"وإذ كان لم يَزَل بعيداً رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبَّله"
(لو 15: 20 )
ما أروع هذا الـمَثَل الذي يكلمنا عن النعمة الغنية المتفاضلة من إله كل نعمة للابن الضال المسكين؛ الذي بحسب الناموس يستحق كل لعنة وبُغضة. فهو الابن المسرف الزاني الذي يستحق أن "يرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت" (تث 21: 18 -21) لكونه عاصياً ومارداً. أما النعمة فلها طريق آخر؛ طريق ثلاثي كالآتي:
...
(1) الترحيب العجيب : إذ يقول المسيح "وإذ كان لم يَزَل بعيداً، رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبّله". فالذي قطع الرحلة كلها هو الآب ذو القلب العافي الكبير، الذي غطاه تماماً بالقبلات آلتي تعنى أن الآب قد سامح ابنه.
(2) التأهيل العجيب : فالآب لم يكتفِ بالترحيب، بل عمل كل ما يلزم للتأهيل، وهذا التأهيل كالآتي:
أ - أخرجوا الـحُلة الأولى وألبسوه: والـحُلة الأولى ترمز إلى شخص المسيح نفسه الذي صار كساء المؤمن أمام الله.
ب - اجعلوا خاتماً في يده: والخاتم يشير إلى ختم الروح القدس وسُكناه في المؤمن الذي يؤكد له أنه صار ابناً لله.
ج - حذاء في رجليه: يفصله عن نجاسات الأرض لكي يسلك السلوك الجديد.
ما أعجب هذه القصة ! فلقد رأى الآب ابنه الراجع بعيني النعمة، وركض نحوه برجلي النعمة، وعانقه بذراعي النعمة، وقبّله بشفتي النعمة، ثم قال لعبيده أروع كلمات النعمة، وقدم لابنه وليمة النعمة.
أتظل أيها القارئ العزيز بعد هذا محروماً من النعمة الغنية آلتي أنعم بها الآب علينا في المحبوب؟ ألا تحب أن يكون لله نصيب في موسيقى النعمة الشجية آلتي ترن في أسماعنا؟
ويختم المشهد بهذه العبارة الجميلة آلتي تدل على أن الأفراح آلتي نبدأها هنا تستمر معنا لنواصلها عن قريب في مكان أمجد؛ في بيت الآب في السماء.
أسرع أيها العزيز ليكون لك نصيب في هذه النعمة الغنية، فإن إله كل نعمة ينتظرك