|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أوَما تعلمون أنَّ أجسادكم هيكل الروح القدس االشماس جورج اسكندر تقام المسابقات في كلّ عام، لانتخاب ملكات الجمال، وتتنافس وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون للحصول على حقوق بث هذه المسابقات، وتغطيتها إعلاميّاً. هكذا تتدافع مئات الفتيات من البلدان كلّها وراء حلم المشاركة في هذه المسابقات، لنيل قصب السبق في هذه المباريات العالميّة. وكلّ واحدة منهنَّ تحدوها الرغبة على أن تتوَّج يوماً ملكة، لكي تكون قبلة أنظار العالم طيلة عامٍّ كامل، بحيث يسارع نحوها الصحفيّون ومندوبو وكالات الأنباء العالميّة، ومصورو التلفزيون بأجهزتهم وأضوائهم، فتتحوَّل إلى نجمة متألقة في سماء العالم. وتخضع مقاييس الجمال في هذه المسابقات إلى معايير دقيقة، إذ لا بدّ من تعرية الجسد وأخذ المقاييس. هكذا يغدو الجسد سلعة معروضة، يتفحّصها الحكام ليسجّلوا ملاحظاتهم، إذ عليهم في النهاية أن يصدروا قرار الانتخاب العادل..! لا شكّ في أنّ للجسد أهميته الكبيرة في حياة الإنسان، فهو يشارك النفس البشريّة مصيرها، كما أنَّه وسيلة التعبير وأداة العمل، والصورة الخارجيّة الزاهية التي تعبّر عن جمال النفس وأصالتها وقيمتها. ولعلّ قيمة الجسد وعظمته تظهران بأبهى صورة في تجسّد ابن الله يسوع المسيح, فبتجسُّده أعطى جسد الإنسان مكانةً وعظمةً ومجداً, لا يمكن لأحدٍ أن يسبر أبعاده كلّها. الجسد ليس سلعة للعرض ولا نهباً مُتاحاً للعيون النهمة أينما سرت في المدن الكبرى، سواء في السّاحات أو في الشوارع الرئيسيّة، تطالعك صور الأجساد نصف العارية، معروضة في الإعلانات ولوحات الدعاية، وواجهات المحلاّت التجاريّة ودور السينما. لقد غدا جسد الإنسان رخيصاً ونهباً للعيون النهمة، وهذه الصوّر تمثّل كبار النجوم في العالم، فهم يمثّلون في نظرهم مدرسة لهذا الجيل، فيهرع الآلاف من الشابات والشبان، إلى تقليدهم في اللباس والزيّ والحركات والرقص، فتقع الطامة الكبرى. إنَّ لجسد الإنسان حرمة لا يجوز انتهاكها، وتعرية الإنسان انتهاك لكرامته البشريّة، مهما كانت المسوّغات الزائفة التي تُساق لتبرير ذلك. لقد اكتشف الإنسان عريه حين سقط في الخطيئة. يعلّمنا الكتاب المقدس، أنّ الإنسان بعد مخالفته وصيّة الله، وتمرّده عليه اكتشف أنّه عارٍ، وعندئذ اختبأ من وجه الربّ. نقرأ في سفر التكوين: «فنادى الربّ الإله آدم وقال له: أين أنت..؟ فأجاب: سمعت صوتك في الجنّة فخفتُ،ولأنّي عريان اختبأت» (تكوين 3/9-10). إنّ العريّ هو حالة من الخزي والعار والتردّي، تدفع إلى الاختباء والهروب من وجه الربّ، وليس مجالاً للفخر والظهور والاعتزاز. أمّا الاحتشام في اللباس والسلوك، فهو علامة لنبل الإنسان وانتمائه إلى خالقه، تبتغي الحفاظ على صورته البريئة الأولى وكرامته كابن لله مخلوق على صورته. لذلك تحيط جميع الأديان التوحيديّة جسد الإنسان بهالة من الاحترام والتكريم، وتحافظ على حرمته، فيصلّى على جثمان المتوفى في المعبد قبل مواراته في الثرى، ويعتبر ذلك الواجب الأوّل لذوي المتوفى وأقاربه وأصدقائه. الويل لمن يعرّض غيره للخطيئة " متى 18/7 " يحمل هذا الإنذار كلّ معاني التقدير للإنسان، والحرص على خلاصه، فهو التعبير الكامل عن المحبّة، ينطلق من قلب المسيح الدامي، الذي جاء ليخلّص الإنسان، ويدفع ثمن الخلاص بدمه الطاهر. ومن يمكن أن يكون أشدّ حرصاً على الإنسان، وأعظم غَيرة على خلاصه من المخلّص وفادي الجنس البشري الأوحد...!؟ هذه الصرخة التي تتجاوز حدود الكون في الزمان والمكان، هل تجد آذاناً صاغية وسط عالم اليوم المليء بالشكوك والعثرات، التي يتسبّب بها أولئك الذين صمّوا آذانهم، وأغلقوا عيونهم عن رؤية الحقيقة. هل يدرك الشبان والشابات عِظَم مسؤوليتهم، حين يتسبّبون عن علم أو عن جهل بسقوط الكثيرين في عالم الخطيئة..؟ وذلك بلباسهم الفاضح وسلوكهم المشين. وهل يفكّر هؤلاء في المراهقين وفي نيران الشهوة، التي يلهبون بها مشاعرهم، حين يرتدون الألبسة الفاضحة التي تفصِّل الجسد بكلّ تفاصيله..؟ وهل يأبه هؤلاء العراة المكتسون بغلالات شفافة، بالشرّ الذي ينتج من تصرفاتهم تلك..؟ فليس أفصح دلالة على العقاب الذي ينتظرهم، من قول الربّ له المجد: «من عرَّض أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي للخطيئة، فأولى به أن تعلّق حجر الرحى في عنقه، ويلقى في لجّة البحر» (متى 18/6). بيتي بيت الصلاة يدعى " متى 21/13 " لقد شدّد السادة الأساقفة رؤساء لطوائف المسيحيّة باستمرار على ضرورة الاحتشام في اللباس في الكنائس، ولاقت دعوتهم تلك استجابة من غالبيّة المؤمنين. إلاّ أننّا نلاحظ أنّ البعض ما زال مستمراً في غيّه، ومستخفاً بالدعوات المستمرة إلى الالتزام بلباس لائق ببيت الله، وحجّتهم في ذلك أنّ تطوّر العصر والمفاهيم يحتّم على الجيل الجديد اتباع نمط معيّن، وطريقة حديثة في اللباس تواكب العصر. هكذا يسمّون العبوديّة المطلقة لتيارات غريبة وعجيبة تحرّراً وتقدّماً إنّهم يتبجّحون بالتعابير الجوفاء تغطية لتجاوزهم كلّ الأعراف والتقاليد والقواعد الإيمانيّة، التي تحتّم احترام بيت الربّ وحومة دور العبادة. وإذا كان الربّ له المجد ينذر بالويل من يعرّض غيره للخطيئة في أيّ مكان، فكم يكون الإنذار بالويل شديداً لمن يسبب العثرات في دور العبادة، فيصدّ الناس عن الصلاة والمناجاة والسجود للربّ. أوَ ما تعلمون أنّ أجسادكم هيكلّ الروح القدس...!؟ " 1 قورنتس 6/19 " عندما نتأمّل بعمق في قول القدِّيس بولس هذا، لا يسعنا إلاّ أن نتعجّب من الكرامة التي يسبغها الله على الإنسان المؤمن، إذ يسكب روحه القدُّوس في جسده ليتحوَّل إلى مسكن للروح القدس أي هيكلّ لله. هذا الهيكل لم يُبنَ من حجارة ميتة، بل من حجارة حيّة كما يقول القدِّيس بطرس: «قدّموا أنفسكم لبناء بيت روحاني للكهنوت المقدّس كيما تقرّبوا ذبائح روحيّة يقبلها الله إكراماً ليسوع المسيح» (1بطرس 2/5). فنحن، يا أحباء الربّ، ولدنا أبناء لله بيسوع المسيح له المجد، لذلك يأتي الله ليفيض روحه علينا، لنتحوَّل إلى هياكل قائمة حيّة للربّ. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل أسلك في حياتي كهيكل للروح القدس. إنّ الحديث ليس مجالاً للغرور والكبرياء، والشعور بالامتياز والتفوّق على الآخرين. بل هو مسؤوليّة عظيمة تحتّم عليّ أن أفهم ما معنى أن أكون هيكلاً للروح القدس. فلا بدّ من التأمّل في مفهوم الهيكل هذا. ? الله حاضر في هيكله. فهل أشهد بأعمالي وتصرّفاتي وأقوالي لحضور الروح القدس في جسدي..؟ ? الهيكل مقام للسجود والتسبيح والتمجيد لعظمة الربّ. فهل جسدي هو مذبح تقام فيه الصلوات والتسابيح، وهيكل قائم حقاً لتمجيد الربّ..؟ ? الهيكل يجمع المؤمنين، ويجتذبهم ويوحّدهم ليكونوا شعباً مقدّساً للربّ. فهل أجمع مع الربّ أم أبدّد..؟ أأنا وسيلة لاجتذاب المؤمنين إلى الربّ، أم لصدّهم وإبعادهم عنه..؟ إنّني أدعو كلّ إخوتي من أحبّاء الربّ يسوع إلى التأمّل في هذه الأسئلة الأساسيّة، التي تمسّ جوهر إيمانهم المسيحي. أمّا الجسد فليس للزنى، بل هو للربّ والربّ للجسد " 1قورنتس 6/13 " يؤكّد القدِّيس بولس في هذه الآية حقيقة أساسيّة، وهي أنّ الجسد هو للربّ، والربّ للجسد، لذلك فهيكل الربّ يجب أن يكون طاهراً مقدساً وبلا عيب، لا مسرحاً أو ملعباً للأهواء والشهوات الدنسة، التي تسبّب العثرات للآخرين، فالربّ هو مخلّص الجسد، وقد دفع ثمن هذا الخلاص بدمه الطاهر على الصليب، لذلك يقول القدِّيس بولس: «فقد اشتُريتم وأُدّي الثمن» (1قورنتس 6/20). فنحن لسنا لأنفسنا بل للربّ. فهل يحق لنا بعدما سمعنا هذا الكلام، أن نجعل من أجسادنا وسائل لزرع الشكوك، وبذر العثرات أمام إخوتنا، فنكون بذلك أدوات سقوطم وهلاكهم. فمجدوا الله في أجسادكم " 1قورنتس 6/20 " يدعونا القدِّيس بولس في هذه الآية المباركة إلى تمجيد الربّ في أجسادنا، فكلّ عضو في جسدنا عليه أن يقوم بتمجيد الربّ، فاليد ترسم إشارة الصليب وتبارك، والرجل تجثو وتسجد للربّ، والعين تغشاها دموع الندامة والتوبة، والأذن تصغي، أمّا القلب فهو ينبض بتمجيد الربّ وتسبيحه، بينما اللسان يهلل ويسبّح والساعدان يرتفعان ليقدّما القلب ذبيحة للربّ. ما أجمل سواعد المؤمنين حين تتشابك على شكلّ سلسلة متصلة، لترفع إلى الآب القدُّوس الصلاة الربي، التي علّمنا إياها السيد المسيح له المجد..! وكيف لا يرقص القلب طرباً، حين يرى جماعة المؤمنين، وهي تهلّل وتصفّق وترفع التسبيح والتمجيد للرب. ألم يرقص يوحنا المعمدان رقصة الفرح في أحشاء أمّه اليصابات حين بلّغته تحيّة الروح القدس، التي حملتها إليه أمّنا العذراء مريم..؟ (لوقا 1/41). أوَ لم يرقص داود النبي أمام تابوت العهد..؟ (2صموئيل 6/5). إنّ القدِّيس بولس يدعونا إلى الفرح بالربّ، فيقول: «افرحوا دائماً في الربّ، وأقول لكم أيضاً: افرحوا» (فيليبي 4/4). فكيف يمكنني أن أعبّر عن فرحي وابتهاجي بالربّ، دون أن تدبّ فيّ حرارة الروح، ورعشة السعادة وحسّ الإنتماء الإلهي، فيتحرك جسدي ليواكب إحساس نفسي، وارتفاع روحي نحو الربّ. هكذا أتحوَّل إلى هيكلّ حيّ قائم للربّ، وشاهد لعطاياه ونعمه ومواهبه. ما أعظم هتافكِ يا والدة الإله وما أروع تسبيحك..! فأنا أتخيّلك وأنتِ ترفعين يديك الطاهرتين نحو السماء وتهتفين: «تعظم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي» (لوقا 1/46-47). وأراك يا مخلّصي وربي يسوع المسيح، وأنتَ تتهلل وتهتزّ طرباً بنفحة من الروح القدس فتقول:«أحمدك يا أبتِ ربّ السماء والأرض، فقد حجبت هذا عن الحكماء والأذكياء، وكشفته للأطفال» (لوقا 10/21). فهل أدركنا ما معنى أن تكون أجسادنا هيكل الروح القدس..؟ إنّ الله لا يحب السُكنى في هياكل حجريّة باردة، بل يتوق باستمرار إلى السكن في قلوبنا، ليقيم فيها عرشه، ويحوّل أجسادنا الخاطئة إلى ملكوت له |
|