|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التواضع
أنقل للقارىء العزيز خبرين، الخبر الأول حدث من عدد سنوات حيث أطلقت عليه صحيفة الأندبندنت البريطانية "الصدمة" وذلك عندما وصل الرئيس الأوروبي "رومانو برودي" إلى لندن للقاء رئيس الوزراء البريطاني، لم يستخدم الضيف السيارات الفارهة التى يستخدمها كبار العاملين في المفوضية الأوروبية، بل أدهش برودي البريطانيين عندما استقل طائرته إلى مطار "جايتويك"، ومنه استقل قطارًا عاديًا، ثم وقف في طابور خاص بالراغبين في استخدام التاكسي لينقله إلى شارع "داونينج ستريت"· وحرص برودي على إلزام سائق التاكسي بتعليمات المرور التي لا تسمح بمرور سيارات التاكسي أمام مقرّ رئيس الوزراء لأسباب أمنية؛ فما كان منه إلا أن نزل من التاكسي، ودفع الأجرة، ثم اتجه سيرًا على قدميه إلى المبنى· استقبل المسئولون برودي بدهشة مصحوبة بالسعادة لتواضع الضيف الكبير في أول زيارة رسمية له إلى بريطانيا عقب توليه المنصب الجديد· أما الخبر الثاني فهو من السماء، من حيث نزل إلينا المسيح الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، » (يوحنا1: 3) بل و«الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ» (كولوسي1: 16 ،17) بل و« الْقَدِيرُ (الذي) لاَ نُدْرِكُهُ.» (أيوب37: 23) أتى بنفسه إلينا· لقد كان مستحيلاً أن يصل الإنسان إلى الله، لكن لم يكن مستحيلاً على الله أن يتنازل وياتي إلينا؛ الساكن «فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ،» (1تيموثاوس6: 16) جاء إلى مساكن المساكين· الذي «إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.» (فيلبي2: 6-8)· إن الإتضاع بالنسبة لنا نحن البشر هو أن ننظر نظرة صحيحة إلى أنفسنا ونعرف أننا «تراب»، وليس معناه أن نحتقر ذواتنا، بل نعرف أننا خطاة خَلُصنا بالنعمة، لذلك لنا قيمة في نظر الله، وهو يُسَرّ أن يستخدمنا في خدمته، ومشاركة الآخرين في محبته، فالاتضاع هو أن لا يرتئي أحد (أي لا يرى نفسه) فوق ما ينبغي أن يرتئي (رومية12: 3)· أما اتضاع المسيح فهو أعظم الأسرار «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، » (1تيموثاوس3: 16)· لقد اتضع المسيح وصار إنسانًا بكل الخصائص الإنسانية فكان: ( 1 ) ينمو: إذ قيل عنه في أيام صباه « وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى » (لوقا2: 40)، مع أنه هو «اللهُ الَّذِي يُنْمِي.» (1كورنثوس3: 7)· ( 2 ) ينام: عندما حدث اضطراب عظيم وغطّت الأمواج السفينة، كان هو نائمًا (متى8: 24)، مع أنه الإله الذي « لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ» (مزمور121: 4)· ( 3 ) يتعب: « تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ،» (يوحنا4: 6)، مع أنه مريح التعابى (متى11: 28)، بل وهو « الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ » (إشعياء40: 22)· ( 4 ) يعطش: قالها من فوق الصليب «أَنَا عَطْشَانُ» (يوحنا19: 28)، مع أنه مروي العطاش (يوحنا7: 37)· ( 5 ) يجرَّب: من إبليس تارة، ومن الفريسيين وغيرهم تارة أخرى (متى4: 3؛ 16: 1) مع أنه الإله الذي: « يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ.» (عبرانيين2: 18)· ( 6 ) يمشي: لقد مشى مع تلميذين عابسين مع أنه الإله «وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ.» (أيوب9: 8)، و«الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ.» (مزمور104: 3)، بل والماشي « فِي طَرِيقِ الْعَدْلِ » (أمثال8: 20)· ( 7 ) يموت: «الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا» (1كورنثوس15: 3)، مع أنه مصدر الحياة، ورئيس الحياة، ومانحها (أعمال 3: 15؛ يوحنا 11: 25)· فما أروع إلهنا في اتضاعه ومحبته لنا! وما أحرانا أن نتعلم منه هذا الدرس الثمين: «تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ (لايجرح أو يُغِضب أحد) وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، (لا يحمل في قلبه بُغضة أو مرارة لأحد)»· فالطريق إلى أعلى يبدأ دائمًا من أسفل· والطريق إلى الله يبدأ حيث الاتضاع الحقيقي والتوبة الحقيقية، وهذا ما أدركه العشار عندما صعد إلى الهيكل مع الفريسي ليصلي « وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ»· فكان تعليق المسيح على هذه الصلاة هو: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (لوقا18: 9-14)· |
|