “ثُمَّ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ، فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ. وَلِلْوَقْتِ اجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلاَ مَا حَوْلَ الْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِالْكَلِمَةِ. وَجَاءوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْجَمْعِ، كَشَفُوا السَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا السَّرِيرَ الَّذِي كَانَ الْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ. وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ؟ فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا. قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إلى بَيْتِكَ. فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللّهَ قَائِلِينَ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا قَطُّ!” (مرقس2: 1- 12 قارن أيضاً متى 9: 2-8 ولو5: 17-26). لم يقدر المفلوج أن يمشي من تلقاء نفسه، أمّا أصدقاؤه فكانوا متحمسين للقاء عيسى، فحملوه وسط ازدحام الجموع عجزوا عن التقدم به أكثر، خطرت ببالهم فكرة الصعود إلى السطح، فأحدثوا فيه فتحة، ولشدة حماسهم دلوه منها ووضعوه أمام يسوع المسيح. فلو قدَّر الله وفعلوا هذا في منزلي، لوبختهم ولألقيت بهم من على السطح إلى الأسفل. أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي: نظر يسوع إلى الشخص الذي وُضع أمامه وعَرف السبب الخفي لمرضه، فغفر له خطاياه أولاً، حتى يتمكن من شفائه جسديا. فيسوع المسيح هو الفادي الحقيقي الذي له سلطة غفران الخطايا. قاطعه الشيخ عبد السميع الوهراني فقال: أعوذ بالله، ليس هناك من يغفر الخطايا إلا الله، وسوف يخبرنا سبحانه وتعالى يوم الحساب من هم الذين غفر لهم ومن أمسك عنهم مغفرته. استمر الشيخ عبد العليم الشرقاوي في حديثه: عرف عيسى بأفكار المتدينين الذين فكروا بمثل ما قلته الآن، فقال لهم: “ما هو الأسهل: أن يقول أحدهم مغفورة خطاياك، أو احمل سريرك وامش؟” فأخْرج المسيح خصومه حتى يكرموا الحق. لذلك قال للمفلوج: “قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك”. قال ناجي فياض: ليفكر كل واحد منا في قول يسوع المسيح، ما هي أهم نقطة في كلمات يسوع: “مغفورة لك خطاياك، أم قم واحمل سريرك وامش”؟ ربما لاحظتم أن يسوع في تواضعه سمى نفسه “ابن الإنسان” وليس “ابن الله”. فروح الله الحال فيه منحه أحاسيس ومشاعر. ومع كونه إنساناً حلَّ فيه روح الله في الوقت نفسه، وروح الله هذا هو الذي أعطاه سلطة غفران الخطايا وإجراء المعجزات والآيات الخارقة. |
||||
30 - 11 - 2014, 02:39 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: آية للناس
إقامة بنت رئيس المجمع “فَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جَاءُوا مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: ابْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ الْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟ فَسَمِعَ يَسُوعُ لِوَقْتِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي قِيلَتْ، فَقَالَ لِرَئِيسِ الْمَجْمَعِ: لاَ تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ. وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً يَتْبَعُهُ إلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ، وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ. فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ وَرَأَى ضَجِيجاً. يَبْكُونَ وَيُوَلْوِلُونَ كَثِيراً. فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. أَمَّا هُوَ فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا وَالَّذِينَ مَعَهُ وَدَخَلَ حَيْثُ كَانَتِ الصَّبِيَّةُ مُضْطَجِعَةً، وَأَمْسَكَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وَقَالَ لَهَا: طَلِيثَا قُومِي (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا صَبِيَّةُ، لَكِ أَقُولُ قُومِي). وَلِلْوَقْتِ قَامَتِ الصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ، لأَنَّهَا كَانَتِ ابْنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتاً عَظِيماً. فَأَوْصَاهُمْ كَثِيراً أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ بِذلِكَ. وَقَالَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ” (مرقس5: 35-43 قارن أيضاً متى 9: 18-26 ولو 8: 41-56). لم يكن لعيسى أي اتصال بالضابط الأعلى للقوة الاستعمارية في كفر ناحوم فحسب، بل تقدم إليه رئيس المجمع الديني اليهودي أيضاً لشفاء ابنته المحبوبة، فأدرك الجميع مدى أهمية يسوع المسيح وقداسته . قال ناجي فياض: عندما أخبر الخادم والد الصبية بموت ابنته المريضة، تدخل يسوع على الفور وطلب منه عدم الخوف بل أن يؤمن فقط حتى تُشفى ابنته. فنقرأ كلمة “لا تخف” والتي ترد “365” مرة في الكتاب المقدس، على عدد أيام السنة، كأن الرب يقول لنا كل يوم بيومه “لا تخف” وهذا يعطينا القوة حتى لا نضطرب من الأمور الملموسة في هذه الدنيا، بل أن نبني رجاءنا على الله وكلمته وروحه فقط . فربنا ليس إله الأموات بل رب الأحياء. قال الشيخ متولي صابر: رافق عيسى المسيح الأب الحزين الحائر (المحتار) بين قول الخادم النَّاعي بالموت وقول المسيح المبشّر بالحياة، فذهب معه إلى بيته إذ وجد النساء يولولن، ويشددن شعرهن، ويلطمن خدودهن، فحاول المسيح أن يخفف من حزنهن وأخبرهن بأن الصبية لم تمت بل نائمة، وسوف يقيمها بعد حين، فاستهزأن به لأنهن لم يستوعبن كلامه جيداً. أضاف الشيخ عبد العليم الشرقاوي: أمسك يسوع بيد البنت الميتة وأمرها بلطف أن تقوم، فقامت فوراً ملبية نداءه وبدأت تمشي في الغرفة. لقد اخترق صوت المسيح جدار الموت، إذ أن الأموات لا يسمعون لأي صوت سوى صوت المسيح. فكل من يسمع له ويلبي دعوته يحيا، وكلمته محيية لأن الذي يقيم واحداً من بين الأموات، كما جاء في القرآن، كأنه أقام كل الأموات. قال الشيخ عبد الله السفياني: لا أرى في تصرف عيسى أي منطق، إذ منع أهل البيت الحائرين بين الفرح والحزن من إخبار الآخرين بقيامة ابنتهم. الكل يعلم أن البنت قد توفيت، غير أن المسيح أصر على عدم إعلام الآخرين حتى لا يؤمنوا به من خلال معجزاته بل أن يختبروا محبته وقداسته وبره. فتح أعين الكفيفين قرأ الشيخ متولي صابر: “وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ تَبِعَهُ أَعْمَيَانِ يَصْرَخَانِ وَيَقُولاَنِ ارْحَمْنَا يَا ابْنَ دَاوُدَ وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ الأَعْمَيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ أَتُؤْمِنَانِ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ هذَا؟ قَالاَ لَهُ نَعَمْ يَا سَيِّدُ حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً بِحَسَبِ إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا. فَانْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً انْظُرَا، لاَ يَعْلَمْ أَحَدٌ! وَلكِنَّهُمَا خَرَجَا وَأَشَاعَاهُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ كُلِّهَا” (متى 9: 27-31). كان المكفوفان عنيدين، فهما لم يريا عيسى لكن سمعا أنه قريب منهما. وعندما لم يهتم بهما أحد من المارة لكثرة انشغالهم، صرخا بصوت عال ولمرَّات متتالية، لكن لم يتلقيا أي جواب. كما أن المسيح تجاهلهما ولم يجبهما على الفور ممتحنا إيمانهما. فقوة إيمانهما دفعت بهما أن يبحثا ويلتمسا الطريق المؤدي إلى البيت الذي دخله المسيح. ودخل المكفوفان البيت عنوة، وهي الفرصة الأخيرة لنيل شفاء كامل. سأل الشيخ متولي صابر: ماذا يعني لقب “ابن داود” ولماذا لم يسمياه باسمه الخاص؟؟ أجاب ناجي فياض: قرأنا في لقاء سابق كيف أن رب العهد أوحى بواسطة النبي ناثان للملك داود: “مَتَى كَمِلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً. إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ النَّاسِ وَبِضَرَبَاتِ بَنِي آدَمَ” (2صم 7: 12–14). أضاف الأستاذ رياض العلمي: لم يسألهما عيسى عن مرضهما ولا عن آلامهما، بل ركز اهتمامه على إيمانهما، فلمس أعينهما بإصبع يده المليئة بالمحبة والقوة، فشعرا بتيار الرحمة يخرج من ابن داود ليحل عليهما وتتفتح أعينهما. أضاف القس فادي عبد المسيح: أمرهما يسوع - بعدما فتح أعينهما - أن ينسيا من فعل بهما هذه المعجزة، وأن يحمدا الله الذي خلصهما وأخرجهما من الظلمة التي كانا يعيشان فيها من قبل، وأن يُسَبِّحا لابنه المسيح. كما أمرهما أن يكونا مبصرين بالروح القدس، وأن يتعمقا في هذه المعجزة، لأن المسيح أراد أن يفتح أعين قلبيهما بالإضافة إلى اعينهما الجسدية، وطلب منهما أن لا يخبرا احداً بهذه المعجزة، بل أن يعيشا حياة مستقيمة. إقامة شاب ميت قرأ ناجي فياض: “وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ إِلَى مَدِينَةٍ تُدْعَى نَايِينَ، وَذَهَبَ مَعَهُ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ ابْنٌ وَحِيدٌ لِأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا ·لاَ تَبْكِي . ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ ·أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ . فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللّهَ قَائِلِينَ ·قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللّهُ شَعْبَهُ . وَخَرَجَ هذَا الْخَبَرُ عَنْهُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ” (لوقا 7: 11-17). ما أعظم هذا المشهد! لقد كان مع المسيح عيسى جمع كثير مليء بالحياة والرجاء. لكن عندما اقتربوا من باب مدينة نايين انضم إليهم جمع آخر مليء بالحزن واليأس، فنرى هنا مسيرتين: الحياة تصطدم بالموت. أجابه الشيخ عبد العليم الشرقاوي: رأى يسوع شاباً ميتاً يحمله أصدقاؤه في نعش، وعلم أنه وحيد أمه الأرملة، فتحنن ولمس النعش. منع الأرملة من البكاء، وبدون أي مقدمات أمر الميت الذي بدا الفساد يعم جسمه قائلاً: “لك أقول قم”، فواجه يسوع الموت واخترق صوته السكون والحزن ليستقر في نفس الميت، لأن الأموات يسمعون صوت ابن الله فهو روح محيي. قال الشيخ عبد الله السفياني: جلس الميت منتصباً فالتفت يميناً ويساراً متعجباً ومستغرباً معتقداً بأنه بعث من الموت للدينونة، فتعجب الجمع واخذتهم الدهشة، وارتعبوا من الحي الجالس بينهم أكثر من الميت، وشعروا بقوة الله القدوس واختبروا نجاته ودينونته. قال الشيخ عبد السميع الوهراني: إنهم لم يسموا عيسى “ابن الله” بل لقبوه بـ “نبي” ومجدوا الله على معجزاته وبذلك أدركوا الحقيقة الفعلية. قال القس فادي عبد المسيح: الحق معك، لأن أعينهم لم تنفتح بعد إذ كانوا أمواتاً في الذنوب والخطايا. لم يروا إلا العمل الظاهري فلم يدركوا قوته بعد لأن قلوبهم لا تزال مظلمة وكفيفة. الإسراع إلى كفر ناحوم قرأ الشيخ متولي صابر: “فَانْصَرَفَ يَسُوعُ مَعَ تَلاَمِيذِهِ إِلَى الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَمِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَمِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ أَدُومِيَّةَ وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. وَالَّذِينَ حَوْلَ صُورَ وَ صَيْدَاءَ، جَمْعٌ كَثِيرٌ، إِذْ سَمِعُوا كَمْ صَنَعَ أَتَوْا إِلَيْهِ. فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ أَنْ تُلاَزِمَهُ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ لِسَبَبِ الْجَمْعِ، كَيْ لاَ يَزْحَمُوهُ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَفَى كَثِيرِينَ، حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهِ لِيَلْمِسَهُ كُلُّ مَنْ فِيهِ دَاءٌ. وَالأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ حِينَمَا نَظَرَتْهُ خَرَّتْ لَهُ وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: إِنَّكَ أَنْتَ ابْنُ اللّهِ! وَأَوْصَاهُمْ كَثِيراً أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ” (مر 3: 7-12). أتعجب من أين أتت هذه الجماهير كلها إلى يسوع محرر الكون. لقد أقبلوا إليه بدون استعمال وسائل النقل مثل السيارات أو الطائرات، بل كانوا إما ماشين على أقدامهم أو راكبين على دوابهم، وأتوا من الأردن ولبنان ومن القدس واليهودية، إذ سمعوا عن قوته في شفاء كل المرضى وإقامة الأموات. فأدرك الجميع بأن السماوات مفتوحة لدعواته وطلباته، وأرادوا اغتنام الفرصة ليحصلوا منه على الشفاء والبركة. قال الأستاذ رياض العلمي: ازدحم الناس أمام ابن داود حتى يلمسوا ثيابه، لتستقر قوته بأجسادهم الضعيفة، وينالوا الشفاء بواسطة اتصالهم الإيماني بالله. فالمؤمن دائماً يستمد القوة من يسوع المسيح. قال الشيخ محمد الفيلالي: كان الحواريون محتارين وخائفين، لأنهم لم يعرفوا إلى أين يذهبون حتى يتمكنوا من الأكل والشرب، والقيام بالتزاماتهم الجسدية بعيداً عن الجموع، فلم يجدوا طريقة أفضل من تجهيز قارب يبتعد فيه المسيح عن الجموع. فأسرعت الجماهير إلى شاطئ البحيرة لتسمع المسيح، وقد ساعد الماء الهادئ في سهولة بلوغ كلامه إلى مسامعهم. قال القس فادي عبد المسيح: أينما حلّ يسوع المسيح أو ارتحل، لابد وأن نجد الأرواح الشيطانية تثور، لأن كل المجانين يرمون بأنفسهم أمام قدميه. ونجد بأن المسكونين بالأرواح النجسة يصرخون من شدة الرعب والخوف من روحه الطاهرة “نعلم يقيناً من أنت. أنت ابن الله وقد أتيت لتهلكنا”. لم يرد يسوع من الجماهير أن تؤمن به على أساس أرواح كاذبة أو مُدَّعيَّة، بل حاول أن يكسب كل فرد بمحبته، ومن خلال كلماته الصادقة. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كن للناس وطن |
فوت للناس |
فوت للناس |
مش للناس |
كل خطية وتجديف يغفر للناس . وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس |