|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإفخارستيا عشاء الرب سرّ الخلود وقوة استأصال جذور الشرّ كل مخلوق يبحث دائماً ويُفتش بضرورة احتياجه الطبيعي عن الغذاء الذي يتناسب مع طبيعته ليتقوى وينمو ويقدر على أن يعيش بصحة جيدة تظهر فيه، فالطيور تختلف عن الأسماك وعن الإنسان والحيوان، فكل واحد له غذاءه الخاص الذي يتناسب مع طبيعته المخلوق بها، وهكذا الإنسان نفسه، فالإنسان الذي يحيا حسب الأرض مولود من الناس له طعامه الخاص الذي يتناسب مع طبيعة جسده، أما الإنسان المولود من فوق له غذاء حي آخر فوقاني من عند أبي الأنوار ليتقوى ويحيا حسب ما يتناسب مع حاجة طبعه الجديد الذي ناله من الله في المسيح الذي يستمر في لبسه بقوة التوبة المستديمة: [ وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحق ] (أفسس 4: 24) لذلك من يدخل في سرّ حياة التوبة ويحيا لله بأمانة الإيمان الحي كإنسان جديد مولود من الله، فأن كل اهتمامه الأساسي والرئيسي هو أن يعمل للطعام الذي يُعطيه ابن الإنسان الله الكلمة المتجسد: [ أعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يُعطيكم ابن الإنسان لأن هذا الله الآب قد ختمه ] (يوحنا 6: 27) وعلينا أن ندقق يا إخوتي في كلام الرب يسوع منذ بداية حديثة لنقدر أن نستوعب معنى كلامه لكي يتم استئصال الشرّ من قلوبنا، وننمو نمواً صحيحاً سليماً ناجحاً في حياة التوبة ونحيا كخليقة جديدة تنمو باستمرار وبلا توقف، فأن لم نستوعب كلام الرب لنا لن نقدر أن نحيا حياة مستقيمة حسب ما نلنا منه، لذلك علينا دائماً حينما نقرأ ما يقوله لنا الرب ندقق فيه جيداً جداً ونصغي بآذان قلوبنا لنتعرف على مشيئته بدقة وتدقيق لكي نحيا:
وبعد كلامه المبارك كان اليهود يتذمرون عليه بسبب كلامه على انه الخبز النازل من السماء، لذلك ركز على أنه هو بشخصه وذاته الخبز الحقيقي الحي، ليس خبز الموت الذي يغذي أعضاء الجسد البيولوجية التي تشيخ في النهاية وتفنى في التراب حسب الفساد الذي فيها، بل حسب الإنسان الجديد الذي يتجدد حسب صورة خالقه: [ الحق الحق أقول لكم: "من يؤمن بي فله حياة أبدية، انا هو خبز الحياة، آبائكم أكلوا المن في البرية وماتوا، هذا هو الخبز النازل من السماء (يتكلم عن نفسه) لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم"، فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين: "كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل؟" فقال لهم يسوع: "الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق، من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه، كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب، فمن يأكلني يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كمل أكل آباؤكم المن وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد ] (يوحنا 6: 47 – 58)
لذلك يا إخوتي لن تكون هناك توبة حقيقية مستمرة يُستأصل فيها الشر من جذره إلا بالتناول من المن الحقيقي السماوي الذي يُعطى لنا خلاصاً وغُفراناً للخطايا وحياة أبدية؛ فالتوبة كما رأينا هي حياة تجديد مستمر، أي تبعية الرب في التجديد، ومستحيل تقوى وتُثبت بدون تناول من جسد الرب ودمه حسب إعلانه هو وليس حسب كلام إنسان، لأنه صادق في عطيته، والحياة عادةً تطرد الموت، والنور حينما يُشرق تهرب الظلمة حتماً وبالضرورة، لأنه يبددها:
يقول القديس أمبروسيوس: [ لا يجوز لأي شخص وهو في الخطية (لا يُريد أن يتوب عنها متهاوناً فيها ومستمر بعناد في التلذذ بها لأنها هي حياته).. أن يشترك في الأسرار.. فأن داود يقول في مزموره: "على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا.. كيف نرنم ترنيمة الرب في أرضٍ غريبة" (مزمور 137: 2 و4). أن كان الجسد لا يزال يُقاوم الذهن (الجديد) ولا يخضع لإرشاد الروح القدس، فأنه لا يزال في أرضٍ غريبة، لم يخضع لكفاح المُزارع، لهذا لن يُثمر ثمار المحبة والاحتمال والسلام... فإذا كانت التوبة غير عاملة فيك، فخيرٌ لك ألا تتقدم للأسرار، لئلا تحتاج إلى توبة عن هذه التوبة (المزيفة) الغير عامله، ولكنك تحتاج (وانت على هذه الحال) إلى هذه الكلمات: "انقضوا؛ انقضوا، حتى الأساس منها" (مزمور 137: 7)، وداود يواسي هذه النفس البائسة قائلاً: "يا بنت بابل الشقية". حقاً أنها شقية لأنها بنت بابل، حيث رفضت بنوتها لأورشليم أي السماء (وتمسكت بالخطية في بابل أرض السبي)، ومع ذلك فأنه يدعو لها بالشفاء قائلاً: "طوبى لمن يُكافئك مكافأتك التي جازيتنا. طوبى لمن يُمسك أطفالك ويدفنهم عند الصخرة" (مزمور 127: 9). أي يدفن أفكارهم الفاسدة الدنسة المضادة للمسيح، فقد قيل لموسى: "أخلع نعليك من رجليك" (خروج 3) فكم بالأولى يلزمنا نحن أن نخلع من أرجلنا الروحية رباطات (شهوات) الجسد، ونُنظف خطواتنا من كل ارتباطات العالم ]؛ [ لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم ] (1يوحنا 2: 16) ونجد صدى كلام القديس أمبروسيوس في رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل كورنثوس: [ إذاً من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مُميز جسد الرب، من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون يرقدون. أننا لو حكمنا على أنفسنا لما حُكِمَ علينا. ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب لكي لا نُدان مع العالم ] (1كورنثوس 11: 27 – 32) ولكي نفهم قول الرسول لازم نرجع لما قاله الرب عن الإيمان به أنه هو خبز الحياة، لأن بدون إيمان يستحيل ارضاؤه، فبدون أن يكون لنا رغبة صادقة بنية القلب للتوبة متقدمين بإيمان أن الرب هو حياتنا وترياق الخلود الأبدي، فأن تناولنا سيكون بغير استحقاق لأننا غير مميزين الخبز السماوي النازل من فوق من عند أبي الأنوار ليكون هو حياتنا وغذاءنا الدائم، فلا يظن أحد أنه قادر على اقتلاع جذور الشر في أعماق القلب بأعماله أو قدرته أو بمعرفته أو شطارته، لأن الخطية مرض عضال يصيب النفس ويشل طاقاتها الروحية ويأصل ويجذر فيها الشر والرغبة للخضوع الدائم لها كعبد: [ أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم: "أن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية ] (يوحنا 8: 34)، ومنذ متى كان المريض قادر على تشخيص حاله وشفاء نفسه، لأن في حالة الخطية وتملكها يصبح الإنسان تحت سلطانها الذي يظهر في القلب بالاضطراب الداخلي وعدم الراحة والسلام، بل وقد يصل الإنسان لحد الاكتئاب والحزن المدمر للنفس، وعدم الشعور بالسعادة والانحصار في الذات، لأن نتائج الخطية مرعبة لا تترك النفس أبداً إلى أن تتحطم تحطيماً لتُحفظ للموت الأبدي، مثل الأسد الذي يتربص لفريسته حتى يوقعها في الشرك ولا يتركها إلا مسحوقة العظام جيفة لا أمل فيها ولا رجاء كما قيل عن لِعازر بعد موته 3 أيام: [ قد أنتن ]... ولكن شكراً لله الطبيب الأعظم الذي أتى ليطبب النفوس الشقية المريضة بالخطايا والذنوب، فمجرد أن تشعر النفس بندائه وتُدرك يقيناً حاجتها الشديدة إليه كطبيب فتأتي إليه مسرعة بالإيمان ليُنقذها ويخلصها، فأنه يشدها ويطهرها ويقدسها ويهيأ إنائها ويعطها دواء الخلود لراحتها فيه، أما ان امتنعت أنها تنال الدواء تحت اي حجة فأنها لا تحصل على شفاء تام من شوائب الشر التي تلوثت بها سابقاً قبل أن تتوب وتؤمن، ولذلك يعود الكثيرين بعد إيمانهم للشرّ بسهولة، لأنهم تحت حجج التقوى الغاشة لا يتقدمون للتناول لأنهم يقولون اننا غير مستحقين بعد أن ضعفوا وسقطوا بسبب عدم تحفظهم !!! ولا أدري يا ترى من يقول هذا متى يكون مستحق !!! فلنتب الآن ونؤمن بمسيح القيامة والحياة ونتقدم لنتناول باستمرار ودوام من ترياق الخلود الذي يعمل فينا سراً ويطرد الموت ليثبت فينا الحياة، فعلينا أن نُكمل توبتنا ونوثقها بلا توقف وذلك باستمرار التناول من الخبز الحي السماوي الذي يتناسب مع طبيعتنا الجديدة التي نلناها في معموديتنا، وبذلك نتقوى ولا يغلبنا شر ولا يمس جوهرنا فساد ويظل القلب طاهر مقدس إذ تجذرت وتأصلت فيه حياة الخلود، حياة شخص الرب يسوع نفسه، الذي هو قداستنا وطُهرنا الحقيقي، لأنه يشع فينا نور قداسته وبهائه أن أطعناه وقبلناه طبيب نفوسنا، لأنه هو حياتنا وشفاؤنا ورجاؤنا وقيامتنا كلنا. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
انزع عني جذور الشرّ، فلا تلحق بي اللعنة |
الإفخارستيا : دواء الخلود وترياق عدم الموت |
سر الإفخارستيا هو عشاء العريس قُدِّم للعروس |
كيف تعطي الإفخارستيا الخلود؟ |
كيف تعطي الإفخارستيا الخلود؟ |